فرنسا في مواجهة أزمة مصير القاصرين بمخيمات أكراد سوريا

TT

فرنسا في مواجهة أزمة مصير القاصرين بمخيمات أكراد سوريا

ثمة قاعدة تنتهجها السلطات الفرنسية في تعاملها مع موضوع استعادة القاصرين من عائلات الداعشيين المحتجزين لدى «قوات سوريا الديمقراطية»، تقوم على درس كل حالة على حدة. ومنذ أن طُرح هذا الملف بعد القضاء على ما تسمى «دولة الخلافة» المزعومة، ورغم الضغوط المحلية من عائلات القاصرين في فرنسا، والدعاوى المقدمة لدى المحاكم؛ ومنها «المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان»، والضغوط الأميركية ومن المنظمات الإنسانية، فضلاً عن مطالبة السطات الكردية، فإن باريس ماضية في سياستها المعلنة.
وفي إطار هذه السياسة، تسلم وفد فرنسي، بإشراف السفير السابق لدى سوريا أريك شوفاليه، مدير خلية الأزمات لدى وزارة الخارجية، 7 قاصرين من الإدارة الذاتية الكردية، وعلى ذلك يكون العدد الإجمالي للأطفال والقاصرين الذين قبلت باريس استعادتهم منذ مارس (آذار) 2019، 35 طفلاً. وبسبب غياب أرقام مؤكدة، فإن التقديرات المتوفرة تفيد بأن نحو 250 طفلاً وقاصراً محتجزون، في غالب الأوقات مع أمهاتهم، بمخيمي «الهول» و«روج» الواقعين شمال سوريا. ودأبت المنظمات الإنسانية على التنديد بالظروف الحياتية التي يعشن في ظلها من يسمين «نساء داعش» مع أطفالهن، ويقدر عددهن بـ12 ألف امرأة. وتؤكد باريس أنها جعلت من أولوياتها استعادة الأطفال اليتامى بالدرجة الأولى، ثم الأطفال والقاصرين الذين تقبل أمهاتهن الانفصال عنهم. وفيما يخص الأطفال والقاصرين السبعة الذين استعيدوا أول من أمس، فإن بينهم؛ وفق ما أوضح مسؤول في الإدارة الكردية الذاتية لوكالة الصحافة الفرنسية، «ثلاثة أيتام أشقاء. والأربعة الآخرون وافقت أمهاتهم على عودتهم» إلى فرنسا منفردين بسبب أوضاعهن الصحية السيئة والصعبة. والسبعة، وفق المصدر نفسه، أخرجوا من مخيم «الهول»، وهو الأكبر، ومخيم «روج». وتتراوح أعمار السبعة بين عامين و11 عاماً. وجاءت العملية الأخيرة بعد 8 أشهر على عملية مماثلة أخرجت باريس عبرها 10 أطفال؛ بينهم يتامى، وآخرون بموافقة أمهاتهم.
ما جاء على لسان المسؤول الكردي، أكدته وزارة الخارجية الفرنسية في بيان مقتضب جاء فيه أن باريس استعادت القاصرين السبعة الذين كانوا موجودين شمال شرقي سوريا ويعانون من أوضاع «صحية» هشة، وتمت العملية بموافقة السلطات المحلية «الكردية». وأضاف البيان الرسمي أن السبعة سلموا للسلطات القضائية وتتولى رعايتهم المؤسسات الاجتماعية. وينتهي البيان بإعراب باريس عن شكرها المسؤولين المحليين الأكراد لتعاونهم.
حقيقة الأمر أن الموقف الفرنسي الرسمي لا يمكن فهمه إلا على ضوء حالة الرأي العام الذي يرفض بغالبيته أن تعمد باريس إلى استعادة الجهاديين البالغين؛ رجالاً ونساء، إضافة إلى قاصرين. فالنسبة للبالغين ترفض باريس استعادتهم بشكل قطعي، وهي تعدّ أنه تتعين محاكمتهم في المناطق التي ارتكبوا فيها جرائمهم. وسعت فرنسا للعثور على حلول بديلة؛ منها نقل مجموعات منهم إلى العراق بحسبان أن «الخلافة» المزعومة ألغت الحدود بين سوريا والعراق، وبالتالي فإن القضاء العراقي مؤهل لمحاكمة البالغين. وبالفعل؛ نُقل 12 جهادياً؛ 11 منهم حكم عليهم بالإعدام في المرحلة الأولى، مما دفع بالسلطات الفرنسية إلى التدخل لدى بغداد لعدم تنفيذ الأحكام. كذلك حوكمت امرأة جهادية في العراق، وحُول الحكم الصادر بحقها من «الإعدام» إلى «السجن مدى الحياة». بيد أن السلطات العراقية لم تعد راغبة في استعادة الجهاديين الأجانب رغم الإغراءات المادية وغير المادية التي تقدم لها، بحسبان أن هؤلاء سيكونون عالة عليها مدى حياتهم. أما الحل الآخر الذي اقترح وأعلنت السلطات الكردية موافقتها عليه، فيقوم على إنشاء محكمة دولية تتولى مسؤولية محاكمة الجهاديين. لكن الاقتراح المذكور لم يجد طريقه إلى التنفيذ بسبب العقبات القانونية والإجرائية.
أما مصير القاصرين؛ فإنه مختلف لاعتبارات إنسانية؛ فحواها أنهم ليسوا مسؤولين عما اقترف آباؤهم وأمهاتهم. وعمدت عائلاتهم في فرنسا إلى تأسيس هيئة تتولى التعاطي مع السلطات الفرنسية ممثلة في وزارة الخارجية، وهي تصر على أن من واجبها استعادة مواطنيها صغاراً وكباراً ومحاكمتهم أمام محاكمها وإنزال القصاص العادل بهم. وبمناسبة استعادة القاصرين السبعة، عبرت الهيئة المذكورة عن أسفها، عادّةً أن لهذه العملية «طعماً مراً رغم أنها تثبت مجدداً قدرة فرنسا على إعادة من تشاء وساعة تشاء». لكن السلطات الفرنسية لا يبدو أنها مستعدة للتخلي عن النهج الذي اتبعته منذ البداية في التعاطي مع هذا الملف.
وسبق للمحامين الذي كلفتهم الهيئة الدفاع عن مصالحها، أن تقدموا بشكوى ضد وزير الخارجية الفرنسي ومسؤولين آخرين أمام المحاكم الفرنسية وفي الخارج. وتشدد الهيئة على الظروف المعيشية الصعبة في المخيمات؛ حيث يبلغ عدد المحتجزات نحو 12 ألف امرأة وطفل. وسبق أن حدثت عمليات فرار منها كما في نهاية عام 2019 وبداية عام 2020. أما العنصر الجديد الذي يثير المخاوف؛ فمرتبط بعودة بروز «داعش» الذي واظب على القيام بعمليات عسكرية واسعة ضد القوات السورية في منطقة البادية. والتخوف أن يستهدف التنظيم يوماً مخيمات الاحتجاز وينجح في إخراج كثير من المعتقلين. وبداية الشهر الماضي، رأت «لجنة حقوق الطفل» في الأمم المتحدة أن معظم الأطفال الفرنسيين المائتين المحتجزين في مخيمات في شمال شرقي سوريا، يواجهون خطراً «فورياً يطال حياتهم وسلامتهم الجسدية والذهنية ونموهم».


مقالات ذات صلة

تركيا مستعدة لدعم السلطة السورية الجديدة... وأولويتها تصفية «الوحدات الكردية»

المشرق العربي جانب من لقاء وزير الدفاع التركي الأحد مع ممثلي وسائل الإعلام (وزارة الدفاع التركية)

تركيا مستعدة لدعم السلطة السورية الجديدة... وأولويتها تصفية «الوحدات الكردية»

أكدت تركيا استعدادها لتقديم الدعم العسكري للإدارة الجديدة في سوريا إذا طلبت ذلك وشددت على أن سحب قواتها من هناك يمكن أن يتم تقييمه على ضوء التطورات الجديدة

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا أسلحة ومعدات كانت بحوزة إرهابيين في بوركينا فاسو (صحافة محلية)

بوركينا فاسو تعلن القضاء على 100 إرهابي وفتح 2500 مدرسة

تصاعدت المواجهات بين جيوش دول الساحل المدعومة من روسيا (مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو)، والجماعات المسلحة الموالية لتنظيمَي «القاعدة» و«داعش».

الشيخ محمد (نواكشوط)
المشرق العربي حديث جانبي بين وزيري الخارجية التركي هاكان فيدان والأميركي أنتوني بلينكن خلال مؤتمر وزراء خارجية دول مجموعة الاتصال العربية حول سوريا في العاصمة الأردنية عمان السبت (رويترز)

تركيا: لا مكان لـ«الوحدات الكردية» في سوريا الجديدة

أكدت تركيا أن «وحدات حماية الشعب الكردية» لن يكون لها مكان في سوريا في ظل إدارتها الجديدة... وتحولت التطورات في سوريا إلى مادة للسجال بين إردوغان والمعارضة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الولايات المتحدة​ أحمد الشرع مجتمعاً مع رئيس حكومة تسيير الأعمال محمد الجلالي في أقصى اليسار ومحمد البشير المرشح لرئاسة «الانتقالية» في أقصى اليمين (تلغرام)

«رسائل سريّة» بين إدارة بايدن و«تحرير الشام»... بعلم فريق ترمب

وجهت الإدارة الأميركية رسائل سريّة الى المعارضة السورية، وسط تلميحات من واشنطن بأنها يمكن أن تعترف بحكومة سورية جديدة تنبذ الإرهاب وتحمي حقوق الأقليات والنساء.

علي بردى (واشنطن)
المشرق العربي فصائل الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا تدخل منبج (إعلام تركي)

عملية للمخابرات التركية في القامشلي... وتدخل أميركي لوقف نار في منبج

يبحث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في تركيا الجمعة التطورات في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

مصر تؤكد تمسكها باحترام سيادة الصومال ووحدة وسلامة أراضيه

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطاً الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطاً الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
TT

مصر تؤكد تمسكها باحترام سيادة الصومال ووحدة وسلامة أراضيه

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطاً الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطاً الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)

قالت وزارة الخارجية المصرية، في بيان اليوم (الأحد)، إن الوزير بدر عبد العاطي تلقّى اتصالاً هاتفياً من نظيره الصومالي أحمد معلم فقي؛ لإطلاعه على نتائج القمة الثلاثية التي عُقدت مؤخراً في العاصمة التركية، أنقرة، بين الصومال وإثيوبيا وتركيا؛ لحل نزاع بين مقديشو وأديس أبابا.

ووفقاً لـ«رويترز»، جاء الاتصال، الذي جرى مساء أمس (السبت)، بعد أيام من إعلان مقديشو وإثيوبيا أنهما ستعملان معاً لحل نزاع حول خطة أديس أبابا لبناء ميناء في منطقة أرض الصومال الانفصالية، التي استقطبت قوى إقليمية وهدَّدت بزيادة زعزعة استقرار منطقة القرن الأفريقي.

وجاء في بيان وزارة الخارجية المصرية: «أكد السيد وزير خارجية الصومال على تمسُّك بلاده باحترام السيادة الصومالية ووحدة وسلامة أراضيها، وهو ما أمَّن عليه الوزير عبد العاطي مؤكداً على دعم مصر الكامل للحكومة الفيدرالية (الاتحادية) في الصومال الشقيق، وفي مكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار».

وقال زعيما الصومال وإثيوبيا إنهما اتفقا على إيجاد ترتيبات تجارية للسماح لإثيوبيا، التي لا تطل على أي مسطح مائي، «بالوصول الموثوق والآمن والمستدام من وإلى البحر» بعد محادثات عُقدت يوم الأربعاء، بوساطة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

وهذا الاجتماع هو الأول منذ يناير (كانون الثاني) عندما قالت إثيوبيا إنها ستؤجر ميناء في منطقة أرض الصومال الانفصالية بشمال الصومال مقابل الاعتراف باستقلال المنطقة.

ورفضت مقديشو الاتفاق، وهدَّدت بطرد القوات الإثيوبية المتمركزة في الصومال لمحاربة المتشددين الإسلاميين.

ويعارض الصومال الاعتراف الدولي بأرض الصومال ذاتية الحكم، والتي تتمتع بسلام واستقرار نسبيَّين منذ إعلانها الاستقلال في عام 1991.

وأدى الخلاف إلى تقارب بين الصومال ومصر، التي يوجد خلافٌ بينها وبين إثيوبيا منذ سنوات حول بناء أديس أبابا سداً مائيّاً ضخماً على نهر النيل، وإريتريا، وهي دولة أخرى من خصوم إثيوبيا القدامى.

وتتمتع تركيا بعلاقات وثيقة مع كل من إثيوبيا والصومال، حيث تُدرِّب قوات الأمن الصومالية، وتُقدِّم مساعدةً إنمائيةً مقابل موطئ قدم على طريق شحن عالمي رئيسي.

وأعلنت مصر وإريتريا والصومال، في بيان مشترك، في أكتوبر (تشرين الأول) أن رؤساء البلاد الثلاثة اتفقوا على تعزيز التعاون من أجل «تمكين الجيش الفيدرالي الصومالي الوطني من التصدي للإرهاب بصوره كافة، وحماية حدوده البرية والبحرية»، وذلك في خطوة من شأنها فيما يبدو زيادة عزلة إثيوبيا في المنطقة.

وذكر بيان وزارة الخارجية المصرية، اليوم (الأحد)، أن الاتصال بين الوزيرين تطرَّق أيضاً إلى متابعة نتائج القمة الثلاثية التي عُقدت في أسمرة في العاشر من أكتوبر.

وأضاف: «اتفق الوزيران على مواصلة التنسيق المشترك، والتحضير لعقد الاجتماع الوزاري الثلاثي بين وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا؛ تنفيذاً لتوجيهات القيادات السياسية في الدول الثلاث؛ لدعم التنسيق والتشاور بشأن القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك».

وفي سبتمبر (أيلول)، قال مسؤولون عسكريون واثنان من عمال المواني في الصومال إن سفينةً حربيةً مصريةً سلَّمت شحنةً كبيرةً ثانيةً من الأسلحة إلى مقديشو، تضمَّنت مدافع مضادة للطائرات، وأسلحة مدفعية، في خطوة من المرجح أن تفاقم التوتر بين البلدين من جانب، وإثيوبيا من جانب آخر.

وأرسلت القاهرة طائرات عدة محملة بالأسلحة إلى مقديشو بعد أن وقَّع البلدان اتفاقيةً أمنيةً مشتركةً في أغسطس (آب).

وقد يمثل الاتفاق الأمني مصدر إزعاج لأديس أبابا التي لديها آلاف الجنود في الصومال، يشاركون في مواجهة متشددين على صلة بتنظيم «القاعدة».