كيف تنشئ طفلاً قويّاً نفسيّاً؟

أطفال يرتدون الأقنعة الواقية للحماية من فيروس «كورونا» في شيكاغو (أ.ف.ب)
أطفال يرتدون الأقنعة الواقية للحماية من فيروس «كورونا» في شيكاغو (أ.ف.ب)
TT

كيف تنشئ طفلاً قويّاً نفسيّاً؟

أطفال يرتدون الأقنعة الواقية للحماية من فيروس «كورونا» في شيكاغو (أ.ف.ب)
أطفال يرتدون الأقنعة الواقية للحماية من فيروس «كورونا» في شيكاغو (أ.ف.ب)

عندما أجبرت جائحة «كورونا» المدارس وأماكن العمل على الإغلاق للمرة الأولى في جميع أنحاء الولايات المتحدة في مارس (آذار) عام 2020 اعتقدت شارلوت كلوب، وهي أم لثلاثة أطفال في ولاية كارولاينا الشمالية، مثل الكثيرين، أن الإغلاق سيكون قصير الأجل. وقالت: «اعتقدنا أن الأمر سيستغرق بضعة أسابيع أو ربما شهراً وأن الحياة ستستأنف كالمعتاد بسرعة كبيرة».
مع استمرار الوباء لعدة أشهر، بدأت تدرك أنه عليها مساعدة أطفالها على التغلب على التحديات التي يمكن أن تجلبها هذه الفترة الطويلة من التوتر والاضطراب. وأوضحت كلوب: «في بعض الأحيان يصابون بالإحباط لأنهم لا يستطيعون رؤية أصدقائهم أو القيام بالأشياء التي اعتادنا القيام بها، ولكن من المهم بالنسبة لي أن يكونوا قادرين على التفكير في الإيجابيات ومحاولة النمو من هذه التجربة... أريدهم أن يكونوا مقاومين»، وفقاً لمجة «تايم».
وتعتبر المقاومة (أو المرونة) أي القدرة على التعافي من التجارب الصعبة، كلمة مهمة خلال الوباء حيث يتساءل الآباء عن مدى تأثير شهور العزلة والقلق والملل على أطفالهم على المدى الطويل. لحسن الحظ، هناك أشياء يمكن للوالدين القيام بها لمساعدة أطفالهم على حماية أنفسهم من الآثار السلبية للأوقات العصيبة.
وقالت ألي رايلي، التي تشرف على البرمجة والتقييم لـ«غيرلز أون ران»، وهي منظمة غير ربحية تساعد الفتيات على تطوير المهارات الاجتماعية والعاطفية من خلال النشاط البدني: «المرونة هي مهارة يمكن تعلمها وممارستها وتطويرها مع نمو الأطفال».
وتابعت «إنها صفة مهمة لأن الجميع سيواجهون تحديات أو انتكاسات في مرحلة ما من حياتهم، وعندما تتاح لهم الفرصة لتطوير مهاراتهم، سيكونون أكثر قدرة على تخطي التحديات التي يواجهونها».
ويجب على الآباء ألا يتوقعوا من أطفالهم أن يكونوا أقوياء نفسياً أو مقاومين بشكل طبيعي؛ إنها مهارة يمكن تعلمها وممارستها.
ويقول أنتوني جيمس، مدير برنامج علوم الأسرة في جامعة ميامي في أوهايو إن «مساعدة الشباب على تطوير المرونة ليس شيئا يمكن للوالدين فعله في يوم واحد أو من خلال محادثة واحدة...إنه شيء يحدث بمرور الوقت من خلال التفاعلات الديناميكية بين الوالدين والطفل، حيث يتخذ الآباء قرارات متعمدة بناءً على القدرات التي يرغبون في رؤية أطفالهم يظهرونها بمرور الوقت».
ولا يوجد دليل حول تربية طفل صلب أو قوي نفسياً، لكن الخبراء يقولون إن بعض استراتيجيات الأبوة والأمومة يمكن أن تحدث فرقاً، بغض النظر عن التحديات التي قد يواجهها أطفالك.
*تحديد الهدف
غالباً ما يكون لدى الآباء فكرة عن نوع الشخص الذي يريدون أن يكون طفلهم عليه عندما يبلغ سن الرشد. سواء كانت أخلاقيات العمل القوية أو الشخصية الطيبة أو النظرة الإيجابية للحياة هي الأعلى في قائمة رغبات الوالدين، يمكن أن تساعد الفلسفة التوجيهية الآباء على اتخاذ خيارات من شأنها أن تحرك طفلهم في هذا الاتجاه.
ويقول جيمس: «عندما يحدد الآباء المرونة والمقاومة على أنها سمة يريدون أن يمتلكها طفلهم البالغ، وكشيء سيستغرق وقتاً وممارسة لبنائه، يمكنهم اتخاذ هذا النوع من القرارات الأبوية اليومية التي ستساعد أطفالهم».
وتابع: «تقدير القدرة على الصمود يمكن، على سبيل المثال، أن يساعد الآباء على تحديد الوقت المناسب للتدخل عندما يعبر الطفل عن إحباطه من إكمال مهمة مدرسية أو توجيه الطريقة التي يقدمون بها مهارات وأعمالاً جديدة عندما ينضج الطفل».
ويشبّه جيمس العملية بتعليم الطفل القيادة، ويضيف: «الهدف النهائي هو أن يكون لديك طفل قادر على القيادة بأمان في أي مكان، ولكن لا تبدأ في القيادة على الطريق السريع. بدلاً من ذلك، عليك أن تبدأ في مسارات صغيرة وتساعدهم في شق طريقهم الخاص».
*التعرّف على المشاعر وتسميتها
عندما يتمكن الأطفال من التعرف على مشاعرهم وتسميتها بشكل فعال، فإنهم يكونون قادرين على ربط هذه المشاعر باستراتيجيات محددة من شأنها مساعدتهم على المضي قدماً بطريقة صحية.
على سبيل المثال، قد يدرك الأطفال أنهم يشعرون بالتوتر ويعرفون أن التحدث إلى أحد الوالدين أو مقدم الرعاية يمكن أن يساعدهم على الاسترخاء، أو أنهم يشعرون بالغضب، وأن الذهاب للجري يمكن أن يعطيهم شعورا بالراحة. هذا النوع من الإدارة العاطفية هو جانب أساسي من المرونة.
وقالت رايلي: «إحدى الخطوات الأولى للقدرة على تنظيم المشاعر هي القدرة على تسمية ما نشعر به».
يمكن للوالدين البدء عندما يكون أطفالهم صغاراً من خلال الإشارة إلى تعابير الوجه وردود الفعل الجسدية وربطها بمشاعر محددة. عندما ينضج الأطفال، يمكن للوالدين الاستمرار في مساعدتهم على تحديد المشاعر التي يمرون بها كخطوة أولى في العصف الذهني للاستجابة.
*تعزيز العلاقات الداعمة
غالباً ما تكون العلاقات الإيجابية مهمة في الحياة. بينما لا يجب على الآباء محاولة تنظيم الحياة الاجتماعية الكاملة لأطفالهم، فإن تعليمهم كيفية إقامة علاقات صحية سيمكنهم من القيام بذلك بأنفسهم. يمكن للوالدين تعليم الأطفال عن العلاقات من خلال التحدث عن كيفية اختيارهم للأصدقاء، وكيف يتصرفون كأصدقاء جيدين وكيف يتعاملون مع الخلافات.
وعندما يكون لدى الآباء هذه الأنواع من العلاقات بأنفسهم، يلاحظ الأطفال ذلك. وتقول رايلي: «يتعلم الأطفال الكثير عن العالم من خلال مشاهدة مقدمي الرعاية لهم، لذلك من المهم أيضاً محاولة صياغة نوع العلاقة التي نريدهم أن يقيموها».
*تعليمهم طلب المساعدة
من المهم معرفة أن الشخص القوي نفسياً لا يتخطى المواقف الصعبة بمفرده دائما. يعد طلب المساعدة أمراً بالغ الأهمية، ولا يحدث دائماً بشكل طبيعي، خاصة بالنسبة للأطفال. يقول جيمس: «يعد طلب المساعدة والدعم مهارة مهمة للأطفال والكبار، ولكن قد يكون من الصعب طلب المساعدة لأسباب متنوعة».
ويمكن للوالدين تدريب أطفالهم على طلب المساعدة من خلال عرض ذلك، والانفتاح على الأوقات التي يحتاجون فيها إلى الدعم والتقبل عندما يأتي الأطفال إليهم للحصول على المساعدة.
*تطوير مجموعة من استراتيجيات المواجهة
تقول رايلي: «من الجيد أن يكون لديك استراتيجية واحدة تساعدك على الشعور بتحسن عندما تمر بمشاعر غير مريحة، ولكن من الأفضل أن يكون لديك مجموعة كاملة من الاستراتيجيات في حالة عدم نجاح واحدة منها أو عدم إمكانية ذلك».
ويمكن للوالدين تقديم اقتراحات مثل أخذ نفس عميق أو التحدث مع صديق أو الذهاب في نزهة على الأقدام. عندما يكبر الطفل، يمكن للوالدين طرح أسئلة، مثل: «ما الذي تعتقد أنه سيساعدك على الشعور بالهدوء الآن؟»، لمساعدتهم على اكتشاف أفضل ما يناسبهم عندما تكون الأوقات عصيبة.
*منح الأطفال فرصة لممارسة مهاراتهم الحياتية
قال جيمس: «يرغب كل والد في حماية أطفاله من الأشياء الصعبة في العالم، ورغم أن هذا أمر مفهوم، فإن حمايتهم من كل شيء صعب لا يسمح لهم بتطوير وممارسة المهارات التي يحتاجون إليها ليكونوا أقوياء أو فعالين لاجتياز تحديات الحياة».
ويجب على الآباء التفكير في المهارات التي لن يكتسبها طفلهم إذا تدخلوا في مشاكله كل مرة.
في حين أن الأوقات العصيبة مليئة بالجوانب السلبية، إلا أنها يمكن أن توفر أيضاً فرصاً لصقل المرونة. وتقول كلوب إن أطفالها يتغلبون على الوباء كما هو متوقع، وهم يمارسون عادات ومهارات جديدة للتغلب عليها.
وتابعت: «نمر بأيام صعبة في بعض الأحيان، لكننا نبذل قصارى جهدنا للنظر إلى الجانب المشرق، ولكي نكون مدركين حقاً للأشياء التي نشعر بالامتنان لها».
وبدأت الأسرة في قضاء المزيد من الوقت في حديقتهم الخلفية لتخفيف التوتر، وقد استغلت كلوب كل الوقت معاً لتعليم أطفالها كيف يكونون مسؤولين قليلاً عن ممتلكاتهم.


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

«معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)
«معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)
TT

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

«معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)
«معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)

انطلقت، الخميس، فعاليات «معرض جدة للكتاب 2024»، الذي تنظمه هيئة الأدب والنشر والترجمة حتى 21 ديسمبر (كانون الأول) الجاري في مركز «سوبر دوم جدة»، بمشاركة نحو 1000 دار نشر ووكالة محلية وعالمية من 22 دولة، موزعة على نحو 450 جناحاً، مع جهات حكومية وهيئات ومؤسسات ثقافية سعودية وعربية.

ويشتمل المعرض على برنامج ثقافي ثري، يضم أكثر من 100 فعالية متنوعة، تتخللها محاضرات وندوات وورش عمل، يقيمها نحو 170 متخصصاً، إضافة إلى منطقة تفاعلية مخصصة للأطفال، تقدم برامج ثقافية موجهة للنشء بمجالات الكتابة والتأليف والمسرح، وصناعة الرسوم المتحركة، وأنشطة تفاعلية مختلفة.

برنامج ثقافي ثري يضم أكثر من 100 فعالية متنوعة (هيئة الأدب)

ويتضمن المعرض ركناً للمؤلف السعودي، معرِّفاً الحضور على آخر إصداراته، ومهيأ للزوار منطقة خاصة بالكتب المخفضة، التي تأتي ضمن جهوده في الحث على القراءة، وإتاحتها للجميع عبر اختيارات متعددة، معززة بمناطق حرة للقراءة.

من جانبه، أوضح الدكتور عبد اللطيف الواصل، مدير إدارة النشر بالهيئة، أن المعرض يعكس اهتمامهم بدعم وتطوير ونشر الثقافة والأدب في السعودية، مؤكداً دوره الريادي، حيث يسلط الضوء على جهود الأدب والأدباء المحليين والعرب والعالميين، عبر فعاليات وأنشطة مجتمعية بمعايير عالمية، وإيجاد فرص تفاعلية لزواره في قوالب فنية وأدبية متنوعة، وصولاً إلى تعزيز مكانة جدة بوصفها مركزاً ثقافيّاً تاريخيّاً.

المعرض يعكس الاهتمام بدعم وتطوير ونشر الثقافة في السعودية (هيئة الأدب)

ويحتفي المعرض بـ«عام الإبل 2024»، لما تُمثِّله من قيمة ثقافية في حياة أبناء الجزيرة العربية منذ فجر التاريخ، حيث خصص جناحاً للتعريف بقيمتها، وإثراء معرفة الزائر عبر جداريات عدة بأسمائها، ومواطن ذكرها في القرآن الكريم والسنة النبوية، وقصائد شعرية تغنَّى بها العرب فيها على مر العصور.

ويستقبل «معرض جدة للكتاب» زواره يوميّاً من الساعة 11 صباحاً حتى 12 مساءً، ما عدا الجمعة من الساعة 2 ظهراً إلى 12 مساءً.

المعرض يُعزز جهوده في حث الزوار على القراءة عبر اختيارات متعددة (هيئة الأدب)

ويُعد ثالث معارض الهيئة للكتاب خلال 2024، بعد معرض «الرياض» الذي اختتم فعالياته أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ومعرض «المدينة المنورة» المنتهي في أغسطس (آب).