دالي وزفايغ... الحب والإبداع الجنوني العبقري

قصص مشهورة في التاريخ الأدبي الأوروبي

دالي وغالا
دالي وغالا
TT

دالي وزفايغ... الحب والإبداع الجنوني العبقري

دالي وغالا
دالي وغالا

هناك قصص حب شهيرة عديدة في التاريخ الأوروبي. نذكر من بينها قصة أبيلار وهيلويز، ودانتي وبياتريس، وبالطبع روميو وجولييت... إلخ. وأما عندنا نحن العرب فهناك قصص لا تقل روعة إن لم تزد: جميل وبثينة، وذو الرمة ومعشوقته مي، مجنون ليلى ما تعذب مثلنا... إلخ. لكن ماذا عن سلفادور دالي؟ هل ذاق طعم الحب؟ إليكم القصة بحذافيرها:
في عام 1929 كان الصيف قائظاً جداً. ولذا دعا الرسام أصدقاءه الباريسيين إلى تقضية العطلة الصيفية في قريته الواقعة على الشواطئ الإسبانية؛ حيث السباحة والنسيم المنعش والبحر العريض. ولكن للأسف فإن الضيوف صدموا فور وصولهم بأزمات الضحك الجنونية أو الهستيرية التي كانت تعتري صاحب البيت، بسبب ومن دون سبب. فقد كان يضحك طوال الوقت تقريباً. كان جنونه السريالي أقوى منه. وكانوا يضحكون هم أيضاً فقط لأنه يضحك دون أن يعرفوا السبب. وأحياناً كانوا يخافون ويرتعبون من انفجار ضحكاته المجلجلة.
وفجأة تتغير الأمور عندما وصل الشاعر بول إيلوار وزوجته غالا، تلك الحسناء الروسية ذات الجمال السلافي الأخاذ. لقد وصلا مساء إلى بيت دالي كمدعوين أيضاً لتقضية بضعة أيام من الصيف على شاطئ البحر. ولم يعجب البيت غالا، ولم ترتح لدالي في البداية؛ بل خافت منه. ولذلك قررت المغادرة صباح اليوم التالي تحاشياً لرؤية هذا الشخص المزعج الغريب الأطوار. ولو لم تكن متعبة من السفر لربما غادرت المنطقة ليلاً على الفور. ولكنها نامت بعمق بسبب إرهاق السفر والرحلة الطويلة. وفي صباح اليوم التالي عندما استيقظت ذهبت منذ الصباح الباكر لرؤية نور الله والبحر برفقة زوجها الشاعر الشهير وبقية الضيوف. أما سلفادور دالي فقد تأخر في الاستيقاظ، وبالأخص في لبس الثياب لأنه كان يريد أن يفاجئ الجميع بمظهر خارجي سريالي وثياب «إرهابية» مزركشة، تتجاوز حدود المعقول واللامعقول. ولكن قبل أن يغادر المنزل في آخر لحظة ألقى نظرة من الشرفة على جهة البحر لكي يرى ماذا حصل للضيوف، فوقع بصره فجأة على غالا، أو بالأحرى على ظهرها العاري تماماً. فوقع في حبها على الفور وبالضربة القاضية! من يستطيع تفسير شرارة الحب وكيف تحصل لأول مرة؟ وعندما التحق بهم أصبحت ضحكاته أقل. فالحب الصاعق يفرض نفسه وجبروته حتى على شخص مجنون، مستهتر، مثل سلفادور دالي. وعندما شعرت غالا بأنه أحبها وقعت هي أيضاً في حبه، وقررت على الفور الانفصال عن بول إيلوار على الرغم من أنها كانت زوجته ولها طفلة منه. فهي أيضاً كانت مجنونة على طريقتها الخاصة. أو قل إن الحب يُجنن بكل بساطة.
كيمياء الإبداع
على أي حال، هكذا ابتدأت إحدى قصص الحب الكبرى في القرن العشرين: حب سلفادور دالي وملهمته الروسية الحسناء غالا. وفي ذلك الوقت لم يكن أحد يعرفه تقريباً، ولم تكن شهرته قد انطلقت وطبقت الآفاق. كان لا يزال رساماً مجهولاً تماماً. صحيح أن نار العبقرية كانت تضطرم في داخله، ولكنها لم تكن قد تفتحت بعد. فجاء هذا الحب الصاعق في الوقت المناسب لكي يفجر كل طاقاته الإبداعية الخلاقة. وراح يرسم من الصباح وحتى المساء. واخترع عندئذ منهجيته المشهورة باسم: «المنهجية الجنونية- الهذيانية- النقدية». انتبهوا إلى هذا المصطلح: إنه من أعظم المصطلحات الفكرية على مدار التاريخ. إنه مصطلح تحريري بالمعنى الحرفي الهائل للكلمة. فلا يمكن أن تبدع إن لم تكن فيك حبة جنون أو حتى حبات! لا يمكن أن تبدع إلا بعد أن تقذف بنفسك في فم التنين أو غياهب المجهول. ألم يقل فرويد هذه العبارة البليغة: «أنا لست عالماً ولا فيلسوفاً ولا مثقفاً: أنا فاتح مقتحم ليس إلا». بهذا المعنى، على هذا النحو، أطلق سلفادور دالي لجنونه العنان، فنتجت لوحات فنية خالدة. وهي لوحات لا تزال تسحرنا، وأكاد أقول تدوخنا، حتى اللحظة.
وهكذا خرج دالي من مرحلة الفقر المدقع الذي كان يخجل منه لكي يلتحق بمرتبة الأغنياء الكبار. ويقال بأنه عندما كان يمشي في صالونات الأرستقراطية الفرنسية بباريس سابقاً، كان يتعثر بقدمه في السجادات، ويكاد يسقط على الأرض خجلاً من فقره وعاره. ولكن الآن تغير كل شيء، وأصبحوا يتراكضون عليه ويطلبون رضاه. أصبحت كل أمنياتهم أن يتصوروا معه أو أن يحظوا بتوقيعه. وكل ذلك بفضل غالا التي أحبته وأعطته الثقة بنفسه، وشجعته على طول الخط. وقد اعترف بذلك لاحقاً وقال بأنها هي السبب في تفتح عبقريته، ولولاها لما أصبح شيئاً يذكر. ألم نقل لكم بأن الحب يصنع المعجزات؟
وهكذا انتقل دالي وزوجته غالا من حياة الأكواخ الحقيرة إلى حياة القصور الباريسية، بعد أن أصبحت لوحات زوجها تباع بعشرات أو مئات الملايين من الدولارات. بل وأصبحت بلا سعر: أي فوق كل سعر ممكن. أصبحت ملكاً للمتاحف الفرنسية والأجنبية الكبرى. ولكن للأسف الشديد فإن نهاية هذا الحب لم تكن على مستوى بدايته. صحيح أن كل حب يضمحل شيئاً فشيئاً بمرور الزمن والعادة والألفة والعيش المشترك. صحيح أن الحب يذبل كما تذبل الورود الجميلة إذا ما تحقق ونجح. وحده الحب الخائب يبقى قوياً مشتعلاً. بهذا المعنى فالحب الفاشل هو أكبر حب ناجح في التاريخ! عدنا إلى مجنون ليلى، أو إلى ذي الرمة:
وحبها لي سواد الليل متقداً
كأنها النار تخبو ثم تلتهب
زفايغ... انتحار جماعي
ننتقل الآن إلى قصة حب أخرى، ولكنها انتهت بالانتحار الجماعي إذا جاز التعبير. نريد التحدث هنا عن حب الكاتب النمساوي الشهير ستيفان زفايغ لزوجته شارلوت زفايغ. لقد أحبها إلى درجة أنه أقنعها بالانتحار معه! هل هناك حب أكبر من هذا؟ ومعلوم أنهما انتحرا معاً في البرازيل عام 1942، وفي عز الحرب العالمية الثانية.
كان ستيفان زفايغ من أشهر كتاب أوروبا في فترة ما بين الحربين العالميتين. وكان من أسرة غنية جداً، ويعيش حياة مرفهة إلى أقصى الحدود. وبالتالي فقد أتاح له هذا الغنى أن يتفرغ للكتابة ويؤلف سير العظماء من أمثال بلزاك، وديستويفسكي، وتولستوي، ونيتشه، وفرويد، وريلكه... إلخ. وأعترف بأني قرأت مؤلفاته الشيقة بنهم واستمتعت بها جداً؛ لأنه كاتب سيرة من الطراز الأول. باختصار كان الرجل قد جمع المجد من طرفيه أو حتى من جميع أطرافه، ومع ذلك فقد قرر الانتحار. فلماذا إذن؟
من المعلوم أن توماس مان عندما سمع بخبر انتحاره لم يصدق في البداية. ولكن عندما تأكد من النبأ لم يزعل عليه بقدر ما غضب منه وتنرفز نرفزة هائلة. قال للمقربين منه: كيف ينتحر وهو الغني المترف؟ نحن الكتاب الذين نعيش على حافة الفقر والجوع بسبب الحرب يمكن أن ننتحر؛ بل ويعذرنا التاريخ تماماً إذا ما انتحرنا، أما هو؟!
في الواقع لا يمكن تفسير هذا الانتحار المفاجئ الذي هز المثقفين الألمان، إلا إذا أخذنا بعين الاعتبار عدة عوامل: أولها أن ستيفان زفايغ كان متفائلاً بالحضارة الأوروبية المتطورة جداً آنذاك. كان يثق بها إلى أقصى الحدود. ولكن صعود هتلر في أرقى بلدان العالم صدمه صدمة كبيرة لم يستطع أن يقوم منها. راح يتساءل: كيف يمكن لبلد أنجب كانط وهيغل وغوته وباخ وموزار وعشرات العباقرة الآخرين أن يفرخ النازية؟ عندئذ أظلمت الدنيا في عينيه.
وثانياً كان يعتقد أن هتلر سوف ينتصر في الحرب لا محالة، وبالتالي فلا أمل في المستقبل. الوضع مسدود. ولكنه لو انتظر سنة واحدة أو حتى بضعة أشهر فقط؛ حيث لاحت هزيمة هتلر في الأفق لما انتحر. ولكن هناك تفسير آخر، وهو أن زفايغ كان مصاباً بمرض نفسي عميق لا علاج له. وهو الذي دفعه في لحظة يأس وسوداوية قاتلة إلى اتخاذ قراره بالانتحار. ولكن لماذا فرض هذا القرار على زوجته الشابة التي لم تكن قد تجاوزت الرابعة والثلاثين من العمر؟ لماذا لم ينتحر وحده يا ترى؟ في الواقع لا أحد يعرف سر هذا القرار المفاجئ والمذهل الذي اتخذه ستيفان زفايغ يوم 22 فبراير (شباط) من عام 1942.
كل ما نعرفه هو أن بعض الكتاب الكبار يصابون أحياناً بأزمات نفسية حادة قد تدفعهم إلى ارتكاب ما لا تحمد عقباه. لماذا انتحر أرنست همنغواي بعد أن نال جائزة «نوبل» والشهرة والمجد، ولم يكن قد تجاوز الستين إلا قليلاً؟ ولماذا جُن نيتشه وهو في عز الشباب (45 سنة)؟ وماذا عن جيرار دونيرفال الذي شنق نفسه على عمود كهرباء في ساحة الشاتليه وسط باريس؟ وماذا؟ وماذا؟



بريجيت باردو خرجت من الصورة وبقيت في الزمن

زمنٌ بكامله انعكس على ملامح امرأة (أ.ب)
زمنٌ بكامله انعكس على ملامح امرأة (أ.ب)
TT

بريجيت باردو خرجت من الصورة وبقيت في الزمن

زمنٌ بكامله انعكس على ملامح امرأة (أ.ب)
زمنٌ بكامله انعكس على ملامح امرأة (أ.ب)

كانت بريجيت باردو أكثر من جسد أيقوني علَّق عليه القرن العشرون خيالاته وأسئلته. وكانت، قبل كلّ شيء، امرأة وُلدت في زمن لا يعرف كيف يتعامل مع أنثى لا تطلب الإذن. امرأة خرجت من الشاشة لتدخل الوعي الجماعي، وتحوّلت من ممثلة إلى مُحرِّكة لقلق المجتمع الذكوري ولمخاوفه من الجسد المُنطلِق، ومن المرأة التي لا يمكن ضبطها أو احتواؤها.

الجمال الذي لا يطلب الإذن غالباً ما يُساء فهمه (أ.ف.ب)

حين ظهرت باردو في خمسينات القرن الماضي، لم يكن العالم مهيّأً لها. كانت السينما لا تزال تبحث عن نساء جميلات «مروَّضات»، وأنوثة يمكن استهلاكها من دون أن تُهدّد البنية الأخلاقية القائمة. لكن باردو جاءت مختلفة. جسدها لم يكن خاضعاً، ونظرتها لم تكن مطيعة، وحضورها لم يكن استعطافياً. لم تؤدِّ دور المرأة المرغوبة فقط، وإنما المرأة الواعية بجاذبيتها، لا تتبرأ منها ولا تُبالغ باستعراضها. هنا تحديداً بدأ الارتباك.

في أفلامها، وخصوصاً «وخلق الله المرأة»، كانت المسألة في الجرأة الوجودية قبل المَشاهد الجريئة. باردو شكَّلت تجسيداً لامرأة تختار وتقتحم وترفض وتُغادر. امرأة لا تُعاقب نفسها كي تُطمئن المجتمع. ومنذ تلك اللحظة، أصبحت أكثر من نجمة. أصبحت سؤالاً أخلاقياً مُعلّقاً في الهواء.

امرأة صنعت حضورها ثم دفعت ثمنه (أ.ف.ب)

تحوّلت سريعاً إلى ظاهرة ثقافية تتجاوز الشاشة. شعرها الأشقر المنفلت، نظراتها التي لا تنحني، صارت جزءاً من خطاب اجتماعي كامل عن الحرّية والأنوثة غير المروَّضة. لكنها، في مقابل هذه الأيقونية، دفعت ثمناً باهظاً. فباردو التي رآها العالم رمزاً للانطلاق، كانت تعيش قلقاً دائماً واختناقاً من الضوء وشعوراً متنامياً بأنها صارت صورة أكثر مما هي إنسانة. تزوّجت أكثر من مرة، أحبَّت وجُرحت، ووجدت نفسها مُحاصرة بتوقّعات الآخرين، وبفكرة أنها «مُلكية عامة».

امرأة عَبَرَت الزمن بلا اعتذار وبلا محاولة لإرضائه (أ.ف.ب)

لكن المجتمع لا يكتفي بطرح الأسئلة، فيُسارع إلى معاقبة مَن يجرؤ على طرحها. فُتحت على باردو أبواب المجد كما تُفتح الأبواب على العاصفة. صُوّرت، كُتِب عنها، حوصرت بالكاميرات، اختُزلت في جسدها، ثم حُوسبت على هذا الجسد نفسه. أُعجِب بها العالم، لكنه لم يغفر لها أنها لم تطلب إعجابه بالطريقة «الصحيحة».

في عمق هذه المفارقة، عاشت باردو مأساة الأيقونات. حين تتحوّل المرأة إلى أيقونة، يُسلب منها حقّ التعب وحقّ التناقض وحقّ الشيخوخة. فالأيقونة يجب أن تبقى ثابتة، بينما يتغيَّر الإنسان. وبريجيت باردو تغيَّرت كثيراً.

انسحبت من السينما باكراً لتقول، بصيغة أو بأخرى، إنّ هذا العالم لا يُشبهها، ولم تُخلق لتُستَهلك إلى ما لا نهاية. انسحابها كان تمرّداً. كان قرار امرأة اختارت أن تُنقذ نفسها من صورة صنعتها ولم تعد تملكها.

خرج الجمال من القالب وصار موقفاً (أ.ب)

مع الزمن، تغيَّرت ملامحها وتبدَّلت نظرتها إلى العالم. لم تُحاول معاندة العمر، ولم تتصالح معه على الطريقة الرومانسية. كانت علاقتها بالزمن خشنة وصريحة وخالية من المجاملات. لم تُخفِ انزعاجها من الشيخوخة، ولا حنقها على عالم يُقدّس الشباب ثم يدير ظهره لمَن يتقدّم في السنّ. هنا أيضاً، كانت صادقة أكثر مما يحتمل الجمهور.

في مرحلة لاحقة، وجدت باردو في الحيوانات البراءة غير المشروطة والوفاء غير الملوَّث بالسلطة. تلك صفات لم تجدها في البشر. تحوَّل دفاعها عن حقوق الحيوان إلى قضية وجودية. أسَّست مؤسّستها، وكرَّست ما تبقّى من حياتها لمعركة ترى فيها شكلاً آخر من أشكال العدالة. قد يُختلف معها في حدّتها، أو في لغتها، أو في بعض مواقفها، لكن لا يمكن إنكار أنّ هذا الالتزام كان امتداداً لمنطقها نفسه القائم على رفض العنف أياً كان شكله، ورفض الهيمنة أياً كان مصدرها.

باردو كانت دائماً امرأة «غير مريحة». لم تُتقن فنّ إرضاء الجميع، ولم تحاول. وهذا بالضبط ما جعلها أيقونة جدلية تتجاوز التمثال الجميل. فالأيقونة الحقيقية لا تُحَبّ بالإجماع. تُساءَل وتُقلِق. ولمّا لم يكُن الزمن رحيماً بها، لا في ملامحها ولا في صورتها العامة، ولمّا تغيّر وجهها وقسا أحياناً، انعكست تحوّلاتها الداخلية في تصريحات أدخلتها في صدام مع الرأي العام الفرنسي. امرأة كانت رمز التحرُّر، وجدت نفسها لاحقاً على هامش الإجماع، تقول الكلمات بصراحة، وتُقرأ مواقفها أحياناً بمعزل عن سياقها الإنساني المُعقّد. لم تحاول باردو أن تُجمّل صورتها أو تستعيد ودّ الجمهور. بقيت كما هي، حادَّة وصريحة وغير معنيّة بأن تُحَبّ.

ترحل بريجيت باردو وتبقى سيرة المرأة التي دفعت بخيارها ثمن حرّيتها، إلى جانب صورة المرأة الجميلة من زمن مضى. امرأة أحبَّها العالم حين كانت شابّة، وضيَّق عليها حين كبرت. امرأة كشفت، من دون تنظير، كيف يُحبّ المجتمع النساء طالما بقيْنَ ضمن صورته، وكيف يُعاقبهنّ حين يخرجْنَ منها.


قرية إيطالية تحتفل بأول مولود منذ 30 عاماً

الطفلة لارا بوسي ترابوكو هي أول مولودة في باغليارا دي مارسي منذ 30 عاماً (بيكسباي)
الطفلة لارا بوسي ترابوكو هي أول مولودة في باغليارا دي مارسي منذ 30 عاماً (بيكسباي)
TT

قرية إيطالية تحتفل بأول مولود منذ 30 عاماً

الطفلة لارا بوسي ترابوكو هي أول مولودة في باغليارا دي مارسي منذ 30 عاماً (بيكسباي)
الطفلة لارا بوسي ترابوكو هي أول مولودة في باغليارا دي مارسي منذ 30 عاماً (بيكسباي)

احتفلت قرية باغليارا دي مارسي، وهي قرية ريفية عريقة تقع على سفوح جبل غيريفالكو في منطقة أبروتسو الإيطالية، بولادة أول طفلة منذ 3 عقود.

وحسب صحيفة «الغارديان» البريطانية، فإن هذه الطفلة هي لارا بوسي ترابوكو، وقد ولدت في شهر مارس (آذار) الماضي، لتكون أول مولودة في باغليارا دي مارسي منذ ما يقرب من 30 عاماً.

وبولادتها، وصل عدد سكان القرية، التي يفوق عدد القطط فيها عدد السكان بكثير، إلى 20 شخصاً.

ونظراً لندرة الحدث بالقرية، أصبحت الطفلة الآن عامل الجذب السياحي الرئيسي بالمكان.

وقالت والدتها، سينزيا ترابوكو: «لقد حضر أشخاص لم يكونوا يعرفون حتى بوجود باغليارا دي مارسي، فقط لأنهم سمعوا عن لارا. لقد أصبحت مشهورة وهي لم تتجاوز التسعة أشهر من عمرها».

ويمثل قدوم لارا رمزاً للأمل، ولكنه أيضاً تذكيرٌ مؤلمٌ بتفاقم الأزمة الديمغرافية في إيطاليا.

وفي عام 2024، بلغ عدد المواليد في إيطاليا أدنى مستوى تاريخي له، حيث وصل إلى نحو 369 ألف مولود، مواصلاً بذلك اتجاهاً سلبياً استمر 16 عاماً، وفقاً لأرقام المعهد الوطني للإحصاء.

كما انخفض معدل الخصوبة إلى مستوى قياسي، حيث بلغ متوسط ​​عدد الأطفال المولودين للنساء في سن الإنجاب 1.18 طفل في عام 2024، وهو من أدنى المعدلات في الاتحاد الأوروبي.

وتتعدد أسباب هذا التراجع، من انعدام الأمن الوظيفي وموجة الهجرة الشبابية الهائلة إلى عدم كفاية الدعم المقدم للأمهات العاملات، وكما هي الحال في بلدان أخرى، ارتفاع معدلات العقم لدى الرجال. علاوة على ذلك، يختار عدد كبير من الناس ببساطة عدم إنجاب الأطفال.

وتشير البيانات الأولية الصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء للأشهر السبعة الأولى من عام 2025 إلى مزيد من الانخفاض.

وشهدت منطقة أبروتسو، ذات الكثافة السكانية المنخفضة أصلاً، انخفاضاً بنسبة 10.2في المائة في عدد المواليد بين يناير (كانون الثاني) ويوليو (تموز) مقارنةً بالفترة نفسها من عام 2024.

وتُعدّ باغليارا دي مارسي قرية صغيرة، لكنها تمثل مشهداً يتكرر في أنحاء البلاد، حيث يزداد عدد كبار السنّ، وتتراجع أعداد الطلاب في المدارس، مما يضع ضغوطاً على المالية العامة، ويُشكل تحديات اقتصادية واجتماعية هائلة للقادة على المستويات المحلية والإقليمية والوطنية.

وقالت رئيسة البلدية، جوزيبينا بيروزي: «تعاني باغليارا دي مارسي من انخفاض حادّ في عدد السكان، تفاقم بسبب رحيل كثير من كبار السنّ، دون أيّ تغيير في الأجيال».

وأعربت بيروزي، التي تسكن على بُعد خطوات من منزل الطفلة لارا، عن امتنانها لترابوكو (42 عاماً)، وشريكها باولو بوسي (56 عاماً)، لتكوينهما أسرة، وتأمل أن يُلهم ذلك الآخرين لفعل الشيء نفسه.

ويُعدّ وضعهما غير مألوف. فترابوكو، مُدرّسة الموسيقى، وُلدت في فراسكاتي، بالقرب من روما، وعملت في العاصمة الإيطالية لسنوات قبل أن تُقرّر الانتقال إلى القرية التي وُلد فيها جدّها، لأنها لطالما رغبت في تربية أسرة بعيداً عن صخب المدينة. والتقت ببوسي، عامل البناء من المنطقة، قبل بضع سنوات.

واستفاد الزوجان من «منحة المولود» البالغة ألف يورو بعد ولادة لارا، وهي دفعة تُصرف لمرة واحدة عن كل طفل يُولد أو يتم تبنيه منذ يناير 2025، وقد أقرّتها حكومة جورجيا ميلوني اليمينية المتطرفة في جزء من تعهّدها بمعالجة ما وصفته رئيسة الوزراء بـ«الشتاء الديمغرافي» في إيطاليا. كما يتلقّيان أيضاً إعانة طفل تُقدّر بنحو 370 يورو شهرياً.

لكنّ معاناتهم الرئيسية تكمن في التوفيق بين رعاية الأطفال والعمل. فنظام دعم رعاية الأطفال في إيطاليا يعاني من نقص مزمن، وحكومة ميلوني، رغم تصويرها لأزمة انخفاض معدل المواليد على أنها معركة من أجل بقاء الأمة، لم تفِ حتى الآن بوعدها بزيادة عدد دور الحضانة. وتُجبر نساء حوامل على ترك العمل، ثم يواجهن صعوبة في العودة إليه لاحقاً.

كما يشعر الزوجان بالقلق حيال مستقبل لارا الدراسي. فآخر مرة كان فيها لحضانة باغليارا دي مارسي مُعلّمة - كان منزلها يُستخدم بوصفه مدرسة - كانت قبل عقود.

وتوجد مدرسة ابتدائية في كاستيلافيوم القريبة، ولكن بالنظر إلى إغلاق المدارس في جميع أنحاء إيطاليا بسبب انخفاض معدل المواليد، فإنه من غير المؤكد ما إذا كان سيكون هناك عدد كافٍ من الأطفال لدعم هذه المنشأة على المدى الطويل.

وقالت ترابوكو إن الحوافز المالية وحدها لا تكفي لوقف هذا التوجه. وأضافت: «يحتاج النظام بأكمله إلى ثورة. نحن بلد ذو ضرائب مرتفعة، لكن هذا لا يُترجم إلى جودة حياة جيدة أو خدمات اجتماعية جيدة».


وفاة الأسطورة الفرنسية بريجيت باردو عن 91 عاماً

النجمة الفرنسية بريجيت باردو لدى وصولها إلى مطار كينيدي في نيويورك عام 1965 (أ.ف.ب)
النجمة الفرنسية بريجيت باردو لدى وصولها إلى مطار كينيدي في نيويورك عام 1965 (أ.ف.ب)
TT

وفاة الأسطورة الفرنسية بريجيت باردو عن 91 عاماً

النجمة الفرنسية بريجيت باردو لدى وصولها إلى مطار كينيدي في نيويورك عام 1965 (أ.ف.ب)
النجمة الفرنسية بريجيت باردو لدى وصولها إلى مطار كينيدي في نيويورك عام 1965 (أ.ف.ب)

أعلنت مؤسسة بريجيت باردو، اليوم (الأحد)، عن وفاة أسطورة السينما الفرنسية بريجيت باردو عن عمر ناهز 91 عاماً، فيما نعاها الرئيس إيمانويل ماكرون معتبرا أنها "أسطورة" كانت "تجسّد حياة الحرية".

بريجيت باردو في قصر الإليزيه عام 2007 (أ.ف.ب)

وجاء في بيان أرسلته المؤسسة إلى وكالة الصحافة الفرنسية: «تعلن مؤسسة بريجيت باردو ببالغ الحزن والأسى وفاة مؤسستها ورئيستها، السيدة بريجيت باردو، الممثلة والمغنية العالمية الشهيرة، التي اختارت التخلي عن مسيرتها الفنية المرموقة لتكريس حياتها وجهودها لرعاية الحيوان ودعم مؤسستها».

ولم يحدد البيان وقت أو مكان الوفاة.

بريجيت باردو تقف في 11 مايو 1993 في باريس بجوار تمثالين نصفيين لماريان، رمز الجمهورية الفرنسية، والتي كانت باردو عارضةً لهما (أ.ف.ب)

وسطع نجم باردو عالميًا بعد ظهورها في فيلم «...وخلق الله المرأة» عام 1956، وشاركت في نحو 50 فيلماً آخر قبل أن تعتزل التمثيل لتتفرغ للدفاع عن حقوق الحيوان.

حضرت الممثلة الفرنسية والناشطة في مجال حقوق الحيوان، بريجيت باردو، نقاشًا ضد صيد الفقمة في المجلس الأوروبي بمدينة ستراسبورغ، شرق فرنسا، في 23 يناير 1978 (أ.ف.ب)

وقررت باردو أن تعتزل التمثيل في أوائل السبعينات بعد مسيرة حافلة بالنجاحات شاركت خلالها في نحو خمسين فيلما.

واستقرت باردو نهائيا بالقرب من مدينة سان تروبيه الساحلية على الريفييرا الفرنسية، حيث كرست نفسها للدفاع عن حقوق الحيوانات.

الممثلة الفرنسية والناشطة في مجال حقوق الحيوان، بريجيت باردو، تلهو مع كلب لدى وصولها إلى ملاجئ الكلاب في كابري (جنوب فرنسا) في 17 يناير 1989 (أ.ف.ب)

ونعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون باردو، معتبرا أنها «أسطورة» كانت «تجسّد حياة الحرية». وكتب ماكرون على منصة إكس «أفلامها، صوتها، شهرتها الباهرة، أحرف اسمها الأولى، أحزانها، شغفها السخي بالدفاع عن الحيوانات، ووجهها الذي أصبح ماريان (شعار الجمهورية الفرنسية)، بريجيت باردو جسّدت حياة الحرية. وجود فرنسي وحضور عالمي. لقد لامستنا. نحن ننعى أسطورة من هذا القرن».

ونادرا ما شوهدت باردو في الأماكن العامة خلال الأشهر الأخيرة، لكنها نُقلت إلى المستشفى في أكتوبر (تشرين الأول)، وفي الشهر التالي أصدرت بيانا تنفي فيه شائعات وفاتها.