«رامبول» في رداء المنزل لا المحاماة

TT

«رامبول» في رداء المنزل لا المحاماة

عرض في بريطانيا خلال التسعينات الماضية مسلسل تلفزيوني ممتع عنوانه «رامبول في الأولد بيلي» على (بي بي سي). و«الأولد بيلي» هي المحكمة الجنائية الأولى. أما رامبول، فهو المحامي الذي يدلي بالمطالعات في القضايا الموكلة إليه، ومعظم موكليه من النوع البائس.
وضع المسلسل الكاتب والمحامي جون مورتيمر، وقصصه مأخوذة من وقائع حدثت لوالده، الذي كان محامياً أعمى. وكانت علاقة الأب بالابن جافة جداً، وخالية من العطف الأبوي، وقد حولها الابن إلى مسرحيات ساخرة وفيلم سينمائي، إضافة إلى مذكرات ممتعة بعنوان «التعلق بالحطام» أي تقدمه في السن، وتعلقه بما بقي من سفينة العمر.
المذكرات من النوع الذي يعود إليه المرء على الدوام، خصوصاً في الأوقات الكئيبة، كالتي نمر بها منذ أن ضربت هذه الفاتكة المخيفة سكان هذا الكوكب، وحولت بيوتهم إلى سجون عالية الجدران، وأقفلت في وجوههم أبواب الخروج إلى المكاتب والحدائق والمسارح ودور السينما والمدارس والجامعات والمطاعم، وحتى دور العبادة.
اليوم وأنا أعيد تصفح «التعلق بالحطام» بحثاً عن السخرية الرائعة، والفكاهة المسيلة للدموع، وأشخاص مورتيمر الذين لأحدهم أذنان في حجم وشكل «قنبيطة» (قرنبيط)، وقعت على مفاجأة غير مسرة على الإطلاق. ففي الفصل السادس من «الحطام» يقول: «بعدما أخبرت والدي أنني نشرت قصتي القصيرة الأولى في مجلة «هاروفيان» وقف قائلاً: «هذا ما تريد أن تصبح، إذن؟ كاتباً. اسمع يا بني العزيز، الأحرى بك أن تكن بعض الشفقة على زوجتك السيئة الحظ. فإنك سوف تمضي أيامك في البيت، بالرداء المنزلي، تتعارك مع الأفكار وتتعرق من حمل القواميس».
المفاجأة أنني عثرت في هذا النص على نفسي. شهر، أو شهر ونصف الشهر وأنا في البيت، في الرداء الخامل. لا مواعيد في الخارج لأن الأصدقاء أسرى البيوت مثلي. ولا مكتبات لأننا جميعاً في حجر واحد، ولا سلوى سوى العراك مع الكلام، قراءة أو كتابة. وأيضاً، لا مسلسلات تلفزيونية رائعة مثل رامبول ومطالعاته في محكمة «أولد بيلي».
يزيد من مرارة العزل، وأخبار الإصابات والوفيات، ومستوى الجدل السياسي وضحالته وتفاهته، مستوى بعض المسلسلات، خصوصاً الأجنبي منها. ولكن كيف أعرف ذلك ما دمت أتجنب مثل هذه المشاهدات؟ من الدقائق التي تسبق موعد نشرة الأخبار. ففي الانتظار، أرى كل يوم رجلاً منرفزاً منفوش الشعر، يصرخ على بناته أو جيرانه أو المارة. ولاه، عمي روق. يكفي ما سنراه في النشرة.



عالمة بحرية تقدم تفسيراً للغز «الحوت الجاسوس»: هرب من قاعدة روسية

الحوت «هفالديمير» (أ.ف.ب)
الحوت «هفالديمير» (أ.ف.ب)
TT

عالمة بحرية تقدم تفسيراً للغز «الحوت الجاسوس»: هرب من قاعدة روسية

الحوت «هفالديمير» (أ.ف.ب)
الحوت «هفالديمير» (أ.ف.ب)

قالت هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» إن لغز الحوت الذي عُثر عليه نافقاً قبالة سواحل النرويج منذ أشهر، وقيل إنه «جاسوس روسي»، يبدو أنه تم حله على يد عالمة بحرية.

وذكرت أن ذلك الحوت الأبيض، الذي أطلق عليه السكان المحليون اسم «هفالديمير»، كان تصدر عناوين الأخبار قبل 5 سنوات، وسط تكهنات واسعة النطاق بأنه جاسوس بسبب وجود حزام حوله، وكان ذلك غير عادي؛ لأن الحوت الأبيض كان نادراً ما يُرى في تلك المنطقة، وكان يوجد حزام به يحمل كاميرا، حمل كلمات بالإنجليزية «معدات سانت بطرسبرغ»، ولفت الانتباه عندما اقترب من الصيادين قبالة ساحل النرويج.

وساعد صياد في إزالة الحزام من الحوت، الذي سبح بعد ذلك إلى ميناء هامرفست القريب، حيث عاش لعدة أشهر، ويبدو أنه لم يتمكن من اصطياد الأسماك لتناولها، لكنه جذب انتباه الزوار.

ومن جانبها، قالت الدكتورة أولغا شباك إنها تعتقد أن الحوت كان بالفعل ينتمي إلى الجيش الروسي، وهرب من قاعدة بحرية في الدائرة القطبية الشمالية، ولكنها لا تعتقد أنه كان جاسوساً بل كان يتدرب لحراسة القاعدة، وهرب لأنه «مشاغب».

ولطالما رفضت روسيا تأكيد أو نفي تدريب الحوت من قبل جيشها.

لكن شباك، التي عملت في روسيا في مجال أبحاث الثدييات البحرية منذ التسعينات حتى عودتها إلى موطنها أوكرانيا في عام 2022، قالت لـ«بي بي سي»: «بالنسبة لي هذا مؤكد بنسبة 100 في المائة».

واستندت الخبيرة في روايتها إلى محادثات مع أصدقاء وزملاء سابقين في روسيا، ظهرت في فيلم وثائقي لهيئة الإذاعة البريطانية، حمل عنوان «أسرار الحوت الجاسوس».

وقالت إيف جوردان، الباحثة من هيئة المسح النرويجية للحيتان القاتلة: «كان من الواضح جداً أن هذا الحوت قد تم تدريبه على وضع أنفه على أي شيء يبدو وكأنه هدف لأنه كان يفعل ذلك في كل مرة، لكننا لا نعرف نوع المنشأة التي كان فيها، لذلك لا نعرف ما تم تدريبه عليه».

واتخذت النرويج ترتيبات لمراقبة وإطعام الحوت الأبيض، بعد أن انبهرت بقصته، وأطلقت عليه اسم «هفالديمير»؛ إشارة إلى «هفال» وهي كلمة نرويجية تعني: الحوت، واسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ولم ترغب شباك في ذكر أسماء مصادرها في روسيا من أجل سلامتهم، لكنها قالت إنها أُبلغت أنه عندما ظهر الحوت الأبيض في النرويج، حدده خبراء الثدييات البحرية الروسية على الفور على أنه أحد حيواناتهم.

وقالت: «وصلت رسالة من خلال أطباء بيطريين ومدربين، أنهم يفتقدون الحوت (أندروها)».

وفقاً لشباك، تم الإمساك بأندروها/هفالديمير لأول مرة في عام 2013 في بحر أوخوتسك في أقصى شرق روسيا، وبعد عام تم نقله من منشأة مملوكة لمركز دولفيناريوم في سانت بطرسبرغ إلى البرنامج العسكري في القطب الشمالي الروسي.

وذكرت: «أعتقد أنهم عندما بدأوا تدريبه في المياه المفتوحة، كانوا واثقين من أنه لن يسبح بعيداً، لكنه هرب، وما سمعته من الرجال الذين اعتادوا أن يكونوا معه هو أنه كان ذكياً؛ لذا فهو اختيار جيد للتدريب، ولكن في الوقت نفسه، كان مشاغباً إلى حد ما، لذلك لم يفاجأوا بأنه تخلى عن متابعة القارب وذهب إلى حيث أراد».

ووفقاً لـ«بي بي سي»، أُظهِرت صور الأقمار الاصطناعية القاعدة البحرية الروسية، ما يشير إلى أنه من الممكن أن يكون الموطن القديم للحوت.

وذكر الصحافي النرويجي توماس نيلسن: «قد يخبرنا موقع الحيتان البيضاء بالقرب من الغواصات والسفن أنها جزء من نظام حراسة».

ومن جانبها، لم تتطرق روسيا رسمياً أبداً إلى الادعاء بأن الحوت تم تدريبه من قبل جيشها، لكن موسكو لديها تاريخ طويل في تدريب الثدييات البحرية لأغراض عسكرية.

وقال العقيد الاحتياطي الروسي فيكتور بارانيتس في حديثه في عام 2019: «إذا كنا نستخدم هذا الحوت للتجسس، فهل تعتقد حقاً أننا سنرفق رقم هاتف محمول مع الرسالة الرجاء الاتصال بهذا الرقم؟».

وللأسف، فإن قصة الحوت المذهلة ليس لها نهاية سعيدة، فبعد أن تعلم إطعام نفسه، أمضى سنوات في السفر جنوباً على طول ساحل النرويج وفي 2023 تم رصده قبالة ساحل السويد.

وفي 2024 تم العثور على جثته عائمة في البحر، بالقرب من الساحل الجنوبي الغربي للنرويج، فهل تمكنت الذراع الطويلة لروسيا من اللحاق به؟ يبدو أن الأمر ليس كذلك.

فعلى الرغم من أن بعض منظمات حقوق الحيوان رجحت أن الحوت قد تم إطلاق النار عليه، فإن هذا التفسير لم يتم تقديمه.

رفضت الشرطة النرويجية هذا الأمر، وقالت إنه لا يوجد ما يشير إلى أن النشاط البشري تسبب بشكل مباشر في وفاة الحوت.

وكشف فحص ما بعد الوفاة عن أن الحوت نفق بعد أن علقت عصا في فمه.