محاولات لجمع عون والحريري وإعادة الاعتبار لمبادرة بري

بعد لقاء رئيس الحكومة المكلف مع ماكرون

الرئيس الفرنسي والحريري لدى لقائهما في بيروت في أغسطس الماضي  (أ.ب)
الرئيس الفرنسي والحريري لدى لقائهما في بيروت في أغسطس الماضي (أ.ب)
TT
20

محاولات لجمع عون والحريري وإعادة الاعتبار لمبادرة بري

الرئيس الفرنسي والحريري لدى لقائهما في بيروت في أغسطس الماضي  (أ.ب)
الرئيس الفرنسي والحريري لدى لقائهما في بيروت في أغسطس الماضي (أ.ب)

قال مصدر سياسي إن المجتمع الدولي بات على قناعة بأن العقدة التي ما زالت تؤخر تشكيل الحكومة تكمن في تصلّب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ومن خلاله وريثه السياسي رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، وفي إصراره بأن تتشكّل الحكومة على قياس صهره لإعادة تعويمه سياسياً، وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن باريس هي الآن في عداد العواصم الأوروبية التي تحمّل عون مسؤولية تعطيل ترجمة المبادرة التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإنقاذ لبنان إلى خطوات ملموسة تبدأ بتأليف حكومة مهمة.
وعلى صعيد تشكيل الحكومة، ومع عودة الرئيس المكلف سعد الحريري إلى بيروت، سألت مصادر مواكبة للمراوحة التي تحاصر تشكيل الحكومة ما إذا كانت ستجري محاولة أخيرة للقاء رئيس الجمهورية ميشال عون والحريري قبل حلول ذكرى 14 فبراير (شباط) التي سيكون للحريري فيها كلمة حاسمة، ما يؤدي إلى فتح الباب أمام إحياء مشاورات اللحظة الأخيرة للوصول إلى تفاهم يدفع باتجاه تسريع ولادة الحكومة.
وفي هذا السياق، علمت «الشرق الأوسط» أن محاولات لجمعهما تتم بعيداً عن الأضواء، وقد يكون المخرج بإعادة الاعتبار للمبادرة الإنقاذية التي كان طرحها رئيس البرلمان نبيه بري بعد قراره بإعادة تشغيل محركاته لعل مشاورات اللحظة الأخيرة تحقق ما اصطدمت به الجولات الـ14 من مشاورات التأليف بين عون والحريري.
ولفت مصدر سياسي إلى أن حملات التشويش التي قادها الفريق المحسوب على عون، واستهدفت الرئيس سعد الحريري، وهو يستعد للقاء الرئيس ماكرون لم تفعل فعلها، وسرعان ما ارتدّت على أصحابها الذين واصلوا حملاتهم السياسية، أمس، في محاولة لصرف النظر عن الأجواء الإيجابية التي سادت اللقاء، وعزا مواصلة حملات التشويش على الحريري إلى وجود شعور لدى من يرعاها بأن باريس أيقنت أخيراً أن عون وصهره باسيل هما من يعيقان تشكيل الحكومة، رغم ما دار في الاتصال الذي أجراه ماكرون بعون الذي تزامن في الوقت ذاته مع اتصالات تولاّها الفريق المعاون له في ملف الأزمة اللبنانية وشملت معظم القيادات الرئيسية المعنية بتشكيل الحكومة.
وقال إن باريس تتفهم الدوافع التي أملت على رئيس المجلس النيابي نبيه بري قوله إن تأخير تشكيل الحكومة لا يعود لأسباب خارجية، وإن المشكلة من عندياتنا، خصوصاً أنها لا تجد من مبرر للجوء عون وفريقه السياسي إلى إقفال الأبواب في وجه المبادرة التي أطلقها لإخراج عملية التشكيل من التأزُّم الذي يحاصرها مع أنها جاءت تحت سقف الالتزام بالمبادرة الفرنسية. ورأى المصدر أن الأزمة لا تتعلق بتشكيل الحكومة، وإنما تعود إلى أزمة محصورة بإصرار عون على توريث باسيل باعتباره الوحيد الذي لديه القدرة للحفاظ على إرثه السياسي، شرط أن يعيد له الاعتبار بعد أن استهدف بالعقوبات الأميركية، وقال إن ما أشيع في بيروت لم يحضر على جدول أعمال لقاء ماكرون - الحريري، خصوصاً لجهة رفع عدد أعضاء الحكومة من 18 إلى 20 وزيراً، إن لم يكن أكثر، وتفويض ماكرون تسمية من يتولى وزارتي العدل والداخلية.
وقال إن عون لا يزال يصر على «الثلث الضامن»، مع أن مكتبه الإعلامي ينفي باستمرار رغبته في ذلك، وسأل: وإلا لماذا يقاتل لتوزير مَن يمثل النائب طلال أرسلان الذي كان أبلغ بري في لقاء جمعهما أخيراً بأن رئيس الجمهورية لا يزال يتمسك بأن تأتي التشكيلة الوزارية من 20 وزيراً؟
وكشف المصدر أن الاتصال الذي أجراه الحريري برئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط عشية استعداده للقاء ماكرون، تطرق فيه إلى ما يشاع حول رفع عدد الوزراء إلى 20 وزيراً، وكان جواب الحريري بأن لا صحة لما يُشاع على هذا الصعيد، وأنه باقٍ على موقفه مهما تعالت حملات التهويل والابتزاز.
وكان رد جنبلاط بأنه لن يسمح باستخدام التمثيل الدرزي في الحكومة أداة لتعطيلها كما كان يحصل في السابق، في إشارة مباشرة إلى تشدُّده بموقفه رفضاً لحصول عون على الثلث المعطل.
لذلك، فإن عون يغرّد حكومياً وحيداً وهو يتصلّب في موقفه، لأن ما يهمّه إعادة تعويم باسيل وإنقاذه سياسيا، فيما يلوذ «حزب الله» بالصمت لتفادي إحراجه، وبالتالي يفضّل التموضع في منتصف الطريق بين حليفيه عون وبري الذي قرّر وقف التحرّك بعد أن اصطدمت مبادرته بدعم من الحزب بعناد ومكابرة من عون وفريقه السياسي. وعليه، فإن ماكرون الذي يدرس حالياً القيام بجولة على عدد من الدول العربية، ليس في وارد محو إدراج لبنان على لائحة الدول المشمولة بجولته ما لم يحصل تقدُّم يدفع باتجاه إزالة العراقيل التي تؤخر ولادة الحكومة وصولاً إلى التوافق على ضرورة الإعلان عنها، لتأتي زيارته الثالثة بيروت لمباركة الإنجاز الذي تحقق بتأليفها لأن من دونه لا يمكن إنقاذ لبنان من الانهيار الاقتصادي والمالي. كما أن عون بات مضطراً لمراجعة حساباته لئلا يندفع طوعاً باتجاه إقحام نفسه في اشتباك مع المجتمع الدولي، فيما هو في حاجة ماسة إلى ترميم علاقاته بالعدد الأكبر من الدول العربية. وفي المقابل، فإن الحريري سينصرف فور عودته إلى بيروت لتقويم الوضع استعداداً للموقف الذي سيعلنه في رسالته المتلفزة إلى اللبنانيين لمناسبة مرور 16 عاماً على اغتيال والده رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري.
وعلى الخط النيابي - الحكومي، فإن بري سيدعو لجلسة نيابية للتصديق على قرض البنك الدولي للبنان وقدره 246 مليون دولار يوزّع على العائلات الأشد فقراً، فيما ينأى بنفسه عن الطلب من حكومة تصريف الأعمال عقد جلسة لمجلس الوزراء لإقرار مشروع قانون الموازنة للعام الحالي.
وفي هذا السياق، علمت «الشرق الأوسط» بأن الرئيس حسان دياب لا يتناغم مع إصرار عون على عقد جلسة للحكومة لإقرار الموازنة ويشترط سلفاً الحصول على ضوء أخضر من البرلمان، وهذا ما لا يوافق عليه بري لئلا يُستخدم لاحقاً لتعويم الحكومة ما يتيح لعون الاستغناء عن تشكيل حكومة جديدة بذريعة أن الحالية تقوم بواجباتها.



خدمة التوصيل تزدهر في صنعاء رغم تردي المعيشة

بسبب تدهور المعيشة توقف نشاط عدد من شركات التوصيل في صنعاء (فيسبوك)
بسبب تدهور المعيشة توقف نشاط عدد من شركات التوصيل في صنعاء (فيسبوك)
TT
20

خدمة التوصيل تزدهر في صنعاء رغم تردي المعيشة

بسبب تدهور المعيشة توقف نشاط عدد من شركات التوصيل في صنعاء (فيسبوك)
بسبب تدهور المعيشة توقف نشاط عدد من شركات التوصيل في صنعاء (فيسبوك)

برغم فشل غالبية مشاريع خدمة التوصيل في العاصمة اليمنية صنعاء بسبب غلاء المعيشة، فإن الطلب عليها لم يتوقف، ويستمر مئات الشباب في تقديمها خصوصاً في شهر رمضان، وتشهد الشوارع المزدحمة قبيل مغرب كل يوم سباقاً مع الوقت يخوضه الشباب العاملون في هذه الخدمة، معرضين حياتهم للخطر.

وغالباً ما تتسبب الدراجات النارية بالكثير من الحوادث المرورية في شوارع صنعاء، ويرفع العاملون في خدمة التوصيل منسوب هذه الحوادث نتيجة رغبتهم في توصيل أكبر عدد من الطلبات لزيادة مداخيلهم، والاستجابة لإلحاح زبائنهم المطالبين بسرعة وصول الوجبات من المطاعم ومستلزمات الوجبات المنزلية من الأسواق.

ويذكر عمار سعيد، وهو عامل توصيل على دراجة هوائية، أن عمله في هذه المهنة يتطلب هدوء أعصاب وتركيزاً شديداً وقدرة على الصبر والتحمل.

ويبين سعيد لـ«الشرق الأوسط» أن غالبية زبائنه يطلبون وصول الطعام بأقصى سرعة، ويستعجلونه خلال تنقلاته بإلحاح شديد وتذمر، ما قد يفقده التركيز أثناء قيادة دراجته، وكثيراً ما يكون مضطراً لتوصيل أكثر من طلب في الوقت نفسه في اتجاهات مختلفة.

عمال في شركة توصيل في صنعاء خلال حفل تكريم لهم (فيسبوك)
عمال في شركة توصيل في صنعاء خلال حفل تكريم لهم (فيسبوك)

وكانت خدمة التوصيل في العاصمة صنعاء ومدن أخرى قد شهدت ازدهاراً كبيراً منذ 5 أعوام بسبب حائجة كورونا (كوفيد 19) وما تسببت به من عزوف عن الاختلاط والخروج من المنازل، وهو ما دفع بعدد من المستثمرين إلى إنشاء شركات توصيل تستخدم تطبيقات على الهواتف المحمولة.

ويكشف مقيمون في العاصمة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أنه، وبرغم إيقاف العديد من شركات التوصيل نشاطها وتسريح العاملين فيها خلال الأعوام الماضية، فإن الخدمة ذاتها لم تتوقف، بل تشهد تزايداً نسبياً من خلال طلب العائلات والأفراد لها من شبان يتعاملون معهم باستمرار، إلى جانب توظيف المطاعم الكبيرة لعمال توصيل.

ثراء غير متوقع

يستغرب الكثير من المتابعين للوضع في العاصمة صنعاء ومناطق سيطرة الجماعة الحوثية من ظهور وانتشار خدمة التوصيل، في حين يعاني غالبية السكان من أوضاع معيشية صعبة ومعقدة، ولا يملكون القدرة على شراء الطعام من المطاعم، ناهيك عن دفع المزيد من الأموال مقابل خدمة توصيله.

المطاعم والكافتيريات الشعبية تنتشر في غالبية شوارع وأحياء العاصمة صنعاء (خرائط جوجل)
المطاعم والكافتيريات الشعبية تنتشر في غالبية شوارع وأحياء العاصمة صنعاء (خرائط جوجل)

وبحسب هؤلاء، فإن العاصمة صنعاء تشهد اتساع رقعة البطالة وإغلاق العديد من الشركات التجارية وهروب أصحاب الأموال والاستثمارات، ولم يتبقَّ فيها إلا من لا يستطيع المغادرة لعدم مقدرته على ذلك، أو من لا يخشى على نفسه وممتلكاته من ممارسات الجماعة الحوثية.

إلا أن الباحث الاقتصادي اليمني عادل شمسان يشير إلى أن الإقبال على طلب خدمة التوصيل يأتي بسبب نشوء فئة واسعة تمكنت من الإثراء مستفيدة من الانقلاب والحرب، وهي الفئة التي تسيطر مظاهر ثرائها على المشهد في صنعاء من خلال ظهور أنواع جديدة من السيارات الفارهة والقصور الكبيرة وزيادة النشاط العمراني، مقابل اتساع دائرة الفقر والفاقة.

ويوضح شمسان لـ«الشرق الأوسط» أن هذه الفئة الجديدة نشأت من خلال أعمال النهب المنظم، أو العشوائي، لموارد المؤسسات العامة وأعمال الجباية والإتاوات المفروضة على غالبية السكان، وابتزاز الشركات التجارية ورجال الأعمال والمستثمرين، وتكوين طبقة من المستثمرين الطفيليين الذين سعوا للإثراء من خلال الأموال المنهوبة أو بالشراكة الإجبارية مع أصحاب رؤوس الأموال.

شركة توصيل في صنعاء استخدمت الخيول قبل ثلاث سنوات للفت الانتباه (إكس)
شركة توصيل في صنعاء استخدمت الخيول قبل ثلاث سنوات للفت الانتباه (إكس)

ويرى مراقبون للشأن اليمني في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية أن هناك فئة أخرى تمكنت من الإثراء من خلال العمل أو النشاط في تقديم المساعدات الإغاثية، سواء مع المنظمات الدولية والأممية أو المحلية، وهو النشاط الذي يشهد فساداً واسعاً بحسب العديد من التقارير.

أطعمة جديدة

يعدّ انتشار خدمة التوصيل في صنعاء أمراً لافتاً، كون الأوضاع المعيشية فيها لا تؤهل لذلك، إلى جانب أن المطاعم الشعبية منتشرة في كل الشوارع والأحياء وبالقرب من جميع المساكن تقريباً، في حين يفضل غالبية السكان إعداد الطعام في المنازل.

تقول لبنى عقلان، وهي طبيبة أسنان، إنها وحتى سنوات قليلة مضت، لم تكن تطلب هذه الخدمة كما هي عليها الآن، وكانت تكتفي بالاتصال الهاتفي إلى الكافتيريا الموجودة في نفس البناية التي تقع فيها عيادتها لطلب الطعام، فيقوم أحد العاملين بإيصاله خلال دقائق معدودة.

انتشار مشاريع الطبخ في المنازل ساعد في انتشار خدمة التوصيل (الأمم المتحدة)
انتشار مشاريع الطبخ في المنازل ساعد في انتشار خدمة التوصيل (الأمم المتحدة)

لكن الأعوام الأخيرة شهدت، بحسب حديث عقلان لـ«الشرق الأوسط»، افتتاح مطاعم تقدم وجبات جديدة ومميزة، وهو ما يغري بطلب إيصالها بسبب ازدحام أوقات العمل وعدم القدرة على التنقل إليها والعودة بسرعة.

أما عصام شرف، وهو اسم مستعار لمعلم فيزياء في إحدى كبريات مدارس العاصمة صنعاء، فيلفت إلى أن طلبات توصيل الطعام تعدّ رفاهية لا يحصل عليها سوى من يملكون القدرة على ذلك، وقد حظي بها بسبب عملها في تقديم الدروس الخصوصية.

الإثراء بسبب الحرب والانقلاب والفساد أدى إلى انتشار واسع لمطاعم فارهة في صنعاء (خرائط جوجل)
الإثراء بسبب الحرب والانقلاب والفساد أدى إلى انتشار واسع لمطاعم فارهة في صنعاء (خرائط جوجل)

ووفق حديثه لـ«الشرق الأوسط»، فإن الطلاب الذين يقدم لهم الدروس الخصوصية، وغالبيتهم من عائلات ثرية، يطلبون الطعام لهم وله خلال جلسات الدراسة، فيحصل على وجبات لم يكن يفكر حتى بها بسبب أسعارها المرتفعة، وأحياناً يأخذ ما تبقى منها لعائلته في المنزل.

وتساعد مشاريع إعداد الطعام بالمنازل في استمرار خدمة التوصيل، حيث يعتمد أصحاب هذه المشاريع، وأغلبهم من النساء، على شبان يعملون على دراجات نارية أو هوائية في توصيل الطعام إلى الزبائن.