إيزابيل الليندي... نشيد أنثوي وسيرة حياة

تنشر كتابها «روح امرأة» بالتزامن مع عيد المرأة والأم

إيزابيل الليندي
إيزابيل الليندي
TT

إيزابيل الليندي... نشيد أنثوي وسيرة حياة

إيزابيل الليندي
إيزابيل الليندي

قد تكون الكاتبة التشيلية إيزابيل الليندي، من القليلات اللواتي يملكن دوماً ما يدهش، إذ يجد القارئ دوماً نقطة لافتة لم يتحدث عنها أحد قبلها، بتلك الروح العنيدة.
في كتابها الصادر مؤخراً بعنوان «روح امرأة»، تفتح الليندي قلبها للقارئ، وتخبرنا عن الطفلة التي كانت، التي لم تفهم كيف يهجرها والدها، ويتركها بعهدة أمها الجميلة وعلى حضنها رضيع، إضافة إليها هي - كابنة كبرى - بالكاد بلغت الثالثة من العمر، لتكمل طفولتها في بيت جدها أوغستين. وتخبرنا عن أوغستين بأنه سيكون من أهم أعمدة حياتها وأيضاً من أهم دوافع كتابتها الرواية.
نتعرف أيضاً على تفاصيل مراهقتها واندفاعها المجنون للزواج، مطاردة أيضاً بتنبيهات أمها المخيفة بأنها غير مرغوبة. فهي ليست لافتة بجمالها وشخصيتها قوية... وسيكون من أهم مهاراتها الضرورية البحث عن رجل يقبل الزواج بها. إلا أن الزواج لن يملأ تلك الروح الوثابة، فتقع الليندي ضحية الرتابة والملل، الذي يصيب غالبية النساء بعد الزواج والإنجاب؛ إلى أن تقودها مصادفات الأيام لتعمل في مجلة اسمها «باولا»، كانت من أوائل المنشورات النسوية في التشيلي تحت إدارة ديليا فيرغارا… وهي صحافية شابة وجميلة عاشت في أوروبا ودرست فيها. أسست ديليا فريقا معتبراً تثقف ونهل من إرث سيلفيا بلاث وبيتي فريدمان وجيرمين غرير وكيت ميلليت وغيرهن من رائدات الحركة النسوية في أميركا والغرب.
تقتبس الليندي من بلاث جملتها المشهورة: «من أهم تراجيديات حياتي أنني ولدت امرأة»، في إشارتها لتعقيد الصراعات التي تعيشها المرأة في كل مكان في العالم، بما في ذلك أميركا، حتى وإن كانت شاعرة موهوبة كسيليفا بلاث.
تتناول إيزابيل حياتها منذ أبعد نقطة في ذاكرتها إلى أن أصبحت كاتبة. فتذكر أن روايتها «بيت الأرواح» كانت: «رسائلي التي كتبتها لجدي أوغستين، حين كان يحتضر، وكنا في فنزويلا ولا أستطيع زيارته... ونجاح رواية (بيت الأرواح) المذهل دفعني للمتابعة».
تتذكر إيزابيل مراهقتها في لبنان، في أواخر الخمسينيات، حيث عمل زوج أمها العم رامون قنصلاً في لبنان. عن تلك المرحلة تذكر إحدى القصص التي أحبطتها أيضاً، وكانت حادثة تعرضت لها إحدى زميلاتها في الصف، شاملة الباكستانية التي يجبرها والدها على الزواج بشخص يكبرها ضعف عمرها.
وتخصص الليندي الكثير من الصفحات للحديث عن عالمها الشخصي الحقيقي، من الزوج الذي تركته في فنزويلا مع ولديهما باولا ونيكولاس، متعلقة بعازف موسيقي جوال، ستكشف بسرعة أنه لم يكن يستحق هجرانها لبيتها وولديها اللذين لم يغفرا لها إلا بعد وقت طويل... وكذلك نتعرف على الأحفاد الذين يعلقون على جدتهم وأفكارها، «أنها من زمن بعيد»؛ ويغضبها ذلك إذ تقول في إحدى الصفحات: «ينتمي أحفادي لجيل يرفض أن تخاطبه بـ(هو) و(هي) بل (هم)، لأنهم يرفضون أن نصفهم جنسياً، أي مذكر أو مؤنث».
أما عن علاقتها وشغفها، فتسخر السبعينية الشابة من قصر قامتها ومن أنها لم تتمكن من الشفاء من رومانسيتها القاتلة، بعد أربعين عاماً من الكتابة وثلاث زيجات واغترابات وفقدانات كثيرة.
تقول: «كنت أحلم دوماً بأن اكتب رواية إيروتيكية! إلا أن ذلك لم يحصل لأن أمي باتشيتا كانت لا تزال على قيد الحياة ولا أجرؤ عن الكتابة عن مواضيع كهذه في حياتها، أنا الآن أكاد لا أعرف ما هي الإيروتيكية التي تمنيت الكتابة عنها منذ ربع قرن مثلاً. الإيروتيك يعني لي الآن، وأنا في الثامنة والسبعين، أن أستلقي بجانب روجرز، زوجي الثالث، مع كلبينا ونشاهد التلفاز. ويمكنني أن أوهم رجلاً بأنني ما زلت جذابة ومغرية... والأهم لست مضطرة لإخفاء ترهلات جسدي بالملابس الحريرية!».
لا تغفل الليندي أهمية من ساهموا ببناء عالمها الشخصي والروائي، ومن كان معها في رحلة نجاحها منذ البداية ولا يزالون... فتسرد تفاصيل مؤثرة للغاية ومثيرة للإعجاب، عن ناشرتها كارمن بالسيلز، عرابة معظم الكتاب الكبار في أميركا اللاتينية وكذلك مئات من كتاب اللغة الإسبانية: «عاملتني ككاتبة مشهورة، في حملة ترويج رواية (بيت الأرواح)، رغم أنني لم أكن أكثر من كاتبة تروج لكتابها الأول الذي كتبته في مطبخ شقتها في كاراكاس. كنت مرتبكة وخائفة، هدأت هي من روعي وقالت: كلنا نحاول ونجرب ولا يوجد أحد في حفل التوقيع يعرف أكثر منك».
في تلك الليلة حين رفعت كارمن نخب الكتاب، انقطعت الكهرباء. وقالت: «أرواح التشيليات أتت لتشرب نخب الكتاب معنا».
كارمن التي أهداها غارسيا ماركيز أحد كتبه بجملة تشبه جمالها: «إلى كارمن بالسيلز، مستحمة بالدموع». وبرحيل كارمن شعرت إيزابيل أنها فقدت سترة نجاتها، في بحر الأدب العاصف.
وبالتوازي مع سردها سيرة حياتها، تستحضر الليندي أرواحاً وأصواتاً وشخصيات مهمة في حياتها، من الأم باتشيتا، للابنة باولا، للجد أوغستين، لزوجها الأول فكتور والعشيق الثاني، وزوجها الأميركي الأول ويلي، الذي تجبره على الزواج منها كي تستقدم ولديها باولا ونيكولاس إلى أميركا، وزواجها الأخير من روجرز وهي بعمر السادسة والسبعين.
يمر الأصدقاء الحقيقيون عبر شخصيات الكثير من رواياتها، ولا تخجل من الإفصاح عن رغبتها القصدية في قتل الكثير من شخصياتها المحببة. كذلك لا تضيرها الاستعانة بعوالم أصدقاء ومعارف حقيقين، كشخصية فكتور ديلمال، وهو صديق شخصي لها.
عن العمر الطويل والشيخوخة والنهايات المنشودة، تقتبس الليندي جملة لإبراهام لنكولن: «في النهاية ما يهم ليس عدد السنوات في حياتك بل الحياة في سنواتك»؛ مشيرة دوماً لضرورة المتعة بكل لحظة نمر بها يومياً، ونحن أصحاء وبقرب من نحب.
وفي مكان آخر من الكتاب، تسخر إيزابيل الليندي من سلوكها الاجتماعي واليومي، فتقول: «كنت وما زلت أقود سيارتي بتواضع، لا أقودها ليلاً لأني لا أستطيع قراءة إشارات الطرقات، أرفض تحديث كومبيوتري القديم وتبديل موبايلي أو سيارتي القديمة، أو أن أتعلم تفاصيل أجهزة التحكم الخمسة لتلفزيوننا. لا أستطيع فتح زجاجات الشرب، أصبحت الكراسي أثقل وفتحات القمصان أضيق وكذلك الأحذية. تتغير الحساسية كلما كبرنا».
من جانب آخر، تتحدث عن معنى الفناء وهشاشة الوجود، غير ناسية مرارة أم تنشأ دون أب. ومرارتها الشخصية بفقدان ابنتها الوحيدة باولا، وهي في ريعان شبابها بمرض نادر، ثم تجربتها كلاجئة منذ ما يقارب خمسين عاماً.
كانت الليندي تريد أساساً أن تكتب عن موضوع الحب في زمن الجائحة، ربما تأثراً بكتاب ماركيز عن الحب في زمن الكوليرا، إلا أن الكثير من المعارف والأصدقاء ألحوا عليها أن تكتب عن المرأة والنسوية فكان هذا الكتاب. وصدوره في هذا الشهر، قد لا يكون صدفة، فآذار هو شهر الخصوبة في تقويمات الكثير من الأديان والحضارات القديمة. وكذلك هو الآن يمثل يوم المرأة العالمي وعيد الأم عبر العالم أيضاً... ومن يمكن أن يكون أجدر من إيزابيل الليندي بتحية المرأة، والدفاع عن الجمال والحب.
ورغم الكثير من القصص المؤسية عن العنف ضد المرأة في العالم، إلا أن روح المرح الساحرة عبر الكتاب تخفف من قتامة وقسوة لكثير من الحكايا المسرودة من الهند مروراً بأفريقيا وصولاً إلى غواتيمالا، حيث تضطر أمهات صغيرات وفقيرات لبيع طفلاتهن لعابري السبيل لأن البنات غير مرغوبات، وإلى قرى في كينيا تتولى فيها الجدات المسنات إرضاع وتنشئة مواليد مصابين بالإيدز لآباء وأمهات قضوا بالإيدز أيضاً.
كتاب مكثف وقصير بغير حشو، مانيفستو ضد البطريركية في كل ثقافات الإنسانية قديمها وحديثها وعبر كل جهات الأرض. إنه نشيد أنثوي حار وصادق تستحق هديته كل امرأة.


مقالات ذات صلة

منتدى المرأة العالمي ينطلق اليوم في دبي ويناقش دورها في 3 محاور رئيسية

يوميات الشرق جانب من جلسة في دورة سابقة لمنتدى المرأة العالمي في دبي (الشرق الأوسط)

منتدى المرأة العالمي ينطلق اليوم في دبي ويناقش دورها في 3 محاور رئيسية

ينطلق منتدى المرأة العالمي دبي 2024 اليوم ويناقش محاور رئيسية ذات أبعاد استراتيجية تتعلق بدور المرأة العالمي ويبحث اقتصاد المستقبل والمسؤوليات المشتركة.

مساعد الزياني (دبي)
شؤون إقليمية إردوغان خلال استقباله الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته بالقصر الرئاسي في أنقرة الاثنين (الرئاسة التركية)

إردوغان بحث مع روته القضايا الأمنية والإقليمية المهمة لـ«الناتو»

بحث الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) مارك روته عدداً من الملفات الأمنية والقضايا التي تهم الحلف.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
يوميات الشرق في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)

3 سيّدات يروين لـ«الشرق الأوسط» رحلة الهروب من عنف أزواجهنّ

«نانسي» و«سهى» و«هناء»... 3 أسماء لـ3 نساءٍ كدن يخسرن حياتهنّ تحت ضرب أزواجهنّ، قبل أن يخترن النجاة بأنفسهنّ واللجوء إلى منظّمة «أبعاد».

كريستين حبيب (بيروت)
شؤون إقليمية امرأتان تشربان الشاي في الهواء الطلق بمقهى شمال طهران (أ.ب)

إيران: عيادة للصحة العقلية لعلاج النساء الرافضات للحجاب

ستتلقى النساء الإيرانيات اللاتي يقاومن ارتداء الحجاب، العلاجَ في عيادة متخصصة للصحة العقلية في طهران.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا صورة جرى توزيعها في يناير 2024 لنساء وأطفال بمخيم زمزم للنازحين بالقرب من الفاشر شمال دارفور (رويترز)

شهادات «مروعة» لناجيات فررن من الحرب في السودان

نشرت «الأمم المتحدة»، الثلاثاء، سلسلة من شهادات «مروعة» لنساء وفتيات فررن من عمليات القتال بالسودان الذي يشهد حرباً منذ أكثر من عام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

رحلة مع الشعر عبر الأزمنة والأمكنة

رحلة مع الشعر عبر الأزمنة والأمكنة
TT

رحلة مع الشعر عبر الأزمنة والأمكنة

رحلة مع الشعر عبر الأزمنة والأمكنة

ليس أكثر من قصائد الشعر بمختلف اللغات وفي شتى العصور، ولكن ما عسى الشعر أن يكون؟ يقول جون كاري (John Carey) أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة أوكسفورد في كتابه «الشعر: تاريخ وجيز» (A Little History of Poetry)، (مطبعة جامعة ييل، نيوهفن ولندن، 2020) إن «صلة الشعر باللغة كصلة الموسيقى بالضوضاء. فالشعر لغة مستخدمة على نحوٍ خاص، يجعلنا نتذكر كلماته ونثمنها». وكتاب كاري الذي نعرضه هنا موضوعه أشعار عاشت على الزمن منذ ملحمة جلجامش البابلية في الألفية الثالثة ق.م وملحمتي هوميروس «الإلياذة» و«الأوديسة» في القرن الثامن ق.م حتى شعراء عصرنا مثل الشاعر الآيرلندي شيمس هيني (تُوفي في 2013) والشاعرة الأفرو - أميركية مايا أنجيلو (توفيت في 2014) والشاعر الأسترالي لس مري (توفي في 2019).

ليس الشعر كما يظن كثيرون خيالاً منقطع الصلة بالواقع أو تهويماً في عالم أثيري عديم الجذور. إنه كما يوضح كاري مشتبك بالأسطورة والحرب والحب والعلم والدين والثورة والسياسة والأسفار. فالشعر ساحة لقاء بين الشرق والغرب، ومجال للبوح الاعترافي، ومراوحة بين قطبي الكلاسية والرومانسية، وأداة للنقد الاجتماعي، ومعالجة لقضايا الجنس والعرق والطبقة. إنه كلمات يختارها الشاعر من محيط اللغة الواسع ويرتبها في نسق معين يخاطب العقل والوجدان والحواس. فالشعراء كما تقول الشاعرة الأميركية ميريان مور يقدمون «حدائق خيالية بها ضفادع حقيقية».

وتعتبر الشاعرة اليونانية سافو (630 ق.م-570 ق.م) من جزيرة لسبوس أول شاعرة امرأة وصلت إلينا أشعارها في هيئة شذرات (القصيدة الوحيدة التي وصلت إلينا منها كاملة عنوانها «أنشودة إلى أفروديتي» ربة الحب). المحبوبة في قصائدها تفاحة حمراء ناضجة في شجرة عالية بعيدة المنال. أو هي زهرة جبلية يطأها الرعاة الأجلاف بأقدامهم فتترك أثراً أرجوانياً على الأرض. وفى قصيدتها المعروفة باسم «الشذرة 31» ترى صديقة لها تتحدث مع رجل وتضاحكه فتتولاها الغيرة ويثب قلبها في صدرها وتشعر كأن ناراً ترعى في بدنها فتعجز عن الكلام وتغيم عيناها وترتعد فرائصها (للدكتور عبد الغفار مكاوي كتاب صغير جميل عن «سافو شاعرة الحب والجمال عند اليونان»، دار المعارف، القاهرة).

والشعر مشتبك بالدين كما هو الحال في غزليات الشاعر الفارسي حافظ الشيرازي (من القرن الرابع عشر الميلادي) الذي لا نعرف الكثير عن حياته. نعرف فقط أنه حفظ القرآن الكريم في طفولته واشتغل خبازاً قبل أن يغدو من شعراء البلاط ودرس الصوفية على يدي أحد أقطابها. وهو يستخدم صور الحب والخمر كما يفعل المتصوفة رمزاً إلى الحب الإلهي والوجد الصوفي والنشوة الروحية المجاوزة للحواس. وقد غدت قصائده من كنوز اللغة الفارسية، ودخلت بعض أبياته الأمثال الشعبية والأقوال الحكمية، ولا يكاد بيت إيراني يخلو من ديوانه.

كذلك نجد أن الشعر يشتبك بكيمياء اللغة وقدرتها على الإيحاء ومجاوزة الواقع دون فقدان للصلة به. يتجلى هذا على أوضح الأنحاء في عمل الشاعر الرمزي الفرنسي أرتور رامبو من القرن التاسع عشر. فعن طريق تشويش الحواس والخلط بين معطياتها يغدو الشاعر رائياً يرى ما لا يراه غيره وسيتكشف آفاق المجهول. فعل رامبو هذا قبل أن يبلغ التاسعة عشرة من العمر، وذلك في قصائده «السفينة النشوى» (بترجمة ماهر البطوطي) و«فصل في الجحيم» (ترجمها الفنان التشكيلي رمسيس يونان) و«اللوحات الملونة» أو «الإشراقات» (ترجمها رفعت سلام). وبهذه القصائد غدا رامبو - ومعه لوتريامون صاحب ديوان «أغاني مالدورور» - أباً للسريالية في العقود الأولى من القرن العشرين.

والشعر مشتبك بالسياسة خاصة في عصرنا الذي شهد حربين عالميتين وحروباً محلية وصراعات آيديولوجية ما بين نازية وفاشية وشيوعية وليبرالية وديمقراطية وأصولية دينية، كما شهد المحرقة النازية وإلقاء أول قنبلتين ذريتين على هيروشيما وناجازاكي. وممن عاشوا أزمات هذا العصر الشاعر التشيكي ياروسلاف سيفرت (1986-1901) الحائز جائزة نوبل للأدب في 1984. إنه في ديوانه المسمى «إكليل من السوناتات» (1956) يخاطب مدينته براغ التي أحالتها الحرب العالمية الثانية إلى ركام معبراً عن حبه لها وولائه لوطنه. وشعر سيفرت يقوم على استخدام المجاز. وقد جاء في حيثيات منحه جائزة نوبل أن شعره الذي يمتاز بالوضوح والموسيقية والصور الحسية يجسد تماهيه العميق مع بلده وشعبه.

ومن خلال الترجمة يتمكن الشعر من عبور المسافات وإقامة الجسور وإلغاء البعد الزمني، وذلك متى توافر له المترجم الموهوب القادر على نقل روح القصيدة ونصها. هذا ما فعله المترجم الإنجليزي آرثر ويلي (توفي في 1966) الذي نقل إلى الإنجليزية كثيراً من الآثار الشعرية والروائية والمسرحية الصينية واليابانية.

ومن أمثلة ترجماته هذه القصيدة القصيرة من تأليف الإمبراطور الصيني وو-تي (القرن الأول ق.م) وفيها يرثي حبيبته الراحلة:

لقد توقف حفيف تنورتها الحريرية.

وعلى الرصيف الرخامي ينمو التراب.

غرفتها الخالية باردة ساكنة.

وأوراق الشجر الساقطة قد تكوّمت عند الأبواب.

وإذ أتوق إلى تلك السيدة الحلوة

كيف يتسنى لي أن أحمل قلبي المتوجع على السكينة؟

ويختم جون كاري هذه السياحة في آفاق الشعر العالمي، قديماً وحديثاً، شرقاً وغرباً، بقوله إن الإنسان هو الكائن الوحيد القادر على طرح الأسئلة على الكون، بغية إدراك معنى الوجود، أسئلة لا تجد إجابة في الغالب، ولكن هذا التساؤل - من جانب الفيلسوف والعالم والشاعر - يمثل مجد الإنسان ومأساته معاً.