آثار بابل تصارع الزمن والماء والحداثة

يقاتل دعاة الحفاظ على البيئة لحماية ماضي مدينة بابل (نيويورك تايمز)
يقاتل دعاة الحفاظ على البيئة لحماية ماضي مدينة بابل (نيويورك تايمز)
TT

آثار بابل تصارع الزمن والماء والحداثة

يقاتل دعاة الحفاظ على البيئة لحماية ماضي مدينة بابل (نيويورك تايمز)
يقاتل دعاة الحفاظ على البيئة لحماية ماضي مدينة بابل (نيويورك تايمز)

التقط عمار الطائي، عالم آثار عراقي، لوحاً طينياً سقط من أحد جدران بابل العتيقة. وحجبت آثار مخالب كلب تجول على قطعة الطمي المجفف منذ ما يزيد عن ألفي عام ماضية جزءاً من النقش المسماري - مما يعتبر بمثابة تذكير بأن هذه الأطلال كانت ذات يوم مدينة تعج بالحياة.
وقال الطائي، 29 عاماً: «هذا تراث العراق، ونحن بحاجة لإنقاذه».
وباعتباره جزءاً من جيل جديد من علماء الآثار، يعمل الطائي لحساب الحكومة العراقية في مشروع يتبع «الصندوق العالمي للآثار والتراث» يرمي إلى تقليص الأضرار التي لحقت بواحد من أشهر المواقع الأثرية على مستوى العالم ـ وأكثرها غموضاً.
وبعد سنوات من الجهود العراقية، جرى تصنيف بابل منذ عامين كموقع تراث عالمي تحت مظلة «اليونيسكو»، وذلك اعترافاً بالقيمة الثقافية العالمية الاستثنائية لما يعتبر الحاضرة الأكثر إبهاراً في العالم القديم.
إلا أنه يتعين عليك استخدام خيالك.
منذ قرن مضى، عكف علماء آثار ألمان على نقل أهم أجزاء المدينة. واليوم، تعتبر «بوابة عشتار»، التي أعيد بناؤها باستخدام العديد من قطع الآجر المزجج الأصلي، بمثابة حجر الزاوية في متحف بيرغامون في برلين. كما جرى بيع أجزاء أخرى من جدران بابل لمؤسسات أخرى، منها متحف الميتروبوليتان في نيويورك.
اليوم، سقطت بابل، مثلما الحال مع الكثير من المواقع الأثرية في العراق، في حالة يرثى لها. وتبدو جدران بابل متداعية، في الوقت الذي تهدد جهود إعادة الإعمار وخطوط أنابيب نقل الوقود مساحات واسعة من المدينة التي لم يجر بعد استكشاف الجزء الأكبر منها.
ورغم هذا، ما يزال العراقيون ـ رغم انشغالهم بالوضع الأمني غير المستقر في البلاد ومشكلات سياسية ومالية ملحة ـ يشعرون بارتباط عميق ببابل.
من جانبي، شاهدت بابل للمرة الأولى في تسعينيات القرن الماضي. في ذلك الوقت، كان العراق تحت وطأة القبضة الحديدية لصدام حسين. وكان الجزء الأكثر إثارة للبهجة في الزيارة، رؤية عائلات من سكان المنطقة يستمتعون بوقتهم وتبدو نفوسهم خالية من الهموم لبضع ساعات. وأمام إعادة تصميم لـ«بوابة عشتار» يبدو أقرب إلى أعمال «ديزني لاند»، كان باستطاعتك اختيار بطاقة بريدية من رف معدني دوار ووضعها في صندوق بريد معدني.
اليوم، غطى الصدأ هذا الصندوق البريدي الذي صار مهجوراً، في الوقت الذي استولت قوات الشرطة المكلفة بحراسة الموقع الأثري على متجر الهدايا التذكارية.
وبعد سنوات من الصراع، ورغم أن البلاد لم تعد خالية تماماً من العنف، أصبح العراق الآن آمناً بما يكفي لأن يفد العراقيون الأصغر سناً الذين لم تتح لهم فرصة رؤية الجزء الأكبر من أرجاء وطنهم، إلى بابل.
الآن، بمقدور زائر الموقع الذي يقع على بعد نحو 50 ميلاً إلى الجنوب من بغداد، رؤية مخطط أعيد بناؤه لجزء صغير من المدينة، يضم الجدران التي كانت تدعم فيما مضى «بوابة عشتار».
يذكر أنه على مدار مئات السنوات حتى منتصف تسعينيات القرن الماضي، عانت بابل من مأساة إقدام سكان المناطق المحيطة إلى تفكيك جدرانها لنقل قطع الطوب القديمة لمشروعات البناء الخاصة بهم.
جدير بالذكر في هذا الصدد أن المدينة التي يقدر عمرها بـ4 آلاف عاماً، وورد ذكرها مئات المرات في الكتاب المقدس، أصبحت عاصمة الإمبراطورية البابلية وكانت تعد المدينة الكبرى على مستوى العالم. وجاءت «شريعة حامورابي»، أحد أقدم القوانين والعقوبات المسجلة، من بابل، وكذلك الحال مع تطورات كبرى بمجال الفلك وعلوم أخرى.
تاريخياً، سقطت الإمبراطورية البابلية عام 539 قبل الميلاد أمام الإمبراطورية الفارسية، وبعد قرنين توفي الإسكندر الأكبر بها. وانهارت الإمبراطورية التي شيدها وتعرضت بابل نهاية الأمر للهجران والإهمال.
وما تزال بعض الجدران، بما تحمله من نقوش طينية يقدر عمرها بـ2500 عام تحمل صور تنانين وثيران مرتبطة بالآلهة، قائمة إلى يومنا هذا. إلا أن الكثير من قطع الآجر تتداعى، ومع ارتفاع منسوب المياه تواجه جدران بأكملها خطر الانهيار. ويقدر أنصار الحفاظ على المناطق الأثرية أن تركيب نظام لمنع المياه من التسرب إلى الموقع الأثري سيكلف عشرات الملايين من الدولارات.
من جهته، قال جيف ألين، الخبير المعني بالحفاظ على الآثار التاريخية والذي تولى قيادة مشروع «الصندوق العالمي للآثار والتراث» منذ عام 2009: «يتعرض الطوب في هذه المنطقة على نحو متكرر للمياه والجفاف وارتفاع نسبة الأملاح، وبعد ذلك تنهار».
وبسبب تآكلها بفعل الملح الجاف من الماء، تنهار بعض قطع الطوب حرفياً بمجرد اللمس.
إلا أنه مثلما كان الحال في أغلب الأحيان داخل بابل على مر السنين، تبقى أكبر التهديدات التي تواجه الموقع من صنع الإنسان. على سبيل المثال، داخل أسوار مدينة بابل الخارجية تعكف وزارة النفط العراقية على بناء محطة قياس لواحد من ثلاثة خطوط أنابيب جرى بناؤها في السنوات الأخيرة، في الوقت الذي تزداد أعداد المنازل باطراد داخل محيط الموقع.
وبينما بذل المسؤولون العراقيون قصارى جهدهم لحماية الموقع أثناء السعي للفوز بتصنيفه كموقع للتراث العالمي، تراجعت هذه الجهود على نحو بالغ منذ ذلك الحين.
تجدر الإشارة إلى أنه بعد غزو العراق عام 2003. بنى مقاولون عسكريون أميركيون قاعدة في الموقع، وحفروا خنادق وقاد الأميركيون مركبات مدرعة عبر شوارع بابل الهشة، وملأوا أكياس الرمل بالتراب الممزوج بالفخار وشظايا العظام. وتسبب هذا كله في أضرار فادحة في الموقع، حسبما خلص تقرير صدر عن المتحف البريطاني.
إلا أن هذا لم يكن الانتهاك الأول للموقع.
على سبيل المثال، في عشرينيات القرن الماضي بنى البريطانيون مسارات للقطارات عبر الموقع الأثري في إطار خط السكك الحديدية الرابط بين بغداد والبصرة. وفي وقت لاحق، بنت الحكومة العراقية طريقاً سريعاً متاخماً لخط السكك الحديدية.
من جانبه، بنى صدام حسين، الذي رأى نفسه خليفة نبوخذ نصر، في ثمانينيات القرن الماضي قصراً ضخماً يطل على الآثار التي جرى استكشافها. كما أمر بإعادة بناء أجزاء من بابل، مما أدى إلى معظم المشكلات التي تواجهها جهود الحفاظ على أثار الموقع اليوم.
خلال تلك الجهود، جرى تثبيت طوب حديث أثقل فوق الطوب الأصلي القديم، واحتجزت الأرضيات الإسمنتية المياه بينما دفع السقف الإسمنتي فوق أحد المعابد القديمة إلى دفع المعبد بأكمله نحو الأسفل.
عن هذا الأمر، قالت جوزفين دلاريو، الخبيرة الإيطالية بمجال العمارة الترابية والتي تعمل في الموقع: «خلال السبعينيات والثمانينيات، كان من المعتاد استخدام الإسمنت. اليوم وبعد مرور عقود، رأينا أن الإسمنت يضر بالأشياء».
وبعد تأخير دام لعام بسبب ظروف الجائحة، عاد فريق «الصندوق العالمي للآثار والتراث» إلى بابل ليقرر السبيل الأمثل لعلاج الأضرار بالأماكن التي يمكن أن تتسبب فيها محاولة حفر الخرسانة إلى وقوع المزيد من الضرر.
من ناحيته، تولى مشروع «مستقبل بابل»، صندوق غير هادف للربح، والذي يتلقى تمويلاً جزئياً من وزارة الخارجية الأميركية، دعم جدران كانت معرضة لخطر السقوط وحقق استقراراً في وضع تمثال أسد بابل الشهير. كما يتولى المشروع تدريب فنيين عراقيين بمجال الحفاظ على الآثار وصيانتها، بجانب تقديمه المشورة بخصوص السبيل الأمثل لإدارة الموقع.
من ناحية أخرى، وبالنسبة لمدينة استحوذت على جزء كبير من خيال العالم، لا يعرف على وجه اليقين سوى القليل للغاية عن بابل.
وحتى يومنا هذا، لم يعثر على أي دليل عن حدائق بابل المعلقة، التي اشتهرت بكونها واحدة من العجائب السبع للعالم القديم. كما لم يتم تحديد موقع برج بابل الموصوف في العهد القديم.
ويكمن الجزء الأكبر من المشكلة في أن معظم المدينة التي تبلغ مساحتها أربعة أميال مربعة لم يجر التنقيب فيها أو حتى مسحها.
من ناحيته، قال أولوف بيدرسن، الأستاذ الفخري في علم الآشوريات بجامعة أوبسالا في السويد ويعمل مستشاراً لدى «الصندوق العالمي للآثار والتراث»: «لم يجر التنقيب عن الآثار سوى في بعض المباني الضخمة والمشهورة، بينما لا نعرف سوى القليل عن باقي أرجاء المدينة».
* خدمة «نيويورك تايمز»



هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
TT

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.
يكشف خرما تفاصيل تأليف مقطوعاته الموسيقية التي عُزفت في البطولة، إلى جانب الموسيقى التصويرية لفيلم «يوم 13» المعروض حالياً في الصالات المصرية، فيعبّر عن فخره لاختياره تمثيل مصر بتقديم موسيقى حفلِ بطولة تشارك فيها 40 دولة من العالم، ويوضح: «أمر ممتع أن تقدّم موسيقى بشكل إبداعي في مجالات أخرى غير المتعارف عليها، وشعور جديد حين تجد متلقين جدداً يستمعون لموسيقاك».
ويشير الموسيقار المصري إلى أنه وضع «ثيمة» خاصة تتماشى مع روح لعبة الجمباز: «أردتها ممزوجة بموسيقى حماسية تُظهر بصمتنا المصرية. عُزفت هذه الموسيقى في بداية العرض ونهايته، مع تغييرات في توزيعها».
ويؤكد أنّ «العمل على تأليف موسيقى خاصة للعبة الجمباز كان مثيراً، إذ تعرّفتُ على تفاصيل اللعبة لأستلهم المقطوعات المناسبة، على غرار ما يحدث في الدراما، حيث أشاهد مشهداً درامياً لتأليف موسيقاه».
ويتابع أنّ هناك فارقاً بين وضع موسيقى تصويرية لعمل درامي وموسيقى للعبة رياضية، إذ لا بدّ أن تتضمن الأخيرة، «مقطوعات موسيقية حماسية، وهنا أيضاً تجب مشاهدة الألعاب وتأليف الموسيقى في أثناء مشاهدتها».
وفي إطار الدراما، يعرب عن اعتزازه بالمشاركة في وضع موسيقى أول فيلم رعب مجسم في السينما المصرية، فيقول: «خلال العمل على الفيلم، أيقنتُ أنّ الموسيقى لا بد أن تكون مجسمة مثل الصورة، لذلك قدّمناها بتقنية (Dolby Atmos) لمنح المُشاهد تجربة محيطية مجسمة داخل الصالات تجعله يشعر بأنه يعيش مع الأبطال داخل القصر، حيث جرى التصوير. استعنتُ بالآلات الوترية، خصوصاً الكمان والتشيللو، وأضفتُ البيانو، مع مؤثرات صوتية لجعل الموسيقى تواكب الأحداث وتخلق التوتر المطلوب في كل مشهد».
يشرح خرما طريقته في التأليف الموسيقي الخاص بالأعمال الدرامية: «أعقدُ جلسة مبدئية مع المخرج قبل بدء العمل على أي مشروع درامي؛ لأفهم رؤيته الإخراجية والخطوط العريضة لاتجاهات الموسيقى داخل عمله، فأوازن بين الأشكال التي سيمر بها العمل من أكشن ورومانسي وكوميدي. عقب ذلك أضع استراتيجية خاصة بي من خلال اختيار الأصوات والآلات الموسيقية والتوزيعات. مع الانتهاء المبدئي من (الثيمة) الموسيقية، أعقد جلسة عمل أخرى مع المخرج نناقش فيها ما توصلت إليه».
ويرى أنّ الجمهور المصري والعربي أصبح متعطشاً للاستمتاع وحضور حفلات موسيقية: «قبل بدء تقديمي الحفلات الموسيقية، كنت أخشى ضعف الحضور الجماهيري، لكنني لمستُ التعطّش لها، خصوصاً أن هناك فئة عريضة من الجمهور تحب الموسيقى الحية وتعيشها. وبما أننا في عصر سريع ومزدحم، باتت الساعات التي يقضيها الجمهور في حفلات الموسيقى بمثابة راحة يبتعد فيها عن الصخب».
وأبدى خرما إعجابه بالموسيقى التصويرية لمسلسلَي «الهرشة السابعة» لخالد الكمار، و«جعفر العمدة» لخالد حماد، اللذين عُرضا أخيراً في رمضان.