الرئيس التونسي يطالب برحيل الحكومة لحل «أزمة اليمين»

جانب من إضرابات عمال شركة الخطوط الجوية التونسية وسط العاصمة (إ.ب.أ)
جانب من إضرابات عمال شركة الخطوط الجوية التونسية وسط العاصمة (إ.ب.أ)
TT

الرئيس التونسي يطالب برحيل الحكومة لحل «أزمة اليمين»

جانب من إضرابات عمال شركة الخطوط الجوية التونسية وسط العاصمة (إ.ب.أ)
جانب من إضرابات عمال شركة الخطوط الجوية التونسية وسط العاصمة (إ.ب.أ)

كشف نور الدين الطبوبي، رئيس اتحاد الشغل (نقابة العمال)، أن رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد عبّر عن تمسكه بطلب «لن يتنازل عنه»، وهو رحيل الحكومة برمتها، ورئيسها هشام المشيشي، كحل لتجاوز الأزمة التي أنهت أسبوعها الرابع. مشيراً إلى أن تونس «تعيش اليوم مأزقاً وأزمة مضاعفة، ليس فقط بسبب الخلاف العميق بين رأسي السلطة التنفيذية فحسب، بل أيضاً بسبب خلاف رئيس الجمهورية مع رئيس البرلمان راشد الغنوشي.
وأضاف الطبوبي موضحاً أنه «لم يعد مطلوباً اليوم بالنسبة لرئاسة الجمهورية الاستغناء فقط عن الوزراء الجدد، الذين تم اقتراحهم في التعديل الوزاري الأخير، بل أصبح المطلوب هو رحيل كامل الحكومة ورئيسها هشام المشيشي»، بعد أن أصبحت تونس «تعيش قطيعة تامة بين رئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان أيضاً». على حد تعبيره.
وبشأن حكومة المشيشي، قال الطبوبي إن رئيس الحكومة «أتيحت له فرصة لا تعوض كي يكون رئيس حكومة مستقلة، لكنه لم يتمكن من إدارتها، بعيداً عن التجاذبات السياسية، وتأثيرات الحزام الداعم للحكومة»... مبرزاً أن «السيناريو النادر» الذي حصل مع رئيس الحكومة الأسبق، يوسف الشاهد، والانقلاب على الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، تحت عنوان «الاستقرار الحكومي»، المدعوم من حركة النهضة، بات يتكرّر اليوم مع المشيشي.
في غضون ذلك، انتقد لطفي زيتون، المستشار السابق للغنوشي رئيس حركة النهضة، قرار الحزب بالنزول إلى الشارع لحل الخلافات التي تعيشها الحركة مع منافسيها السياسيين، واعتبر أن أول خطوة لنزع فتيل الأزمة السياسية «هو التراجع عن دعوات النزول إلى الشارع»، لأن هذا الخيار لا يمكنه، حسبه، حل الخلاف العميق بين سعيّد والمشيشي.
بدوره، اعتبر رفيق عبد السلام، القيادي في حركة النهضة، أن الأوضاع السياسية تزداد سوءاً «بسبب عثرات رئاسة الجمهورية... فبعد كذبة الطرد المسموم... انتظروا الجزء الثاني من صناعة الكذب المفضوح، تحت عنوان الجهاز السري هذه المرة»، في إشارة إلى إمكانية استغلال الخصوم السياسيين لخروج مؤدي حركة النهضة إلى الشارع لفبركة تهم جديدة، حسب تعبيره.
ويرى مراقبون أن حركة النهضة ستستغل هذه المسيرة، المقرر عقدها السبت المقبل، لإبراز مدى شعبيتها في تونس، وقدرتها على تعبئة الشارع دفاعاً عن مسار الثورة، الذي استفادت منه بشكل كبير. وكانت أحزاب المعارضة، التي تنتمي في معظمها إلى التيار اليساري، قد نظمت في السادس من هذا الشهر مسيرة احتجاجية مماثلة في شوارع العاصمة، إلا أن تقارير أمنية أشارت إلى ضعف المشاركة. على صعيد آخر، أعلنت وزارة النقل التونسية عن إقالة ألفة الحامدي، الرئيسة المديرة العامة للخطوط الجوية التونسية (حكومية)، إثر خلافات حادة مع القيادات النقابية التابعة للاتحاد، واتهام الحكومة بالسعي لتفويت المؤسسة للقطاع الخاص، بعد أن نفذت شركة «تاف» التركية عرقلة لحسابات الشركة بسبب تراكم الديون.
وأرجع معز شقشوق، وزير النقل، قرار إقالة الحامدي إلى خرقها لواجب التحفظ ولبعض قوانين الدولة على حد تعبيره، واتهمها بنشر وثائق رسمية للخطوط التونسية على موقع «فيسبوك»، معتبراً ذلك «ممارسات غير مقبولة»، ومؤكداً أن الحامدي رفضت تلبية دعوة للحضور إلى الوزارة، قائلاً: «لقد كان تركيزها على (الفيسبوك)، وليس على إدارة شؤون الشركة».
ومن ناحيته، قال الطبوبي إن هذا القرار «كان منتظراً بالنظر إلى الشطحات، التي صدرت عن الحامدي»، التي وجهت نقداً حاد للطبوبي، بعد أن طالبها بمعلومات عن انخراط موظفي المؤسسة في نقابة العمال، كما قامت بنشر صورة عن المراسلة المعنية.
واعتبر أكثر من محلل سياسي أن حكومة المشيشي استجابت لضغوط المركزية النقابية، خاصة الهياكل النقابية للخطوط التونسية، متحاشية في ذلك التصادم مع اتحاد الشغل في ظل الأزمة التي تعيشها الحكومة مع رئيس الجمهورية.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.