هجوم إلكتروني بريطاني شل قدرات «داعش» وطائراتهم «الدرون» في سوريا

شملت التشويش على الهواتف المحمولة وحظر الدعاية المتطرفة للتنظيم

TT

هجوم إلكتروني بريطاني شل قدرات «داعش» وطائراتهم «الدرون» في سوريا

كشف قادة الاستخبارات والجيش البريطاني، عن تفاصيل عملية استهدفت إضعاف القدرات التقنية لدى تنظيم «داعش» الإرهابي في عام 2016 و2017. وأفصح قادة الجيش والمسؤولون الأمنيون، عن أن العملية الإلكترونية السرية التي جرت في المملكة المتحدة بهدف تشويه آيديولوجية «داعش» وإضعاف مقاتلي التنظيم في ميدان القتال قد اشتملت على تعطيل عمل الطائرات المسيرة (الدرون)، والتشويش على الهواتف المحمولة، واستخدام الخوادم في منع الدعاية للتنظيم عبر شبكة الإنترنت، بحب «التايمز» البريطانية أمس. وجاء الإفصاح سالف الذكر عن جيريمي فليمنغ، مدير وكالة استخبارات الإشارة البريطانية، رفقة الجنرال باتريك ساندرز، رئيس القيادة الاستراتيجية البريطانية، قبل شهرين فقط من إعلان بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني، عن إنشاء «القوة السيبرانية» الجديدة الخاضعة لإدارة الجيش البريطاني بالتشارك مع وكالات التجسس المعنية بهدف التعامل مع الخصوم المحتملين في الفضاء الرقمي الكبير. ومن شأن فريق العمل الجديد، الذي من المرجح أن يضم بضع مئات من العاملين إلى نحو 3 آلاف موظف خلال السنوات العشر المقبلة، أن يجمع الإمكانات السيبرانية التعرضية (الهجومية) في المملكة المتحدة تحت مظلة وحدة مشتركة. وقال فليمنغ وساندرز، أثناء مناقشة عملية تنظيم «داعش» في عام 2016 و2017 في برنامج «داخل المنطقة الرمادية» على قناة «سكاي نيوز» الإخبارية، إنه قد صار من الواضح تماماً أن المتطرفين الإسلامويين يعتمدون على التقنيات الإلكترونية في الدعاية، والقيادة والسيطرة، والتخطيط للهجمات. وفي تلك الأثناء، كان التنظيم الإرهابي يجند العناصر القتالية حال سعيه الحثيث إلى إقامة الخلافة المزعومة على مساحات كبيرة من العراق وسوريا. وأوضح ساندرز قائلاً «لقد كانت وسيلة رخيصة جداً وفعالة للغاية في شن حرب إرهابية من قبل التنظيم. وما أردنا فعله يتعلق بتحويل تلك القدرة، وذلك الاعتماد لديهم على شبكة الإنترنت، إلى ثغرة أمنية يمكن النفاذ عبرها إليهم، فضلاً عن تشويه مصداقية الآيديولوجية والحملة الإعلامية المحمومة».
وكانت وكالة استخبارات الإشارة البريطانية قد أعلنت للمرة الأولى قبل 3 سنوات، أنها شنت «حملة سيبرانية هجومية» ضد تنظيم «داعش»، غير أنها لم تُفصح عن المزيد من التفاصيل بشأن العملية. وفي حين أقرت المملكة المتحدة وحلفاؤها مثل الولايات المتحدة الأميركية باستخدام الحملات السيبرانية الهجومية ضد الخصوم، إلا أن تفاصيل الإمكانات الهجومية تبقى قيد السرية المطلقة. ولقد أظهر الخصوم الدوليون مثل روسيا، والصين، وكوريا الشمالية، وإيران، استعدادهم الواضح للاستعانة بهذه الأساليب الحديثة. وقال فليمنغ، إن الفريق المشترك بين الجيش ووكالة استخبارات الإشارة البريطانية قد نجح في تعطيل اتصالات مقاتلي «داعش» في ساحة القتال، واختبروا تقنية جديدة تهدف إلى تقويض تكنولوجيا الطائرات المسيرة (الدرون) لدى التنظيم. كما أوضح أيضاً، أن المملكة المتحدة قد سعت إلى حظر الدعاية المتطرفة التي يمارسها التنظيم الإرهابي من خلال «الوصول عن بُعد إلى الخوادم الخاصة بالتنظيم، والوصول إلى الأماكن التي يحتفظون فيها بالمواد الدعائية».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.