ماكرون يربط زيارته للبنان بتأليف الحكومة

بعد اقتناعه بأن {المشكلة داخلية بامتياز}

TT

ماكرون يربط زيارته للبنان بتأليف الحكومة

قال مصدر سياسي لبناني مواكب عن كثب للموقف الفرنسي، إن الرئيس إيمانويل ماكرون لن يقوم بزيارته الثالثة للبنان كما وعد ما لم تتوافر الشروط لإنجاحها بخلاف زيارتيه السابقتين لبيروت، وهذا يتطلب من الأطراف الرئيسية التوافق اليوم قبل الغد على إخراج تأليف «حكومة مهمة» من المأزق الذي يحاصرها. وأكد المصدر لـ«الشرق الأوسط» أنه يلتقي مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري بقوله إن العائق أمام ولادتها ليس من الخارج وإنما من «عندياتنا».
ولفت المصدر السياسي إلى أن ماكرون لا يزال يعوّل على الداخل في لبنان لإزالة العقبات التي تؤخّر تشكيل الحكومة بدلاً من الإفراج عنها، وهذا يستدعي معاودة مشاورات التأليف بين رئيس الجمهورية ميشال عون وبين الرئيس المكلّف بتشكيلها سعد الحريري؛ لئلا تبقى تدور في حلقة مفرغة في ظل انقطاع التواصل بينهما.
ورأى أن تلميح ماكرون باستعداده للقيام بزيارة ثالثة للبنان يتجاوز في موقفه هذه المرة، حث الأطراف الرئيسية المعنية بتأليفها على خلق الأجواء التي تدفع باتجاه تسريع ولادتها، إلى مطالبتها بالترفُّع عن الحسابات الشخصية والمصالح الخاصة، وتقاسم الحصص كشرط لتأمين العبور بتأليف الحكومة إلى بر الأمان. وقال إن ماكرون يمارس حالياً كل أشكال الضغط بغية تحقيق التلازم المطلوب بين مجيئه إلى بيروت وإعداد المراسيم الخاصة للإعلان عن التشكيلة الوزارية.
وكشف أن ماكرون لم يكتف بالاتصال بعون فحسب، وإنما تواصل مع الحريري الذي يتواصل بدوره مع بري الذي قرر الخروج عن صمته وباشر بتشغيل محرّكاته بالتزامن هذه المرة مع قيادة «حزب الله» التي قررت الانتقال من موقع المراقب لما يدور إلى التدخُّل، وهذا ما عكسه أمينه العام حسن نصر الله.
واعتبر المصدر السياسي أن هناك أكثر من دلالة للاتصال الذي أجراه نصر الله برئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، فيما لم ينقطع معاونه السياسي حسين خليل عن التواصل مع عون، وعزا السبب إلى أن باسيل كان يتصل في السابق بقيادة «حزب الله» بخلاف اتصال نصر الله به، وهذا يعني أن الحزب قرر الدخول على خط المشاورات لعله يتمكن من إعادة التواصل بين عون والحريري.
وسأل ما إذا كانت لاتصال نصر الله بباسيل خلفية إقليمية تنم عن حصول تطورات ليست مرئية حتى الساعة، يمكن أن تسهم في حصول تقدُّم إقليمي ودولي استدعى تبدُّل موقف الحزب الذي كان يرفض في السابق الضغط على عون - باسيل لتأكيد مدى استعداده، كما كان يقول لتسهيل ولادة الحكومة.
ومع أن المصدر السياسي لا يستطيع أن يجزم بأن حصول تبدُّل في الموقفين الدولي والإقليمي كان وراء مبادرة «حزب الله» إلى التدخُّل، لكنه يعتقد في المقابل بأن ماكرون لن يقوم بزيارة ثالثة لبيروت ما لم يلمس بأن لديه معطيات بتبدُّل الأجواء السياسية غير تلك التي كانت سائدة في السابق، وحالت دون تجاوب بعض الأطراف مع مسعاه في الإسراع بتشكيل حكومة مهمة باعتبارها الممر الإلزامي للانتقال بالبلد من التأزُّم إلى التعافي المالي والاقتصادي.
وفي هذا السياق، أكد المصدر أن تلويح ماكرون بزيارة ثالثة لبيروت شجّع سفيرة فرنسا لدى لبنان آن غريو على التحرُّك، وأحياناً بشكل غير مرئي لدى معظم الأطراف الفاعلة، ليس للوقوف على ما لديهم من أفكار جديدة لإعادة تحريك الاتصالات في شأن تشكيل الحكومة، وإنما لحثهم على أن زيارة الرئيس الفرنسي مشروطة هذه المرة بإنضاج الظروف المواتية لولادتها ليكون الشاهد الدولي على رؤيتها النور.
واعترف المصدر أن تصلُّب عون يأتي بالدرجة الأولى لإعادة تعويم باسيل، وقال إن باريس تدرك جيداً أن تأخير تشكيل الحكومة يعود إلى أن الفريق السياسي المحسوب على رئيس الجمهورية والذي يديره باسيل لا يزال يراهن على أن الضغط على الحريري سيدفعه إلى التسليم بشروطه، لكنه أخطأ في رهانه بعد أن ازداد تصلُّباً في موقفه.
وكشف أن البطريرك الماروني بشارة الراعي كان أوصى موفد رئيس الجمهورية إلى بكركي الوزير السابق سليم جريصاتي، بأن يبادر الرئيس للاتصال بالحريري ويدعوه لزيارة بعبدا ليس لإنهاء القطيعة بينهما، وإنما لمعاودة تزخيم المشاورات لتشكيل الحكومة بدلاً من إغراق البلد في تبادل الحملات فيما يستمر الانهيار.
ونقل عن الراعي قوله أمام عدد من زوّاره بأن الحريري كان سلّم عون لائحة بأسماء الوزراء المرشحين لدخول حكومة مهمة وأنهم جميعاً من أصحاب الاختصاص، ومستقلون ومن غير الحزبيين، وأن على الأخير أن يرد عليه بلائحة مماثلة منزوعة من التمثيل الحزبي، وهذا ما لم يحصل، وإن كانت لائحة الحريري تضمّنت أسماء عدد من المرشحين الذين كان سمّاهم عون في الجولات قبل الأخيرة لمشاورات التأليف.
وأكد المصدر أن الراعي توافق مع عدد من زوّاره على قطع الطريق أمام من يحاول تطييف تشكيل الحكومة لإقحام البلد في فتنة مذهبية وطائفية، وقال بأن البيان الذي صدر عن المرجعيات الروحية في محله بتأكيدها على الوحدة بين المسلمين والمسيحيين.
ورداً على سؤال، أكد المصدر أن باريس لا ترى من موجب لإبقاء الأبواب السياسية موصدة في وجه توفير الحماية السياسية وتحصينها للإسراع بتأليف الحكومة، ما دام أن ماكرون كان أول من اقترح ترحيل الأمور الخلافية عن جدول أعمال حكومة مهمة؛ لأن مجرد البحث فيها سيؤدي إلى تقويض الجهود الرامية إلى تبنّي المبادرة الفرنسية لإنقاذ لبنان وانتشاله من الهاوية.
وعليه، فإن ماكرون - بحسب المصدر - يربط معاودته التحرك إقليمياً ودولياً برفع الـ«فيتو» الداخلي الذي يؤخر تأليف الحكومة اعتقاداً منه بأن العائق كان ولا يزال داخلياً وأن مجرد مبادرة الأطراف المحلية إلى تقديم تسهيلات متبادلة سيتيح له معاودة اتصالاته بالخارج لتأمين شبكة أمان توفر الحماية الدولية لها شرط أن تتشكل على أساس الالتزام بالمواصفات الفرنسية التي وحدها تؤمن حصول لبنان على مساعدات مالية للانتقال إلى مرحلة التعافي.



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.