«رحلات الطهي»... طريق إلى ثقافات الشعوب

«رحلات الطهي»... طريق إلى ثقافات الشعوب
TT

«رحلات الطهي»... طريق إلى ثقافات الشعوب

«رحلات الطهي»... طريق إلى ثقافات الشعوب

التعرف على الثقافات الجديدة والانغماس فيها مثل التجول في أحد الأسواق المبهجة التي تتميز بمجموعة من الروائح والمناظر والأصوات الغريبة، هي أفضل طريقة للتعرف على ثقافة دولة جديدة بالنسبة للكثير من محبي السفر.
وقد نجحت ثلاث من مؤلفات كتب الطهي، في تجسيد هذه الحالة من الإثارة في كتبهن الجديدة، حيث شرحن كيف يمكن للطهي في المنزل أن يخلّص المرء من شغفه بحب السفر والترحال، في الوقت الذي يكاد يكون الجميع قد توقفوا فيه عن السفر بسبب تفشي وباء كورونا، بحسب تقرير لوكالة «د.ب.أ».
وقد حافظت المصورة، ماريا شيفر، على أصالة الأشياء أثناء رحلاتها في أنحاء أفريقيا.
وهي لا تفضل السفر في سيارة مسرعة تسير على طرق وعرة في الصحراء، ثم التقاط صور أفريقية من المفترض أن تكون واقعية، ثم تناول الطعام في أحد الفنادق الفخمة.
ولكنها قامت بدلاً من ذلك بالسفر بالحافلة، وأقامت في دور ضيافة متواضعة، وعادة ما كانت تطرق أبواب الغرباء وتسألهم عما إذا كانوا يرغبون في الطهي معها.
وشيفر لديها قناعة بأنه ليس هناك أي شيء يكاد يربط بين الناس أكثر من الطعام. ولا تجمع شيفر في كتاب الطهي الجديد الخاص بها، والذي يحمل اسم «إيتنغ ويذ أفريكا» (تناول الطعام مع أفريقيا)، وصفات طعام فقط، ولكنها تقدم أيضاً قصصاً عن الأشخاص الذين كانت تلتقيهم وعن حياتهم اليومية.
وأمضت المصورة الألمانية الأميركية عاماً كاملاً في جمع تلك القصص، ثم عادت إلى أفريقيا مراراً بهدف «الإحساس بعبق هذه القارة»، بكل ما تتضمنه من الدول التي يبلغ عددها 54، والسكان الذين يبلغ عددهم 3.‏1 مليار نسمة.
وقامت شيفر بالطبخ مع أشخاص في 10 دول، من المغرب وصولاً إلى مالاوي وجنوب أفريقيا.
وكانت شيفر تتحدث مع الناس، سواء كانت في القطار أو في سيارة أجرة أو في دار ضيافة، وكان الأمر غالباً ما ينتهي بها بمقابلة الأسرة التالية التي يمكن أن تعرض لها طبقاً جديداً.
وتقول المصورة، إن «فكرة كتاب الطبخ لاقت استحساناً جيداً. وكنت دائماً ما أحظى بترحيب حار، وغالباً ما كان يتحول الطهي إلى حدث حقيقي».
ويشار إلى أن هناك الكثير الذي يمكن أن يتعلمه المرء في مجال الطهي على طول الطريق، مثل الطريقة الأوغندية للف اليخنة بأوراق الموز وطهيها على نار مكشوفة.
وتقول شيفر، إن أغلب المكونات التي استعانت بها في كتابها، متوفرة في أي متجر بقالة عادي، أو في المتاجر الخاصة بالمواد الغذائية الأفريقية أو الآسيوية.
كما أن هناك أهمية خاصة للطعام في أماكن أخرى من العالم.
وتقول الشيف براتينا كروس، إن الناس في تايلند، يستغرقون وقتاً أطول في الطهي بالمقارنة مع الناس في أوروبا.
وتدير كروس، المعروفة أيضاً باسم «ميو»، مطعماً تايلندياً معروفاً باسم «داو»، ومدرسة للطهي في برلين. وتعمل كروس في مطعمها، على إشباع رغبة السفر التي تكون موجودة لدى زبائنها.
وتقول «كثيراً ما أحصل على تعليقات تفيد بأن الزيارة إلى مطعمي تعيد الشعور - لفترة وجيزة - بأن المرء يتواجد في تايلند لقضاء عطلة».
وتعتقد الطاهية أن الطعام هو تجربة ثقافية مهمة، حيث إن كل ثقافة تعرّف نفسها من خلال تخصصاتها في الطهي.
وتقول «ينطبق الأمر نفسه على ثقافة الطعام في تايلند. بالطبع، علينا أن نتأقلم مع عادات الألمان والأوروبيين هنا في برلين».
وفي محل ميلادها بجنوب شرقي تايلند، كانت كروس تقدم الطعام على الشاطئ بينما يقوم الراقصون بأداء رقصات خاصة بالثقافة التايلندية الأصلية وهم يرتدون الزي التايلندي.
وبينما يعد شراء الطعام الجاهز هو إحدى الطرق لإضفاء لمسة من تايلند على أجواء المنزل، فإن قيام المرء بطهي الطعام بنفسه يعد خطوة أفضل. وتعتبر إيطاليا، شأنها شأن تايلند، من الوجهات المميزة لقضاء العطلات بالنسبة للمسافرين من عشاق الطعام من جميع أنحاء العالم، حيث تتميز بوجود المكونات الغذائية الطازجة، بالإضافة إلى عدد لا حصر له من الأكلات التي تشتهر بها أقاليم معينة.
ومن جانبها، قامت مدوّنة الأطعمة، كاتي بارلا التي تعود أصولها إلى نيو جيرسي، بتكريس عقود من الزمن لدراسة فن الطهي الإيطالي، بعد أن عاشت في روما لما يقرب من 20 عاماً.
وتقدم كتب الطهي الخاصة ببارلا، الوصفات الإيطالية التقليدية التي يحتاج إليها القراء لاستعادة مذاق ورائحة العطلات الإيطالية في مطابخهم الخاصة. وبالطبع، لا يمكن لأي شيء أن يحل محل تناول «بيتزا نابوليتانا» في نابولي.
وتقول بارلا «ولكن يمكنك أن تصل إلى صنع بيتزا تشبهها كثيراً إذا التزمت بالوصفات وأتقنتها».
وهناك شيء واحد واضح للمؤلفة، وهو أن الطعام يعد ثقافة، كما أنه يربط بين الناس، حتى عبر الزمن. فعندما يقوم المرء بطهي طبق تقليدي، من الممكن أن يشعر بالارتباط بمن قام بتناوله قبل عقود أو حتى قرون.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».