«شانيل» ترقص في دار الأوبرا

احتفالاً بتاريخها الفني وتحدياً للجائحة

TT

«شانيل» ترقص في دار الأوبرا

في نهاية شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، ومباشرة بعد عرضها الخاص بالـ«هوت كوتور» لربيع وصيف 2021، الذي قدمته افتراضياً، بحضور سفيرات عزيزات على قلبها، مثل ماريان كوتيار وبينلوبي كروز وفانيسا بارادي وأخريات، قدمت دار «شانيل» عرضاً راقصاً في دار الأوبرا. كان هو أيضاً مثيراً ومن دون جمهور تم بثه على منصتها الرقمية L›Opéra chez soi اعتباراً من 30 يناير. كان العرض نسخة معاصرة من تلك التي قدمها مصمم الرقص فيكتور غسوفسكي لأول مرة في عام 1949، على موسيقى دانيال فرنسوا إسبري أوبير. كما كان تذكيراً بحقبة مهمة في تاريخ الدار. فهو لم يكن مجرد رغبة من الدار في التعبير عن حب فن الباليه أو استعراضاً لمهارة مديرتها الإبداعية فيرجيني فيار في تصميم أزياء الراقصين الرئيسيين بكل ما تتضمنه من جمال وانسيابية، بقدر ما كان احتفالاً بتاريخ فني بدأته المؤسسة غابرييل شانيل في عشرينات القرن الماضي ولا يزال يدخل في جينات الدار إلى اليوم. ما تشير إليه الدار أن الآنسة غابرييل شانيل لم تكن تحب الغناء والموسيقى فحسب، بل كانت أيضاً راعية لفنون الرقص. دروس الرقص القليلة التي تعلمتها علي يد إيسادورا دانكان، ثم كارياثيس كانت وراء ميلها الطبيعي للدقة وانسيابية الحركة في تصاميمها.
تعود القصة التي تحكيها دار « شانيل» بكل اعتزاز إلى عام 1913، عندما شاهدت غابريال شانيل، وبمحض الصدفة، عرض The Rite of Spring لسترافينسكي. كان هذا العمل المسرحي من تصميم نيجينسكي، الراقص الرئيسي في الباليه الروسي لسيرغي دياغيليف، وترك أثراً كبيراً في نفسها وحياتها. فقد كان العرض حينها صادماً، أثار الكثير من الجدل من قِبل الجمهور المحافظ الذي اعتبره بمثابة فضيحة في حق الفن. المصممة في المقابل رأت فيه قيمة جمالية سابقة لأوانها كانت بداية صداقتها مع سترافينسكي. بيد أن القصة تقول إنها لم تمارس الرقص فعلياً إلا في عام 1917 بعد تعرفها على ميسيا سيرت، زوجة الرسام وفنان اللوحات الجدارية خوسيه ماريا سيرت التي جمعتها بها صداقة دامت لأكثر من 30 عاماً. كانت ميسيا امرأة بولندية متحررة وسيدة مجتمع تعزف على البيانو وترعى الكثير من الفنون. من خلالها التقت غابريال شانيل فنانين طليعيين من أمثال سيرغي دياغيليف الذي أسس شركة الباليه الروسي، وأحدث ثورة في فن الرقص لابتعاده عن التقاليد القديمة للرقص الكلاسيكي. بصورته المعاصرة آنذاك اتسم بصفات جمالية مبهرة اجتمعت فيها الموسيقى بالرقص والفنون المرئية الأخرى. كان فناً متكاملاً، دعا دياغيليف أعظم الموسيقيين ومصممي الرقصات والرسامين في ذلك الوقت للمشاركة فيه، من موسورجسكي إلى بروكوفييف، وريمسكي كورساكوف إلى ديبوسي، وساتي إلى رافيل، وبراك إلى دي شيريكو، وماتيس إلى بيكاسو، وأوتريو إلى كوكتو، على سبيل المثال لا الحصر. وحتى تكتمل الصورة الفنية كان لا بد من أزياء أنيقة تمنح الراقصين حرية حركة لتدخل الآنسة شانيل على الخط. لم تكن مجرد مصممة أزياء، بل أيضاً صديقة وراعية لهذا الفن. فقد قابلت غابريال شانيل سيرغي دياغيليف لأول مرة في البندقية من خلال صديقتها ميسيا سيرت. علمت حينها أنه أراد إحياء عرض The Rite of Spring، لكنه كان يعاني مادياً، فما كان منها إلا أن تبرعت بمساعدته، مشترطة عليه أن تظل مساهمتها سرية. وبالفعل ظل الأمر كذلك إلى أن كشفه بوريس كوتشنو، سكرتير دياغيليف، فيما بعد.
في عام 1924، وظفت غابريال شانيل، كل مهاراتها في تصميم أزياء مريحة وأنيقة لعرض «القطار الأزرق» Le Train bleu، من إنتاج الباليه الروسي. كان نص الأوبرا من تأليف جان كوكتو، والموسيقى من تلحين داريوس ميلو، والستارة الكبرى والبرنامج من تصميم بابلو بيكاسو. دور غابريال شانيل تركز على تصميم أزياء معاصرة لقيت صدى طيباً، حيث أكدت أن جمالها لا يقتصر على المسرح، بل يمكن ارتداؤها في الحياة الواقعية أيضاً، وهو ما يؤكده تصميمان يوجدان اليوم في متحف فيكتوريا وألبرت في لندن.
لكن المهمة لم تكن سهلة كما تُظهر النتيجة النهائية. باهتمامها بأدق التفاصيل، كانت شانيل تلاحظ خلال البروفات النهائية، أنه على الرغم من نعومة تصاميمها وما تمنحه من راحة، فإنها كانت تقيد حركة الراقصين بشكل أو بآخر، وهو ما تطلب منها تعديلها عليهم مباشرة. كان هذا الباليه تجربة فريدة من نوعها تعلمت منها الآنسة شانيل الكثير، وصقلت قدراتها على تحرير الجسد من كل ما يعيق حركته.
لم تكن تجربتها هاته مع فن الباليه يتيمة، فقد أتبعتها بعمل آخر من إبداعات دياغيليف في أبريل (نيسان) 1929 بعنوان Apollon Musagète، من تأليف سترافينسكي. هنا أيضا تفوقت على نفسها بابتكارها أزياء عصرية مع طيات مثبتة بربطة عنق من الحرير.
وفاة سيرجي دياغيليف في أغسطس (آب) 1929 أنهت مغامرة الباليه الروسي لكنها لم تُنه الأثر الذي خلفه فن الرقص على الدار. أكبر دليل أنها، وبمناسبة معرض Diaghilev›s Ballets Russes - 1909 - 1929. الذي نظمه سيرغي ليفار في متحف فنون الديكور في باريس، قدمت مادموزيل شانيل القطعة الموسيقية The Rite of Spring (1911 - 1913) المكتوبة بخط يد سترافينسكي، لتبقى إلى اليوم شاهداً على بدايات الموسيقى الحديثة.
في العام نفسه، تعاون سلفادور دالي وشانيل لابتكار أزياء لفرقة «الباليه الروسي دي مونت كارلو» في نيويورك. كانت الأزياء فخمة مكسوة بالفراء والأحجار الكريمة حسب وصف دالي، لكن من سوء حظها أنها لم تتمكن من عبور المحيط الأطلسي بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية.
منذ تعاون غابرييل ودياغيليف في الباليه الروسي، أصبح الرقص والأزياء لصيقين ببعض بعضاً، ولا يغيبان عن دار « شانيل». فخليفتها الراحل كارل لاغرفيلد تعاون بدوره، وفي مناسبات عديدة مع مصممي الرقصات، من أويه سكولز إلى بنجامين ميلبييه. في عام 2009، ابتكر زي إيلينا غلوردجيدز عن دورها في «البجعة المحتضرة»، استغرقت التنورة وحدها أكثر من 100 ساعة من العمل في مشاغل لومارييه؛ إذ كانت مصنوعة من أكثر من 2500 ريشة.
الآن تعتبر الدار الفرنسية، ومنذ عام 2000 الشريك الرسمي لحفل جوائز نيجينسكي في موناكو، ومنذ عام 2018، الراعية لحفل الافتتاح لموسم الرقص في أوبرا باريس. وفي عام 2018، أضيف تصميم الرقص Decadance لأوهاد ناهارين إلى سجل أعمالها إلى جانب أعمال فنية كثيرة أخرى تحتضنها أوبرا باريس الوطنية.


مقالات ذات صلة

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

لمسات الموضة توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كشفت «بيركنشتوك» عن حملتها الجديدة التي تتوجه بها إلى المملكة السعودية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الملك تشارلز الثالث يتوسط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وزوجته الشيخة جواهر والأمير ويليام وكاثرين ميدلتون (رويترز)

اختيار أميرة ويلز له... مواكبة للموضة أم لفتة دبلوماسية للعلم القطري؟

لا يختلف اثنان أن الإقبال على درجة الأحمر «العنابي» تحديداً زاد بشكل لافت هذا الموسم.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)

دار «كارولينا هيريرا» تُطرِز أخطاء الماضي في لوحات تتوهج بالألوان

بعد اتهام الحكومة المكسيكية له بالانتحال الثقافي في عام 2020، يعود مصمم غوردن ويس مصمم دار «كارولينا هيريرا» بوجهة نظر جديدة تعاون فيها مع فنانات محليات

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الممثلة والعارضة زانغ جينيي في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)

هل يمكن أن تستعيد «بيربري» بريقها وزبائنها؟

التقرير السنوي لحالة الموضة عام 2025، والذي تعاون فيه موقع «بي أو. ف» Business of Fashion مع شركة «ماكنزي آند كو» للأبحاث وأحوال الأسواق العالمية، أفاد بأن…

«الشرق الأوسط» (لندن)

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.