القاهرة تحذر أديس أبابا من ملء «سد النهضة» قبل التوصل لاتفاق

طالبت بإطلاق «مسار مفاوضات جاد»

القاهرة تحذر أديس أبابا من ملء «سد النهضة» قبل التوصل لاتفاق
TT
20

القاهرة تحذر أديس أبابا من ملء «سد النهضة» قبل التوصل لاتفاق

القاهرة تحذر أديس أبابا من ملء «سد النهضة» قبل التوصل لاتفاق

حذرت مصر من تنفيذ إثيوبيا المرحلة الثانية من ملء خزان «سد النهضة»، قبيل التوصل إلى اتفاق قانوني مُلزم ينظم قواعد ملء وتشغيل السد المقام على الرافد الرئيسي لنهر النيل. وأبدى وزير الخارجية المصري سامح شكري، أمس، استعداد بلاده لإطلاق مسار مفاوضات جاد، يراعي مصالح مصر والسودان وإثيوبيا. وتشيد أديس أبابا السد منذ عام 2011. وبلغت نسبة بنائه 78.3 في المائة، حسب وزارة المياه والري والطاقة الإثيوبية. وقبل أسبوع أعلنت الحكومة الإثيوبية عزمها البدء في المرحلة الثانية من ملء الخزان بنحو 13.5 مليار متر مكعب، منتصف العام الحالي. وكانت قد أنهت المرحلة الأولى، في يوليو (تموز) الماضي، بنحو 5 مليارات متر مكعب، في إجراء قوبل باحتجاج مصري - سوداني.
وتسعى القاهرة، عبر جهود دبلوماسية مكثفة، إلى حشد دولي لموقفها في مواجهة أديس أبابا. آخرها اتصال هاتفي تلقاه شكري، أمس، من وزير الخارجية الفنلندي بيكا هافيستو، أكد الوزير المصري أن بلاده «كانت تأمل في نجاح مساعي الاتحاد الأفريقي في إدارة ملف سد النهضة، إلا أن المفاوضات لم تثمر عن شيء ملموس، ولم تأت بالنتائج المرجوة». وتوقفت المفاوضات بين مصر وإثيوبيا والسودان، التي تجري برعاية الاتحاد الأفريقي، بعدما فشلت الشهر الماضي، في الوصول إلى توافق. وعبر شكري عن تطلع مصر لاستئناف المفاوضات في ظل رئاسة فيليكس تشيسيكيدي رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية للاتحاد الأفريقي، التي بدأت في فبراير (شباط) الحالي. ووفق بيان للخارجية المصرية، فإن الوزير شدد على ضرورة التوصل لاتفاق قانوني مُلزم قبل تنفيذ المرحلة الثانية من الملء، من خلال إطلاق مسار مفاوضات جاد، وبما يراعي مصالح الدول الثلاث. كما أكد أن «الدولة المصرية عبرت عن إرادتها السياسية الخالصة للتوصل لاتفاق عادل ومتوازن يحقق لإثيوبيا أهدافها التنموية ويحفظ في الوقت ذاته حقوق مصر ويؤمن دولتي المصب من مخاطر وأضرار هذا السد».
وتسعى القاهرة للتوصل لاتفاق ينظم عمليتي ملء وتشغيل السد بما يحقق التنمية الإثيوبية المنشودة ودون أضرار جسيمة على دولتي المصب، بينما ترفض إثيوبيا إضفاء طابع قانوني على أي اتفاق يتم التوصل إليه يلزمها بإجراءات محددة لتخفيف حدة الجفاف.



تسجيل صوتي لناصر يستعيد الخلاف العربي بشأن مواجهة إسرائيل

الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر (أرشيفية - متداولة)
الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر (أرشيفية - متداولة)
TT
20

تسجيل صوتي لناصر يستعيد الخلاف العربي بشأن مواجهة إسرائيل

الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر (أرشيفية - متداولة)
الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر (أرشيفية - متداولة)

شهدت الساعات الماضية تداولاً على نطاق واسع لتسجيل صوتي يجمع بين الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر والزعيم الليبي الراحل معمر القذافي وآخرين، وتسبب في جدل كبير نظراً لانطوائه على تصريحات لعبد الناصر بشأن الخلاف العربي حول مواجهة إسرائيل.

تضمن التسجيل، الذي لم تنفِ أي جهة رسمية صحته حتى الآن، قول عبد الناصر إن «هناك من يزايد على مصر» وخصّ بالذكر العراق وسوريا والجزائر واليمن وبعض المنظمات الفلسطينية، قائلاً: «إذا كان حد عايز يكافح ما يكافح... إذا كان حد عايز يناضل ما يناضل»، مؤكداً أن «العرب لا يملكون القدرة العسكرية على مواجهة إسرائيل، وأن أميركا هي الداعم لها».

وحسب ما تم تداوله من معلومات حول تاريخ التسجيل، فإنه كان في 4 أغسطس (آب) 1970 أي قبل نحو شهرين من وفاة جمال عبد الناصر، وتضمن التسجيل أيضاً «قبول ناصر بالحل الجزئي السلمي مع إسرائيل مقابل استرداد الأراضي التي تم احتلالها في عام 1967، ولكن تحدث عن مزايدات عربية على مصر، وتطالبها بكامل الأرض مرة واحدة عبر المواجهة العسكرية، بينما لا يفعلون شيئاً إلا المزايدات»، حسب وصفه.

ونقلت جريدة «الشروق» المصرية عن عبد الحكيم، نجل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، أن هذا التسجيل موجود ضمن مقتنيات عبد الناصر في مكتبة الإسكندرية، وأنه منشور على قناة «يوتيوب» تابعة لعبد الحكيم نفسه، وتحمل اسم والده، لكن مكتبة الإسكندرية نفت في بيان رسمي أن تكون مصدر التسجيل، إلا أنها لم تنفِ أو تؤكد صحته من عدمه.

وأفاد المكتب الإعلامي لمكتبة الإسكندرية رداً على استفسار «الشرق الأوسط» بأن «التسجيل بصورته المنشورة وبترتيب الحوار فيه لا يوجد في سجلات المكتبة، لكن هناك ساعات طويلة من التسجيلات لعبد الناصر بالمكتبة، وقد يكون من ضمنها، ولكن ليس بنفس الترتيب، وجارٍ التحقق من ذلك».

وبحسب نجل عبد الناصر، فإن هذا التسجيل دليل على أن والده لم يكن ديكتاتوراً، ولم يكن لديه ما يخشاه، بحسب ما يتهمه به معارضوه، بدليل أنه كان يسجل كل لقاءاته، رغم علمه بأن بعضها قد يستخدم ضده، مشيراً إلى أن التسجيل ليس به ما يضرّ بصورة عبد الناصر، ويجب النظر إليه في توقيته والظروف المحيطة به، لأنه كان يحارب إسرائيل بالفعل في حرب الاستنزاف، وقبِل بمبادرة وزير الخارجية الأميركي، وليام روغرز، لوقف إطلاق النار لكي يستعيد صفوف قواته، وكانت هذه المبادرة تنصّ على انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967، مع تخيير الفلسطينيين بين العودة لأراضيهم أو التعويض، ومن ثم لا يمكن اتهامه بخيانة القضية، إلا أنه وجد مزايدات كثيرة عليه، فطالب من يزايدون بالتوجه للحرب، وأنه لن يمنعهم.

تجدر الإشارة إلى أن تداول هذا التسجيل في وقت يثور فيه جدل كبير أيضاً بشأن الحرب الإسرائيلية الحالية على غزة، ووجود أصوات في مصر ترى أن هناك أيضاً تحاملاً من البعض على الموقف المصري، ومطالبة القاهرة بالمواجهة، حسب تعبيرهم.

ويرى القيادي الناصري ونقيب المحامين السابق بمصر، سامح عاشور، أن «توقيت نشر هذا التسجيل يثير كثيراً من الريبة، خاصة في ظل حالة الاصطفاف الوطني التي يعيشها الشعب المصري حالياً لمواجهة الضغوط الصهيونية والأميركية بشأن قضية التهجير القسري للفلسطينيين».

وأكّد في تصريحات صحافية أن «الهدف من ترويج مثل هذه التسجيلات هو محاولة ضرب المعنويات المصرية والنيل من التماسك الشعبي»، مشيراً إلى أن مواجهة هذا النوع من الحملات تبدأ بكشفها والتعامل معها بشكل حاسم، باعتبار أن الأمر يتعلق بتاريخ مصر الوطني، وليس بشخص عبد الناصر وحده. كما أكّد أن مصر تحملت أعباء كبرى في حروب 1956 و1967 و1973 دفاعاً عن القضية الفلسطينية، دون أن تطلب من أحد القتال بدلاً عنها، لافتاً إلى أن الشعب المصري كله هو من دفع هذا الثمن، وليس فرداً أو زعيماً بعينه.

فيما يرى المفكر السياسي وعضو مجلس الشيوخ المصري، عبد المنعم سعيد، أن ما جاء في هذا التسجيل «يفهم من جوهره أن مصر كانت لديها فرصة كبرى لتحقيق السلام مقابل الأرض من خلال مبادرة روغرز، ولكن للأسف ضاعت بسبب المزايدات والخلافات العربية والفلسطينية المعتادة والمستمرة حتى الآن».

وأوضح سعيد لـ«الشرق الأوسط» أنه «لا يمكن أبداً فهم الأمر بأنه خيانة أو تنازل عن المواجهة من جانب عبد الناصر، فقد كان في مواجهة فعلاً، هي حرب الاستنزاف، وطبيعة الأمور تقول إنه لا بد من هدنة لاستعادة الصفوف والترتيب للمستقبل، وهذا ما أوصلنا لحرب أكتوبر التي تحقق فيها الانتصار، ثم حينما فرضت الظروف على الرئيس الراحل أنور السادات السلام أيضاً حتى لا يضيع ما تحقق، ذهب للقدس، وأراد أيضاً حلاً عربياً وليس مصرياً، ولكن تمت المزايدة عليه كذلك، وكانت النتيجة ما وصلنا له الآن».

التسجيل حقّق رواجاً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر. وعن ذلك، قال خبير الإنترنت، محمد فتحي لـ«الشرق الأوسط» إن «ردود الفعل على التسجيل تباينت بين من قال إنها مفبركة وصنعت بالذكاء الاصطناعي وبين من تحدث عن نظرية مؤامرة، خاصة مع انتشار التسجيلات ونشرها في هذا التوقيت. ومنهم من طالب بوضع أطر ونظام لنشر التسجيلات الرئاسية السرية، وربطها بسياق سياسي وزمني لفهمها بشكل أفضل».

وأوضح فتحي أنه «بالرغم من أن قناة (Nasser TV) التي نشرت التسجيل على (يوتيوب) تأسست عام 2018، وحقّقت نحو 11 مليون مشاهدة حتى الآن، فإن هذا التسجيل انتشر بشكل أكبر، وأحدث ضجة واسعة أثارت عدة تساؤلات، أبرزها مصير آلاف الساعات من التسجيلات الكاملة للاجتماعات السرية، وقانون حرية تداول المعلومات، وأحقية أسرة الرئيس الراحل في نشرها من عدمه».

وأعلنت عضو مجلس النواب المصري، مها عبد الناصر، عبر صفحتها على موقع «فيسبوك»، أنها بسبب هذا التسجيل تشدد «على أهمية وجود قانون حرية تداول المعلومات، الذي يتيح الكشف عن أرشيف الحروب التي مرّت بها مصر بعد مرور أكثر من 50 عاماً على آخر حرب، ما سيتيح لكل الباحثين الملفات والتسجيلات الصوتية كاملة من دون أي اجتزاء، ويسهم من دون أدنى شك في كتابة أكثر إنصافاً للتاريخ وفهماً أكثر عمقاً لمسار الأحداث».

وعلى الطرف الآخر، رأى مؤيدو الرئيس الراحل أنور السادات أن هذا التسجيل يبرئ ساحته من اتهامه بالتخاذل عن الاستمرار في مواجهة إسرائيل واللجوء للتطبيع، رغم انتصار مصر عسكرياً في حرب أكتوبر 1973، وفي نظرهم أن ناصر نفسه كان من نفس مدرسة السادات، التي تؤمن بالتطبيع والسلام حال عدم القدرة على المواجهة، وهو ما يدعم موقف الدول التي تتخذ هذا المنحى حالياً.

وقال الخبير العسكري المصري، العميد سمير راغب، إن «هذا التسجيل ليس جديداً، ولكن انتشاره الآن، وخاصة وضعه على قناة تابعة لأسرة عبد الناصر، إنما هو يعيد الاعتبار للسادات، وأنه لم يخرج عن المنهج المصري الموجود من قبله باللجوء للسلام حينما تكون الظروف تقتضي ذلك، وكل منهما فعل واجبه في الحرب والسلم كما تقتضي الأحوال».

وشدّد على أن «هذا هو المنهج الدائم للدولة المصرية بالتعامل وفقاً للظروف المتاحة وبرؤية واقعية شاملة، ومن ثم هذا التسجيل ينهي الجدل الدائر بين من يرون السادات مخطئاً وأن عبد الناصر كان يتخذ منهج الحرب دون غيرها، وأيضاً يقطع الطريق على من يزايدون على الدولة المصرية حالياً ويطلبون من الرئيس عبد الفتاح السيسي المواجهة، بدعوى أن ذلك كان منهج عبد الناصر».

وأشار راغب إلى أن «مسألة دعم هذا التسجيل لخيار التطبيع العربي مع إسرائيل غير حقيقي، لأن التطبيع هو قرار مستقل لكل دولة، وأي دولة تريد التطبيع ستفعله حتى في وجود عبد الناصر نفسه».