حديقة الأورمان النباتية المصرية تشهد عمليات تجديد وترميم

عامل مصري يساهم في عملية تجميل حديقة الأورمان للنباتات النادرة («الشرق الأوسط»)
عامل مصري يساهم في عملية تجميل حديقة الأورمان للنباتات النادرة («الشرق الأوسط»)
TT

حديقة الأورمان النباتية المصرية تشهد عمليات تجديد وترميم

عامل مصري يساهم في عملية تجميل حديقة الأورمان للنباتات النادرة («الشرق الأوسط»)
عامل مصري يساهم في عملية تجميل حديقة الأورمان للنباتات النادرة («الشرق الأوسط»)

ما زالت تحتفظ بجمالها وعراقتها، على الرغم من كل ما حدث لها. إنها حديقة الأورمان الواقعة بجوار جامعة القاهرة وقرب ميدان «نهضة مصر» وواحدة من أهم معالم محافظة الجيزة المجاورة للعاصمة. وتجري الآن أعمال تجديد للحديقة التي تتميز بأنواع مختلفة من النباتات النادرة من مختلف أرجاء العالم، بعد نحو ثلاثة أسابيع من فض اعتصام لأنصار الرئيس السابق محمد مرسي، بجوار الحديقة وفي داخلها أيضا، مما تسبب في دمار كبير لكثير من محتوياتها.
وبدأت الحركة تعود إلى ميدان نهضة مصر الذي تطل عليه حديقة الأورمان وحديقة الحيوان أيضا، بعد أن ظل الميدان وما حوله من معالم ومزارات مغلقة حتى يوم فض اعتصام «الإخوان» يوم 14 من الشهر الماضي. وعلى مشارف ميدان النهضة قرب حديقة الأورمان انتشرت عناصر من القوات المسلحة لتأمين المكان والميدان، حيث أخذت حركة السير والحياة الطبيعية تعود إليه تدريجيا بعد توقف دام نحو الشهرين، بسبب اعتصام «الإخوان»، الذي أدى لشل المنطقة بالكامل، نتيجة نصب نحو خمسة آلاف معتصم للخيام والإقامة هناك حتى منتصف الشهر الماضي.
داخل الحديقة ترى الأعمدة الخشبية والعمال والمعاول، وتستطيع أن ترى بوضوح عمليات الترميم والتجميل التي تجري بها على قدم وساق، لكي تعود حديقة الأورمان لفتح أبوابها من جديد للزوار، بعد أن حُرموا من دخولها طيلة الفترة الماضية، بينما يجري في الجانب المقابل تجميل حديقة الحيوان وسط حركة دائبة في المنطقة لإعادة الحياة إلى ما كانت عليه وأفضل.
جالسا يتابع عملية الترميم ويحتسي كوبا من الشاي بدأ جمعة حسين البالغ من العمر 77 عاما، أحد حراس الحديقة، كلامه قائلا: «أعمل هنا منذ عام 1973.. لم أرَ خلالها ما رأيته في 40 يوما من اعتصام (الإخوان) بالمكان، حيث التخريب والتدمير لمعلم جمالي تاريخي مثل هذا»، مضيفا: «لم نكتشف حجم الخسائر المعنوية التي من الصعب أن تُعوّض إلا بعد انتهاء عملية فض الاعتصام. فخلال وجود أنصار الرئيس المعزول حرمنا من دخول الحديقة إلا بعد تعرضنا لتفتيش صارم من قبل المعتصمين، الذين اعتبروا المكان ملكا لهم ونسوا حق الشعب في هذا المعلم التاريخي، فقاموا ببناء مراحيض داخل الحديقة وأتلفوا أسوارها حتى أصبح أي أحد يستطيع دخولها.. كما أشعلوا النيران في بعض النباتات وأتلفوا بعضها وسرقوا نحو 10 آلاف عينة نباتية نادرة».
ويرجع إنشاء حديقة الأورمان، التي سميت باللغة التركية بمعني الغابة آنذاك، إلى عام 1875 عندما استجلب الخديوي إسماعيل أشجار الفاكهة والموالح ونباتات الخضر من جزيرة صقلية، وكان الهدف الأساسي هو إمداد القصور الخديوية بثمارها، ثم جرى بعد ذلك جلب‏ أشجار ونباتات مزهرة‏ ‏من جميع‏ ‏أنحاء‏ ‏العالم‏. وقام بتصميم الحديقة على الطراز الطبيعي مهندسون فرنسيون عندما كانت مساحة الحديقة الكلية لا تتجاوز 95 فدانا. وكانت تضم ثلاثة‏ ‏أجزاء‏ ‏هي «الأورمان» و«‏الحرملك» الذي يقع‏ ‏الآن‏ ‏في ‏الجزء‏ ‏الغربي من حديقة‏ ‏الحيوان المجاورة، و«السلاملك‏»، الموجود في الجزء القبلي من الحديقة التي كانت جزءا لا يتجزأ من حديقة الحيوان وقتها، إلى أن جرى فصلها في كيان مستقل عام 1890، وظلت تابعة لقصر الخديوي حتى عام 1910، قبل أن تتسلمها وزارة الزراعة لتكون مسؤولة عنها.
وتعد حديقة الأورمان من أكبر حدائق النباتات في العالم، حيث تصل مساحتها الكلية الآن إلى 28 فدانا، وتضم أكبر مجموعة نباتية تشمل 100 فصيلة تضم 300 جنس يتبعها 600 نوع من النباتات.
وتعرض جانب كبير من حديقة الأورمان ونباتاتها للتلف، كما يؤكد المهندس عادل حافظ محمد، مسؤول الحديقة والمشرف على عملية الترميم، قائلا: «للأسف، تم إتلاف أهم جزء تاريخي من الحديقة، وهي المنطقة المعشبة التي تعتبر بمثابة كنز المعلومات هنا داخل الحديقة، لما تضمه من أجهزة كومبيوتر تحتوي على كل المعلومات عن النباتات النادرة داخل الحديقة من تاريخها وكيفية زراعتها ومواسمها، وكيفية إحلالها».
ويشير المهندس محمد إلى أن بعض الملفات التي تعرضت للتلف كانت تضم كل المعلومات عن الحديقة وبعض عينات من النباتات النادرة، وكانت تحفظ داخل دواليب ترجع إلى زمن الملك فاروق، بالإضافة إلى 500 عينة زجاجية لنباتات نادرة جدا.. كل ذلك تم إتلافه بالكامل».
ويضيف قائلا: «سنعتمد على المجهود الذاتي في ترميم المعشبة من جديد بواسطة ثلاثة مهندسين وبعض الأساتذة الزراعيين الذين انتدبتهم الهيئة الهندسية بوزارة الزراعة للقيام بعملية الترميم بالكامل، المتوقع انتهاؤها منتصف الشهر المقبل».
ومن أهم أنواع النباتات والأشجار النادرة التي يرجع تاريخها إلى عهد الخديوي إسماعيل في حديقة الأورمان، أشجار البامبو التي يعتقد أنه لم يعد لها مثيل لها في العالم حاليا، وورد البحر الذي يعرف باسم «الطاقية»، نظرا لاستخدامه في بعض الأحيان لحجب الشمس، كما تضم كثيرا من أنواع النخيل النادرة، مثل نخيل الزينة والرخامي والكناري والملوكي والفونكس، وأكثر من 600 نوع نباتي آخر، بالإضافة إلى جانب خاص بنبات الصبار.
ويقول محمد شويمي البالغ من العمر 54 سنة وأحد حراس الحديقة: «الاعتصام الذي كان هنا كان يمتد من ميدان النهضة حتى الباب الرئيس لجامعة القاهرة وشارع الجيزة، وكانت تنتشر خيام المعتصمين على طول الطريق، وكانوا يقتحمون الحديقة في أي وقت ويستخدمونها كمخزن للسلاح والذخيرة، ويضيف: «الحالة الأمنية للمنطقة خفضت من عدد الزائرين حتى وصل إلى 1 في المائة، عما كان عليه قبل الأحداث الأخيرة»، و«نأمل في أن تعود الحديقة إلى سابق عهدها في استقبال الزوار من القاهرة والمحافظات الأخرى، إضافة للسياح العرب والأجانب».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».