خلال السنوات التسع التي قضتها ساجدة الريشاوي (46 عاما) في الحبس الانفرادي الاختياري في زنزانتها بسجن الجويدة للنساء هنا في الأردن، رافضة الاختلاط مع السجينات الأخريات، لم تكن هناك من زيارات تأتيها إلا فيما ندر، وما كان إلا محاميها المعين من قبل المحكمة.
خلال كل ذلك الوقت، لم يتذكرها تنظيم «القاعدة» في العراق مطلقا، الذي كان قد كلفها قبلا بالذهاب إلى الأردن للقتل، خصوصا عقب انسلاخ ذلك التنظيم وتحوله إلى تنظيم «داعش» الحالي. وما كانت تمثل إلا تلك الحالة الرهيبة من الإحراج، للقاتلة الانتحارية العاجزة عن تنفيذ مهمتها.
والآن، يطالب المتشددون فجأة بإطلاق سراح الريشاوي، التي قضت ليالي شهر العسل في تجهيز الهجوم الانتحاري على حفل زفاف أردني، حيث لقي 27 شخصا مصرعهم على يد زوجها الجديد بعدما تمكن من تفجير سترته الناسفة فيهم. قال المتشددون إنهم سوف يطلقون سراح الرهينة الياباني المحتجز لديهم لقاء الإفراج عنها.
أول من أمس، صرح المسؤولون الأردنيون أنهم قد يسمحون للريشاوي بالذهاب، غير أنهم ألقوا بثقلهم على الصفقة، معلنين أنها سوف تذهب فقط في حال أفرج المتشددون عن الطيار العسكري الأردني الذي أسقطت طائرته فوق سوريا الشهر الماضي، ليصبح أول فرد من أعضاء التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لمحاربة «داعش» الذي يسقط في الأسر.
قبل أقل من أسبوع مضى، طلب تنظيم داعش فدية تقدر بمائة مليون دولار عن كل رهينة ياباني لديه. ولكن عقب إعدام أحدهما السبت الماضي، غير التنظيم من الإنذار النهائي؛ حيث أسقط المطالبة بدفع الفدية، وطلب بدلا منها الإفراج عن الريشاوي في مقابل إطلاق سراح الرهينة الياباني المحتجز لديهم. وأضاف بيان صادر أخيرا عن التنظيم الإرهابي إنذارا جديدا يفيد بأن الطيار الأردني، الملازم أول معاذ الكساسبة سوف يُعدم إذا لم يتم إطلاق سراح الريشاوي في غضون 24 ساعة.
أول من أمس، أعلن المتشددون عن تمديد المهلة ليوم آخر، غير أنهم لم يعلنوا أنهم سوف يطلقون سراح الكساسبة على نحو ما طالب به الجانب الأردني، وقالوا إنهم لن يقتلوه فقط في حالة إطلاق سراح الريشاوي.
ومع استمرار الأزمة، كان السؤال الذي حير الأردنيين وخبراء الإرهاب على حد سواء، وكما صاغه أحد المحللين: «لماذا ساجدة؟»
ليست لها أي قيمة تذكر، لا من الناحية الاجتماعية، أو السياسية، أو حتى الأمنية على الإطلاق، على نحو ما أفادت به ليندا ميهي الصحافية الأردنية التي تغطي أخبار المتشددين، والتي تقابلت مع الريشاوي في السجن عبر محاميها.
تقول ليندا: «إذا كان تنظيم داعش يريدها، لكانوا طالبوا بإطلاق سراحها منذ اليوم الأول، ولكن لمدة تسع سنوات، لم يسأل أحد عنها قط.. حتى قبيلتها لم تهتم بأمرها».
على الرغم من أن سبب التغير العاطفي لدى المتشددين حيال ساجدة لا يزال غير واضح، فإنه قد يكون بسبب أن الريشاوي تمثل تطور تنظيم «القاعدة في العراق» ليتجسد في تنظيم داعش الحالي. قد يريد المتشددون إعادة تأطير «الأخت ساجدة» كبطلة قادمة من الأيام الخوالي.
كانت الريشاوي واحدة من بين 4 انتحاريين نفذوا الهجوم المتزامن على 3 فنادق في عمان يوم 9 نوفمبر (تشرين الثاني) 2005، الذي أسفر عن سقوط 57 قتيلا، ومن بينهم الحضور في حفل الزفاف الذي تعرض لهجومها هي وزوجها الجديد، علي الشمري. ويشير الأردنيون إلى تلك الهجمات بأنها أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) الخاصة بهم.
يقول جوست هلترمان، المسؤول عن منطقة الشرق الأوسط لدى «المجموعة الدولية للأزمات»: «كانوا يعتبرونها مغفلة، حتى مع عدم إظهارها أي قدر من الندم، لا يبدو أنها تحمل قدرا كافيا من الطاقة الآيديولوجية، كلا على الإطلاق، في حقيقة الأمر. الناس ينظرون إليها على أنها شخصية متواضعة للغاية».
ينظر إليها الناس في الأردن، على مستوى الحكومة وخارجها، نظرة متدنية للغاية، في واقع الأمر، يبدو أنهم توصلوا إلى إجماع بشأنها بأنها لا تستحق حتى البقاء في السجن، مع إمكانية إنقاذ حياة الطيار الأردني في مقابل السماح لها بالذهاب. أوضح المسؤولون الأردنيون موقفهم حيال الأمر بأنهم لن يُطلقوا سراحها لقاء حرية الرهينة الياباني.
حتى أشرف الخالد، العريس في الزفاف الذي هجمت عليه الريشاوي مع زوجها، يقول هو وبقية أفراد عائلته ممن هم على قيد الحياة إنهم ليست لديهم مشكلة في مبادلتها. وقال: «إنها ليست بشيء، لا أعتقد أنها مهمة لأحد، وإذا كنا على يقين مائة في المائة من عودة معاذ، فإننا نؤيد ذلك حقيقة، حتى مع علمي بأنها سوف ترتكب جريمتها مجددا على الأرجح إذا ما أطلقنا سراحها».
وقد فقد خالد والده في الهجمات، وفقدت زوجته كلا والديها.
لا تحمل ساجدة الريشاوي شخصية الزعيمة بأي حال من الأحوال، على الرغم من أنها أخبرت المحققين أنها نفذت جريمتها بدافع الانتقام لحالات الوفاة في عائلتها.
كانت الريشاوي متزوجة من قبل، في أوائل الثلاثينات من عمرها، وهو سن زواج متأخر على غير العادة في محافظة الأنبار العراقية وبين أفراد قبيلة الريشاوي التي تنتمي إليها. ووفقا لحسن أبو هنية، وهو باحث في الحركات الراديكالية، كان زوجها الأول أردنيا من أعضاء تنظيم «القاعدة في العراق»، ويدعى أبو أنس الأردني، الذي لقي مصرعه أثناء قتال القوات الأميركية في الفلوجة عام 2003 أو 2004.
وفي تلاحق سريع للأحداث عام 2004، تعرض شقيقها تامر، واثنين من أشقائها الآخرين، ياسر وعمار، للقتل على يد القوات الأميركية في محافظة الأنبار.
يقول الباحث هنية والصحافية ميهي إن مقتل أخيها الأكبر كان له أبلغ الأثر عليها. وفي حين أنها كانت أمية، وتعمل في بيع الخضراوات، فإن أخاها تامر ترقى ليكون مساعدا مقربا من أبو مصعب الزرقاوي، الأردني الذي قاد عمليات «القاعدة» في العراق، حيث عين الزرقاوي أخاها تامر أميرا على محافظة الأنبار، حسبما أفاد هنية.
* خدمة «نيويورك تايمز»
ساجدة الريشاوي.. لماذا تحظى بكل هذه الأهمية لدى «داعش»؟
انتحارية عجزت عن تنفيذ مهمتها.. ولمدة 9 سنوات لم يسأل عنها أحد
ساجدة الريشاوي.. لماذا تحظى بكل هذه الأهمية لدى «داعش»؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة