«حالة حوار»... شخوص زجاجيّة بأجساد رشيقة وشفافة

معرض يضمّ 45 قطعة نحتية للفنانة مها عبد الكريم

الفنانة مها عبد الكريم مع أحد أعمالها
الفنانة مها عبد الكريم مع أحد أعمالها
TT

«حالة حوار»... شخوص زجاجيّة بأجساد رشيقة وشفافة

الفنانة مها عبد الكريم مع أحد أعمالها
الفنانة مها عبد الكريم مع أحد أعمالها

يحمل المعرض التشكيلي الجديد للفنانة المصرية مها عبد الكريم «حالة حوار» الكثير من اسمه، فهو يشكّل حالة حوارية بالفعل مفعمة بالثراء والعمق مع العديد من الكائنات لا سيما البشر والقطط والنبات عبر 45 قطعة نحتية من خامة الزجاج تقدمها الفنانة في المعرض الذي ينظمه حالياً غاليري «ضي» بحي المهندسين بالجيزة (غرب القاهرة).
منحوتات وشخوص المعرض تظهر كما لو كانت تسبح في نهر من الرقّة والبراءة والصدق... أجساد رشيقة تتخلص من عبء زيادة الوزن في مقابل أرواح شفافة تتخلص من كل ما يثقلها في سعيها الدائم نحو المطلق، وطموحها في الارتقاء باتجاه كل ما يميّز الإنسان في جوهره.
ومها عبد الكريم هي الشقيقة الصغرى للفنانة التشكيلية الراحلة د.عايدة عبد الكريم (1926 – 2015) التي يصفها كثير من مؤرخي الفن بأنّها أول «نحاتة» في مصر، وقد حصلت على دبلوم المعهد العالي لمعلمات الفنون الجميلة عام 1947، كما حصلت على منحة شرف من مدرسة «الكوركوران» للفن في واشنطن 1954 وكرّمتها المنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة «اليونيسكو» عام 2003.
وتخصصت عايدة عبد الكريم في فن الزجاج والخزف وشكّلت مع زوجها الراحل الفنان زكريا الخناني المتخصص هو الآخر في فن النحت بالزجاج ثنائياً مدهشاً في هذا التخصص النادر حتى إن بيتهما الموجود على طريق «هرم سقارة» بالجيزة تحول إلى متحف لفن الزجاج يحتوي على أكثر من ألف قطعة نحتية ما بين فن الزجاج والحليّ والنحت، وقد أهداه الفنانان لوزارة الثقافة المصرية بجميع مقتنياته وما فيه من مبانٍ وأراضٍ.
وتؤكد عبد الكريم أنّها تهدي معرضها الجديد إلى روح شقيقتها وزوجها كرواد لفن النحت بالزجاج في مصر والعالم العربي، وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «تعلمت الفن على أيديهما منذ أن كنت في السابعة من العمر، لكنّي لم أغامر بالشكل الكافي لخوض غمار التجربة مبكراً وفضّلت اقتحام المجال متأخراً بعد سنوات طويلة من الزواج والإنجاب»، موضحة أنّها تسهم في إدارة المركز التعليمي بمتحف الزجاج على الرّغم من أنّ شقيقتها أهدته إلى وزارة الثقافة المصرية قبل وفاتها، وفيه تلقي محاضرتين أسبوعياً لطلبة كليات الفنون الجميلة والفنون التطبيقية والتربية الفنية.
وخلال تجول الزائر بين ثنايا المعرض، تجذبه تلك الرفاهية التي تكاد تنطق بها القطع النحتية عبر أم وابنتها أو أب وابنه، فضلاً عن قطط تتقوس ظهراً وهي في حالة من الاسترخاء والكسل، واللافت هنا أنّ العيون التي تعدّ نافذة تطل على روح الكائن، مطفأة في تلك التكوينات البديعة، مع ذلك لم ينتقص الأمر من جمالها الإنساني شيئاً، وإنّما على العكس قد جعلها تبدو كأنّها فكرة مجردة أو معنى ما حول جوهر الوجود وجمالياته المتخلصة من عبء التفاصيل.
وتشدّد عبد الكريم على أنّ الزجاج خامة خاصة جداً فهي تتّسم بالنقاء والشفافية وينفذ عبرها الضوء، ومع ذلك فهي لا تمنح أسرارها بسهولة ولا بد لمن يتعامل معها من فهم طبيعتها والتفاعل معها بعشق حتى تعطيه تكوينات مدهشة بعد صهرها في أفران حرارية ذات مواصفات خاصة، فتلين وتتحول إلى تشكيلات تخطف الدهشة من العيون، مشيرة إلى وجود مواهب قوية لدى الأجيال الجديدة من فناني النّحت بالزجاج لكنّ هذه المواهب لم تلقَ الاحتفاء اللائق بها حتى الآن.
ويعد المعرض الحالي الرابع عشر في مسيرة عبد الكريم التي لا تزال تطمح لتقديم الكثير من الأفكار والموضوعات خلال الفترة المقبلة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».