خلافات شديدة في الحكومة الإسرائيلية حول الملف الإيراني

الموساد لا يتفق مع الجيش... والخبراء يحذرون الحكومة

نتنياهو يلقي خطابا حول البرنامج النووي الإيراني في وزارة الدفاع بإسرائيل في تل أبيب أبريل 2018 (غيتي)
نتنياهو يلقي خطابا حول البرنامج النووي الإيراني في وزارة الدفاع بإسرائيل في تل أبيب أبريل 2018 (غيتي)
TT

خلافات شديدة في الحكومة الإسرائيلية حول الملف الإيراني

نتنياهو يلقي خطابا حول البرنامج النووي الإيراني في وزارة الدفاع بإسرائيل في تل أبيب أبريل 2018 (غيتي)
نتنياهو يلقي خطابا حول البرنامج النووي الإيراني في وزارة الدفاع بإسرائيل في تل أبيب أبريل 2018 (غيتي)

كشفت مصادر رفيعة في تل أبيب، عن خلافات شديدة في الحكومة الإسرائيلية وفي قيادة الأجهزة الأمنية، حول سبل التعاطي مع الملف النووي الإيراني. وخرج نائب رئيس الموساد، المشار إليه بالحرف «أ»، الذي أنهى مهامه في جهاز المخابرات الخارجية (الموساد)، الشهر الماضي، بانتقادات علنية لرئيس وزرائه، بنيامين نتنياهو، ووصم سياسته تجاه إيران بـ«الفشل الذريع». بينما حذرت المصادر، من الاستمرار في هذه الخلافات وتبعاتها على العلاقات مع الإدارة الأميركية.
وأعلن نائب رئيس الموساد، في مقابلة ستنشرها اليوم الجمعة صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أن جهازه حذر نتنياهو من الأخطاء في سياسته لكنه لم يقبل التحذير، بل عمل على إفقاد الموساد استقلاليته. وأضاف أن «انسحاب الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترمب، من الاتفاق النووي مع إيران تم على أثر حملة إسرائيلية منظمة، بعضها علني وبعضها خفي، وبضمنها القيام بعمليات مختلفة شبه أسطورية، من أجل تحقيق ذلك». وقال: «كان واضحا لنا، أنه إذا نجحنا بإخراج الأميركيين من الاتفاق النووي، فإنه سيسقط نهائيا. ومن ضمن ما قمنا به كان خطف الأرشيف النووي السري من قلب طهران».
وفي انتقاد مباشر لرئيس الوزراء، نتنياهو، قال «أ»، الذي كان أحد المرشحين الأقوياء لخلافة يوسي كوهين في رئاسة الموساد، وكان رئيس قسم العمليات في فترة خطف الأرشيف النووي: «في النتيجة، نرى أن الوضع اليوم، في مارس (آذار) 2021، هو أن إيران باتت أقرب إلى القدرات العسكرية النووية. إذ أن تخصيب اليورانيوم في بوردو، والعمل في كاشان وفي نتنز، بلغ ما حجمه 2.5 طن يورانيوم مخصب، وصارت لديهم أجهزة طرد مركزي متطورة جدا. وبات وضع إسرائيل مع الإدارة الديمقراطية في البيت الأبيض، أكثر سوءا، قياسا بالوضع في أثناء الاتفاق النووي. وفي الوقت ذاته، لم يوقف الإيرانيون لثانية واحدة توسعهم الإقليمي، وهم يصنعون صواريخ. والصفقة التي أبرمناها ليست جيدة. وعدنا إلى المكان نفسه».
واعتبر قائد «الموساد»، سياسة نتنياهو، «خاطئة وشعبوية، وأدخلت إسرائيل في حالة صدامية بالكامل مع إدارة الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، الأمر الذي جعل واشنطن تحيد إسرائيل وتبعدها عن مفاوضات الاتفاق وتمس بقدرتها على تقليص الضرر من الاتفاق». وقال إن المشكلة المركزية هي «بينما التهديد النووي الإيراني لإسرائيل هو تهديد وجودي، ينبغي تركيز الجهود عليه لمنعه، أدخلت إلى المفاوضات مع إيران مواضيع أخرى، مهمة ولكن ليس بالمقدار نفسه، مثل «الصواريخ الباليستية» والتوسع الإيراني في دول الشرق الأوسط ونشاطات الإرهاب، الأمر الذي دفع الموضوع النووي إلى قاع اللائحة. وبرأيي، فإن إسرائيل تريد تحقيق كل شيء وهذا غير ممكن، ولذلك فإنها عمليا تنازلت في السنتين الأخيرتين عن النووي، وفي الوقت ذاته يجمع الإيرانيون مواد انشطارية».
وقال «أ»، إن «عملية خطف الأرشيف النووي من طهران، تعتبر «عملية القرن» في المجتمع الاستخباري، لكن ولكي يستفاد منها كما يجب، كان يفترض طرح مضمون الأرشيف أمام دول العالم الغربي، وتوحيد الجهود مع الولايات المتحدة وغيرها من دول الغرب، في التوصل إلى اتفاق نووي أفضل».
ووافق الجنرال عاموس غلعاد، الرئيس الأسبق للدائرة السياسية والأمنية في وزارة الأمن، ويرأس اليوم دائرة إيران في معهد المتعدد المجالات في هرتسليا، على أن «الاتفاق النووي سيئ، ولكن انسحاب الولايات المتحدة أسوأ منه». ودعا لأن تكون السياسة في مواجهة النووي الإيراني، منسقة مع جميع المسؤولين في الإدارة الأميركية. وأضاف أنه يرى أن نتنياهو مسؤول عن انسحاب ترمب من الاتفاق النووي. «وحتى عندما تلوح بالخيار العسكري، أنت ملزم بالتنسيق مع الولايات المتحدة. وبايدن ومستشاروه يسعون إلى اتفاق، لكن ليس مؤكدا أن هذا ممكن اليوم. على إسرائيل أن تكون حازمة بمنع سلاح نووي من إيران، ويوجد خياران، إما سياسي أو عسكري».
وكانت مصادر قد كشفت أن قادة الجيش، المختلفين مع الموساد، يسعون إلى كشف المزيد من المعطيات عن النووي الإيراني، بينما المخابرات بأذرعها المختلفة، ترى «وجوب استنفاذ السبل الدبلوماسية حتى تحافظ على الضربات العسكرية كآخر مرحلة». وقال غلعاد، أمس، إن «القضية الإيرانية تبرز اليوم باعتبارها القضية الأكثر مركزية وإلحاحًا، والتي ستشكل علاقة إسرائيل بالإدارة الجديدة في واشنطن». وأضاف، أنه من أجل تجنب المواجهة مع الإدارة، فإن النظام الإسرائيلي مطالب بخفض صورته والكف عن دبلوماسية «العلنية والتهديد»، التي يتم في إطارها إبلاغ مواقفها لواشنطن مسبقًا، وأحيانًا عبر وسائل الإعلام.
بدلاً من ذلك، يقول غلعاد، يجب على إسرائيل أن تسعى إلى حوار هادئ وحميم، على أساس اتفاق مشترك لمنع حصول إيران على السلاح النووي، ومن خلال الاستناد إلى قنوات التعاون الاستخباراتي والأمني والعملياتي بين البلدين، وتعزيزها. من أجل بناء الثقة مع الإدارة الأميركية، التي ستمكنها من التأثير على سياساتها. على إسرائيل عرض مواقف بناءة وعملية وتجنب التهديد بالبدائل العسكرية. في المقابل، «وكجزء من التصدي للتحديات التي تطرحها إيران وجهودها لبناء أذرعها وإنشاء قاعدة عسكرية في المنطقة، يجب على إسرائيل أن تصادق وتعرض على الإدارة، خطة منظمة لتسليح وتعزيز قوة الجيش الإسرائيلي للسنوات القادمة، على أساس ميزانية معتمدة، والاعتماد الحاسم على المساعدات الأميركية المستقبلية».



قائد «الحرس الثوري»: يجب استخلاص العبر... وسوريا ليست مكاناً للتدخل الأجنبي

قائد «الحرس الثوري»: يجب استخلاص العبر... وسوريا ليست مكاناً للتدخل الأجنبي
TT

قائد «الحرس الثوري»: يجب استخلاص العبر... وسوريا ليست مكاناً للتدخل الأجنبي

قائد «الحرس الثوري»: يجب استخلاص العبر... وسوريا ليست مكاناً للتدخل الأجنبي

قال قائد قوات «الحرس الثوري» الإيراني حسين سلامي إن سوريا تمثل «درساً مريراً لإيران» و«ليست مكاناً للتدخل الأجنبي»، متوعداً إسرائيل بـ«دفع ثمن باهظ»، وذلك في ثالث خطاب له منذ سقوط بشار الأسد وانسحاب قواته من سوريا.

ودعا سلامي إلى استخلاص العبر مما حدث في سوريا؛ في إشارة إلى الإطاحة بنظام الأسد على يد قوى المعارضة، وكذلك القصف الإسرائيلي الذي تعرضت له سوريا، وقال: «سوريا درس مرير لنا، ويجب أن نأخذ العبرة».

وأنفقت إيران مليارات الدولارات لدعم بشار الأسد خلال الحرب، ونشرت قوات «الحرس الثوري» في سوريا لإبقاء حليفها في السلطة منذ اندلاع الحرب الأهلية في عام 2011.

ودافع سلامي مرة أخرى، عن تدخل قواته في سوريا. ونقلت وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» عن سلامي قوله، في هذا الصدد، «رأى الجميع أنه عندما كنا هناك، كان الشعب السوري يعيش بكرامة؛ لأننا كنا نسعى لرفع عزتهم».

وصرح سلامي في مراسم تقديم جائزة قاسم سليماني: «لم نذهب لضم جزء من أراضي سوريا إلى أراضينا، ولم نذهب لنجعلها ميداناً لتحقيق مصالحنا الطموحة».

وتطرق إلى الهجمات الإسرائيلية التي طالت مواقع الجيش السوري في الأيام الأخيرة بعد سقوط نظام بشار الأسد، وقال: «حين سقط النظام السوري، رأينا ما يحدث من أحداث مؤسفة. الصهاينة أصبحوا قادرين على رؤية ما بداخل بيوت أهل دمشق من دون الحاجة إلى أسلحة؛ وهذا أمر لا يمكن تحمله».

وقال: «الآن ندرك أنه إذا لم يصمد الجيش ولم تقاوم القوات المسلحة، فإن البلاد بأكملها قد تُحتل في لحظة»، وأعرب عن اعتقاده بأن «الناس في دمشق يفهمون قيمة رجال المقاومة، ويدركون كم هم أعزاء عندما يكونون موجودين، وكيف ستكون الكارثة إذا غابوا».

وأشار سلامي إلى تصريحات المرشد علي خامنئي بشأن سوريا قبل أيام، وقال: «كما قال قائدنا، فإن سوريا ستحرر على يد شبابها الأبطال، وستدفع إسرائيل ثمناً باهظاً، وستدفن في هذه الأرض».

ورأى أن هذا الأمر «يتطلب وقتاً وصموداً عظيماً وعزماً راسخاً وإيماناً جميلاً»، عاداً ذلك من صفات من وصفهم بـ«الشباب المجاهدين في العالم الإسلامي».

وقال سلامي: «نحن ندافع بحزم عن أمننا واستقلالنا ونظامنا ومصالحنا وتاريخنا وديننا. هذه الأرض ليست أرضاً يمكن للغرباء أن ينظروا إليها بنظرة غير لائقة».

وتحدث سلامي الأسبوع الماضي مرتين إلى نواب البرلمان وقادة قواته. وكان أول ظهور لسلامي الثلاثاء أمام المشرعين الإيرانيين في جلسة مغلقة، لم يحضرها إسماعيل قاآني، مسؤول العمليات الخارجية في «الحرس الثوري»، ونقل نواب إيرانيون قوله إن إيران «لم تضعف» إقليمياً.

أما الخميس، فقد تحدث سلامي أمام مجموعة من قادة قواته، وقال: «البعض يّروج لفكرة أنَّ النظام الإيراني قد فقد أذرعه الإقليمية، لكن هذا غير صحيح، النظام لم يفقد أذرعه». وأضاف: «الآن أيضاً، الطرق لدعم (جبهة المقاومة) مفتوحة. الدعم لا يقتصر على سوريا وحدها، وقد تأخذ الأوضاع هناك شكلاً جديداً تدريجياً».

وتباينت رواية سلامي مع رئيس البرلمان، محمد باقر قاليباف، الذي تحدث بدوره الخميس، عن «الاختلال في العمق الاستراتيجي للقوى المرتبطة بالجمهورية الإسلامية»، رغم أنه توقع أن يتمكن «حزب الله» من التكيف مع الظروف الجديدة.

جاءت تصريحات سلامي، الأحد، في وقت ركزت وسائل إعلام «الحرس الثوري» على حملتها في تبرير الوجود الإيراني خلال الحرب الداخلية السورية، وكذلك سقوط نظام بشار الأسد وتداعياته على إيران وأذرعها الإقليمية.

بعد صمت دام أكثر من 48 ساعة من قبل الإعلام الإيراني إزاء الاحتفالات التي عمت سوريا، وخصوصاً دمشق، بسقوط النظام، كما لم تنشر أي من الصحف الإيرانية صوراً على صفحاتها الأولى من الاحتفالات، أبرزت عدد من الصحف في المقابل آثار القصف الإسرائيلي على مواقع عسكرية سورية، وصوراً من كبار المسؤولين في تركيا، والمعارضة السورية.

على المستوى الرسمي ألقت إيران منذ أولى لحظات سقوط الأسد، اللوم على الجيش السوري، وتركيا والولايات المتحدة وإسرائيل في سقوط حليفها.

خالي الوفاض

قال النائب إسماعيل كوثري، مسؤول الملف العسكري في لجنة الأمن القومي، إن «بشار الأسد كان خالي الوفاض ولم يتمكن من كسب رضا الجيش».

وصرح كوثري، وهو قيادي في «الحرس الثوري»، بأن بشار الأسد «فشل في كسب دعم الجيش بسبب افتقاره للموارد وضعف الدعم، ما أدى إلى انهيار الجيش». وأكد أن الاتصال مع إيران استمر حتى اللحظة الأخيرة، لكن بعض المحيطين بالأسد، مثل رئيس الوزراء وبعض قادة الجيش، عرقلوا هذا التواصل.

وأوضح كوثري أن سوريا كانت نقطة عبور وطريقاً مهماً لدعم «حزب الله»، ولكن بعد رفض الحكومة السورية السماح بالدخول، لم تتمكن إيران من التدخل بالقوة. وأضاف أنه خلال فترة «داعش»، دخلت إيران سوريا بناءً على طلب رسمي وساهمت في القضاء على التنظيم، ما حال دون تمدده نحو الحدود الإيرانية.

وتحدث عن الوضع الحالي، مشيراً إلى أن سوريا ما زالت تحت سيطرة «الكيان الصهيوني وأميركا وعملائهم». وبشأن المستقبل، توقع ظهور خلافات «بين القوى التي اجتمعت بأموال أميركية»، مما سيدفع الشعب السوري إلى إدراك الخداع والبحث عن جهات قادرة على تحقيق الأمن وتحسين الاقتصاد.

خسائر «الحرس الثوري»

في سياق متصل، قال الجنرال مهدي فرجي، الذي شارك في الحرب السورية، في حديث لوكالة «فارس»، إن إيران بدأت في إرسال القوات «الاستشارية» منذ 2011، مشدداً على ضرورة «تفسير الأوضاع التي كانت في سوريا حينذاك».

وبرر فرجي وجود إيران بظهور تنظيم «داعش» ومنع وصولها إلى حدود إيران. وأشار إلى دور مسؤول العمليات الخارجية السابق قاسم سليماني، الذي قضى في ضربة أميركية مطلع 2020، وقال: «تنسيق الجيش السوري كان عملاً ذا قيمة كبيرة، حينها لم يكن الجيش السوري ملوثاً إلى هذا الحد، ولكن خلال هذه السنوات العشر، أصبح تأثير العدو على الجيش السوري كاملاً».

كما أشار فرجي إلى الدعم الذي قدمه الرئيس السوري السابق، حافظ الأسد إلى طهران، في الحرب الإيرانية - العراقية في الثمانينات قرن الماضي. وقال: «لقد أرسلت ذخائر بناء على أمر حافظ الأسد»، ونقل عن بشار الأسد قوله: «حافظ الأسد أوصى ابنه بشار قائلاً: طالما أنكم مع إيران، فأنتم موجودون».

وقال فرجي إن الشباب تحت الـ30 شكلوا 90 في المائة من القوات الإيرانية، ونحو 10 في المائة من المحاربين القدامى في حرب الثمانينات؛ في إشارة إلى قادة «الحرس».

وقال إن «الشباب شكلوا أكثر من 90 في المائة من 540 قتيلاً في الدفاع عن الأضرحة».

وهذه أول مرة قيادي من «الحرس الثوري» يشير إلى مقتل أكثر 500 إيراني في الحرب السورية. وهي نسبة أقل بكثير مما أعلنه نائب إيراني الأسبوع الماضي عن مقتل أكثر من ستة آلاف.

وقال النائب محمد منان رئيسي، وهو مندوب مدينة قم، إن إيران خسرت 6000 من قواتها في الحرب الداخلية السورية. وهي أعلى إحصائية يكشف عنها مسؤول إيراني لعدد قتلى القوات التي أطلق عليها مسؤولون إيرانيون اسم «المدافعين عن الأضرحة».

وتعود أعلى إحصائية إلى 2017، عندما أعلن رئيس منظمة «الشهيد» الإيرانية محمد علي شهيدي، مقتل 2100 عنصر من القوات الإيرانية في سوريا والعراق.

ويرفض «الحرس الثوري» تقديم إحصائيات واضحة عن خسائره البشرية والمادية.