«مبدعون خالدون»... رسالة تقدير لرموز التشكيل المصري

المعرض يضم 200 عمل في الرسم والنحت والتصوير

«مبدعون خالدون»... رسالة تقدير لرموز التشكيل المصري
TT

«مبدعون خالدون»... رسالة تقدير لرموز التشكيل المصري

«مبدعون خالدون»... رسالة تقدير لرموز التشكيل المصري

يكتسب معرض «مبدعون خالدون» المقام بأتيليه العرب للثقافة والفنون (غاليري ضي) في حي المهندسين بمدينة الجيزة، (غرب القاهرة) معنى مختلفاً في سياق الحركة التشكيلية المصرية؛ فهو لا يستهدف مجرد تعريف الجمهور على أسماء مبدعة أو رفع ذائقة المتلقي وتنمية قدرته على التقاط الجمال، بل يكاد يكون هدفه الأول، إرسال رسالة وفاء وتقدير وإخلاص لذكرى فنانين كبار أثروا المشهد الإبداعي المصري والعربي ثم رحلوا في صمت وهدوء.
ويضم المعرض الذي يستمر حتى الثامن عشر من فبراير (شباط) الحالي، مائتي عمل في مختلف المجالات، لا سيما الرسم والنحت والتصوير لـ39 فناناً ينتمون إلى مدارس فنية واتجاهات وتيارات إبداعية متنوعة على مدار ما يقرب من مائة عام.
الناقد التشكيلي هشام قنديل، مؤسس «غاليري ضي» يقول، إن «هذا هو الموسم الثالث على التوالي لهذا المعرض الذي نحرص على إقامته مرة كل عام توثيقاً للذاكرة التشكيلية وربطاً للأجيال الجديدة بتراثها الفني»، مضيفاً في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، أنه يتعين على صناع المشهد الإبداعي الحالي اتخاذ كل ما يلزم من مبادرات تتضمن لمسة وفاء وتبعث برسالة حب وتقدير إلى رموز التشكيل الذين أمتعونا بعصارة جهدهم الفني، وليس من اللائق أن ننساهم بمجرد رحليهم عن الحياة».
ومن أبرز الأسماء التي حرص المنظمون على تمثيلها في المعرض، آدم حنين، وحسين محمد يوسف، ومحسن شعلان، وناجي شاكر، ورؤوف رأفت، وجمال عبد الحليم، كما يضم المعرض جناحاً خاصاً لأعمال الفنانين زكريا الزيني وصبري عبد الغني الذي وافته المنية أخيراً، ومحمود أبو المجد وسامح البناني، بينما اقتصر التمثيل النسائي في المعرض على خمسة أسماء فقط هن عايدة عبد الكريم، وفايزة محمود، ونعيمة الشيشيني، وروحية توفيق، وزينب عبد الحميد.
وتعد مفردتا «الحب والاحتواء» مفتاحاً لفهم وتناول الأعمال النحتية المميزة للفنان كمال عبيد (1918 – 2002)، سواء من خلال فعل الأمومة، كما في تمثالي البقرة وصغيرها، والحمامة وبيضها، أو من خلال الأعمال النحتية الجمعية، كما في الأم المحاربة وأولادها، أو راقصي التحطيب في الجنوب.
كما يأخذنا الفنان محمد رياض سعيد (1937 - 2008) إلى أجواء من الفانتازيا واللامعقول، كما في تلك اللوحة المميزة التي يجتمع فيها محارب روماني وفارس عربي وبينهما مقعد مخصص لذوي الاحتياجات الخاصة في تناقض صارخ ومفارقة دالة تعزف على ثنائية القوة والعجز.
في حين واصل الفنان صبري عبد الغني المولود في عام 1923 ورحل عن عالمنا مطلع العام الحالي، إزالة الحواجز بين الواقع والخيال عبر لوحة بديعة يتجاور فيها حصان رشيق القوام مع أسرة مكون من زوج وزوجة وابن في تكوين واحد يبدو أقرب للسيريالية، في إشارة ضمنية إلى وجود قوائم مشتركة بين مفرداته.
ويكاد يستحوذ الفنان زكريا الزيني (1932 - 1993) على نصيب الأسد من حجم الأعمال المشاركة في انحياز مبرر تماماً لمجمل المنجز الإبداعي لهذا الفنان الرائد، فأعماله ذات الحس الفطري والخطوط البسيطة والمسحة الطفولية تعيدك إلى زمن البراءة؛ إذ تتساوى في ذلك الوجوه مع البيوت، فالأصل واحد حيث الرهافة والنقاء مع استبعاد كامل للوعي الأكاديمي والأداء الاحترافي.
وحسب قنديل، فإنّ بعض الفنانين المصريين، من بينهم الفنان والناقد التشكيلي أحمد نوار، رئيس جمعية محبي الفنون الجميلة، طالبوا لجنة المقتنيات بقطاع الفنون التشكيلية التابع لوزارة الثقافة بالانتباه إلى هذا المعرض والاشتغال عليه في ضوء دعم مساندة الإرث التشكيلي للبلاد.



رحيل عبد الله النعيم... المعلم والمهندس قبل أن يحمل الابتدائية

الراحل عبد الله العلي النعيم
الراحل عبد الله العلي النعيم
TT

رحيل عبد الله النعيم... المعلم والمهندس قبل أن يحمل الابتدائية

الراحل عبد الله العلي النعيم
الراحل عبد الله العلي النعيم

محطات كثيرة ولافتة وعجيبة شكلت حياة عبد الله العلي النعيم، الذي رحل، الأحد، بعد رحلة طويلة في هذه الحياة تجاوزت تسعة عقود، كان أبرزها توليه منصب أمين مدينة الرياض في بدايات سنوات الطفرة وحركة الإعمار التي شهدتها معظم المناطق السعودية، وسبقتها أعمال ومناصب أخرى لا تعتمد على الشهادات التي يحملها، بل تعتمد على قدرات ومهنية خاصة تؤهله لإدارة وإنجاز المهام الموكلة إليه.

ولد الراحل النعيم في مدينة عنيزة بمنطقة القصيم وسط السعودية عام 1930، والتحق بالكتاتيب وحلقات التعلم في المساجد قبل إقرار المدارس النظامية، وأظهر نبوغاً مبكراً في صغره، حيث تتداول قصة عن تفوقه، عندما أجرى معلمه العالم عبد الرحمن السعدي في مدرسته بأحد مساجد عنيزة مسابقة لحفظ نص لغوي أو فقهي، وخصص المعلم جائزة بمبلغ 100 ريال لمن يستطيع ذلك، وتمكن النعيم من بين الطلاب من فعل ذلك وحصل على المبلغ، وهو رقم كبير في وقته يعادل أجر عامل لمدة أشهر.

محطات كثيرة ولافتة وعجيبة شكلت حياة عبد الله العلي النعيم

توجه الشاب النعيم إلى مكة بوصفها محطة أولى بعد خروجه من عنيزة طلباً للرزق وتحسين الحال، لكنه لم يجد عملاً، فآثر الذهاب إلى المنطقة الشرقية من بلاده حيث تتواجد شركة «أرامكو» ومشاريعها الكبرى، وتوفّر فرص العمل برواتب مجزية، لكنه لم يذهب للشركة العملاقة مباشرة، والتمس عملاً في إحدى محطات الوقود، إلى أن وجد عملاً في مشروع خط التابلاين التابع لشركة «أرامكو» بمرتب مجز، وظل يعمل لمدة ثلاث سنوات ليعود إلى مسقط رأسه عنيزة ويعمل معلماً في إحدى مدارسها، ثم مراقباً في المعهد العلمي بها، وينتقل إلى جدة ليعمل وكيلاً للثانوية النموذجية فيها، وبعدها صدر قرار بتعيينه مديراً لمعهد المعلمين بالرياض، ثم مديراً للتعليم بنجد، وحدث كل ذلك وهو لا يحمل أي شهادة حتى الابتدائية، لكن ذلك اعتمد على قدراته ومهاراته الإدارية وثقافته العامة وقراءاته وكتاباته الصحافية.

الراحل عبد الله العلي النعيم عمل مديراً لمعهد المعلمين في الرياض

بعد هذه المحطات درس النعيم في المعهد العلمي السعودي، ثم في جامعة الملك سعود، وتخرج فيها، وتم تعيينه أميناً عاماً مساعداً بها، حيث أراد مواصلة دراسته في الخارج، لكن انتظرته مهام في الداخل.

وتعد محطته العملية في شركة الغاز والتصنيع الأهلية، المسؤولة عن تأمين الغاز للسكان في بلاده، إحدى محطات الراحل عبد الله العلي النعيم، بعد أن صدر قرار من مجلس الوزراء بإسناد مهمة إدارة الشركة إليه عام 1947، إبان أزمة الغاز الشهيرة؛ نظراً لضعف أداء الشركة، وتمكن الراحل من إجراء حلول عاجلة لحل هذه الأزمة، بمخاطبة وزارة الدفاع لتخصيص سيارة الجيش لشحن أسطوانات الغاز من مصدرها في المنطقة الشرقية، إلى فروع الشركة في مختلف أنحاء السعودية، وإيصالها للمستهلكين، إلى أن تم إجراء تنظيمات على بنية الشركة وأعمالها.

شركة الغاز والتصنيع الأهلية تعد إحدى محطات الراحل عبد الله العلي النعيم

تولى النعيم في بدايات سنوات الطفرة أمانة مدينة الرياض، وأقر مشاريع في هذا الخصوص، منها إنشاء 10 بلديات في أحياء متفرقة من الرياض، لتسهيل حصول الناس على تراخيص البناء والمحلات التجارية والخدمات البلدية. ويحسب للراحل إقراره المكتب التنسيقي المتعلق بمشروعات الكهرباء والمياه والهاتف لخدمة المنازل والمنشآت وإيصالها إليها، كما طرح أفكاراً لإنشاء طرق سريعة في أطراف وداخل العاصمة، تولت تنفيذها وزارة المواصلات آنذاك (النقل حالياً)، كما شارك في طرح مراكز اجتماعية في العاصمة، كان أبرزها مركز الملك سلمان الاجتماعي.

تولى النعيم في بدايات سنوات الطفرة أمانة مدينة الرياض