علاقة «مستحيلة» وتاريخ من المواجهة بين عون وجنبلاط

تفتقر إلى الكيمياء ولم تنجح معها كل محاولات التقارب

صورة من أحد اللقاءات القليلة بين عون وجنبلاط تعود إلى عام 2016  قبل انتخاب عون رئيساً للجمهورية (رويترز)
صورة من أحد اللقاءات القليلة بين عون وجنبلاط تعود إلى عام 2016 قبل انتخاب عون رئيساً للجمهورية (رويترز)
TT

علاقة «مستحيلة» وتاريخ من المواجهة بين عون وجنبلاط

صورة من أحد اللقاءات القليلة بين عون وجنبلاط تعود إلى عام 2016  قبل انتخاب عون رئيساً للجمهورية (رويترز)
صورة من أحد اللقاءات القليلة بين عون وجنبلاط تعود إلى عام 2016 قبل انتخاب عون رئيساً للجمهورية (رويترز)

اتّسمت العلاقة بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ورئيس الجمهورية ميشال عون، بالمواجهة الدائمة وغياب الكيمياء بين الطرفين منذ كان الأخير قائداً للجيش ومن ثم عودته إلى لبنان عام 2005 حين وصف رئيس «الاشتراكي» تلك العودة بـ«التسونامي»، وصولاً إلى قوله صراحةً قبل يومين: «لا أحبهم ولا يحبونني»، في إشارة إلى العهد والتيار الوطني الحر الذي يرأسه النائب جبران باسيل، وهو ما استدعى تجدد السجال بين نواب الحزبين.
هذه العلاقة قد تتشابه مع علاقات أخرى بين عهد عون وأحزاب لبنانية لكنها تتميز أو تختلف دائماً في طريقة المواجهة التي اختارها جنبلاط والتي وصلت أخيراً إلى المطالبة بإسقاط عون قبل أن يتراجع ليس لأسباب سياسية أو مبدئية إنما واقعية تنطلق من النظام اللبناني الطائفي ومن الغطاء الذي يوفّره «حزب الله» لرئيس الجمهورية، حسب النائب في «الاشتراكي» هادي أبو الحسن.
بالعودة إلى المراحل السابقة، كانت معارضة جنبلاط واضحة عند ترؤس قائد الجيش عام 1988 العماد ميشال عون الحكومة العسكرية، بحيث عدّ ذلك بمثابة إعلان حرب، وإذا كانت في بعض الأحيان تتقارب مواقف الطرفين خلال وجود عون في فرنسا فكان جنبلاط أوّل من أطلق إشارة تحذيرية ضدّ عودته إلى بيروت عام 2005، واصفاً إياها بـ«التسونامي»، لتعود بعدها وتهدأ الجبهات حيناً وتشتعل أحياناً كثيرة، تخللتها محاولات للمصالحة وعقد بعض اللقاءات بين جنبلاط وعون لكنّ مفاعيلها لا تدوم طويلاً.
وتعدّ اللقاءات التي عُقدت بين الرجلين محدودة جداً ومرتبطة ًدائما بأحداث أو مناسبات معينة وأهمها مصالحة الجبل والحفاظ على التهدئة في مناطقه بين الدروز والمسيحيين، كزيارة عون إلى الشوف عام 2010 ومشاركته في القداس في دير القمر عام 2017 في الذكرى الـ16 لمصالحة الجبل ومن ثم زيارة جنبلاط لعون في مقره الصيفي في بيت الدين، تلتها تلبية رئيس الجمهورية الدعوة بزيارة الزعيم الدرزي في مقره في المختارة، وهو اللقاء الذي أتى بعد ما عرف حينها بحادثة قبرشمون وسقط خلالها قتلى وجرحى، وآخرها توجه جنبلاط إلى القصر الرئاسي في شهر مايو (أيار) الماضي في زيارة لـ«تنظيم الخلاف»، كما قال حينها رئيس «الاشتراكي» بمبادرة من صديق مشترك.
وفي كل مرة كان يلتقي فيها الرجلان كانا يتحدثان عن مصالحة ومصارحة وتهدئة، لتعود وتتجدد المواجهات ونبش قبور الحرب الأهلية عند كل مفترق طريق سياسي، ما يؤكد مرة جديدة غياب الكيمياء بينهما وعدم إمكانية الانتقال فعلياً إلى «المصالحة» الحقيقية.
وفي مقاربة كلا الطرفين لهذه العلاقة، فإن لكل منهما وجهة نظره التي لا تخرج عن تبادل الاتهامات بالفساد، ففي حين يرى «الاشتراكي» أن فشل العهد وسياساته التي أوصلت لبنان إلى هذا الحد من الانهيار هي التي تفرض مواجهته لإنقاذ البلاد قبل فوات الأوان، يرى «التيار الوطني الحر» أن هجوم جنبلاط سببه المأزق والأزمة السياسية التي بات يعاني منها نتيجة خروجه من السلطة وعدم امتلاكه الكلمة الفصل كما في السابق.
ويقول النائب في «الاشتراكي» هادي أبو الحسن، لـ«الشرق الأوسط»: «إن الاعتراض على رئيس الجمهورية و(الوطني الحر) ينطلق بشكل أساسي من الملاحظات على الأداء السياسي ووصول لبنان إلى الانهيار في عهد عون». ويوضح: «منذ ترؤس عون الحكومة العسكرية مروراً بشنّه حربي الإلغاء والتحرير (1990 - 1989) وما نتج عنهما من خسائر في البلاد والأرواح وأدت إلى إحكام سوريا قبضتها على لبنان ليعود بعدها إلى بيروت بتسوية من تحت الطاولة مع النظام السوري نفسه وتحالفه مع (حزب الله) بهدف الوصول إلى سدة الرئاسة منقلباً على كل مواقفه السابقة وصولاً إلى اليوم، لم نرَ منه إلا الإخفاقات والمصائب والخسائر على كل المستويات». ويضيف: «ورغم كل ذلك يدّعون أنهم الإصلاحيون، متهِمين الجميع بالفساد، بينما هم الفاسدون الأوائل، والمشكلة تكمن في سياسة الكيدية التي يمارسونها، كما أنهم يقولون شيئاً ويفعلون شيئاً آخر، وهو الأمر الذي حال دون نجاح كل محاولات المصالحات والتقارب التي عُقدت بيننا وبينهم ولا سيما بعدما شككوا في مصالحة الجبل، لنصل إلى هذا الواقع من السقوط على مختلف الصعد».
في المقابل، يرى النائب في «التيار الوطني الحر» جورج عطا الله، أن هجوم «الاشتراكي» على «الوطني الحر» سببه الأزمة السياسية التي يعاني منها رئيسه وليد جنبلاط، رافضاً اتهام العهد بالفساد، وداعياً إلى المواجهة في القضاء. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «كل مرة هم الذين يعتدون علينا كلامياً ولفظياً عبر الكذب والتجنّي، وذلك لأسباب مرتبطة بوضع (الاشتراكي) السياسي الحالي بعدما فقد رئيسُه ما كان يمتلكه في السنوات الماضية من موقع مؤثر في الواقع اللبناني بعدما أعادته الانتخابات النيابية إلى حجمه الطبيعي إضافةً إلى خوفه من المحاسبة وكشف ملفاته طوال تلك الفترة التي كان يستفيد خلالها مالياً وسياسياً».
وفيما لا يغفل أبو الحسن مشاركة أطراف أخرى في السلطة ووصول لبنان إلى ما هو عليه اليوم، يؤكد: «على الأقل التيار الوطني الحر وحلفاؤه ورئيس الجمهورية يمسكون بزمام الأمور ويستولون على الوزارات الأساسية على رأسها وزارة الطاقة لمدة عشر سنوات وهي التي كلّفت خزينة الدولة نصف الدين العام».
أما عن مصير هذه المواجهة، فيقول أبو الحسن: «لسنا من هواة المواجهات العبثية، لكن لا يمكن السكوت عمّا يحصل، والمنطق يفرض إمّا أن يغيَّر هذا العهد بأدائه وتصحيح مساره وإما أن نصل إلى تغيير في هذا الفريق وعلى رأسه رئيس الجمهورية رغم علمنا بصعوبة الأمر لأسباب طائفية ومرتبطة بالدعم والغطاء الذي يوفره (حزب الله) له».
هذا الأمر يرد عليه عطا الله بالقول: «فليحلموا ويتوهموا بسقوط رئيس الجمهورية، أما سياستنا فلن تتغير لأنها قائمة على رؤية ثابتة لكسر منظومة عمرها سنوات طويلة يشكل (الاشتراكي) جزءاً منها»، واضعاً في الوقت عينه هجوم الأخير على العهد ضمن ما يصفه بـ«المعركة الخارجية» التي تُخاض ضد عون على خلفية تحالفه مع «حزب الله» ومواقفه من ترسيم الحدود وعودة اللاجئين وغيرها.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.