توثيق مقتنيات المساجد المملوكية في مصر لإبراز كنوزها

عبر مشروع فوتوغرافي يغطي 17 مسجداً في القاهرة التاريخية

توثيق مقتنيات مسجدي قجماس الإسحاقي وأزبك اليوسفي
توثيق مقتنيات مسجدي قجماس الإسحاقي وأزبك اليوسفي
TT

توثيق مقتنيات المساجد المملوكية في مصر لإبراز كنوزها

توثيق مقتنيات مسجدي قجماس الإسحاقي وأزبك اليوسفي
توثيق مقتنيات مسجدي قجماس الإسحاقي وأزبك اليوسفي

القيمة التراثية للمساجد المملوكية في مصر لا تقتصر على شكلها الخارجي وتفرّد عمارتها ودقة تصاميمها الهندسية؛ إذ تضم من الداخل مُقتنيات أثرية نادرة، وزخارف وتفاصيل فنية ترسم ملامح فريدة لكل مسجد وبناية؛ وهو ما دفع «المؤسسة المصرية لإنقاذ التراث» إلى إطلاق مشروع توْثيق فوتوغرافي وهندسي لمحتويات وكنوز هذه المساجد، لإعداد كتالوج أثري فني خاص بها يحفظ التفاصيل الفنية لقطعها وعمارتها ونقوشها التراثية، ويُبرز جماليات محيطها الداخلي، وإعداد قاعدة بيانات رقمية تتضمن التفاصيل الفنية والمعمارية كافة لهذه البنايات.
المشروع الذي بدأته المؤسسة المصرية لإنقاذ التراث (جمعية أهلية) بالتعاون مع وزارة السياحة والآثار المصرية، يسعى إلى توثيق مقتنيات ومحتويات 17 مسجداً وبناية مملوكية في محيط القاهرة التاريخية، أبرزهم مسجد أحمد ابن طولون، ومسجد السلطان قنصوة الغوري، ومسجد ومدرسة السلطان قايتباي، ومسجد الأمير تمراز الأحمدي أو (جامع البهلول)، وجامع الأمير قجماس الإسحاقي (أبو حربية)، ومسجد أزبك اليوسفي، ومسجد وخانقاه السلطان الظاهر برقوق.
وقام فريق متخصص بمسح لمقتنيات ومحتويات المساجد وإعداد قائمة بالعناصر والقطع الموجودة داخلها وفق عبد الحميد صلاح الشريف، رئيس مجلس أمناء المؤسسة المصرية لإنقاذ التراث، الذي يقول لـ«الشرق الأوسط»، إن «فريق التوثيق والمسح تلقى تدريباً مكثفاً بالمؤسسة، لتسجيل المنقولات التي لم يتم توثيقها، وهي موجودة في بنايات يتم ارتيادها يومياً للصلاة؛ مما يزيد من أهمية التوثيق لحفظ خصائصها ومفرداتها الفنية وحالتها، وسيتم وضع تفاصيل كل مسجد أو بناية في كتالوج فني خاص بها يتضمن الصور الفوتوغرافية والرسوم الهندسية، كما سنقوم بوضع بياناتها وتفاصيلها كافة على قاعدة بيانات رقمية خاصة بالآثار المملوكية».
ويتم التوثيق الفوتوغرافي عبر مراحل عدة تبدأ بصورة عالية الجودة للقطعة الأثرية تبرز تفاصيلها كافة، ثم تلتقط مجموعة صور أخرى من مسافات محددة علمياً لتوضيح المقاسات والأبعاد والتفاصيل الفنية، ويليها المجموعة الأخيرة من زوايا مختلفة، وهي التي سوف توضع في الكتالوج، حيث تركز كل صورة منها على إبراز تفاصيل فنية محددة في القطعة ونقوشها وعناصرها الفنية، بحسب الشريف.
وتحوي المساجد والبنايات المملوكية مقتنيات ومنقولات نادرة وعناصر فنية ومعمارية فريدة، تتنوع بين نقوش تراثية، وكرسي الخطيب «حامل المصحف»، وأبواب وشبابيك ومنابر تمثل قيمة تاريخية كبيرة، وخزائن خشبية، فضلاً عن العناصر الفنية المتنوعة من زخارف للجدران والأسقف، ومن بين العناصر التي تم توثيقها بمسجد قجماس الإسحاقي «أبوحربية» الباب الرئيسي للجامع الذي يمثل تحفة فنية فريدة، بحسب المهندسة إسراء فتحي، المشرفة على فريق التوثيق، وهو عبارة عن قطعتين من الخشب مصفح بالنحاس وتزينه زخارف مميزة، كما يحوي جراراً، حيث يفتح بتحريك «الضلفتين» في الاتجاهين، وهو أمر لم يكن شائعاً وقت إنشائه، كما يتضمن المسجد مجموعة من النوافذ النادرة، بينها شبابيك «مصنوعة من الجبس» في إيوان القبلة، وهي نوافذ من الجبس المفرغ مصنوعة بأشكال هندسية وعليها زجاج ملون تنعكس ألوانه عند سطوع الشمس لتنير صحن المسجد، كما يضم جامع أزبك اليوسفي كرسي مصحف نادر يمثل تحفة فنية فريدة، فضلاً عن مجموعة من الأبواب والنوافذ تتضمن عناصر تراثية وزخرفية مهمة.
وتقول فتحي لـ«الشرق الأوسط»، إن «التوثيق الهندسي هو صناعة نسخة طبق الأصل من القطعة الأثرية عن طريق برنامج رسم إلكتروني عبارة عن محاكاة للأثر، وتكمن أهميته في توثيق وتدوين مقاسات وأبعاد القطعة التراثية ومواصفاتها الفنية بالتفصيل؛ كي يمكن الرجوع إلى هذه البيانات في حال أصاب الأثر تلف ما واحتاج إلى الترميم، كما أن الكثير من التفاصيل على غرار النقوش والزخارف لا تظهر واضحة في الصور الفوتوغرافية؛ لذلك يتم توثيقها بالرسم الهندسي».
ويقوم فريق المشروع بإعداد دراسة استراتيجية لكل مبنى لتقييم المخاطر ووضع قائمة بالمقتنيات التي تتطلب اتخاذ بعض التدابير للحفاظ عليها، وصياغة خطة تتضمن الإجراءات التي يجب اتخاذها لصيانة القطع النادرة والأكثر عرضة للخطر، والتدخل للحفاظ على عناصرها الفنية وحالتها الأصلية.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».