«الهجرة» تتصدر محادثات الرئيسين الأميركي والمكسيكي

البيت الأبيض يواجه ضغوطاً في تمرير إصلاحات الملف بالكونغرس

صورة أرشيفية لبايدن مع الرئيس المكسيكي أبرادور تعود لعام 2012 (رويترز)
صورة أرشيفية لبايدن مع الرئيس المكسيكي أبرادور تعود لعام 2012 (رويترز)
TT

«الهجرة» تتصدر محادثات الرئيسين الأميركي والمكسيكي

صورة أرشيفية لبايدن مع الرئيس المكسيكي أبرادور تعود لعام 2012 (رويترز)
صورة أرشيفية لبايدن مع الرئيس المكسيكي أبرادور تعود لعام 2012 (رويترز)

تصدرت قضايا الهجرة، ومكافحة الوباء، والتعاون الاقتصادي، أولويات اللقاء الافتراضي بين الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس المكسيكي آندريه مانويل لوبيز أبرادور، الذي أبدى، مساء الاثنين، رغبته في الحصول على نصيب من إمدادات اللقاحات التي تنتجها الشركات الأميركية. ويرغب الرئيس المكسيكي في تخطي العراقيل التي وضعتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب لقمع الهجرة وبناء جدار عند الحدود الجنوبية والتهديد بفرض رسوم جمركية على الواردات المكسيكية. وقال الرئيس المكسيكي في تصريحات للصحافيين قبل لقائه الرئيس بايدن إنه يسعى للحصول على مساعدة الإدارة الأميركية في وضع برنامج جديد للهجرة يسمح بدخول ما بين 600 ألف و800 ألف مكسيكي إلى الولايات المتحدة والعمل بشكل قانوني، مشيراً إلى أن الاقتصاد الأميركي يحتاج إلى عمال مكسيكيين بسبب قوتهم وشبابهم. فيما رفض مسؤول كبير في إدارة بايدن الإفصاح عما إذا كان الرئيس الأميركي سيدعم هذا الاقتراح أم سيعارضه، واكتفى بالقول إن البلدين بحاجة إلى توسيع المسارات القانونية للهجرة. وقال المسؤول للصحافيين إن الاجتماع الافتراضي عبر الإنترنت سيتيح للرئيس بايدن البدء في إضفاء طابع مؤسسي على العلاقة مع المكسيك عبر الدبلوماسية وليس عبر تغريدات «تويتر»، في إشارة إلى ما كان يقوم به الرئيس السابق ترمب من إعلانات سياسية عبر حسابه على «تويتر».
وكانت جين ساكي، المتحدثة باسم البيت الأبيض، قد أوضحت في تصريحات سابقة أن إدارة بايدن لا ترى أن هذا هو الوقت المناسب للتوسع في استقبال أعداد كبيرة من المكسيكيين. وقالت: «نحن بحاجة إلى وقت لوضع أسس لتحسين قوانين الهجرة حتى يمكن معاملة الناس بشكل إنساني». وأشار بيان من البيت الأبيض إلى أن النقاشات بين الرئيسين تستهدف إيجاد طرق للتعاون في مواجهة جائحة «كوفيد19» وتعزيز جهود التنمية المشتركة في المكسيك وأميركا الوسطي.
وخلال الأيام الأولى من ولاية بايدن، أصدر الرئيس الأميركي قرارات تنفيذية عدة تتعلق بالهجرة، ورفع القيود التي فرضتها إدارة ترمب على السفر من دول ذات أغلبية مسلمة، ووقف بناء الجدار الحدودي مع المكسيك، وتمديد برنامج لحماية المهاجرين غير الشرعيين من الترحيل؛ وهو المعروف باسم «برنامج الحالمون». وأظهر بايدن انفتاحاً على تقنين أوضاع هؤلاء المهاجرين الذين قدموا إلى الولايات المتحدة بشكل غير قانوني، ويقدر عددهم بنحو 11 مليون شخص.
وبعد تجديد وتعديل اتفاقية «نافتا» بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك؛ ثاني وثالث أكبر الشركاء التجاريين للولايات المتحدة بعد الصين، يأمل الجانب المكسيكي في عقد اتفاق لتعزيز التمويل داخل الاتفاق والتعاون في مجال استخدام الطاقة النظيفة ومعالجة التغير المناخي. وخلال الحرب العالمية الثانية أقرت الولايات المتحدة برنامجاً يسمح باستقدام المكسيكيين للعمل مؤقتاً في الولايات المتحدة لسد النقص في العمال، واستمر العمل بهذا البرنامج لمدة 20 عاماً بعد الحرب.
وتواجه إدارة بايدن كثيراً من الضغوط حول تأمين الحدود الجنوبية مع زيادة أعداد الذين يعبرون الحدود إلى الولايات المتحدة بشكل غير قانوني دون تأشيرات، خصوصاً الأطفال الذين تضطر وكالات حرس الحدود لإبقائهم في مرافق إيواء مؤقتة محوطة بسياج حديدية تشبه السجون. وقد ارتفع عدد الأطفال الذين يعبرون الحدود الجنوبية دون والديهم إلى أكثر من 300 طفل في الأسابيع الأخيرة بزيادة 4 أضعاف على الأعداد منذ سبتمبر (أيلول) الماضي. ويخشى المراقبون من انتشار فيروس «كورونا» وسط ارتفاع أعداد الأطفال في تلك المرافق وصعوبة ممارسة التباعد الاجتماعي.
وتخبو التوقعات حول قدرة إدارة بايدن على تمرير تعديلات على قانون الهجرة في الكونغرس وتوفير مسار مدته 8 سنوات للحصول على الجنسية لنحو 11 مليون شخص من المهاجرين غير الشرعيين داخل البلاد، وهو المسار الذي اقترحه سابقاً الرئيس الأسبق باراك أوباما، لعام 2021، لكنه فشل في تمريره داخل الكونغرس. ويروج أنصار منح الجنسية للمهاجرين غير الشرعيين أن هذا المسار سيؤدي إلى قيامهم بدفع الضرائب الفيدرالية والمحلية.
ووفقاً لإحصائية صادرة من «المنتدى الوطني للهجرة»؛ يوجد أكثر من مليون عامل زراعي من المهاجرين غير الشرعيين يشكلون 70 في المائة من القوى العاملة الزراعية ويساهمون بما قيمته 9 مليارات دولار سنوياً في صناعات الفاكهة والخضراوات.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟