مثل كل نساء العالم، فإن للفلسطينيات حياة خاصة وعامة، ومعارك كبيرة وصغيرة، والكثير من الأحلام، لكنهن بخلاف الأخريات يناضلن منذ أجيال على جبهة أخرى في معركة مرهقة ومستمرة، حوّلتهن كذلك إلى مقاتلات وشهيدات وأسيرات وملاحَقات، وفي المجمل بإرادة الكثير منهن، أو رغماً عنهن، حارسات بقاء وحياة ونار الفلسطينيين الدائمة، كما وصفهن الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش.
تزخر حياة الفلسطينيين بالكثير من النماذج لنساء تحولن إلى رمز أو أيقونة، أو جلبن الاهتمام والاحترام وربما الجدل في مسيرة الثورة والانتفاضة وفي محاولة البناء، كلٌّ على طريقتها. واختارت «الشرق الأوسط» إلقاء الضوء بشكل سريع على نماذج لفلسطينيات على خط المواجهة، مواجهة الحياة أو الاحتلال.
تختصر ليلى غنام نجاح كثير من الفلسطينيات في الحياة العملية بعدما استطاعت بشكل لا يقبل الجدل قيادة مدينتي رام الله والبيرة منذ عام 2010 حتى الآن بأداء مبهر ومميز وقلَّ نظيره من السيدة الوحيدة التي تقلدت أول منصب «محافظ» حتى الآن في فلسطين، وقد تكون الأولى في العالم العربي. وغنام، التي تتمتع بنفوذ واضح، كونها ممثلة الرئيس الفلسطيني في المدينة التي تعد عاصمة سياسية واقتصادية مؤقتة للسلطة الفلسطينية، تعمل من الشارع أكثر من المكتب، وشعارها البسيط الذي تردده دوماً أنها تعيش بين الناس ولهم.
وعادةً يلتقي المواطنون غنام في الأفراح والأتراح والمسيرات الشعبية، وفي بيوت «الشهداء» و«الأسرى» تحت المطر والثلج وفي عز الصيف، وليس استثناء أنهم فوجئوا بها مع بداية جائحة «كورونا» في الأراضي الفلسطينية تتنقل بين الحواجز الأمنية وتراقب حركة السير وتُجبر المواطنين، بودٍّ منقطع النظير، على العودة من حيث أتوا إلى منازلهم. لقد لعبت أدواراً كثيرة لا تبدأ عند اتخاذ قرارات بإغلاق المدينة ولا تنتهي عند إيقاف السيارات على الحواجز. وهذه الصورة التي تحبها غنام لنفسها وترتضيها تشكّلت بسبب أنها جاءت من أسرة فقيرة ومناضلة جرّبت جميع أنواع الحرمان، وهي التي قادتها كذلك للحصول على شخصية العام وجائزة المرأة المثالية أكثر من مرة، حتى إن فلسطينيين بينهم الأسير المحرَّر علاء البرغوثي، أطلق قبل أعوام على طفلته اسما مركَّباً وهو «ليلى غنام».
وغنام واحدة من بين كثيرات تركت بصمتها لدى الفلسطينيين، لكن كل واحدة منهن بطريقتها الخاصة وحسبما سمحت لها الظروف.
وإذا كان يمكن القول إن غنام سيدة رام الله، فالحاجة عائشة صبيح التي توصف بـ«سيدة العنب» وتوفيت قبل سنوات، تمثل نموذجاً آخر في النضال والمواجهة، هو النموذج الصعب. لقد وقفت الحاجة عائشة (أم مريم) لسنوات طويلة عاجزة، مثل شعبها وقيادته، عن وقف تغوّل الاستيطان الرهيب، لكنها واجهته وحيدة وهو يلتفّ حول أرضها جنوب بيت لحم وظلت شوكة في حلق مستوطنة أفرات. هاجمها المستوطنون مرات عدة، واعتدوا عليها، وهددوها بالقتل، وجربوا أن يضيقوا عليها وخرّبوا زرعها وسدّوا طرقها، وعندما لم ينجحوا عرضوا عليها مبالغ طائلة وكبيرة لكنها ظلت تقول: «هذه الأرض روحي».
قبل أن ترحل شامخة، قالت الحاجة «أم مريم» لـ«الشرق الأوسط»: «والله لو حطوا مصاري (وضعوا فلوس) اليهود والمسلمين والمسيحيين، ما بعتهم هذه الأرض... هذه روحي وأنا تعبت فيها... أنا مش خايفة إلا من الذي خلقني، وأنا لا أبيع ديني وراح أعيش وأموت شريفة، زي أبوي وأمي». قاتلت صبيح وحيدة ورحلت وحيدة لكنها شكّلت نموذجاً ينحني له الأحرار في العالم، وهو نموذج متكرر بين الفلسطينيات.
تقول الروائية الفلسطينية نيروز قرموط، صاحبة قصة «عباءة البحر» التي نُشرت باللغة الإنجليزية قبل أن تحصل على جائزة القلم البريطاني عام 2017 ثم تُترجم أعمالها إلى 14 لغة: «نحب كوننا فلسطينيات». وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «صحيح أن المرأة في مجتمعنا يقتلها الخوف، الأسرة تُضعف من وجودها، العادات والتقاليد تكبّلها، والمفهوم الخاطئ للدين يحبس تطورها، والاحتلال يمزّق حريتها، لكنها تحت كل هذا الضغط والألم تُبدع استمرار الوجود... الإبداع هو ثورة، ولحل القضية الفلسطينية نحتاج إلى إبداع ثورته امرأة».
تعتقد نيروز المولودة في مخيم اليرموك في سوريا قبل أن تعود إلى قطاع غزة نهاية 1994 في رحلة من لجوء إلى لجوء وحصار، أنه على الرغم من كل شيء «نحتاج إلى إعادة صياغة دور المرأة».
وتفيد إحصاءات بأن إسرائيل اعتقلت 16 ألف امرأة فلسطينية منذ عام 1967، واليوم يوجد في سجون إسرائيل 43 فلسطينية.
الفلسطينيات يبدعن عملاً وثورة
الفلسطينيات يبدعن عملاً وثورة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة