لوحات تستدعي غموض «التانغو» وسينما الهجرة

في معرض جديد للفنان المصري ياسر جاد

اللوحات مرسومة بلغة السينما وتقنياتها (الشرق الأوسط)
اللوحات مرسومة بلغة السينما وتقنياتها (الشرق الأوسط)
TT

لوحات تستدعي غموض «التانغو» وسينما الهجرة

اللوحات مرسومة بلغة السينما وتقنياتها (الشرق الأوسط)
اللوحات مرسومة بلغة السينما وتقنياتها (الشرق الأوسط)

يطرح الفنان المصري ياسر جاد رؤية تشكيلية تستدعي على سطح لوحاته غيوماً من بشر وحكايات، بمسحة لا تخلو من سينمائية شعرية، وذلك في معرضه الجديد الذي يحمل اسمه، ويستضيفه غاليري «خان المغربي» بالقاهرة حتى 19 فبراير (شباط) الحالي.
يعد المعرض جانباً من مشروع جديد للفنان ياسر جاد يحمل عنوان «المشهد الأخير»، الذي استلهم عالمه من الفيلم الأرجنتيني - الإسباني «تانغو» للمخرج الشهير كارلوس ثاورا الذي يقول جاد في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إنّه «مدين لهذا المخرج العبقري الذي تعلمت ولازلت أتعلم من مُنجزه الكثير».
ويُصوّر فيلم «تانغو» ما يُعرف تاريخياً بموجة الهجرة الأوروبية الكبرى إلى الأرجنتين التي حدثت في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وكانت تتألف في الغالب من مهاجرين إيطاليين وإسبان، إلى جانب جنسيات أخرى.
ويبني ياسر جاد عالمه التشكيلي بمفردات سينمائية، وكأنّه يقود مجموعاته داخل كادرات لوحاته، ويُناغم تصميماته المشهدية مستعيناً بأدوات السينوغرافيا، ويستنطق تعبيراتهم بالإضاءة والظل، فيما يُفعّل أدواته التشكيلية من تقنيات تلوين بالفحم المُلوّن على ورق القطن، لمنح رموزه وأبطاله قوة تعبيرية لافتة، ويعتبر ياسر جاد أن أفكار الفن دائماً ما تحتاج لمعالجات فنية وتجريبية جديدة «المعالجات التجريبية تؤدي بلوحاتي إلى نتائج تفوق توقعاتي في بعض الأحيان».
يترك الفنان أمام المتلقي مسافات شاسعة للخيال، وهو يتأمل في لوحاته الكراسي الفارغة من البشر، وكأنها أشباح تاريخية، غير أنّها تحتفظ عبر تكويناتها الحميمة بحكايات، وكذلك تقول التكوينات البشرية المتلاحمة في اللوحات، التي آثر الفنان أن يرسمها دون ملامح صريحة، تتوارى ما بين ظل وعتمة، غير أنّها بتجريديتها تلك تُواصل حكايات الكراسي وبطولتها، وتُعمّق تاريخها، يقول جاد إنه قصد خلق تلك المسافة، فنحن قد نتخيل أنهم مسافرون، دون أن يبدو لنا إن كانوا في رحلة ذهاب أم عودة، هل وصلوا أم ما زالوا في طريقهم الطويل، لن نرى ملامح وجوههم، لكنه استطاع منحهم دفقات الوصال عبر حركة أجسادهم، التي ربما نلتقط منها مشاعر الحب والخوف.
ورغم ما تبدو عليه مشاهد الهجرة من شجون، فإنّ الفنان يرى أن المعرض ينحاز للأمل، فحسب كلمته فإن «مشاهد الهجرة تبدو في ظاهرها واحدة من أكثر المشاعر تعبيراً عن الخذلان، والذي يدفعنا دون شك للمغادرة والرحيل، وهو أبداً ليس مشهد النهاية، فالهجرة هي أولى مشاهد البداية، والتي تحمل تصميماً خالصاً على ميلاد جديد، فكل الهجرات على اختلاف ماهيتها أتت بشروق جديد».
ولعل موضوع الهجرة وفيض مشاعرها، هي أحد الموضوعات التي تقع في مجال اهتمام الفنان ياسر جاد باعتبار أن موضوعها الأول هو الإنسان، يقول: «جميع موضوعات أعمالي ذات علاقة بأبعاد إنسانية بحتة، حتى وإن لم يظهر بها ذلك العنصر البشري بشكل مباشر أو واضح، فجميع أعمالي تمس ذاتي، سواء في تلك الوجوه التي أصادفها في يومي وتنقلاتي، أو في تلك الأماكن التي عشت فيها أو مررت بها أو زرتها وأثرت في نفسي، أو في تلك المُفردات والعناصر التي تُمثل محطات في مشوار حياتي».



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».