«حيّوا الحضارة»... يطالب بتوحيد قوانين الأحوال الشخصية

عمل لبناني مصوّر يضع الإصبع على الجرح

يشدد «حيوا الحضارة» على السطحية التي تسود حفلات الزواج
يشدد «حيوا الحضارة» على السطحية التي تسود حفلات الزواج
TT

«حيّوا الحضارة»... يطالب بتوحيد قوانين الأحوال الشخصية

يشدد «حيوا الحضارة» على السطحية التي تسود حفلات الزواج
يشدد «حيوا الحضارة» على السطحية التي تسود حفلات الزواج

مشكلات اجتماعية تعاني منها غالبية النساء في لبنان، هي الشغل الشاغل لجمعيات أخذت على عاتقها تسليط الضوء على حقوق المرأة، من أجل التسريع في وضع قوانين تحميها.
وفي هذا الإطار يشهد مؤخراً كليب «حيوا الحضارة» انتشاراً واسعاً بين اللبنانيين. فهو يتصدّر وسائل التواصل الاجتماعي بعدما راح يتداوله اللبنانيون من مختلف الأعمار. ويأتي هذا العمل المصور ضمن حملة توعية تنظمها جمعية «كفى» تحت عنوان «قانون موحد للأحوال الشخصية». فالنساء في لبنان يعانين من مجموعة مشكلات اجتماعية بسبب واقع مجحف في حقهن، لا يؤمّن لهن مساحات للخروج من الظلم.
تقول زويا روحانا مديرة منظمة «كفى» إنّهم يعملون من أجل الحد من العنف والاستغلال، ولا سيما لدى النساء. وأنّ الكليبات المصورة هي بمثابة وسيلة توعية فعالة، كونها تسهم في توسيع انتشار الرسالة. وتضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «أهمية هذا النوع من الحملات هو تسليط الضوء على مشكلات اجتماعية تعاني منها النساء، تجهلها شريحة كبيرة من اللبنانيين. وغالبية الحملات التي نتبعها حققت أهدافها وولدت صدمة إيجابية لدى الناس». وتتابع: «كلمة (نشاز) مثلاً التي استخدمناها في الكليب بشكل لافت لا يعرف كثيرون أنّها تستخدم في إصدارات الأحكام في دعاوى الطلاق».
وتعاني اللبنانيات من سلسلة مشكلات اجتماعية تحرمهن أبسط حقوقهن في موضوعات الطلاق والزواج المبكر وسن الحضانة وغيرها. وتعلّق زويا: «حتى أنّ هذه القوانين المتبعة حالياً في لبنان تختلف في تطبيقها وفقاً للطائفة التي تنتمي إليها المرأة. ولذلك كان من الضروري رفع الصوت والمطالبة بقانون أحوال شخصية موحد يلتزم به الجميع».
ويستهل الكليب الذي كتبته وأخرجته الشقيقتان ميشال ونويل كسرواني بسرد الحالات التي تؤدي إلى إصدار الأحكام وفقاً لقانون الأحوال الشخصية الطائفية تحت عنوان «ناشز». ويشار في كلام مرفق مع أحداث الكليب عن مدى تحكم 15 محكمة روحية و18 طائفة بمصير النساء.
وفي إحدى فقراته يسلط الضوء على حالات الزواج والطقوس المتبعة. فيجتمع أعداد من الناس يشجعون ويباركون هذه الخطوة، وهم أنفسهم يختفون ويغيبون عن مساندة العروس في حال وقعت في مشكلة تهدد زواجها.
وتقول ميشال كسرواني في حديث لـ«الشرق الأوسط»: إنّ «هذا النوع من الكليبات التوعوية يتطلب وضع خطة متكاملة كي تصل رسالتها وببساطة إلى أكبر عدد ممكن من الناس. فحتى عندما نعالج وشقيقتي موضوعاً سياسياً نحاول ألّا نتناوله بسطحية. فنأخذ لبّ الموضوع ونترجم حيثياته ضمن أسلوب سهل ممتنع، ليتلقف مشاهده محتواه بوضوح». وعن كيفية التحضير لهذا النوع من الكليبات تقول في سياق حديثها: «نضع مع الجمعية صاحبة الحملة الخطوط العريضة والضرورية التي ترغب في تسليط الضوء عليها. ونحاول بعد ذلك ترجمتها على طريقتنا. فلعبة التواصل هذه التي تجري بين دراسات وأفكار علينا أن نصنعها كمنتج يفهمه المتلقي من أعمار مختلفة من دون تعرضه لأي صعوبة تذكر».
صوّر الكليب في إحدى مناطق بيروت الشعبية المعروفة (كرم الزيتون) في منطقة الأشرفية في بيروت. وتعلق كسرواني: «اخترنا هذه المنطقة كونها تمثل الأحياء البسيطة الشعبية في بيروت. تفاعل معنا سكانها بشكل تلقائي وكانوا سعيدين ومتحمسين للمشاركة في العمل الذي يحمل بصمتهم. فلم نحاول تجميل الصورة العامة للمنطقة أو اختيار مشهديات لا تمثل واقع سكانها. فجاءت مشاهد الكليب حقيقية وبسيطة تماماً كما أردناها، تنقل واقع حياة بالصوت والصورة». وتشير كسرواني إلى أنّها وشقيقتها تعاونتا في تنفيذ هذا العمل كل من مكان إقامته.
«أنا شخصياً أعيش في فرنسا بينما أختي نويل تقيم في بيروت، وبعد أن حضرت وصورت وجهزت كل مجريات الكليب، تعاوننا في تنفيذه وإخراجه بين بيروت وباريس». وعن سبب الإشارة بشكل مباشر إلى موضوع الزفّة في حفلات الزواج كما يظهر في الكليب تقول ميشيل كسرواني: إنّ «الزواج والطلاق هي من الموضوعات الشائكة التي تحمل في طياتها مشكلات عدة. و(الزفة) هي واحدة من مظاهر الاحتفال بالزواج للإشارة إلى الفرحة التي تحملها هذه المناسبة. ولكن مع الأسف هذه المظاهر لا تنفع من أجل تمكين الزوجات وحمايتهن من مصير ظالم. فالأجدى بنا الاهتمام بقوانين تحميهنّ بدل التلهي بمظاهر غير مبررة. وانطلاقاً من هذه الفكرة استخدمنا (الزفة) وإيقاعها والزلاغيط التي ترافقها للإشارة إلى حالات ظلم كثيرة تعاني منها النساء وتحرمهن من أبسط حقوقهن».
يجد هذا العمل نجاحاً واسعاً ويتداوله اللبنانيون بشكل مكثف عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما لفت انتباه ميشيل كسرواني التي تقول: «لمست تفاعلاً كبيراً من اللبنانيين تجاه الكليب، لا سيما من الأعمار الشابة. ورغم حداثة موعد إطلاقه قبل أيام قليلة، إلّا أنّنا تلقينا مئات الرسائل المؤثرة من قبل نساء يعانين الأمرين بسبب عدم توحيد قانون الأحوال الشخصية. فمع الأسف هناك مفهوم خاطئ ورائج في مجتمعنا يروج لفكرة الاستسلام للأمر الواقع. فالبعض يعتقد بسبب تربية معينة عاشها وترعرع عليها، أنّ ما يتعرض له هو أمر طبيعي. فجاء هذا العمل ليبرهن العكس، ويفسّر الوضع على حقيقته».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».