«سوق الطباخة» في المدينة المنورة... فضاء اللقاء وتراث الغذاء

عمليات تطويرها وضعتها معلماً سياحياً يحكي قصة 50 عاماً

تضم مطاعم تقدم أبرز المأكولات الشعبية المرتبطة بالمنطقة
تضم مطاعم تقدم أبرز المأكولات الشعبية المرتبطة بالمنطقة
TT

«سوق الطباخة» في المدينة المنورة... فضاء اللقاء وتراث الغذاء

تضم مطاعم تقدم أبرز المأكولات الشعبية المرتبطة بالمنطقة
تضم مطاعم تقدم أبرز المأكولات الشعبية المرتبطة بالمنطقة

تجمع المدينة المنورة مواقع التاريخ ومقاصد الزيارة الدينية، وهي أيضاً تجمع فضاءات متنوعة تثري تجربة الزيارة للمدينة مثل المزارات والمواقع السياحية. ومن أبرز الفعاليات السياحية «سوق الطباخة»، التي تستعرض المأكولات الشعبية الشهيرة.
وتشهد السوق منذ ساعات الصباح الأولى وحتى منتصف الليل إقبالاً كبيراً من قاصديها الراغبين في تناول الوجبات الشهيرة مثل «الكبدة والمطبق والمقلقل وغيرها» من أطباق شعبية ضاربة في جذور المكان.
ويتنافس الطباخون في السوق الذي يمتده عمرها لخمسة عقود، على حرفية إعداد الأطباق الشهيرة في المطبخ المديني، وفق الطرق التقليدية التي توارثوها عن أجدادهم، في سوق متكاملة تحمل هوية عمرانية حديثة، تجعلها تأتي على غرار الأسواق الشعبية العالمية.
يضاف لذلك ميزة قرب سوق الطباخة على بعد دقائق معدودة من المسجد النبوي، حيث يجذب موقعه المميز المزيد من زوار المدينة.
وكانت أمانة منطقة المدينة المنورة، أعلنت في شهر فبراير (شباط) الماضي أنها واصلت أعمال تطوير وترميم سوق الطباخة، مما جعل المكان أكثر تطوراً واستقبالاً للزوار، وشملت عمليات إعادة تأهيل السوق علاوة على أروقة المكان، تغييراً وتطويراً في الأدوات المستخدمة في تحضير الوجبات الغذائية، بهدف إدخال المزيد من الخدمات المساندة للسوق، بما يتناسب مع أهميتها كنقطة جذب في المدينة المنورة.
ويوضح فهد المزين، شيخ طائفة «السمّاكين» في المدينة المنورة، أنه وجد في سوق الطباخة منذ نحو 40 عاماً، حيث عاصر التغيرات الكبيرة التي لحقت بها، قائلاً: «في السابق كانت السوق قديمة ومتهالكة، لكنها تطوّرت الآن وصارت مقصداً للزوار، ولمسنا إقبالاً شديداً منهم في إجازة منتصف العام الدراسي، خلال الأسبوع الماضي، حيث اشتغلت كل المحلات بصورة كبيرة».
وأشار المزين خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن السوق تضم الأكل الشعبي القديم للمنطقة على أصوله، عبر محلات تعرض «الأسماك والمندي والفول ومطبق المدينة والهريسة والمنتو واليغمش والكباب والصيادية والأرز الأبيض وغيرها». ويبلغ عدد محلات السوق قرابة الخمسين محلاً، كما يفيد المزين، مبيناً أن معظم هذه المحلات يتوارثها الأبناء، وتمتد إدارتها جيلاً بعد جيل.
ويزداد ازدحام السوق بعد صلاة الجمعة، وهو اليوم الذي اعتاد أبناء المدينة المنورة على تناول الأسماك فيه، حيث تطغى رائحة السمك المشوي والمقلي في ممرات سوق الطباخة، والذي توجد فيه أيضاً جلسات صغيرة للمارة وراغبي تناول الطعام في السوق، من مختلف الجنسيات.
ومنذ القدم ولا تزال حتى اليوم السوق وجنباتها موقع الالتقاء لكبار السن، المرتبطين في المكان وماضيه، ونقطة التواصل والاجتماع كما كان منذ زمن.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».