القطاع المصرفي السعودي يدخل العام الجديد بكفاءة مؤشرات السلامة المالية

متحدث البنوك لـ«الشرق الأوسط» : تقديرات نمو الناتج المحلي تعزز استمرارية قوة الأداء المصرفي

تقديرات مشجعة لنمو الناتج المحلي السعودي (الشرق الأوسط)
تقديرات مشجعة لنمو الناتج المحلي السعودي (الشرق الأوسط)
TT

القطاع المصرفي السعودي يدخل العام الجديد بكفاءة مؤشرات السلامة المالية

تقديرات مشجعة لنمو الناتج المحلي السعودي (الشرق الأوسط)
تقديرات مشجعة لنمو الناتج المحلي السعودي (الشرق الأوسط)

رغم صعوبات عام 2020، فإن القطاع المصرفي السعودي ظل صامداً، وسط تأكيدات مصرفية عن دخول البنوك السعودية العام الجديد بكفاءة مؤشرات السلامة المالية، حيث أظهرت مؤشرات السلامة المالية للقطاع مؤشرات جيدة، بمعدل كفاية رأس المال 19.6 في المائة بنهاية الربع الثالث من العام الماضي، بالإضافة إلى أصول سائلة إلى إجمالي الأصول بنسبة 25.2 في المائة.
وتوقع متحدث البنوك السعودية الأمين العام للتوعية المصرفية، حافظ طلعت، لـ«الشرق الأوسط» استمرار أداء القطاع المصرفي السعودي الجيد خلال العام الحالي، انسجاماً مع التحسن المتوقع في أداء الاقتصاد الوطني، مرجعاً ذلك إلى التقديرات الأولية لنمو الناتج المحلي الإجمالي السعودي بنحو 3.2 في المائة، مدفوعاً بافتراض استمرار تعافي الأنشطة الاقتصادية.

- الموجودات البنكية
وبحسب حافظ «بلغ إجمالي الموجودات لدى البنوك بالسعودية نحو 3 تريليونات ريال (800 مليار دولار) بنهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، بزيادة نسبتها 15.24 في المائة، في مقابل الفترة نفسها من عام 2019»، مضيفاً: «بلغ إجمالي الودائع لدى البنوك بالسعودية نحو 1.9 تريليون ريال (507 مليارات دولار)، بزيادة نسبتها 11.95 في المائة، في مقابل الفترة ذاتها من عام 2019».
ووفق حافظ، تظهر المؤشرات ارتفاع حجم مطلوبات المصارف من القطاع الخاص إلى 1.755 تريليون ريال (468 مليار دولار) بنهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، تمثل ارتفاعاً بنسبة 15 في المائة، في حين ارتفعت القروض العقارية الممنوحة من البنوك التجارية للأفراد والشركات إلى 392.1 مليار ريال (104.6 مليار دولار) بنهاية الربع الثالث من عام 2020، بزيادة نسبتها 42 في المائة، في مقابل الفترة نفسها من عام 2019.
ولفت الأمين العام للتوعية المصرفية إلى أن إجمالي حجم التسهيلات المقدمة للمنشآت الصغـيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر بلغ نحو 176 مليار ريال (47 مليار دولار) بنهاية الربع الثالث من عام 2020، بزيادة نسبتها 52.41 في المائة، في مقابل الفترة نفسها من عام 2019.

- دور تعزيزي
وكان للبنوك السعودية، وفقاً لحافظ، بدعم من البنك المركزي السعودي (ساما)، جهود واضحة ملموسة في دعم شركات القطاع الخاص، خاصة الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر منها، بما في ذلك الأفراد من العملاء، حيث أُعلن في شهر مارس (آذار) من العام الماضي، انطلاقاً من دور «ساما» في تفعيل أدوات السياسة النقدية وتعزيز الاستقرار المالي، بما في ذلك تمكين القطاع المالي من دعم نمو القطاع الخاص.
وتابع: «في إطار دعم جهود الدولة في مكافحة فيروس كورونا، وتخفيف آثاره المالية والاقتصادية المتوقعة على القطاع الخاص، خصوصاً على قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة، عمل البنك المركزي على إعداد برنامج بقيمة 50 مليار ريال (13.33 مليار دولار)».
وأوضح حافظ أن «ساما» استهدف دعم القطاع الخاص، وتمكينه من القيام بدوره في تعزيز النمو الاقتصادي من خلال حزمة من الإجراءات، تضمنت إيداع مبلغ يصل إلى 30 مليار ريال (8 مليارات دولار) لصالح البنوك وشركات التمويل، مقابل تأجيل دفع مستحقات القطاع المالي (البنوك وشركات التمويل) لمدة 6 أشهر على قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، بدءاً من تاريخ انطلاقة البرنامج في 14 مارس (آذار) 2020.
وبين أنه بلغ عدد العقود المستفيدة من البرنامج منذ انطلاقته حتى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي أكثر من 87 ألف عقد، في حين بلغت قيمة تأجيل الدفعات نحو 77.3 مليار ريال (20.61 مليار دولار)، بينما تم تمديد فترة البرنامج لفترة إضافية حتى نهاية الربع الأول من العام الحالي (2021).
ومن برامج «ساما»، وفق حافظ، برنامج التمويل المضمون الذي أطلقه البنك المركزي، بالتعاون مع برنامج ضمان التمويل للمنشآت الصغيرة والمتوسطة (كفالة)، والذي يُمكن المنشآت الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر من الحصول على تمويل من «البنوك وشركات التمويل» بضمان نسبته 95 في المائة من قيمة التمويل، مقدم من برنامج «كفالة» وفق آليات البرنامج، وبتكلفة لا تتجاوز 4 في المائة.

- الجدارة الائتمانية
يهدف التمويل منخفض التكلفة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، حسب حافظ، إلى تقديم دعم إضافي، وتعزيز الجدارة الائتمانية للمنشآت المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، والتغلب على تحديات تمويل المنشآت الذي بدوره ساهم في التخفيف من أثر الانخفاض بالتدفقات النقدية، ومكنها من خدمة عملائها، وسداد رواتب ومستحقات موظفيها.
وبلغت الميزانية المخصصة لهذا البرنامج 13.2 مليار ريال (3.52 مليار دولار). ووفقاً لآخر إحصائية في نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، بلغ عدد العقود المستفيدة أكثر من 3.300 عقد، بقيمة تمويلية تجاوزت 3.35 مليار ريال (0.89 مليار دولار).
وتضمنت البرامج أيضاً، وفق الأمين العام للتوعية المصرفية، إيداع مبلغ يصل إلى 6 مليارات ريال (1.6 مليار دولار) لصالح البنوك وشركات التمويل، لتمكين جهات التمويل (البنوك وشركات التمويل) من إعفاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من تكاليف برنامج ضمانات تمويل قروض المنشآت الصغيرة والمتوسطة (كفالة)، بغرض المساهمة في تخفيض تكلفة الإقراض للمنشآت المستفيدة من هذه الضمانات خلال العام المالي 2020، ودعم التوسع في التمويل.
ولفت إلى أنه بلغ عدد الكفالات التي أُصدرت أكثر من 8 آلاف كفالة، فيما بلغت الرسوم المدعومة أكثر من 124 مليون ريال (33.1 مليار دولار)، حسب آخر إحصائية في نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي 2020.
ودعم «ساما» رسوم المدفوعات لجميع المتاجر ومنشآت القطاع الخاص لمدة 3 أشهر، وذلك بقيمة إجمالية تفوق 800 مليون ريال سعودي (213.3 مليون دولار)، من خلال تحمل الرسوم لصالح مقدمي خدمات المدفوعات المشاركين في المنظومة الوطنية للمدفوعات، حيث بلغ عدد العمليات المعفاة ضمن البرنامج 1.1 مليار عملية، فيما بلغت قيمة رسوم تلك العمليات نحو 270 مليون ريال (72 مليون دولار).

- دعم البنك المركزي
ضخ البنك المركزي السعودي، وفق حافظ، مبلغ 50 مليار ريال (13.3 مليار دولار) أخرى لتعزيز السيولة في القطاع المصرفي، وتمكينه من الاستمرار في دوره في تقديم التسهيلات الائتمانية لعملائه كافة من القطاع الخاص، في حين دعمت البنوك السعودية القطاع الخاص من خلال تعديل أو إعادة هيكلة تمويلاتهم، دون أي رسوم إضافية، إلى جانب دعم خطط المحافظة على مستويات التوظيف في القطاع الخاص.
وكانت البنوك السعودية قد اتخذت خلال الجائحة سلسلة واسعة من الإجراءات النوعية، وفاء لالتزاماتها المجتمعية والوطنية، كان من بينها المبادرة إلى تأجيل أقساط التسهيلات الائتمانية العقارية والاستهلاكية، وعقود التمويل التأجيري للعاملين في القطاع الصحي الحكومي والخاص، لثلاثة أشهر.
يُضاف إلى ذلك، بحسب حافظ، مساهمات البنوك لدعم صندوق الوقف المجتمعي بمبلغ 100 مليون ريال (26.7 مليون دولار)، وصندوق الوقف الصحي بمبالغ تجاوزت قيمتها 160 مليون ريال (42.7 مليون دولار)، ومركز التميز للتوحد بمبلغ 286 مليون ريال (76.3 مليون دولار).


مقالات ذات صلة

السعودية تشارك في قمة الشركات الناشئة لـ«مجموعة الـ20»

الاقتصاد الأمير فهد بن منصور بن ناصر رئيس الوفد السعودي يتحدث خلال كلمة أمام القمة (واس)

السعودية تشارك في قمة الشركات الناشئة لـ«مجموعة الـ20»

تشارك السعودية في قمة الشركات الناشئة لمجموعة العشرين بمدينة جوهانسبرغ الجنوب أفريقية، بحضور جهات حكومية وخاصة وغير ربحية معنية بريادة الأعمال.

«الشرق الأوسط» (جوهانسبرغ)
الاقتصاد شعار «هيئة السوق المالية» بأحد مباني العاصمة السعودية الرياض (الشرق الأوسط)

هيئة السوق المالية السعودية تُغرّم 6 مستثمرين وشركتين استثماريتين لمخالفتهم نظامها

أعلنت هيئة السوق المالية صدور 3 قرارات قطعية من لجنة الاستئناف في منازعات الأوراق المالية، أدانت بموجبها 6 مستثمرين وشركتين استثماريتين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
خاص وزر الطاقة السعودي مشاركاً في مؤتمر «مبادرة مستقبل الاستثمار»... (الشرق الأوسط)

خاص وكالة الطاقة الدولية تتراجع… ورؤية السعودية تنتصر لواقع النفط

بعد 4 سنوات من الجدل، تراجعت وكالة الطاقة الدولية عن توقعاتها المتشددة بشأن ذروة النفط، لتؤكد بذلك صحة التحذيرات التي أطلقها وزير الطاقة السعودي.

هلا صغبيني (الرياض)
الاقتصاد يستمتع الناس بالجلوس في الهواء الطلق مع انحسار حرارة الصيف في الرياض (أ.ف.ب)

استقرار التضخم السنوي في السعودية عند 2.2 % في أكتوبر

أفادت الهيئة العامة للإحصاء في السعودية بأن معدل التضخم السنوي حافظ على مستواه عند 2.2 في المائة خلال شهر أكتوبر.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
عالم الاعمال ممثلو الشركات خلال إعلان التأسيس (الشرق الأوسط)

مشروع سعودي - صيني لتوطين أجهزة التحليل الكهربائي والهيدروجين الأخضر

أعلنت شركة اتحاد الأقطاب الخضراء للصناعة تأسيس شركة الشرق الأوسط للإلكترولايزرز، بوصفها مشروعاً مشتركاً مع شركة هاي غرين إنرجي.

«الشرق الأوسط» (الدمام)

«بيت التمويل» ينجح بإصدار أكبر صكوك مضاربة في تاريخ الكويت

مقر «بيت التمويل الكويتي»... (البنك)
مقر «بيت التمويل الكويتي»... (البنك)
TT

«بيت التمويل» ينجح بإصدار أكبر صكوك مضاربة في تاريخ الكويت

مقر «بيت التمويل الكويتي»... (البنك)
مقر «بيت التمويل الكويتي»... (البنك)

نجح «بيت التمويل الكويتي» في إصدار صكوك مضاربة ضمن الشريحة الأولى الإضافية لرأس المال بقيمة 850 مليون دولار، مسجلاً بذلك أكبر إصدار من نوعه في تاريخ الكويت من حيث الحجم، وفق ما ذكرت وكالة أنباء «كونا».

وشهدت الصفقة إقبالاً استثنائياً من المستثمرين، حيث تجاوزت طلبات الاكتتاب 1.7 مليار دولار، أي ما يعادل ضعف الحجم المستهدف، وبعائد سنوي تنافسي يبلغ 6.25 في المائة. ويعكس هذا النجاح الكبير الثقة المتنامية التي يحظى بها البنك لدى المستثمرين في الأسواق الإقليمية والدولية، ويؤكد قوة مركزه المالي ومتانة تصنيفه الائتماني، بصفته أكبر بنك في الكويت والقطاع الخاص من حيث القيمة السوقية والربحية، وفق الوكالة.

أهداف الإصدار

أكد رئيس الخزانة في «بيت التمويل الكويتي»، أحمد عيسى السميط، أن هذا الإصدار يأتي في إطار استراتيجية البنك لتعزيز قاعدة رأس المال وتنويع مصادر التمويل. وأوضح أن الهدف من ذلك هو رفع قدرة البنك على دعم المشاريع التنموية الكبرى داخل الكويت، خصوصاً في مجالات البنية التحتية والطاقة والقطاعات الحيوية الأخرى، فضلاً عن دعم توسعات عملاء البنك على المستويين الإقليمي والدولي. وأشار إلى أن الصكوك هي صكوك دائمة مع إمكانية استردادها بعد خمس سنوات ونصف من تاريخ الإصدار، وسيتم إدراجها في سوق لندن للأوراق المالية.

ثقة المستثمرين تعكس الجدارة الائتمانية للبنك

من جانبه، أكد نائب مدير عام الأسواق العالمية للتداول والاستثمارات في بيت التمويل الكويتي، خالد سعود الرخيص، أن طلبات الاكتتاب جاءت من مستثمرين في الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا، ومعظمهم من البنوك والمؤسسات المالية والصناديق الاستثمارية، مما يعكس المكانة الراسخة للبنك بوصفه مؤسسة مالية رائدة في المنطقة. وأضاف أن الإقبال الكبير من المستثمرين يؤكد قوة الثقة العالمية في الجدارة الائتمانية للمؤسسة، مشدداً على أهمية الصكوك بوصفها أداة تمويل إسلامية فعالة تسهم في تنمية أسواق المال العالمية، وتدعم خطط الشركات للنمو والتوسع.

يُذكر أن شركة «بيتك كابيتال» للاستثمار، تولت دور المنسق العالمي للاكتتاب ومدير الإصدار المشترك، بالتعاون مع عدد من المؤسسات المالية الدولية.


الريادة الخليجية في توظيف الذكاء الاصطناعي تحفّز القطاع الخاص اللبناني

لبنان في المرتبة 82 عالمياً وفق مؤشر استعداد الحكومات للذكاء الاصطناعي لعام 2024 (مؤتمر الذكاء الاصطناعي في لبنان)
لبنان في المرتبة 82 عالمياً وفق مؤشر استعداد الحكومات للذكاء الاصطناعي لعام 2024 (مؤتمر الذكاء الاصطناعي في لبنان)
TT

الريادة الخليجية في توظيف الذكاء الاصطناعي تحفّز القطاع الخاص اللبناني

لبنان في المرتبة 82 عالمياً وفق مؤشر استعداد الحكومات للذكاء الاصطناعي لعام 2024 (مؤتمر الذكاء الاصطناعي في لبنان)
لبنان في المرتبة 82 عالمياً وفق مؤشر استعداد الحكومات للذكاء الاصطناعي لعام 2024 (مؤتمر الذكاء الاصطناعي في لبنان)

ينضم لبنان، ولو بإمكانات محدودة، ومبادرات خاصة، إلى ثورة الذكاء الاصطناعي، وتوظيفها في خدمة الاقتصادات الوطنية، والتي تقودها الدول الخليجية في المنطقة، وسط ترقبّات بنمو استثنائي طويل الأمد لهذا القطاع الواعد، واستقطابه لاستثمارات مجزية تساهم بفعالية في تحديث المجتمعات، وتعظيم أداء مجمل قطاعات الإنتاج، وبما يشمل الخدمات العامة، والوظائف الحكومية.

وتلاحظ الخبيرة هيلدا معلوف أن دول الخليج تتصدر قائمة دول المنطقة في إشراك القطاعين العام والخاص بدينامية التحول إلى استخدام الذكاء الاصطناعي، والاستفادة منه، حيث إن الشركات والاقتصادات تمتلك مقومات الجهوزية للاستجابة، بدعم من جهود الحكومات، وتوجيه استثمارات ضخمة في مجال التكنولوجيا المتقدمة، كما تظهر مراكز البيانات خصوصاً في السعودية، والإمارات.

وبالتوازي، تلفت هيلدا معلوف، المعتمدة باختصاص الذكاء الاصطناعي من جامعة أكسفورد، في حديث مع «الشرق الأوسط»، إلى أن لبنان يواجه تحديات هيكلية ضخمة تشكل عقبة أمام تبني هذه التكنولوجيا، خصوصاً في القطاع العام، ومع ذلك لديه قطاع خاص نشط، وكفاءات بشرية عالية المستوى، أكاديمياً، وخبرات تسعى جاهدة للصمود، والمنافسة في قطاع المعلوماتية، والذكاء الاصطناعي، رغم معاناة المبادرات من انقطاعات التيار الكهربائي، ورداءة شبكة الإنترنت، مما يحول حتى الساعة دون تشغيل شبكات الجيل الخامس.

بدوره، يشير عمر حلاق، الشريك ومسؤول القطاع العام في شركة «Artefact» العالمية المتخصصة في استشارات وتنفيذ حلول البيانات والذكاء الاصطناعي، إلى أن دول الخليج تتبنّى استراتيجيات طموحة جعلتها في طليعة الدول المتفاعلة مع مقتضيات التحول، مقارنةً بالدول الأخرى التي لا تزال متأخرة نسبياً في المنطقة.

وفي الواقع، تبيّن قياسات مستوى جاهزية الحكومات، والبنية التحتية في المنطقة أن الإمارات تحوز المرتبة الأولى عربيّاً، والمركز 13 عالمياً في مؤشر استعداد الحكومات للذكاء الاصطناعي لعام 2024. تليها السعودية الثانية عربياً، وفي المرتبة 22 عالمياً. ثم قطر الثالثة، وفي المرتبة 32 عالمياً. بينما جاء لبنان في المرتبة 82 عالمياً وفق نفس المؤشر.

وهذا الترتيب، يعكس، وفق حلّاق، في حديثه مع «الشرق الأوسط»، اتساع الفجوة البينية على مستوى الدول إقليمياً، ودولياً. ففي حين تجني الاقتصادات الخليجية حصيلة استثماراتها السخية، والمستدامة في التقنيات، والبنية التحتيّة الرقميّة، تتواصل معاناة لبنان من ضعف بنيته الرقمية، والأزمات الاقتصادية التي أثّرت على جاهزيته. ورغم وجود شركات ناشئة، ومواهب محلية في مجال المعلوماتية، يظل التقدّم بطيئاً بتأثير الخلل، وبمحدودية الدعم الحكومي، وضعف الاستثمار.

وبالفعل، نسجت دول الخليج، حسب هيلدا معلوف، شراكات استراتيجية، وجذبت عمالقة في قطاع التكنولوجيا العالمي، مثل «مايكروسوفت»، و«أوبن إيه آي»، إضافة إلى شركات حوسبة عالمية لتطوير البنى التحتية المتقدمة. لكنها لا تزال تواجه التحدي في سد فجوة الكفاءات البشرية الوطنية. في حين يمتلك لبنان كفاءات بشرية في هذا المجال، ويعاني بالمقابل من بنية تحتية تقنية غير جاهزة، وهجرة كفاءاته إلى الخارج.

وتلاحظ أن أغلب الخطط الخليجية تتجه إلى استقطاب المواهب، والخبرات الأجنبية المختصة بعلوم البيانات، والذكاء الاصطناعي، وهي توفر لها بيئات جاذبة للعمل، والعيش، مدعومة بتسهيلات، وحوافز. كما تبنت هذه الدول استراتيجيات وطنية لـتدريب مواطنيها، مثل خطة السعودية لتدريب 20 ألف متخصص بحلول 2030، واستقطاب طلاب في اختصاصات الذكاء الاصطناعي في جامعات رائدة، أبرزها جامعة الملك سعود في السعودية، وجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي في الإمارات، وغيرهما.

أما لبنان، فهو يقف على طرف نقيض من دول الخليج، وفق وصف الخبيرة الدولية. إذ إن بنيته التحتية التقنية لا تزال مترهلة، وتمثل عائقاً كبيراً أمام التحول المطلوب، لكن الرأسمال البشري لديه يشكّل نقطة قوته الرئيسة، باعتباره يتمتع بـكفاءات متقدمة بفضل جودة التعليم الجامعي، خصوصاً في مجالات الهندسة، وتكنولوجيا المعلومات. مع الإشارة إلى أن عدداً كبيراً من الخريجين اللبنانيين يعملون في شركات التكنولوجيا العالمية، حيث يمكن للقطاع العام وشركات التقنية المحلية الاستفادة من هذه الطاقة في حال تحسن الظروف.

وزير الدولة لشؤون التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي الدكتور كمال شحادة (الثاني إلى اليمين) خلال مشاركته في جلسة حول الذكاء الاصطناعي في اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين (الوكالة الوطنية)

وبشأن المكاسب المرتقبة، يلفت حلّاق إلى أن تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي سيحقق مكاسب اقتصادية، وتنموية كبيرة للمنطقة على المديين المتوسط، والبعيد، وفق ما تؤكده الأبحاث والتقديرات الموضوعية. فعلى الصعيد الكلّي، من المتوقع أن يسهم الذكاء الاصطناعي بنحو 260 مليار دولار في اقتصاد دول الخليج بحلول عام 2030. إذ يُقدّر أن الاقتصاد السعودي وحده سيجني نحو 135 مليار دولار في 2030 بفضل الذكاء الاصطناعي (ما يشكّل 12.4 في المائة من إجمالي الناتج المحلي المتوقع للمملكة). كما قد تصل مساهمة الذكاء الاصطناعي في اقتصاد الإمارات إلى 96 مليار دولار، أو قرابة 13.6 في المائة من ناتجها المحلي عام 2030.

وتكرس هذه التقديرات، وفق حلّاق، أهمية الفرصة لتحويل استخدام الذكاء الاصطناعي إلى محرك أساسي للنمو الاقتصادي المستقبلي في المنطقة. وبالفعل بدأت بوادر ذلك في الظهور، حيث أشار المنتدى الاقتصادي العالمي إلى أن آفاق النمو الاقتصادي في دول الخليج حالياً تتفوق على نظيراتها عالمياً، مدفوعة بالاستثمارات التقنية، والتحول نحو الاقتصاد الذكي. ومن المتوقع أن يرتفع تأثير الذكاء الاصطناعي سنوياً بوتيرة نمو عالية تتراوح بين 20 و34 في المائة سنوياً في مساهمته الاقتصادية الإقليمية خلال السنوات القادمة، مما يعني تضاعف أثره بشكل متسارع مع مرور الوقت.

كما يساعد استخدام الذكاء الاصطناعي في القطاعات الاستراتيجية بدول الخليج العربية ولبنان على تعزيز النمو، والإيرادات، وزيادة الإنتاجية، ومحاربة البيروقراطية، والفساد. ويشجع، حسب تحليل معلوف، على بناء شراكات بين القطاعين العام والخاص، وبين الشركات الكبرى والمتوسطة، ويضيف للناتج القومي في دول الخليج تحقيق إيرادات بمليارات الدولارات. مع وجوب إدراك أن الاقتصاد غير المدعوم بالذكاء الاصطناعي لن يكون قادراً على مواكبة التطور الذي ينتظر العالم في السنوات المقبلة.

وعن القطاعات الخاصة الأكثر ملاءمة لقيادة التجربة، تشير الخبيرة الدولية إلى الجهوزية اللوجستية المتوفرة خليجياً في القطاع المالي والمصرفي، وقطاعات الطاقة، والنفط، والصحة، والرعاية الطبية، إضافة إلى التعليم، والمهارات. أما في لبنان، فتتركز الأولوية على القطاعات الخدماتية، كالسياحة، والنقل، والتوزيع، والمؤسسات المالية، والمصارف، والتعليم، والتدريب، وقطاع الصحة.

بدوره، يجد حلاق، والذي يحوز خبرات ممتدّة في مجالات الاستشارات، والتكنولوجيا، أن القطاعات الأكثر غنى بالبيانات، والأقرب للمواطنين ستكون المحرك الأول للذكاء الاصطناعي في المنطقة. وهناك عدة قطاعات بارزة مرشحة لقيادة التحوّل المدعوم بالذكاء الاصطناعي، وذلك نظراً لجهوزيتها النسبية، وعوائدها المحتملة الكبيرة.

وتحديداً، يشير إلى القطاع الحكومي، والخدمات العامة، بما فيها الصحة، والتعليم، حيث يتموضع القطاع العام في طليعة تبني التقنيات الجديدة بفضل الدعم المباشر من الحكومات. كما يُعد القطاع المالي والمصرفي الأكثر جهوزية بين القطاعات من ناحية تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي. ذلك أن البنوك وشركات التأمين في المنطقة تحوز كماً هائلاً من البيانات، ويمكنها تحقيق مكاسب سريعة في الكفاءة، واتخاذ القرارات من خلال الخوارزميات الذكية.

كما يعتبر قطاع النفط والغاز والصناعات المرتبطة بالطاقة من أكثر القطاعات المؤهلة للاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي، وفق حلاق، ولا سيما في دول الخليج التي يعد اقتصادها قائماً بشكل كبير على هذا القطاع. يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين عمليات الاستكشاف، والإنتاج من خلال تحليل البيانات الجيولوجية الضخمة، والتنبؤ بأعطال المعدات قبل وقوعها (الصيانة التنبئية)، فضلاً عن تحسين كفاءة التكرير، وإدارة شبكات الطاقة.

كذلك تشمل القائمة، قطاع التصنيع، والصناعات التحويلية. فرغم أن القاعدة الصناعية في المنطقة خارج بعض دول الخليج محدودة، فإن قطاع التصنيع مرشح ليكون من أكبر المستفيدين من الذكاء الاصطناعي.

ولا يغفل حلاق قطاع الاتصالات والتكنولوجيا، بوصفه المرتكز التقني الأساسي لسائر القطاعات في عالم الأعمال، والإنتاج، من خلال توفير البنية التحتية، والبيانات، وخصوصاً مع ضخ الاستثمارات في شبكات الجيل الخامس، والمنصات السحابية لتمكين تشغيل تطبيقات الذكاء الاصطناعي.


ترمب يخفِّض الرسوم على 200 منتج غذائي استجابة لمخاوف ارتفاع الأسعار

دونالد ترمب يتحدث إلى الصحافيين على متن الطائرة الرئاسية (أ.ب)
دونالد ترمب يتحدث إلى الصحافيين على متن الطائرة الرئاسية (أ.ب)
TT

ترمب يخفِّض الرسوم على 200 منتج غذائي استجابة لمخاوف ارتفاع الأسعار

دونالد ترمب يتحدث إلى الصحافيين على متن الطائرة الرئاسية (أ.ب)
دونالد ترمب يتحدث إلى الصحافيين على متن الطائرة الرئاسية (أ.ب)

خفَّض الرئيس الأميركي دونالد ترمب، يوم الجمعة، الرسوم الجمركية على أكثر من 200 منتج غذائي، من بينها سلع أساسية، مثل: القهوة، ولحوم البقر، والموز، وعصير البرتقال، وسط تنامي مخاوف المستهلكين من ارتفاع أسعار المواد الغذائية.

وتمثل هذه الإعفاءات –التي دخلت حيِّز التنفيذ بأثر رجعي بدءاً من منتصف ليل الخميس– تحولاً حاداً في موقف ترمب الذي دافع طويلاً عن الرسوم الجمركية الشاملة التي فرضها مطلع العام، مؤكّداً أنها لا تسهم في زيادة التضخم، وفق «رويترز».

ولدى سؤاله عن الأسباب وراء هذه الخطوة، خلال رحلة على متن الطائرة الرئاسية، مساء الجمعة، قال ترمب: «قد ترفع الأسعار في بعض الحالات»، ولكنه شدَّد في الوقت نفسه على أن الولايات المتحدة «خالية تقريباً من التضخم».

جاءت هذه الخطوة في وقت حقق فيه الديمقراطيون سلسلة انتصارات في الانتخابات المحلية، في ولايات فرجينيا ونيوجيرسي ونيويورك؛ حيث شكَّلت القدرة على تحمل تكاليف المعيشة -وعلى رأسها أسعار الغذاء– قضية مركزية لدى الناخبين.

وأضاف ترمب في حديثه للصحافيين، أن إدارته ستمضي قدماً في خطة تقديم دفعة مالية قدرها ألفي دولار للأميركيين من ذوي الدخل المنخفض والمتوسط، على أن تُموَّل من عائدات الرسوم الجمركية في مرحلة لاحقة من العام المقبل، قائلاً: «الرسوم الجمركية تتيح لنا توزيع أرباح إذا أردنا ذلك، والآن سنقوم بتوزيع أرباح، كما نعمل في الوقت نفسه على خفض الدين».

وكانت الإدارة قد أعلنت يوم الخميس اتفاقات تجارية إطارية، من شأنها -فور اكتمالها- إلغاء الرسوم الجمركية على بعض الأغذية والسلع الواردة من الأرجنتين والإكوادور وغواتيمالا والسلفادور، بينما يسعى مسؤولون أميركيون إلى إبرام اتفاقيات إضافية قبل نهاية العام.

وتشمل قائمة الإعفاءات الصادرة يوم الجمعة أكثر من مائتي منتج يشتريها الأميركيون بانتظام لتلبية احتياجاتهم الغذائية المنزلية، وقد شهد كثير منها زيادات سنوية من رقمين. وتتراوح السلع بين البرتقال وتوت الآساي والبابريكا والكاكاو، وصولاً إلى المواد الكيميائية المستخدمة في الصناعات الغذائية والأسمدة، وحتى رقائق القربان المقدس.

وفي بيان صادر عن البيت الأبيض، أوضحت الإدارة أن القرار جاء استناداً إلى «التقدم الكبير» الذي حققه ترمب في تعزيز الطابع التبادلي للعلاقات التجارية الثنائية. وأضافت أن إعفاء بعض المنتجات يأتي لكونها لا تُزرع ولا تُصنَّع في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى تقدم مسار 9 اتفاقات إطارية، واتفاقيتين نهائيتين للتجارة المتبادلة، وصفقتين استثماريتين.

ووفق بيانات مؤشر أسعار المستهلك لشهر سبتمبر (أيلول)، ارتفع سعر لحم البقر المفروم بنحو 13 في المائة، بينما ارتفع سعر شرائح اللحم بنحو 17 في المائة على أساس سنوي، في أكبر زيادة منذ أكثر من 3 سنوات. ويعود ذلك جزئياً إلى نقص مستمر في أعداد الماشية؛ رغم أن الولايات المتحدة من أكبر منتجي لحوم البقر عالمياً. كما ارتفعت أسعار الموز بنحو 7 في المائة، والطماطم بنسبة 1 في المائة. وبلغت الزيادة العامة في أسعار الأغذية المستهلكة منزلياً 2.7 في المائة.

ولاقت الخطوة ترحيباً من كثير من الصناعات الغذائية، بينما أعرب آخرون عن خيبة أملهم من استبعاد منتجاتهم من الإعفاءات. وقالت ليزلي ساراسين، رئيسة رابطة صناعة الأغذية: «إجراء اليوم سيساعد المستهلكين، ونأمل أن يجعل أسعار قهوتهم الصباحية أكثر قابلية للتحمُّل، كما سيساعد المُصنِّعين الأميركيين الذين يعتمدون على هذه المنتجات في سلاسل التوريد».

تركيز جديد على القدرة على تحمّل التكاليف

كان ترمب قد غيَّر ملامح النظام التجاري العالمي بفرض رسوم أساسية بنسبة 10 في المائة على جميع الواردات، إضافة إلى رسوم إضافية تختلف من ولاية لأخرى.

وفي الأسابيع الأخيرة، ركَّز ترمب خطابه السياسي مباشرة على مسألة القدرة على تحمل التكاليف، مؤكداً أن أي ارتفاع في الأسعار يعود إلى سياسات سلفه جو بايدن، لا إلى سياساته الجمركية.

ورغم ذلك، لا يزال المستهلكون يتذمرون من ارتفاع أسعار البقالة، والذي يعزو الاقتصاديون جزءاً كبيراً منه إلى الرسوم الجمركية المفروضة على الواردات، مع احتمال زيادة الأسعار العام المقبل، مع انتقال الشركات إلى تحميل التكلفة الكاملة للرسوم على المستهلكين.

وقال ريتشارد نيل، كبير الديمقراطيين في لجنة الوسائل والطرق بمجلس النواب: «الإدارة تُخمد ناراً أشعلتها ثم تدَّعي أنها تعطي». وأضاف: «منذ بداية تطبيق هذه الرسوم، ارتفع التضخم وتراجع قطاع التصنيع شهراً بعد شهر».