غادة والي: «كورونا» أظهر مرونة المرأة في التفاعل مع التحديات

وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة تحدثت لـ«الشرق الأوسط» عن أضرار الجائحة على النساء

الدكتورة غادة والي وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة والمديرة التنفيذية لـمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة
الدكتورة غادة والي وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة والمديرة التنفيذية لـمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة
TT

غادة والي: «كورونا» أظهر مرونة المرأة في التفاعل مع التحديات

الدكتورة غادة والي وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة والمديرة التنفيذية لـمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة
الدكتورة غادة والي وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة والمديرة التنفيذية لـمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة

فرضت جائحة «كوفيد - 19» تحديات إضافية على العالم عموماً، وعلى المرأة بشكل خاص، حيث «شكّلت النساء نسبة الثلثين من بين الملايين الذين فقدوا وظائفهم على مستوى العالم»، حسب الدكتورة غادة والي، وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة والمديرة التنفيذية لـ«مكتب الأمم المتحدة المعنيّ بالمخدرات والجريمة» والمدير العام لمكتب المنظمة الدولية في فيينا، والتي قالت في حوارها مع «الشرق الأوسط»، إن «كثيراً من الفتيات تركن التعليم بسبب الوباء، ونسبة كبيرة منهن في مختلف دول العالم لن يعدن إلى مقاعد الدراسة في حال إعادة فتح المدارس لأنهن انخرطن في العمل المنزلي أو الزراعي أو تزوجن مبكراً».
- تحديات الجائحة
وأكدت والي أن «النساء دائماً هنّ الأكثر تأثّراً كلما زادت الضغوط الاقتصادية أو تعرّض العالم لأزمات اقتصادية أو اجتماعية أو حروب وصراعات وانعدام الأمن، لأنهن الحلقة الأضعف في المجتمع، وهو ما أدى إلى زيادة تعرض النساء لجرائم الاتجار بالبشر، وزيادة استغلالهن جنسياً وفي العمل بالسُّخرة، مع ظروف الوباء»، مشيرة إلى أن «التحديات والضغوط التي كانت قائمة بالنسبة للمرأة، زادت واستفحلت بسبب الجائحة».
وعلى مستوى الجريمة، أشارت المديرة التنفيذية لمكتب الأمم المتحدة المعنيّ بالمخدرات والجريمة، إلى أنه على الرغم من أن «الجائحة قلّلت من جرائم مثل سرقات المنازل؛ فإنها في المقابل زادت بعض الأشكال الأخرى من الجريمة مثل الجرائم عبر الإنترنت والاعتداء على الحياة البرية، وكذلك العنف الأسري خصوصاً ضد المرأة، كما أن تصنيع وتهريب المخدرات شهدا تغيرات، حيث انخفضت معدلات التهريب عبر المطارات نتيجة إغلاقها، وبالتالي زاد تصنيع المخدرات المخلّقة من مواد كيميائية ضارة»، حسب والي التي أكدت أنه «كلما زاد الفقر والضغوط الاقتصادية والاجتماعية، زاد العنف في المجتمع وزادت نسب الجريمة، وتعرض الشباب لخطر الانجذاب إلى العمل مع عصابات الجريمة المنظمة بسبب الفقر والبطالة».
وشكّلت الجائحة تحدياً شخصياً بالنسبة لوالي التي تسلمت عملها في الأمم المتحدة في فبراير (شباط) 2020. وقالت: «نحن نعمل في ظروف غريبة وغير تقليدية، فبالإضافة إلى واجبنا نحو الدول الأعضاء وخدمة المجتمعات وتقديم الدعم الفني أو التدريب أو المساعدة في صياغة التشريعات، كان علينا حماية آلاف العاملين الذين يمثلون (المكتب الأممي المعنيّ بالجريمة والمخدرات) في أكثر من 103 دول، من خطر العدوى، وتوفير الرعاية الصحية لهم عن المرض»، مستطردة: «فرضت الجائحة تحديات جديدة وتغيرات في مجالات عمل وولاية مكتبنا، وهو ما دفعنا لإصدار مجموعة من أوراق العمل والسياسات التي ترصد هذه التغييرات وإصدار أدلة علمية تساعد الحكومات على رصد الأدوية المزورة أو التطعيمات الفاسدة، والوقوف أمام محاولات الفساد في توزيع الدعم النقدي وحزم الحماية النقدية التي نفّذتها دول كثيرة، إضافةً إلى عمل مجموعة أوراق سياسات ترصد العنف ضد المرأة وكيف يمكن للمرأة مواجهته في ظل توجيه قوات إنفاذ القانون جهودها نحو حظر التجول أو إغلاق الحدود وغيرها من الإجراءات التي فرضها الوباء».
- السيدات ومناصب القيادة
وتُعد والي أول سيدة تشغل منصب مدير مكتب الأمم المتحدة المعنيّ بالمخدرات والجريمة، لكنّ هذا «لم يشكل عبئاً أو مسؤولية إضافية، فالمسؤوليات المهنية واحدة للرجال والنساء»، على حد تعبيرها، لكنها ترى أنه «عندما تتولى سيدة منصب ما لأول مرة، يكون هناك قدر كبير من الترصد والمتابعة لأدائها، وتساؤلات حول قدرتها على إدارة منظمة اعتاد الرجال إدارتها، وهذا يفرض عليها بذل أقصى مجهود لإثبات جدارتها، خصوصاً أن طبيعة عمل المكتب والموضوعات المعنيّ بها هي موضوعات كانت دائماً مقصورة على الرجال، فالعمل في مجالات القضاء والشرطة والأمن والحماية والمخدرات ومكافحة الإرهاب والجريمة مجالات بحكم طبيعتها كانت مقصورة على الرجال».
وأكدت والي أنه «بطبيعة نشأتها وتعليمها وتربيتها لم تشعر أبداً بأي نوع من الضغوط الإضافية بسبب كونها امرأة»، لكنها تدرك أن «المرأة تواجه نوعاً من التحدي عندما يكون لديها أسرة، حيث يتوقع منها المجتمع أن تحقق قدراً من التوزان بين البيت والعمل، وهي أيضاً تكون لديها رغبة في تحقيق هذه المعادلة».
وشددت والي على أنها «لم تتعرض طوال مسيرتها المهنية لأي نوع من الاضطهاد بسبب كونها أنثى، وإن كانت تشعر بنبرة دهشة في بعض المحافل»، مشيرة إلى أن «لدى المرأة مهارات تمكّنها من أداء وظائف متعددة في وقت واحد وأحياناً بجهد أقل من الرجال لكونها تدربت على القيام بعدة أدوار في وقت واحد وهي دور الرعاية الأسرية ودور العمل والمهنة».
- التعليم والعمل
وبشأن ما تشعر به النساء من تمييز أحياناً، قالت والي إن «هذا رد فعل طبيعي لما يفرضه المجتمع من ضغوط على المرأة، لأنها تكون دائماً تحت المنظار، فإذا وجدنا نساء في البرلمان أو في منصب المحافظ، نسمع من يقول: (سنراقب أداءهن) ولا يحدث هذا مع الرجال؛ فالمجتمع يرسم صوراً نمطية عن المرأة، ويفرض ضغوطاً عليها، وعندما تشعر النساء بأنهن مضطرات للافتعال والإرضاء لا يستطعن التركيز في عملهن».
وأكدت والي أن «التعليم والعمل هما الحماية الأساسية للمرأة، ودونهما تكون النساء في مهبّ الريح». وقالت: «قد تفقد المرأة الزوج أو الأب، فتجد نفسها دون حماية، ولن يسندها إلا عملها وتعليمها وثقتها بنفسها».
ورغم التحديات التي فرضتها «كورونا»، فإن والي تلفت إلى أن «هذه الفترة أظهرت أن الدول التي تقودها نساء كانت أفضل في التفاعل مع الوباء لتمتعهن بقدر من المرونة وقدرتهن على الاستماع والإنصات لمشكلات المجتمع»، مشيرةً إلى أن «العالم يحتفل بيوم المرأة العالمي هذا العام تحت شعار المرأة في مقاعد القيادة، وهناك تركيز على القائدات».
وتُذكّر والي بأن «النساء في المنطقة العربية عانين لسنوات من التهميش، والحرمان من التعليم والتدريب، وإذا كنّ أقل قدرة على شغل مناصب قيادية؛ فالسبب قلة عدد المتعلمات المتدربات اللاتي يعملن في المجال العام، وليس نوعهن الاجتماعي».
- برنامج «تكافل وكرامة»
وتفخر والي ببرنامج «تكافل وكرامة» الذي نفّذته في مصر، في أثناء توليها منصب وزيرة التضامن الاجتماعي، وهو البرنامج الذي تمت الإشادة به من جميع الجهات الدولية وعُدّ ضمن أفضل البرامج التي نفّذها البنك الدولي، وتعدّه والي أهم إنجازاتها، موضحةً أنها «نجحت في تنفيذ أكبر مشروع دعم نقدي في العالم في أقصر مدة، قدم الدعم لأكثر من ثلاثة ملايين أسرة مصرية، أي نحو 15 مليون مواطن، في وقت كانت الدولة تنفّذ إجراءات إصلاح اقتصادي قاسية جداً».
وقالت: «استطعت توفير مظلة حماية اجتماعية في وقت قصير غطت خمسة آلاف قرية ونجع، وخصصت الدعم للمرأة في الأسرة، ومنحتها المساندة الاقتصادية في وقت صعب، وكان (تكافل وكرامة) واحداً من أهم شروط نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي، من خلال توفير مظلة حماية اجتماعية».


مقالات ذات صلة

«قذرات غبيات»… بريجيت ماكرون تأسف إذا آذت نساءً ضحايا عنف جنسي

أوروبا بريجيت ماكرون زوجة الرئيس الفرنسي تصل إلى مراسم إحياء الذكرى العاشرة لهجمات إرهابية في باريس... 13 نوفمبر 2025 (أ.ب)

«قذرات غبيات»… بريجيت ماكرون تأسف إذا آذت نساءً ضحايا عنف جنسي

قالت بريجيت ماكرون، زوجة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إنها تشعر بـ«الأسف» إذا كانت تصريحاتها قد آذت نساءً تعرّضن للعنف الجنسي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
آسيا دعت الأمم المتحدة الأحد سلطات «طالبان» إلى رفع حظر تفرضه منذ 3 أشهر على عمل موظفاتها الأفغانيات في مقراتها في أفغانستان (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة تدعو «طالبان» إلى السماح للأفغانيات بالعمل في مكاتبها

دعت الأمم المتحدة، الأحد، سلطات «طالبان» إلى رفع حظر تفرضه منذ 3 أشهر على عمل موظفاتها الأفغانيات في مقراتها في أفغانستان.

«الشرق الأوسط» (كابول)
صحتك سيدة تعمل في منزلها وأمامها طفلها في هولندا (أرشيفية - رويترز)

دراسة تكشف: العمل من المنزل يُعزز الصحة النفسية للنساء أكثر من الرجال

وجدت دراسة تمت على أكثر من 16 ألف عامل في أستراليا أن العمل من المنزل يُعزز الصحة النفسية للنساء أكثر من الرجال.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق إطلاق حملة  لمناهضة التنمر الرقمي ضد النساء (مكتبة الإسكندرية)

مكتبة الإسكندرية تكتسي بـ«البرتقالي» لمناهضة العنف ضد المرأة

اكتست مكتبة الإسكندرية باللون البرتقالي مساء الاثنين للتعبير عن التضامن العالمي لإنهاء أشكال العنف كافة ضد النساء والفتيات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
تحليل إخباري لاغارد تتحدث إلى وسائل الإعلام بعد اجتماع مجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي (رويترز)

تحليل إخباري تغيير «الحرس» في «المركزي الأوروبي»... التنوع أول ضحاياه

شرع مسؤولون بمنطقة اليورو في عملية تستغرق عامين لاستبدال غالبية أعضاء المجلس التنفيذي للبنك المركزي الأوروبي، بما في ذلك الرئيسة كريستين لاغارد.

«الشرق الأوسط» (فرنكفورت)

العليمي يتابع مستوى إعادة تطبيع الأوضاع في حضرموت

موالون للمجلس الانتقالي الداعي إلى استعادة الدولة التي كانت قائمة في جنوب اليمن قبل 1990 (أ.ف.ب)
موالون للمجلس الانتقالي الداعي إلى استعادة الدولة التي كانت قائمة في جنوب اليمن قبل 1990 (أ.ف.ب)
TT

العليمي يتابع مستوى إعادة تطبيع الأوضاع في حضرموت

موالون للمجلس الانتقالي الداعي إلى استعادة الدولة التي كانت قائمة في جنوب اليمن قبل 1990 (أ.ف.ب)
موالون للمجلس الانتقالي الداعي إلى استعادة الدولة التي كانت قائمة في جنوب اليمن قبل 1990 (أ.ف.ب)

على خلفية التوترات التي شهدتها المحافظات الشرقية في اليمن، أجرى رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، الخميس، اتصالاً هاتفياً بمحافظ حضرموت سالم الخنبشي؛ لمتابعة الأوضاع الأمنية والمعيشية في المحافظة، والاطلاع على مستوى التقدم في الجهود الجارية لإعادة تطبيع الأوضاع، وبما يضمن استقرار المحافظة واستمرار عمل مؤسسات الدولة. وفق ما أفاد به الإعلام الرسمي.

وخلال الاتصال، استمع العليمي إلى تقرير من المحافظ الخنبشي حول مستجدات الوضع العام في حضرموت، وسير عمل السلطات المحلية في ظل التطورات الأخيرة، والإجراءات المتخذة للحفاظ على الأمن والسكينة العامة، وضمان استمرار تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين.

وأكد العليمي دعم الدولة الكامل لقيادة السلطة المحلية في محافظة حضرموت، وتمكينها من أداء مهامها وصلاحياتها القانونية في رعاية المصالح العامة، وتعزيز حضور مؤسسات الدولة، بما يرسخ الأمن والاستقرار، ويحمي النظام والقانون.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

وشدد رئيس مجلس القيادة على مكانة حضرموت في المعادلة الوطنية، بصفتها ركناً أساسياً في مسار التعافي والاستقرار الوطني، ونموذجاً للتعايش والسلم الاجتماعي، مؤكداً التزام الدولة بحماية أمنها واستقرارها، وصون مصالح أبنائها، والحفاظ على خصوصيتها ووحدة نسيجها الاجتماعي.

وجدد العليمي موقف الدولة الرافض لأي إجراءات خارج الصلاحيات الحصرية المنصوص عليها في الدستور والقانون ومرجعيات المرحلة الانتقالية، وفي مقدمها إعلان نقل السلطة، واتفاق الرياض، مؤكداً ضرورة الالتزام بهذه المرجعيات بصفتها الإطار المنظم للعمل السياسي والأمني.

إشادة بجهود التحالف

أشاد العليمي خلال الاتصال بالجهود التي يبذلها تحالف دعم الشرعية، بقيادة السعودية والإمارات، لإعادة تطبيع الأوضاع في المحافظات الشرقية إلى سابق عهدها، وحرصهم على حماية التوافق القائم، وتجنب أي تداعيات من شأنها الإضرار بمصالح الشعب اليمني ومفاقمة معاناته الإنسانية.

وأفاد الإعلام الرسمي بأن رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي جدد توجيهاته بضرورة توثيق جميع انتهاكات حقوق الإنسان التي رافقت الإجراءات الأحادية في محافظة حضرموت، وفتح تحقيق شامل بشأنها، ومساعدة المواطنين المتضررين، وضمان المحاسبة والمساءلة، وعدم إفلات مرتكبي تلك الانتهاكات من العقاب.

موكب خلال مسيرة في محافظة لحج جنوب اليمن دعماً للمجلس الانتقالي الجنوبي (أ.ف.ب)

وثمّن وعي أبناء حضرموت ومواقفهم في تغليب المصلحة العامة، والالتفاف حول قيادة السلطة المحلية، وتفويت الفرصة على الجماعات والميليشيات المتربصة بأمن المحافظة واستقرارها، مؤكداً أن حضرموت ستظل ركيزة للدولة والتنمية، وسيادة النظام والقانون.

لقاء خليجي في الرياض

كان رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني استقبل في الرياض الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية جاسم محمد البديوي؛ لبحث تطورات الأوضاع في اليمن، والجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى خفض التصعيد، وتعزيز فرص الاستقرار.

وأكد العليمي خلال اللقاء عمق العلاقات بين اليمن ومنظومة مجلس التعاون، معبراً عن تقديره لمواقف المجلس وأمانته العامة الداعمة للشعب اليمني وشرعيته الدستورية، ودوره في مناصرة القضية اليمنية سياسياً ودبلوماسياً، والحفاظ على حضور اليمن في الأجندة الإقليمية والدولية.

وأشار إلى أن اليمن يمثل العمق الاستراتيجي الطبيعي لدول مجلس التعاون، وأن استقراره جزء لا يتجزأ من أمن الخليج واستقراره، معبراً عن ثقته بقدرة الشعب اليمني على تجاوز التحديات، وتعزيز مسارات التكامل والاندماج في المنظومة الخليجية.

العليمي استقبل في الرياض الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية جاسم البديوي (سبأ)

ووضع رئيس مجلس القيادة الأمين العام لمجلس التعاون في صورة التطورات الأخيرة، والمساعي التي تقودها السعودية والإمارات المتحدة لخفض التصعيد، وإعادة تطبيع الأوضاع إلى سابق عهدها.

كما أشاد بما ورد في بيان مجلس التعاون الأخير من تأكيد دعم مجلس القيادة والحكومة، والدور المتوازن الذي تضطلع به الأمانة العامة إلى جانب الشعب اليمني وقيادته السياسية، مذكّراً بالدور الخليجي في رعاية جهود السلام، بدءاً بالمبادرة الخليجية، واتفاق الرياض، وصولاً إلى المشاورات اليمنية – اليمنية التي أفضت إلى إعلان نقل السلطة.

وأكد العليمي التزام مجلس القيادة بحل القضية الجنوبية وفق مخرجات مشاورات الرياض والمرجعيات الضامنة كافة، بصفتها قضية وطنية عادلة، تضمن تحقيق التطلعات المشروعة وفق الإرادة الشعبية.

تحذير أممي

على الصعيد الدولي، حذَّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أن الإجراءات أحادية الجانب في المحافظات الشرقية اليمنية لن تمهد الطريق للسلام، بل ستؤدي إلى تعميق الانقسامات، وزيادة خطر التصعيد والتشرذم.

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش (سبأ)

وقال غوتيريش، في تصريحات للصحافيين عقب مشاركته في اجتماع مغلق لمجلس الأمن الدولي، إن التطورات الجديدة في المحافظات الشرقية تزيد من حدة التوتر، داعياً جميع الأطراف إلى الانخراط البنَّاء مع المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، وإعطاء الأولوية للحوار، وتجنب أي إجراءات من شأنها تأجيج الوضع الهش.

وأكد الأمين العام أن اليمن يحتاج إلى تسوية سياسية مستدامة يتم التوصل إليها عبر المشاورات، وتلبي تطلعات جميع اليمنيين، مشدداً على أهمية خفض التصعيد، وضبط النفس، وحل الخلافات عبر الحوار، بما في ذلك دور الجهات الإقليمية المعنية في دعم جهود الوساطة التي تقودها الأمم المتحدة.


الانفلات الأمني يفتك بمناطق سيطرة الحوثيين

زيادة متسارعة لجرائم الإعدام الميداني في مناطق سيطرة الحوثيين وسط اتساع رقعة الفوضى الأمنية (إ.ب.أ)
زيادة متسارعة لجرائم الإعدام الميداني في مناطق سيطرة الحوثيين وسط اتساع رقعة الفوضى الأمنية (إ.ب.أ)
TT

الانفلات الأمني يفتك بمناطق سيطرة الحوثيين

زيادة متسارعة لجرائم الإعدام الميداني في مناطق سيطرة الحوثيين وسط اتساع رقعة الفوضى الأمنية (إ.ب.أ)
زيادة متسارعة لجرائم الإعدام الميداني في مناطق سيطرة الحوثيين وسط اتساع رقعة الفوضى الأمنية (إ.ب.أ)

يتجه الانفلات الأمني في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية إلى مزيد من التصعيد المفتوح، حيث تتداخل سلطة السلاح المفروضة بالأمر الواقع مع الجريمة المنظمة؛ إذ شهدت الأسابيع الأخيرة إعدامات ميدانية بحق مدنيين عُّزَّل خارج القانون، بالتزامن مع اغتيالات وتصفيات داخلية تضرب قيادات أمنية وميدانية وتهدد تماسك الجماعة.

في هذا السياق، أقدَم قيادي حوثي في محافظة صعدة (شمال) على قتل مدني ينتمي إلى محافظة ريمة (213 كيلومتراً جنوب غربي صنعاء) أثناء وجوده في موقع عمله في مديرية منبّه، بإطلاق النار عليه، في واقعة تسببت بإصابة شخصين آخرين. وحسب مصادر محلية، فإن الجماعة اكتفت بإجراء شكلي تمثل في توقيف الجاني قبل الإفراج عنه لاحقاً.

وذكرت المصادر أن هذه الجريمة تأتي في سياق استهداف مناطقي من قِبل عناصر وقيادات في الجماعة ضد المنتمين إلى محافظات أخرى، مبينة أن أكثر من 10 أفراد ينتمون إلى محافظة ريمة قُتلوا في محافظة صعدة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة على يد مسلحين حوثيين، إلى جانب ضحايا آخرين من محافظات أخرى.

ورغم تزايد المطالب الشعبية والحقوقية بسرعة كشف ملابسات هذه الانتهاكات وضبط الجناة، تواصل الجماعة الحوثية التعامل معها بسياسات لا تحقق العدالة والإنصاف للضحايا أو أقاربهم؛ إذ تكتفي في أحسن الأحوال بتبني صلح ودفع تعويضات مالية ضئيلة.

متسوقون في العاصمة اليمنية صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة الحوثية (رويترز)

وإلى جانب القتل خارج القانون، يتعرض عشرات الوافدين إلى محافظة صعدة، وهي معقل الجماعة الرئيسي، للاحتجاز التعسفي والإخفاء القسري، في حين يخضع أي وافد لرقابة أمنية مشددة، دون إبداء الأسباب.

وتفيد مصادر حقوقية بأن الانتهاكات بحق المدنيين في مختلف مديريات محافظة صعدة لا يمكن حصرها أو الحصول على معلومات كافية حولها، بسبب وقوع المحافظة تحت سطوة أمنية وحالة طوارئ حوثية غير معلنة، ورقابة مشددة على مواقع التواصل الاجتماعي ومنع تداول المعلومات، وترهيب السكان بشأن النشر واستخدام هذه المواقع.

إفلات من العقاب

وتشهد محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء)، موجة غضب واسعة بعد مقتل شاب في الثامنة عشرة من عمره برصاص مسلح حوثي، من خلال وقفات احتجاجية حاشدة طالبت بضبط الجاني ومحاسبته.

تشييع قيادي حوثي توفي بشكل غامض في إب وسط تكهنات باغتياله جراء خلافات مالية (إعلام حوثي)

ورفض القيادي الحوثي المكنى أبو علي الكحلاني، المعيَّن من قِبل الجماعة مديراً لأمن المحافظة، لقاء المشاركين في الوقفات الاحتجاجية أو الاستجابة لمطالبهم بضبط المسلح الحوثي يعقوب العزي المتهم بالواقعة، والذي أقدَم على إطلاق النار على المجني عليه في وسط أحد شوارع مركز المحافظة.

وحذَّر المشاركون في الاحتجاجات من عدم ضبط المتهم وإحالته إلى العدالة، بعد أن شهدت المحافظة سوابق جنائية مشابهة، تم فيها إطلاق الجناة والتلاعب بالقضايا، في ظل تغييب متعمد لسلطة القضاء العادل، وسياسة حماية العناصر المسلحة؛ ما أسهم في تفشي الفوضى الأمنية وارتفاع جرائم القتل.

وتشهد محافظة إب انفلاتاً أمنياً غير مسبوق منذ سيطرة الجماعة الحوثية عليها، مع انتشار واسع للعصابات المسلحة والأفراد المطلوبين للأمن والمفرج عنهم من السجون الرسمية عقب وصول الحوثيين.

التنافس على الجبايات وممتلكات السكان والمزارعين من أسباب الصراع بين القيادات الحوثية (إعلام حوثي)

ولا يقتصر الانفلات على الجرائم التي يروح ضحايا الأبرياء من المدنيين؛ إذ قُتل القيادي الأمني الحوثي جلال دماج، المعين نائباً لمدير أمن فرع مديرية العدين، أمام منزله، برصاص مجهولين لاذوا بالفرار، دون أن تتمكن الجماعة، التي نفذت انتشاراً أمنياً واسعاً من القبض عليهم أو الكشف عن هوياتهم.

خلافات وتصفيات

أثارت وفاة قيادي حوثي آخر في المحافظة، وهو عبد الجليل الشامي، الذي عينته الجماعة مديراً عاماً لمديرية النادرة، تكهنات بشبهة تصفية داخلية مرتبطة بخلافات مالية مع قيادات حوثية أخرى. وعزز من تلك التكهنات عدم الإعلان الصريح عن أسباب الوفاة أو ملابساتها.

ولف الغموض أيضاً وفاة القيادي البارز محمد محسن العياني، والتي لم تعلن الجماعة سبباً لها، مع ترجيحات بمقتله في ضربة جوية سابقة دون إعلان رسمي، خصوصاً وأنه أحد أبرز القيادات المؤسسة، وكان أحد مسؤولي جمع الأموال والسلاح.

وكانت محافظة الجوف (شمال شرق) مسرحاً لمقتل قائدين ميدانيين في الجماعة، حيث قُتل القيادي ضيف الله غيلان، المكنّى أبو حمزة، مع عدد من مرافقيه، برصاص مسلحين قبليين في ظل توتر تشهده المحافظة بسبب سياسة الجماعة بفرض مشرفين من خارجها.

تشييع القيادي الحوثي البارز محمد محسن العياني في صعدة دون الإفصاح عن سبب وفاته (إعلام حوثي)

وينتمي أبو حمزة إلى مديرية سنحان في محافظة صنعاء، وكان يعمل سابقاً في حراسة إحدى المحاكم في العاصمة اليمنية المختطفة.

كما قُتل المشرف الأمني الحوثي أحمد وازع الفرجة، وأُصيب أحد مرافقيه، برصاص مسلحين حوثيين آخرين، بعد رفضه تنفيذ توجيهات قيادات عليا في المحافظة.

وأرسلت القيادات العليا مجموعة مسلحين لإلزامه بتنفيذ التوجيهات أو القبض عليه، إلا أن الخلافات تطورت إلى إطلاق نار أدى إلى مقتله.

وتشير المصادر، إلى أن محافظة الجوف تشهد خلافات حادة بين قادة الجماعة حول النفوذ وتقاسم موارد الجبايات والسطو على ممتلكات السكان.


المعارضة الصومالية تجتمع في غوبالاند وسط توترات مع الحكومة

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال لقاء سابق مع قيادة «الملتقى الصومالي للإنقاذ» الذي يضم قوى سياسية معارضة (وكالة الأنباء الصومالية)
الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال لقاء سابق مع قيادة «الملتقى الصومالي للإنقاذ» الذي يضم قوى سياسية معارضة (وكالة الأنباء الصومالية)
TT

المعارضة الصومالية تجتمع في غوبالاند وسط توترات مع الحكومة

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال لقاء سابق مع قيادة «الملتقى الصومالي للإنقاذ» الذي يضم قوى سياسية معارضة (وكالة الأنباء الصومالية)
الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال لقاء سابق مع قيادة «الملتقى الصومالي للإنقاذ» الذي يضم قوى سياسية معارضة (وكالة الأنباء الصومالية)

تجتمع المعارضة الصومالية في ولاية غوبالاند التي تشهد خلافات حادة مع الحكومة الفيدرالية بمقديشو، وسط توترات سياسية متصاعدة حول الانتخابات المباشرة واستكمال الدستور.

هذا الاجتماع، الذي يستمر من 17 إلى 20 ديسمبر (كانون الأول)، يراه خبير في الشأن الأفريقي والصومال تحدث لـ«الشرق الأوسط» أقرب إلى «محطة سياسية ذات تأثير محدود، ما لم يتمكن من تجاوز الانقسامات الداخلية والتوترات مع الحكومة وتقديم خطاب وطني جامع يستجيب لتطلعات الشارع الصومالي في الاستقرار والأمن والديمقراطية».

وتحتضن مدينة كيسمايو، العاصمة المؤقتة لولاية غوبالاند، الوفود المشاركة في مؤتمر المعارضة؛ فيما استقبل الأمين العام لمنتدى الإنقاذ الصومالي المعارض، محمد آدم كوفي، وزير الداخلية في غوبالاند، محمد إبراهيم أوغلي، وعدداً من المسؤولين بإدارة الولاية، بحسب ما نقله الموقع الإخباري «الصومال الجديد».

وأوضح أوغلي في تصريحات إعلامية، الثلاثاء، أن المؤتمر سيركز على وضع اللمسات الأخيرة على هيكل مجلس مستقبل الصومال وتحليل الوضع السياسي الذي تمر به البلاد.

وقال كوفي في تصريحات وقتها إن مؤتمر كيسمايو سيناقش قضايا مهمة في ظل المرحلة السياسية الصعبة التي تمر بها البلاد.

وتستضيف الولاية هذا المؤتمر، الذي لم تعلق عليه مقديشو، بعد نحو 10 أيام من إعلان رئيس برلمان غوبالاند، عبدي محمد عبد الرحمن، أن غوبالاند انتقلت من ولاية إقليمية إلى دولة، في تصعيد للتوتر السياسي القائم بينها وبين الحكومة الفيدرالية التي تصف الإدارة الحاكمة حالياً في غوبالاند بأنها غير شرعية بعد إجرائها انتخابات أحادية الجانب في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 أعادت رئيسها أحمد مدوبي الذي يحكم غوبالاند منذ عام 2012 إلى السلطة.

توتر واحتقان

ويرى الخبير في الشؤون الأفريقية، علي محمود كلني، أن المؤتمر ينعقد في توقيت بالغ الحساسية، وسط احتقان سياسي متصاعد وخلافات مزمنة بين الحكومة الفيدرالية في مقديشو وبعض الإدارات الإقليمية.

وتأتي أعمال المؤتمر، بحسب كلني، في ظل قطيعة طويلة بين إدارة غوبالاند والحكومة الفيدرالية؛ وهي قطيعة هيمنت على المشهد السياسي طوال معظم فترة رئاسة حسن شيخ محمود، مشيراً إلى أن العلاقة بين الرئيس الفيدرالي ورئيس غوبالاند أحمد محمد إسلام (مدوبي) اتسمت بتوتر حاد وصل في بعض المراحل إلى مستوى المواجهة السياسية المفتوحة، ما أفقد أي مسعى للتنسيق أو الشراكة معناها العملي.

وعن التحديات التي تواجه مخرجات المؤتمر، لفت كلني إلى التباين الواضح في مواقف القوى المشاركة في المؤتمر، سواء بشأن شكل نظام الحكم، أو آليات إدارة الدولة، أو مستقبل العملية الديمقراطية في البلاد، مشيراً إلى أن هذا التباين يقلّص فرص الخروج برؤية سياسية موحدة، ويجعل من الصعب تحويل المؤتمر إلى منصة ضغط فعالة في مواجهة الحكومة الفيدرالية.

وتأتي تلك التحركات المعارضة، بينما يشتد منذ عام الجدل بشأن الانتخابات الرئاسية المباشرة المرتقبة عام 2026، بعد 57 عاماً من آخر اقتراع أُجري عام 1968، بديلاً عن نظيرتها غير المباشرة في عام 2000، التي اعتمدت بشكل رئيسي على المحاصصة القبلية في ولايات البلاد الخمس، وجرى العمل بها بعد «انقلابات وحروب أهلية»، وفي ظل سيطرة أربع عشائر كبرى هي: هوية، ودارود، ورحنوين، ودِر.

وعلى مدى عام تقريباً، تصاعدت الأزمة السياسية على نحو لافت، وكانت العودة لاستكمال الدستور المؤقت الذي يعود إلى 2012 هي الشرارة الأبرز لتفاقم الخلافات بين الحكومة الفيدرالية وولايتي بونتلاند وغوبالاند من جانب، و«منتدى الإنقاذ الصومالي» من جانب آخر.

هل من مخرجات ملموسة؟

كانت الخلافات بين الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود والمعارضة قد اشتدت بعد تأسيسه حزب «العدالة والتضامن» في 13 مايو الماضي، وتسميته مرشحاً للحزب في الانتخابات المباشرة المقبلة، وسط تحركات للمعارضة وتشكيل تحالفات.

وفي ضوء هذه المعطيات والخلافات المتصاعدة، يرى خبير الشؤون الأفريقية كلني أن تأثير مؤتمر كيسمايو سيظل محدوداً على مشروع الانتخابات المباشرة الذي تعمل حكومة حسن شيخ محمود على الإعداد له.

وتبقى القيمة السياسية للمؤتمر مرهونة بما قد يصدر عنه من مخرجات ملموسة، وبمدى قدرة المشاركين على توحيد مواقفهم حيال القضايا الوطنية الكبرى، وفي مقدمتها استكمال جهود تحرير البلاد من الجماعات المسلحة، ومسار الانتخابات العامة وإعادة تصميمها على أسس توافقية، وإدارة الخلافات السياسية القائمة والسعي إلى مواءمتها ضمن إطار وطني جامع.

وفي النهاية، يؤكد كلني أن التحدي الحقيقي لا يكمن في عقد المؤتمرات بحد ذاتها، بل في القدرة على تحويلها إلى أدوات فاعلة لإنتاج حلول سياسية قابلة للحياة.