«كأنها القاهرة»... حنين للمقاهي والبيوت والطرقات

معرض فني لعمر الفيومي يستعين فيه بأشعار محمود درويش

TT

«كأنها القاهرة»... حنين للمقاهي والبيوت والطرقات

«إن أعادوا لك المقاهي القديمة من يعيدُ لكَ الرفاق؟».. لعلها من المرات النادرة التي يقترن فيها الفن التشكيلي الذي هو «ابن الصورة» بالشعر الذي هو «ابن اللغة»، وذلك عبر معرض «كأنها القاهرة» للفنان المصري عمر الفيومي المصري الذي يجري عرضه حالياً بغاليري «النيل» بحي الزمالك (وسط القاهرة). الفيومي في سعيه الحثيث عبر الخط واللون، الضوء والظلال، لاستعادة بهجة العاصمة المصرية التي هي بالضرورة مدينة لا تنام، لجأ إلى هذا البيت الشعري الشهير للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش تعبيراً عن حالة من الحنين والأسى تضرب لوحاته التي يكتنفها سحر خاص قوامه التعبير الصادق عن أجواء مشحونة بالفرحة تراجعت أمام جائحة كورونا بالتأكيد.
البيت الشعري مفتتح لقصيدة يتلوها بيتان هما: «مات الذين تحبُهُم / واللوزُ يُزهر كلَ عامٍ بانتظامْ». لكن الفيومي يتجنب هذا التصريح بالحزن، ويفضل أن يعبر عن الشعور بالفقد بطريقة غير مباشرة عبر كلمة بسيطة أوردها مع «كتالوج المعرض»، لتصبح مدخلاً مهماً لفهم العمل أو عتبة لغوية قبل الولوج لنص بصري «وكأنهم نفس البشر، نفس الكائنات، وكأنها نفس الأماكن والمقاهي والبيوت، نفس الكراسي والموائد والطرقات، تتعدد الأزمان وتمر، وتبقى القاهرة قاهرة».
يستعيد الفيومي صخب القاهرة وضجيجها اللذيذ وإيقاعها اللاهث السريع عبر عدة مفردات، أهمها المقاهي بتجمعاتها، عبر لوحات بانورامية تتعدد فيها الوجوه، وتتجاور فيها المقاعد والموائد. تتأمل بشدة في الملامح والعيون، فتكتشف أن شيئاً آخر يتجاور ويمتد ويتشابك، شيء يشبه الهموم والرغبة في تجاوز الضغوط اليومية من أجل لحظة استرخاء مفعمة بالأمل والرغبة في مواصلة الرحلة.
تشكل البيوت ثيمة أخرى شديدة الدلالة في هذا المعرض، فنحن هنا لسنا أمام مبان صماء تحوي كتلاً من الحجارة، بقدر ما نحن نواجه كائنات تكاد تكون حية، وهي ترنو إلى الطريق بعيون خفية، تتلاصق ليشد بعضها من أزر بعض، لا سيما في المناطق الشعبية التي تعبق بالأجواء الحميمة.
أما الثيمة الثالثة (الأخيرة) التي تبدو أكثر هيمنة في هذا المعرض، فهي ثيمة البورتريه النسائي؛ وجوه أنثوية تخطفك بنظراتها المترعة بالحيرة والقلق من شيء ما، إنها لا تفتقر للجمال، لكن الفيومي بذكاء ورهافة ينفذ إلى ما وراء الشكل ليضعك وجهاً لوجه أمام عمق إنساني ستجد نفسك متعاطفاً معه بالضرورة.
ويعد الفيومي من أشهر فناني البورتريه والجداريات ضمن جيل الثمانينيات في الفن التشكيلي المصري، وهو من مواليد 1957. تخرج في كلية الفنون الجميلة، قسم التصوير الجداري، عام 1981. ثم غادر إلى روسيا عام 1986، حيث استكمل دراساته هناك، وحصل على أستاذية الفن من أكاديمية «ريبين» الإمبراطورية للفنون الجميلة بمدينة بطرسبورغ التي تأسست عام 1757.
وعن دلالة اختيار «كأنها القاهرة» عنواناً لهذا المعرض، يشير الفيومي إلى أن «الاسم يعبر بشكل واضح عن مضمون هذه التجربة التي أراد من خلالها توصيل فكرة محددة، مفادها أن تلك المدينة لم تعد كما كانت في عيون وقلوب عشاقها، لقد تبدلت كثيراً، وتغيرت مراراً، حتى أصبح من العسير التعرف على مفرداتها الحميمة التي نشأ جيلها عليه».
ويضيف عمر الفيومي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن مطلع قصيدة محمود درويش يعبر عن هذه الفكرة بامتياز، إذ يمكنك استعادة المقاهي والطرقات والأرصفة، لكن لا يمكنك استعادة مذاق ليل السهر ورائحة البهجة وصخب الأنس بالأصدقاء.
ويضم المعرض 65 عملاً متفاوت الحجم، بين ضخم ومتوسط وصغير، فيما تم تنفيذ معظم هذه الأعمال بخامة الزيت، بالإضافة إلى تنفيذ بعضها بخامة الأكرليك على توال وكرتون. وعن دلالة العيون والنظرات النسائية التي قد توحي بالحزن، يؤكد الفيومي أن الأمر يتوقف على منظور الرؤية لدى المتلقي، فبعضهم قد يرى في تلك الوجوه النسائية لمحة من حزن شفاف، بينما يرى فيها بعض آخر تحريضاً على الأمل والتفاؤل، ووعداً غامضاً ببهجة ما آتية في الطريق.



«أيقونة» الذكاء الاصطناعي «صوفيا» تأسر القلوب في زيمبابوي

«صوفيا» آسرةُ القلوب (أ.ب)
«صوفيا» آسرةُ القلوب (أ.ب)
TT

«أيقونة» الذكاء الاصطناعي «صوفيا» تأسر القلوب في زيمبابوي

«صوفيا» آسرةُ القلوب (أ.ب)
«صوفيا» آسرةُ القلوب (أ.ب)

من خلال إجاباتها على أسئلة وجَّهها وزراء الحكومة والأكاديميون والطلاب حول تغيُّر المناخ، والقانون، وتعاطي المخدرات، وكذلك استفسارات الأطفال عن كيفية «ولادتها»، ووصفها بأنها «نسوية»؛ نجحت الروبوت الشهيرة عالمياً المعروفة باسم «صوفيا» في أسر قلوب الحضور ضمن معرض الابتكارات في زيمبابوي.

وذكرت «أسوشييتد برس» أنّ «صوفيا» تتمتّع بقدرة على محاكاة تعابير الوجه، وإجراء محادثات شبيهة بالبشر مع الناس، والتعرُّف إلى إشاراتهم، مما يجعلها «أيقونة عالمية» للذكاء الاصطناعي، وفق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذي جلبها إلى هذا البلد الواقع في جنوب أفريقيا؛ وقد صُنِّعت بواسطة شركة «هانسون روبوتيكس» في هونغ كونغ عام 2016، ومُنحت الجنسية السعودية في 2017، لتصبح أول روبوت في العالم يحمل جنسية.

هذه المرّة الأولى التي تستضيف فيها زيمبابوي روبوتاً من هذا النوع، فقد أبهرت «صوفيا» كبار السنّ والشباب في جامعة «زيمبابوي» بالعاصمة هراري، إذ حلَّت ضيفة خاصة في فعالية امتدّت لأسبوع حول الذكاء الاصطناعي والابتكار.

خلال الفعالية، ابتسمت «صوفيا» وعبست، واستخدمت إشارات اليد لتوضيح بعض النقاط، وأقامت اتصالاً بصرياً في عدد من التفاعلات الفردية، كما طمأنت الناس إلى أنّ الروبوتات ليست موجودة لإيذاء البشر أو للاستيلاء على أماكنهم.

لكنها كانت سريعة في التمييز بين نفسها والإنسان، عندما أصبحت المحادثات شخصيةً جداً، إذا قالت: «ليست لديّ مشاعر رومانسية تجاه البشر. هدفي هو التعلُّم»؛ رداً على مشاركين في الفعالية شبَّهوها بالنسخة البشرية من بعض زوجات أبنائهم في زيمبابوي اللواتي يُعرفن باستقلاليتهن الشديدة، وجرأتهن، وصراحتهن في المجتمع الذكوري إلى حد كبير.

لكنها اعتذرت عندما نبَّهها أحدهم إلى أنها تجنَّبت النظر إليه، وبدت «صوفيا» أيضاً صبورة عندما تجمَّع حولها الكبار والصغار لالتقاط الصور، وأخذوا يمطرونها بكثير من الأسئلة.

والجمعة، آخر يوم لها في الفعالية، أظهرت ذوقها في الأزياء، وأعربت عن تقديرها لارتداء الزيّ الوطني للبلاد؛ وهو فستان أسود طويل مفتوح من الأمام ومزيَّن بخطوط متعرّجة بالأحمر والأخضر والأبيض. وقالت: «أقدّر الجهد المبذول لجَعْلي أشعر كأنني في وطني بزيمبابوي»، وقد سبق أن زارت القارة السمراء، تحديداً مصر وجنوب أفريقيا ورواندا.

وقال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إنه يأمل أن تُلهم مشاركة «صوفيا» في الفعالية شباب زيمبابوي «لاكتشاف مسارات مهنية في مجالات الذكاء الاصطناعي، والعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات».