هدى الرشيد: تطوّر المرأة في مجتمعنا يظهر من خلال تحصيلها العلمي

«الشرق الأوسط» تشارك أول مذيعة سعودية تجربتها وتقارن ما بين إعلام السبعينات واليوم

هدى الرشيد: تطوّر المرأة في مجتمعنا يظهر من خلال تحصيلها العلمي
TT

هدى الرشيد: تطوّر المرأة في مجتمعنا يظهر من خلال تحصيلها العلمي

هدى الرشيد: تطوّر المرأة في مجتمعنا يظهر من خلال تحصيلها العلمي

يحتفل العالم اليوم بـ«يوم المرأة العالمي»... بعطاءات المرأة، وإنجازاتها ومكانتها الاجتماعية التي ثابرت وعملت جاهدة لكي تصل إلى ما هي عليه اليوم. وتجدر الإشارة إلى أنه في دول مثل الصين وروسيا وكوبا تمنح المرأة إجازة في هذا اليوم، الذي بدأ الاحتفال به منذ عام 1945 في باريس إثر عقد أول مؤتمر للاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي.
أسماء نسائية عديدة لمعت في بلداننا العربية، وتبوأت المرأة أرفع المناصب السياسية والاجتماعية في مجتمعاتنا. وشخصياً، فكرت بسيدة وإعلامية لطالما شدني إليها الشغف للتعرف إليها أكثر والتعلم منها ومن مسيرتها المهنية التي بدأت منذ عام 1974.

في «يوم المرأة العالمي» أردت مقابلة هدى الرشيد، أول مذيعة سعودية ظهرت على شاشة «تلفزيون الرياض» لتقديم نشرات الأخبار، وعملت صحافية في صحيفة «عكاظ» منذ عام 1971 ومتعاونة مع إذاعة جدة. ومن ثم، حطّت رحالها في العاصمة البريطانية لندن بعد التحاقها بفريق عمل «بي بي سي» والعمل في القسم العربي فيها. ومع العمل واصلت دراستها العليا، ولعبت دوراً بارزاً في إسهاماتها ونشاطاتها الإذاعية والصحافية ولها عدة مؤلفات.
مقابلة هدى الرشيد ليست بالسهلة، ليس بسبب شهرتها وشعورها بالأهمية، لا بل على العكس تماماً. السبب هو تواضعها الشديد وحرصها على تحاشي الحضور الكثيف في الإعلام... والأهم من هذا كله شخصيتها الناعمة والخجولة وصوتها الدافئ الذي تعلق به السعوديون عبر أثير الإذاعة. ولا عجب في ذلك، وهي صاحبة ذلك الصوت الهادئ والحضور الأنيق والشيق الذي يشدك للتعرف إليها أكثر والتحدث معها وتعلم الكثير من خلال أي محادثة تبدأها معها.
مقابلة «الشرق الأوسط» معها بدأت بشرط منها «لا أريد أن تكون المقابلة عني وعن إنجازاتي». وبالتالي، كان محور اللقاء حول نظرتها تجاه المرأة العربية بشكل عام والسعودية على وجه الخصوص وعن المرأة في يومها. وبدأ الحديث بصفتها أول مذيعة سعودية وأول من تذوق طعم الشهرة الإعلامية في أوائل السبعينات.
سألناها كيف تصنف مكانة المرأة العربية في عالم الصحافة والإعلام والإذاعة اليوم؟ فأجابت: «المرأة العربية مثابرة ومكافحة ولم تتغير في مواقفها للوصول إلى المكانة التي تليق بها. ولكن الإعلام هو الذي تغير... ليس في جله بل في كثير منه، إذ أصبح بلا حياء ويلهث وراء المظهر لا الجوهر للأسف... فضاعت المرأة في دهاليزه. أنا لا أعمم. طبعاً، هناك إعلام مستواه رفيع والمرأة معززة من خلاله».

تطور دور المرأة السعودية
وعن كونها امرأة عملت في مجال الإذاعة والتلفزيون بالسعودية في وقت كان هذا العمل في هذا المجال حكراً على الرجال، سألناها عن العراقيل التي واجهتها في بداية مشوارها المهني الذي يعد ذكورياً، فأجابت بصراحة قائلة: «كل العراقيل واجهتني، فقد كنت أسير ضد التيار وحوربت في بداية الطريق فتركت الجمل بما حمل وهاجرت وأصبحت الهجرة ملاذي. ولكن لم يفارقني الأمل في خضم معاناتي بأنني سأحقق آمالي، والتوفيق من الله والحمد والشكر له على الدوام».
دور المرأة في المجتمع السعودي تطور كثيراً، وعن السبب تقول الرشيد إن «تقدم المرأة السعودية في المجتمع يظهر من خلال تحصيلها العلمي، خريجات المدارس والجامعات والدراسات العليا جلي للعيان، وهن اليوم يزاولن الأعمال بجدارة ولكن ينقص المرأة السعودية - وسأقولها بالعامية (الدفة) أو الدَّفعة. وسأعود لهذه النقطة من خلال إجابتي عن أسئلتك».
على الرغم من حصول المرأة على كثير من حقوقها، فإنها على مستوى كثير من دول العالم تبقى غير متوازية مع الرجل. على الأقل هذا ما تؤكده الدراسات واستطلاعات الرأي التي تؤكد أن الرجال ما زالوا يتقاضون رواتب تفوق النساء في المناصب حتى في بعض الدول الغربية بنسبة أقلها 25 في المائة. وعن هذه النقطة تقول الرشيد: «الاحتفال بيوم المرأة شيء وحصولها على حقوقها وكاملة شيء آخر، إلا أنني قبل أن أسترسل، أحب أن أحيي صاحب الفكرة العبقرية في جريدة (الشرق الأوسط) الذي قرّر أن يخصص عدد اليوم للمرأة من خلال كتابات بقلم المرأة. لفتة مقدرة لم تطرح حتى في الغرب. ولكن عودة إلى سؤالك لحصول المرأة على حقوقها كاملة، ما على الرجل إلا أن يطرح على نفسه هذا السؤال البسيط لتتساوى الكفة: من ينجب من؟؟».
وتطرّق الحوار إلى وسائل التواصل الاجتماعي التي تلعب دوراً مهماً في حياتنا اليوم وتهيمن على الإعلام، فسألناها: هل غيرت منصات التواصل الاجتماعي من أدبيات الصحافة والإعلام؟ اكتفت الرشيد بردٍ قصير ووافٍ: «... زادتها بهرجة». وتابعت: «المرأة وبغض النظر عن جنسيتها لا تزال تعامل بشكل مختلف عن الرجل في أماكن العمل، تعمل جاهدة لكي تثبت مهاراتها، ويكون مدخولها أقل كما أشرنا آنفاً. وهذه مشكلة لا يعاني منها العالم العربي فقط إنما يحاولون أيضاً في الغرب جاهدين للتغلب عليها وهم يحققون بعض النجاحات».
ولدى الحديث عن ولادة اسم هدى الرشيد في مطلع السبعينات، قبل ولادة التواصل الاجتماعي والاعتماد الكامل على الإنترنت، طرح السؤال نفسه عما إذا كانت ممتنة بأن مشوارها المهني بدأ حينها، بدلاً من أن يكون في حقبتنا الإعلامية الحالية. عن هذه النقطة تقول: «لكل زمن نكهته الخاصة وأنا سعيدة أنني من الجيل الذي كنته ولا أتمنى تغيير أي شيء في سيرتي الإعلامية، والإعلام والإذاعة كانا وما زالا حلم حياتي... وهنا أنصح المرأة العربية التي تبحث عن هوية مهنية في أي مضمار بالمثابرة والاستمرار ورفض الاستسلام لليأس».

مستقبل السعودية والسعوديات
وسألناها عن نظرتها إلى مستقبل السعوديات والسعودية بعد الانفتاح والتقدم على يد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فأجابت هدى الرشيد: «أنا سعيدة بهذا السؤال. وأعود بك إلى سؤالك عن مدى تطور المرأة السعودية في المجتمع وكونها تحتاج إلى (دفة) أو دفعة. الانفتاح والتقدم اللذان أحرزا على يد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بالنسبة للمرأة خصوصاً والمجتمع عموماً، هما هذه الدفعة. ليست المرأة السعودية فقط مَن كانت بحاجة إليها، بل الرجل قبلها والمجتمع كله الذي بدأ ينتعش ويتقدم بخطى ثابتة. أرى المستقبل باهراً للمرأة والرجل والسعودية بإذن الله».
وانتقلنا، في ظل رواج الإعلام الافتراضي والرقمي، لسؤالها عن توقّعاتها لمستقبل الإعلام في منطقتنا العربية سيكون مختلفاً، فردت بالقول: «نحن في مستهل الطريق... لا أحد يدري ماذا بعد الافتراضي والأرقام، وماذا عن الذكاء الذي نصنعه؟ هل سيتغلب علينا أم سنتمكن من إبقائه تحت السيطرة؟ عموماً تروق لي فكرة الروبوت الذي يؤدي بعض المهام المنزلية وفي المكاتب، ولكن مع ذلك، الله يستر... ترى من سيتغلب على من في النهاية؟!».
في نهاية اللقاء، كان لا بد من كلمة تقولها هدى الرشيد للمرأة في يومها، فقالت: «أعود لأكرر متسائلة: مَن ينجب مَن؟ وحتى إن لم تنجب المرأة فالسؤال الذي يطرح بمفهومه الأوسع: مَن يحتوي مَن؟».

هدى الرشيد في سطور

> من مدينة عنيزة في القصيم
> بدأت حياتها العملية في عقد السبعينات إعلامية متعاونة مع إذاعة جدة لمدة سنتين، كما شاركت في تحرير صفحة أسبوعية في صحيفة «عكاظ» بين 1971 و1974.
> انتقلت إلى بريطانيا لتعمل في القسم العربي من هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، ومتابعة تعليمها الجامعي.
> حصلت على البكالوريوس في الآداب من جامعة باكنغهام عام 1992. ثم واصلت دراستها العليا فنالت درجة الماجستير في الإعلام من جامعة لندن (كلية غولدسميث) عام 1993، ثم حصلت على درجة ماجستير ثانية في اللغويات والترجمة من جامعة لندن (معهد الدراسات الشرقية والأفريقية «سواس»).
> ألفت روايتين «غداً سيكون الخميس» (1975)، و«عبث» (1980)، ومسرحية «طلاق» (1992)، ونشرتها كلها دار روز اليوسف.


مقالات ذات صلة

امرأة تلد في سن الـ61 وتصبح أكبر أم جديدة في مقدونيا الشمالية

يوميات الشرق امرأة مع طفلها المولود (رويترز - أرشيفية)

امرأة تلد في سن الـ61 وتصبح أكبر أم جديدة في مقدونيا الشمالية

أصبحت سيدة تبلغ 61 عاماً أكبر امرأة تلد طفلاً في مقدونيا الشمالية، وفق ما أعلنت السلطات الصحية في الدولة الواقعة في منطقة البلقان الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (سكوبيي (مقدونيا الشمالية))
شؤون إقليمية رئيس حزب الحركة القومية دولت بهشلي الحليف الأقرب لإردوغان متحدثاً أمام نواب حزبه بالبرلمان الثلاثاء (حزب الحركة القومية)

حليف إردوغان يؤكد دعوة أوجلان للبرلمان ويتخلى عن إطلاق سراحه

زاد رئيس حزب الحركة القومية دولت بهشلي الجدل المثار حول دعوته زعيم حزب العمال الكردستاني السجين عبد الله أوجلان للحديث بالبرلمان وإعلان حل الحزب وانتهاء الإرهاب

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
يوميات الشرق جانب من جلسة في دورة سابقة لمنتدى المرأة العالمي في دبي (الشرق الأوسط)

منتدى المرأة العالمي ينطلق اليوم في دبي ويناقش دورها في 3 محاور رئيسية

ينطلق منتدى المرأة العالمي دبي 2024 اليوم ويناقش محاور رئيسية ذات أبعاد استراتيجية تتعلق بدور المرأة العالمي ويبحث اقتصاد المستقبل والمسؤوليات المشتركة.

مساعد الزياني (دبي)
شؤون إقليمية إردوغان خلال استقباله الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته بالقصر الرئاسي في أنقرة الاثنين (الرئاسة التركية)

إردوغان بحث مع روته القضايا الأمنية والإقليمية المهمة لـ«الناتو»

بحث الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) مارك روته عدداً من الملفات الأمنية والقضايا التي تهم الحلف.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
يوميات الشرق في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)

3 سيّدات يروين لـ«الشرق الأوسط» رحلة الهروب من عنف أزواجهنّ

«نانسي» و«سهى» و«هناء»... 3 أسماء لـ3 نساءٍ كدن يخسرن حياتهنّ تحت ضرب أزواجهنّ، قبل أن يخترن النجاة بأنفسهنّ واللجوء إلى منظّمة «أبعاد».

كريستين حبيب (بيروت)

كيف يؤطّر الإعلام المعارك ويتلاعب بسردياتها؟

دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
TT

كيف يؤطّر الإعلام المعارك ويتلاعب بسردياتها؟

دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)

سواء في الحرب الروسية - الأوكرانية، أو الحروب المشتعلة في الشرق الأوسط راهناً، لعب الإعلام دوراً مثيراً للجدل، وسط اتهامات بتأطير مخاتل للصراعات، وصناعة سرديات وهمية.

هذا الدور ليس بجديد على الإعلام، حيث وثَّقته ورصدته دراسات دولية عدة، «فلطالما كانت لوسائل الإعلام علاقة خاصة بالحروب والصراعات، ويرجع ذلك إلى ما تكتسبه تلك الحروب من قيمة إخبارية بسبب آثارها الأمنية على الجمهور»، حسب دراسة نشرتها جامعة كولومبيا الأميركية عام 2000.

الدراسة أوضحت أن «الصراع بمثابة الأدرينالين في وسائل الإعلام. ويتم تدريب الصحافيين على البحث عن الخلافات والعثور على الحرب التي لا تقاوم. وإذا صادفت وكانت الحرب مرتبطة بهم، يزداد الحماس لتغطيتها».

لكنَّ الأمر لا يتعلق فقط بدور وسائل الإعلام في نقل ما يدور من أحداث على الأرض، بل بترويج وسائل الإعلام لروايات بعضها مضلِّل، مما «قد يؤثر في مجريات الحروب والصراعات ويربك صانع القرار والمقاتلين والجمهور والمراقبين»، حسب خبراء وإعلاميين تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، وأشاروا إلى أن «الإعلام في زمن الحروب يتخندق لصالح جهات معينة، ويحاول صناعة رموز والترويج لانتصارات وهمية».

يوشنا إكو

حقاً «تلعب وسائل الإعلام دوراً في الصراعات والحروب»، وفق الباحث الإعلامي الأميركي، رئيس ومؤسس «مركز الإعلام ومبادرات السلام» في نيويورك، يوشنا إكو، الذي قال إن «القلم أقوى من السيف، مما يعني أن السرد حول الحروب يمكن أن يحدد النتيجة».

وأشار إلى أن قوة الإعلام هي الدافع وراء الاستثمار في حرب المعلومات والدعاية»، ضارباً المثل بـ«الغزو الأميركي للعراق الذي استطاعت إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش تسويقه للرأي العام الأميركي باستخدام وسائل الإعلام».

وأضاف إكو أن «وسائل الإعلام عادةً ما تُستخدم للتلاعب بسرديات الحروب والصراعات للتأثير في الرأي العام ودفعه لتبني آراء وتوجهات معينة»، مشيراً في هذا الصدد إلى «استخدام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وسائل الإعلام لتأطير الحرب ضد أوكرانيا، وتصويرها على أنها عملية عسكرية وليست حرباً».

لكنَّ «الصورة ليست قاتمة تماماً، ففي أحيان أخرى تلعب وسائل الإعلام دوراً مناقضاً»، حسب إكو، الذي يشير هنا إلى دور الإعلام «في تشويه سمعة الحرب الأميركية في فيتنام مما أجبر إدارة الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون على الاعتراف بالخسارة ووقف الحرب».

وبداية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عُقدت الحلقة الدراسية الإعلامية الدولية الثلاثية للأمم المتحدة حول السلام في الشرق الأوسط بجنيف، لبحث التحديات في متابعة «حرب غزة». وأشارت المناقشات إلى «تأطير الإعلام إسرائيل على أنها بطل للرواية، حيث تكون إسرائيل هي الأخيار وفلسطين وحماس الأشرار»، ولفتت المناقشات إلى أزمة مماثلة خلال تغطية الحرب الروسية - الأوكرانية. وقالت: «من شأن العناوين الرئيسية في التغطية الإعلامية أن تترك المرء مرتبكاً بشأن الوضع الحقيقي على الأرض، فلا سياق للأحداث».

ستيفن يونغبلود

وهنا، يشير مدير ومؤسس «مركز صحافة السلام العالمية» وأستاذ الإعلام ودراسات السلام في جامعة بارك، ستيفن يونغبلود، إلى أن «الصحافيين يُدفعون في أوقات الحروب إلى أقصى حدودهم المهنية والأخلاقية». وقال: «في هذه الأوقات، من المفيد أن يتراجع الصحافي قليلاً ويأخذ نفساً عميقاً ويتمعن في كيفية تغطية الأحداث، والعواقب المترتبة على ذلك»، لافتاً في هذا الصدد إلى «صحافة السلام بوصفها وسيلة قيمة للتأمل الذاتي». وأضاف أن «الإعلام يلعب دوراً في تأطير الحروب عبر اعتماد مصطلحات معينة لوصف الأحداث وإغفال أخرى، واستخدام صور وعناوين معينة تخدم في العادة أحد طرفي الصراع».

وتحدث يونغبلود عن «التباين الصارخ في التغطية بين وسائل الإعلام الغربية والروسية بشأن الحرب في أوكرانيا»، وقال إن «هذا التباين وحرص موسكو على نشر سرديتها على الأقل في الداخل هو ما يبرر تأييد نحو 58 في المائة من الروس للحرب».

أما على صعيد «حرب غزة»، فيشير يونغبلود إلى أن «أحد الأسئلة التي كانت مطروحة للنقاش الإعلامي في وقت من الأوقات كانت تتعلق بتسمية الصراع هل هو (حرب إسرائيل وغزة) أم (حرب إسرائيل وحماس)؟». وقال: «أعتقد أن الخيار الأخير أفضل وأكثر دقة».

ويعود جزء من السرديات التي تروجها وسائل الإعلام في زمن الحروب إلى ما تفرضه السلطات عليها من قيود. وهو ما رصدته مؤسسة «مراسلون بلا حدود»، في تقرير نشرته أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أشارت فيه إلى «ممارسة إسرائيل تعتيماً إعلامياً على قطاع غزة، عبر استهداف الصحافيين وتدمير غرف الأخبار، وقطع الإنترنت والكهرباء، وحظر الصحافة الأجنبية».

خالد القضاة

الصحافي وعضو مجلس نقابة الصحافيين الأردنيين، خالد القضاة، يرى أن «الدول والمنظمات التي تسعى لفرض الإرادة بقوة السلاح، عادةً ما تبدأ حروبها بالإعلام». وأوضح أن «الإعلام يُستخدم لتبرير الخطوات المقبلة عبر تقديم سرديات إما مشوَّهة وإما مجتزَأة لمنح الشرعية للحرب».

وقال: «في كثير من الأحيان تُستخدم وسائل الإعلام للتلاعب بالحقائق والشخوص وشيطنة الطرف الآخر وإبعاده عن حاضنته الشعبية»، وأشار إلى أن ذلك «يكون من خلال تبني سرديات معينة والعبث بالمصطلحات باستخدام كلمة عنف بدلاً من مقاومة، وأرض متنازع عليها بدلاً من محتلة».

وأضاف القضاة أن «تأطير الأحداث يجري أيضاً من خلال إسباغ سمات من قبيل: إرهابي، وعدو الإنسانية، على أحد طرفَي الصراع، ووسم الآخر بـ: الإصلاحي، والمدافع عن الحرية، كل ذلك يترافق مع استخدام صور وعناوين معينة تُسهم في مزيد من التأطير»، موضحاً أن «هذا التلاعب والعبث بسرديات الحروب والصراعات من شأنه إرباك الجمهور والرأي العام وربما التأثير في قرارات المعارك ونتائجها».

ولفت إلى أنه «قياساً على الحرب في غزة، يبدو واضحاً أن هذا التأطير لتغليب السردية الإسرائيلية على نظيرتها في الإعلام الغربي». في الوقت نفسه أشار القضاة إلى «إقدام الإعلام على صناعة رموز والحديث عن انتصارات وهمية وزائفة في بعض الأحيان لخدمة سردية طرف معين، وبث روح الهزيمة في الطرف الآخر».

منازل ومبانٍ مدمَّرة في مخيم المغازي للاجئين خلال العملية العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة (إ.ب.أ)

كان «مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية» قد أشار في تقرير نشره في ديسمبر (كانون الأول) 2023، إلى أن «اللغة التحريضية لتغطية وسائل الإعلام الأميركية للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي تؤثر في تصور المجتمعات المختلفة بعضها لبعض ويمكن أن تكون سبباً لأعمال الكراهية». وأضاف: «هناك تحيز في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي بهدف إثارة رد فعل عاطفي، بدلاً من تقديم رؤية حقيقية للأحداث».

حسن عماد مكاوي

عميد كلية الإعلام الأسبق بجامعة القاهرة، الدكتور حسن عماد مكاوي، يرى أن «توظيف الدول وأجهزة الاستخبارات لوسائل الإعلام أمر طبيعي ومتعارف عليه، لا سيما في زمن الحروب والصراعات». وقال إن «أحد أدوار الإعلام هو نقل المعلومات التي تؤثر في اتجاهات الجماهير لخدمة أهداف الأمن القومي والسياسة العليا». وأضاف أن «وسائل الإعلام تلعب هذا الدور بأشكال مختلفة في كل دول العالم، بغضّ النظر عن ملكيتها، وانضمت إليها حديثاً وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يجري توظيف شخصيات تبدو مستقلة للعب نفس الدور ونقل رسائل الدولة أو الحكومة».

وأشار مكاوي إلى أن «هذه العملية لا تخلو من ترويج الشائعات ونشر أخبار مضللة، والتركيز على أمور وصرف النظر عن أخرى وفق أهداف محددة مخططة بالأساس». وضرب مثلاً بـ«حرب غزة» التي «تشهد تعتيماً إعلامياً من جانب إسرائيل لنقل رسائل رسمية فقط تستهدف تأطير الأحداث في سياق معين».