«النهضة» تعتبر «محاولة تسميم» الرئيس «اختراعاً لتسميم الأجواء»

في ظل تفاقم الأزمة الدستورية بين رأسي السلطة التنفيذية في تونس

الرئيس قيس سعيد (رويترز)
الرئيس قيس سعيد (رويترز)
TT

«النهضة» تعتبر «محاولة تسميم» الرئيس «اختراعاً لتسميم الأجواء»

الرئيس قيس سعيد (رويترز)
الرئيس قيس سعيد (رويترز)

فيما أكدت مصادر قضائية وأمنية تونسية أن تحقيقات تجري حاليا بخصوص محاولة تسميم رئيس الجمهورية قيس سعيد، مفضلة عدم التسرع بإطلاق الأحكام قبل التوصل لنتائج ملموسة، استقبلت الأحزاب السياسية بمختلف أطيافها الخبر بتحفظ شديد، بلغ حد اعتبار الحدث «مجرد اختراع لتسميم الأجواء»، إثر الأزمة الدستورية التي بدأت تلوح ملامحها بين رئيس الجمهورية، بعد أن رفض التصديق على التعديل الوزاري، وأداء الوزراء الجدد اليمين الدستورية أمامه، ورئيس الحكومة الذي استنجد بالحزام البرلماني الداعم له، بزعامة حركة النهضة الإسلامية، للمصادقة على كل الوزراء المقترحين، في خطوة اعتبرها مراقبون «وضع رئاسة الجمهورية أمام الأمر الواقع».
وبخصوص أحدث المعطيات المتعلقة بمحاولة تسميم الرئيس سعيد، كشف محسن الدالي، المتحدث باسم المحكمة الابتدائية بالعاصمة، عن تعهد الإدارة الفرعية للقضايا الإجرامية بالقرجاني (العاصمة)، بالبحث في مدى صحة المعلومات، التي تناقتلها وسائل الإعلام حول وصول ظرف يحتوي على مادة مشبوهة إلى رئاسة الجمهورية، وإجراء الأبحاث العلمية والفنية اللازمة.
وكانت رئاسة الجمهورية قد أعلنت مساء الأربعاء عن وصول ظرف مشبوه إلى القصر الرئاسي بقرطاج (الضاحية الشمالية للعاصمة)، وقالت إن الظرف كان يحتوي على مادة مشبوهة، ولم يتضمن أي وثيقة إدارية أخرى. موضحة أن رئيس الجمهورية قيس سعيد لم يتلق هذا الظرف بنفسه، بل فتحه أحد موظفي القصر الرئاسي، فتم عرض المادة المشبوهة على التحليل للكشف عن نوعيتها، وإثر ذلك تم فتح بحث حول مصدر هذا الظرف.
في غضون ذلك، أعلنت رئاسة الجمهورية أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أجرى مساء أول من أمس مكالمة هاتفية مع رئيس الجمهورية التونسية للاطمئنان على وضعه، بعد انتشار نبأ محاولة تسميمه، وأكدت أن تبون «حمد الله على سلامة شقيقه الرئيس قيس سعيد، بعد أن طمأنه على صحته».
لكن رفيق عبد السلام، وزير الخارجية التونسية الأسبق والقيادي بحركة النهضة، شكك في خبر محاولة تسميم رئيس الجمهورية بقوله: «لقد اخترعوا إشاعة تسميم رئيس الجمهورية لتسميم الأجواء»، ودعا إلى توضيح ما يجري بخصوص هذه الإشاعة. معتبرا أن مثل هذه الأمور تسمم الأجواء. كما اتهم وقوف «أطراف متآمرة» وراء ظهور «هذا المخطط»، على حد تعبيره.
وأضاف عبد السلام موضحا أن بعض الأطراف المتآمرة «ما زالت تراهن على تسميم الأجواء بنشر خبر مخترع على المقاس، عنوانه تسميم رئيس الجمهورية، مثلما سمموا الساحة السياسية سابقا بالاغتيالات السياسية، وبث الفتنة والفوضى»، على حد قوله.
وتابع عبد السلام قائلا: «الغريب في الأمر أن يتم تلقي مكالمات رسمية مبنية على خبر مفتعل، ويتم تنزيله في الصفحة الرسمية للرئاسة، فتطير وسائل إعلام تونسية حكومية وخاصة لنقل هذا الخبر المفتعل من أصله، بما يوحي بأنها عملية منسقة ومرتبة سلفا».
في السياق ذاته، أكد نور الدين البحيري، النائب عن حركة النهضة، أن خبر محاولة تسميم رئيس الجمهورية «تحوم حوله العديد من الإشاعات، في انتظار صدور نتائج التحقيق للحسم في هذا الموضوع». معتبرا أن «محاولات حقن الأجواء انطلقت منذ مدة عن قصد، بغاية ضرب تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس، والحيلولة دون استكمال هذا المسار»، على حد قوله.
من جانبه، دعا زهير المغزاوي، رئيس حركة الشعب المعارضة، رئيس الجمهورية إلى عدم الاكتفاء بـ«إطلاق صواريخ من قصر قرطاج»، وقال إنه مطالب خلال هذه المرحلة التي تحتد فيها التوترات الاجتماعية بتقديم مبادرات تشريعية للبرلمان، تغير أحوال التونسيين. في وقت يترقب فيه الشارع التونسي معرفة مدى تأثير تلويح الرئيس سعيد بعدم قبول بعض الوزراء الجدد لأداء اليمين الدستورية، على سير مؤسسات الحكم في ظل التوتر المستمر مع البرلمان ورئاسة الحكومة.
من جهة ثانية، دعت منظمة العفو الدولية، أمس، إلى التحقيق في ظروف وفاة متظاهر شاب في وسط البلاد الأسبوع الماضي، وإصابة آخر بجروح بالغة، جراء قنابل الغاز المسيل للدموع بحسب عائلتيهما.
وبحسب أقرباء تحدثوا إلى منظمة العفو الدولية، فإن هيكل الراشدي، الذي كان أصيب برأسه، قال قبل وفاته بأنه أصيب بقنبلة للغاز المسيل للدموع أطلقها شرطي في اتجاهه.
وطالبت منظمة العفو الدولية بتحقيق يشمل «الاستماع إلى شهود، وفحوصات طبية مستقلة وأن يحال المسؤولون عن وفاته إلى القضاء».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».