تدشين أول وحدة مصرية لتعقيم المقتنيات الأثرية بالنيتروجين

صممها خبراء ترميم متحف قصر المنيل في القاهرة

غرفة التعقيم عقب الانتهاء من تجهيزها
غرفة التعقيم عقب الانتهاء من تجهيزها
TT

تدشين أول وحدة مصرية لتعقيم المقتنيات الأثرية بالنيتروجين

غرفة التعقيم عقب الانتهاء من تجهيزها
غرفة التعقيم عقب الانتهاء من تجهيزها

في خطوة تعكس التطورات المتلاحقة التي يشهدها علم ترميم الآثار وصيانته خلال السنوات الأخيرة، صمم فريق من الخبراء بمتحف قصر المنيل بالقاهرة، أول وحدة لتعقيم الآثار ومقتنيات المتاحف من الحشرات والإصابات الميكروبولوجية باستخدام غاز النيتروجين، وتمكن الفريق العلمي من تصنيع وتجميع الوحدة يدوياً بمكونات وخامات محلية، وتصميم هندسي بسيط.
قام بتصميم وتنفيذ الوحدة بخامات وأدوات مصرية فريق إدارة الترميم بمتحف قصر المنيل، تحت إشراف مدحت صابر، مدير عام ترميم متاحف القاهرة الكبرى بوزارة السياحة والآثار المصرية، وبمشاركة أحمد خيري، الخبير بإدارة الأزمات والكوارث بالوزارة، وهي عبارة عن آلة تعقيم تعمل بالنيتروجين، ذات تصميم هندسي وميكانيكي بسيط، إذ تتكون من أنبوبة نيتروجين بوصلات خاصة تضخ الغاز الخامل داخل غرفة تعقيم صغيرة عبارة عن مساحة مستطيلة محكمة الإغلاق تشبه جهاز الأشعة، ومؤشرات داخل غرفة التعقيم لقياس مستوى ضخ النيتروجين ودرجة الحرارة والرطوبة، وإناءين؛ أحدهما يضخ نسبة من المياه تختلط بالغاز الخامل، والآخر يستقبل المياه الزائدة.
وتعمل الوحدة بطريقة بسيطة، حيث يتم عمل «كبس» لغرفة التعقيم لإفراغها من الهواء، ثم توضع القطعة الأثرية داخلها وتغلق بإحكام، بينما يتم ضخ النيتروجين، وتبقى القطعة المُصابة داخل الغرفة لمدة 15 يوماً، يقوم الغاز الخامل خلالها بالقضاء على جميع الحشرات والإصابات الميكروبولوجية، وفق رحاب جمعة، مدير إدارة الترميم بمتحف قصر المنيل، التي تقول لـ«الشرق الأوسط»، إن «وحدة التعقيم تعتمد على استخدام الغاز الخامل (النيتروجين) للقضاء على الإصابة الحشرية التي يتعرض لها الأثر، وتؤثر على مكوناته الداخلية، ما يسبب التلف البيولوجي، ويمكن استبدال النيتروجين بغاز ثاني أكسيد الكربون، غير أن الأول أكثر أماناً، وتُترك القطعة الأثرية داخل غرفة التعقيم 15 يوماً، ويتم ضخ النيتروجين بنسب معينة حسب حجم الوحدة والقطع الأثرية الموجودة داخلها، بينما توجد بداخل الغرفة أجهزة ومؤشرات لقراءة وتسجيل نسب ضخ الغاز ودرجات الحرارة والرطوبة ومعدلات تغيرها يومياً طوال فترة وجود القطعة الأثرية داخل الغرفة».
ويعمل فريق الخبراء على تطوير الوحدة في اتجاهات مختلفة لتتمكن من التعامل مع جميع القطع والمقتنيات الأثرية، بحسب جمعة، إذ يجري في الوقت الراهن صناعة غرف تعقيم بمقاسات أكبر لتناسب المقتنيات كبيرة الحجم، كما يعمل الفريق على تصميم غرفة تعقيم متنقلة «محمولة» لتعقيم القطع الثابتة التي يصعب نقلها، وهي تشبه الخيمة، تتم تغطية التمثال بها وإحكام إغلاقها حوله لمنع تسرب النيتروجين، وتعمل بنفس المبدأ العلمي والدورة الهندسية. وتشير جمعة إلى أنه «يجري أيضاً تصميم نسخة مختلفة من الوحدة تستخدم الزيوت العطرية في التعقيم، وسوف تستخدم في حالات الإصابات الحشرية الخطيرة، إذ إن كل حشرة يناسبها نوع معين من الزيوت العطرية يمكنه القضاء عليها وعلاج التلف الذي أصاب القطعة الأثرية».
ويمر التعامل مع حالات الإصابة الحشرية الخطيرة والتي تسبب تلفاً واضحاً للأثر بمراحل عديدة قبل العلاج لا تختلف عن التشخيص الطبي للأمراض عند البشر، حيث يتم أخذ مسحة من القطعة المصابة بنفس طريقة مسحة تشخيص الفيروسات البشرية، ثم يتم فحص العينة بأجهزة أشعة خاصة، واستخدام ميكروسكوب لتحديد نوع الحشرة، إذ إن لكل حشرة شكلاً معروفاً وتركيباً مسجلاً يسهل التعرف عليه، كما تُجرى مسحة أخرى عقب تعقيم الأثر للتأكد من علاجه، وتعد الآثار العضوية هي الأكثر عرضة للإصابات الحشرية والتلف البيولوجي، ومنها النسيج والمخطوطات والأخشاب والمحنطات واللوحات الزيتية. وتعتزم وزارة السياحة والآثار المصرية تدشين وحدتين مماثلتين، خلال الفترة المقبلة، بكل من المتحف المصري بالتحرير ومتحف الفن الإسلامي، كما يسعى الخبراء لاستخدام نفس التقنية في إنشاء وحدات تخزين للآثار تحافظ عليها وتقيها من الإصابات الحشرية لمدة تصل إلى 5 سنوات، بحسب مدحت صابر، مدير عام إدارة ترميم متاحف القاهرة الكبرى بوزارة السياحة والآثار، والذي يقول لـ«الشرق الأوسط»: «نسعى مستقبلاً إلى استخدام نفس التقنية لتصنيع وحدات تخزين للآثار تعمل بالنيتروجين للحفاظ على القطع الأثرية وتمنع الإصابات الحشرية لمدة تصل إلى 5 سنوات»، ويشير صابر إلى أن «الوحدة يمكنها تعقيم جميع المقتنيات الأثرية، ويُفضل خلال استخدامها وضع قطعة أثرية واحدة فقط داخل غرفة التعقيم، وفي حالة وضع أكثر من قطعة في المرة الواحدة يجب أن تكون القطع متجانسة، بمعنى أن تكون كلها منسوجات أو مخطوطات أو لوحات زيتية».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».