مصادر في «الحراك» لـ «الشرق الأوسط»: لم نمثل في القصر الجمهوري..وما جرى شأن لا يعنينا

المحافظات اليمنية الجنوبية والشرقية ترفض الإعلان الدستوري للحوثيين

جندي يمني ومسلحون حوثيون يحرسون بوابة القصر الرئاسي في صنعاء أمس (أ.ف.ب)
جندي يمني ومسلحون حوثيون يحرسون بوابة القصر الرئاسي في صنعاء أمس (أ.ف.ب)
TT

مصادر في «الحراك» لـ «الشرق الأوسط»: لم نمثل في القصر الجمهوري..وما جرى شأن لا يعنينا

جندي يمني ومسلحون حوثيون يحرسون بوابة القصر الرئاسي في صنعاء أمس (أ.ف.ب)
جندي يمني ومسلحون حوثيون يحرسون بوابة القصر الرئاسي في صنعاء أمس (أ.ف.ب)

أعلنت المحافظات الجنوبية والشرقية رفضها القاطع للإعلان الدستوري الذي أعلنته جماعة الحوثي «أنصار الله»، مساء أول من أمس، واعتبرته انقلابا على الشرعية الدستورية، بينما قال الحراك الجنوبي إن «البيان الدستوري» هو بيان خاص بالحوثيين ولا يعنيهم.
وقالت السلطات المحلية والتنفيذية في محافظات عدن، وأبين، ولحج، والمؤسسات العسكرية والأمنية في المنطقة العسكرية التي تشرف على تلك المحافظات، إنها وبعد التواصل مع المحافظات الجنوبية والشرقية في الضالع وحضرموت والمهرة وسقطرى ترفض الانقلاب الذي قادة الحوثي على الدولة وعلى مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل ومسودة الدستور للدولة اليمنية الاتحادية، وكذا اتفاق السلم والشراكة يعد مرفوضا شعبيا وعلى كل المستويات الوطنية اليمنية ناهيك بمخالفته للأعراف والمواثيق العربية والعالمية، موضحا بأنها ستظل في انعقادا وتواصلا دائما مع بقية المحافظات الرافضة للانقلاب الحوثي الغاشم.
وفرضت اللجنة الأمنية بمحافظة عدن حزاما أمنيا على المحافظة، وذلك تحسبا لأي تمدد حوثي، بالإضافة إلى تغييرات أمنية موسعة في خطوة نحو السيطرة على زمام الأمور، ووجهت السلطة المحلية والتنفيذية في المحافظات الجنوبية في بيان مجمع لها إلى أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية بأن يكونوا في حالة يقظة دائمة للحفاظ على السلم الاجتماعي والسكينة العامة، موجهة دعوة إلى المؤسسات العسكرية والأمنية واللجان الشعبية بالحفاظ على سكينة المواطنين وأمنهم والممتلكات الخاصة والعامة.
كما رفض الحراك الجنوبي «الإعلان الدستوري»، الذي أعلنته ميليشيات الحوثي بالقصر الجمهوري بصنعاء، وأكد الناطق الرسمي باسم ساحة الاعتصام ردفان الدبيس لـ«الشرق الأوسط» أن ما يجري في صنعاء هو «شأن حوثي ولا يعنينا»، في إشارة إلى أن مطالب الحراك هي في استعادة دولة الجنوب أو الانفصال. واستغرب الدبيس الصمت الخليجي حيال ما تقوم به هذه الميليشيات في ظل تصارع القوى الأخرى على السيطرة على البلاد لما فيها من موارد كبيرة.
وكان عدد من أبناء الجنوب حضروا حفل الإعلان الدستوري الذي أقيم في القصر الجمهوري بالعاصمة صنعاء، إذ قال القيادي حسين زيد بن يحيى في كلمة خلال الحفل إن الحراك الجنوبي مع إعلان البيان وإنهم مؤيدون للحوثيين، مؤكدا أن الجنوبيين رفعوا المطالبة بالوحدة وقدموا دولة وشعبا في الـ22 من مايو (أيار) حيث لم يفكر الجنوبيون بالمحاصصة، وذلك من أجل الوحدة، قائلا: «للأسف إن القيادات التكفيرية وقبل أن يجف حبر الوحدة مارست الغدر والخيانة على الشريك الجنوبي وأذاقته بقدر حرب صيف 94»، في إشارة إلى حزب الإصلاح الذي تكن له جماعة الحوثي كثيرا من الكراهية. وحول القيادات الجنوبية التي حضرت الاجتماع وأيدت الموقف الجنوبي للإعلان الدستوري، قال ردفان الدبيس في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط» إن الحراك الجنوبي لن يمثله أحد وإن هذا الشخص - في إشارة إلى القيادي الجنوبي حسين زيد بن يحيى - لا يمثل إلا نفسه، وما قاله خلال حفل الإعلان الدستوري غير صحيح وغير واقعي، قائلا إنهم في الحراك الجنوبي لن يسمحوا بوجود الميليشيات أو ما بات يسمى بـ«اللجان الثورية» على أراضيهم.
كما قال الدكتور عبد الحميد شكري – رئيس المجلس الوطني الأعلى لتحرير واستقلال الجنوب، إن ميليشيات الحوثي وبإعلانهم البيان الدستوري شرعوا الواقع الذي فرضوه في اليمن، وبالتالي فإنهم سيواصلون السير لفرض واقع على الأرض وتحقيق الحرية والاستقلال وإقامة دولة الجنوب العربي المستقلة كاملة السيادة على كل الحدود الدولية.
وأضاف شكري في بيانا له، تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه، أنهم في الجنوب لم يعترفوا «بالاحتلال اليمني» وحكوماته المتعاقبة، ولن يعترفوا اليوم بحكم جديد لقوى جديدة «هي في حقيقة الأمر تمثل كل قوى النفوذ في اليمن الشقيق»، واستدل شكري في ذلك «بتسهيل وصول الميليشيات وتسليمها مقاليد الأمور دون مقاومة الأحزاب التي نسمع عن اعتراضاتها وعدم قبولها ومفاوضاتها وهي تحت سيطرة الحوثيين، وما حصل اليوم سيقبل فيه كل أطراف النفوذ في اليمن، ونحن في الجنوب العربي المحتل لن نقبله ونرفض أي ارتباط بدولة اليمن، ليس من اليوم، بل منذ 1994م».
ودعا شكري أبناء الجنوب إلى التحرك - منذ اللحظة - لفرض السيطرة على كل الجنوب من خلال دعم ومساندة اللجان الشعبية الجنوبية ورجال الجنوب وشبابه المخلصين ممن يتقدمون الصفوف لفرض واقع يعترف به العالم.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.