بريطانيا تودّع بطلها الاستثنائي الكابتن توم مور

رسالة وداع للكابتن توم مور على شاشات ساحة بيكاديللي وسط لندن (أ.ف.ب)
رسالة وداع للكابتن توم مور على شاشات ساحة بيكاديللي وسط لندن (أ.ف.ب)
TT

بريطانيا تودّع بطلها الاستثنائي الكابتن توم مور

رسالة وداع للكابتن توم مور على شاشات ساحة بيكاديللي وسط لندن (أ.ف.ب)
رسالة وداع للكابتن توم مور على شاشات ساحة بيكاديللي وسط لندن (أ.ف.ب)

بعناوين مؤثرة مثل «أفضل ما فينا»، «البطل الذي مشى نحو قلوبنا» ودّعت جرائد بريطانيا بطلها المسن كابتن سير توم مور. لم يكن كبقية الأبطال؛ فقد ظهر في أبريل (نيسان) من العام الماضي في بدايات معاناة البلاد من تأثيرات فيروس كورونا، بجسده النحيل وابتسامته الطيبة أطلق حملة لدعم جهاز الصحة البريطاني. على «مشايته» أخذ على عاتقه المشي في جولات في حديقته لجمع التبرعات لصالح المستشفيات والمؤسسات الطبية. هدفه كان متواضعاً وهو 1000 جنيه إسترليني، ولكن سرعان ما تجاوزت التبرعات هذا الرقم، استطاع الكابتن توم كسب ثقة وحب الناس بعبارته الأثيرة «غداً سيكون يوماً جميلاً»، بدأ بمشيته البطيئة في حديقته كالجد الودود الذي لا تستطيع أن تخذله. وهكذا تحول الكابتن توم إلى أسطورة، استمر في المشي كل يوم وازدادت التبرعات حتى تجاوزت الـ30 مليوناً. احتفت به وسائل الإعلام وكرمته الدولة ومنحته الملكة لقب «سير» في احتفال صغير بحديقة قصر باكنغهام.
نجح كابتن توم في عامه الـ100 في بث الأمل والتفاؤل في الشعب البريطاني، قال في رسالة سجلها بعد انتهاء جولات المشي في أبريل الماضي وهو مرتدٍ سترة وضع عليها الأوسمة التي حصل عليها أثناء خدمته في الجيش «أقول لكل من يكابدون الصعوبات في الوقت الراهن: ستشرق الشمس من جديد وستتبدد الغيوم».
«عليكم جميعاً تذكر أننا سنجتاز هذا في نهاية المطاف، سيكون كل شيء على ما يرام. قد يستغرق ذلك وقتاً، لكن في نهاية اليوم سنكون جميعاً بخير من جديد».
وهذا الأسبوع أعلنت عائلته، أنه يعاني من الالتهاب الرئوي وأيضاً توصل فيروس «كوفيد - 19» إليه، وتوفي بطل بريطانيا المفاجئ محاطاً بعائلته وبدعوات ومشاعر فياضة تدفقت من بريطانيا وخارجها، فقد نعاه البيت الأبيض عبر «تويتر»، وكذلك السفارة الأميركية في لندن بتغريدة جاء فيها «ارقد بسلام كابتن توم. لقد ألهمت الملايين من الناس في بريطانيا والولايات المتحدة خلال واحد من أصعب الأوقات التي صادفناها. وسيبقى إرثك مصدراً للإلهام».
وأرسلت الملكة إليزابيث الثانية رسالة خاصة لعائلته للتعزية، بحسب ما أعلن قصر باكنغهام في بيان جاء فيه، أن «الملكة استمتعت بلقاء كابتن سير توم وعائلته في قلعة ويندسور العام الماضي».
وبحسب «رويترز»، فقد عبّر البريطانيون بالزهور التي وضعوها أمام منزله في موستن مورتين على بعد 80 كيلومتراً شمالي لندن. وورد في واحدة من الرسائل «ارقد بسلام يا كابتن توم، نحبك».
ووضعت صورته في ميدان بيكاديلي في وسط لندن، في حين أضيئت عجلة لندن الدوارة (لندن آي) وملعب ويمبلي وبرج بلاكبول تكريماً له، ونُكّس العلم على 10 داوونغ ستريت، موقع رئيس الوزراء بوريس جونسون، الذي ألقى كلمة قال فيها، إن الكابتن توم «لم يكن فقط مصدر إلهام للشعب، بل إنه تحول إلى شعلة من الأمل للعالم بأسره». وفي جلسة البرلمان أمس وقف النواب دقيقة حداداً على كابتن مور، وطلب بوريس جونسون من أفراد الشعب البريطاني أن يقفوا على أبواب بيوتهم في الساعة السادسة، وأن يصفقوا تكريماً له تماماً، معتبراً ذلك «فرصة لنظهر تقديرنا له».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».