استدعاء «عالم شادي عبد السلام» بعد 35 عاماً على رحيله

عرض نسخة مرممة من فيلم «المومياء» مع بعض لوحاته في القاهرة

لقطة من فيلم «المومياء»
لقطة من فيلم «المومياء»
TT

استدعاء «عالم شادي عبد السلام» بعد 35 عاماً على رحيله

لقطة من فيلم «المومياء»
لقطة من فيلم «المومياء»

أحاط الفنان والمخرج المصري شادي عبد السلام نفسه بالكثير من مفردات وعناصر الحضارة المصرية، وكان يعيش عالماً خاصاً متنوعاً وثرياً، عمّقه بدراسات في الموسيقى والرسم والتصوير وتصميم الديكور، وكان مكتبه بوسط القاهرة، يمتلئ بالمراجع والكتب المصرية والأجنبية التي تتحدث عن حضارة المصريين القدماء، التي كان من فرط استغراقه فيها يريد أن يجعل ماضيه الفرعوني مطابقاً للمستقبل، يزدهر بقيم «العدالة والحق» التي كانت رسالته في فيلم «الفلاح الفصيح» إنتاج عام 1970 والذي حصل بموجبه على عدة جوائز منها جائزة مهرجان فينيسيا الكبرى عام 1970 للأفلام القصيرة.
وبعد مرور ثلاثين عاماً على عرض فيلمه الأشهر «المومياء... يوم تحصى السنين»، إنتاج عام (1969)، في قاعة إيوارت بالجامعة الأميركية بالقاهرة، والذي فاز عبد السلام من خلاله على خمس جوائز عالمية، تعيد مكتبة الإسكندرية، بالتعاون مع مركز التحرير الثقافي، عرض نسخة مرممة من الفيلم مرة أخرى بالقاعة ذاتها بعد 35 عاماً على رحيل عبد السلام، بالإضافة إلى تنظيم معرض لصور ولوحات واسكتشات «المومياء»، فضلاً عن العديد من اللوحات الأخرى.
ويضم المعرض 39 لوحة من مقتنيات شادي عبد السلام، وهي صور ولوحات أصلية واسكتشات لملابس شخصيات تاريخية على غرار شخصية شجرة الدر والسلطان أيبك، وقطز، والعلماء والعامة في فيلم «وا إسلاماه»، إخراج الأميركي أندرو مارتون، وشخصيات فيلم «أمير الدهاء» لهنري بركات، وفرعونياً تم عرض رسومات فيلمه القصير «الفلاح الفصيح»، بجانب فيلم «إخناتون» الذي صمم مشاهده، لكن لم يمهله القدر لتقديمه، وتوفي عام 1986 في السادسة والخمسين من عمره.
شادي عبد السلام لم يكن مخرجاً استثنائياً محلياً فقط، بل تجاوزها إلى العالمية، وشارك بتصميماته في فيلم «كليوباترا» للمخرج الأميركي جوزيف مانكوفيتش، وفيلم «فرعون» للمخرج البولندي جيرزي كافليروفيتش. كما صمم ملابس شخصيات فيلم «ألمظ وعبده الحامولي» مع مخرجه حلمي رفلة، و«شفيقة القبطية» مع المخرج حسن الإمام، وقد ظهرت تصميمات ملابس هذه الأفلام في صدارة المعرض، وتم عرضها ليحكي كل منها، جانباً من عالم عبد السلام، أما المدهش في أمر التصميمات أن شادي كان يرفقها بنوع القماش الذي يريد تنفيذها به.
ومن ضمن المعروضات التي اختيرت بعناية، بحسب جمال حسني، مدير إدارة المعارض، بمكتبة الإسكندرية، ملابس «ونيس» بطل فيلم «المومياء» وشخصياته الرئيسية، أما فيلم «إخناتون... مأساة البيت الكبير»، فهناك لوحات عديدة منها ما يظهر شخصية «إخناتون» و«حور محب»، وهناك أيضاً بعض اللقطات التي تعبر عن طفولة شادي منها صورة له بصحبة أخته مهيبة عبد السلام، ولقطات يظهر في بعضها مع شخصيات مصرية وعالمية، منها الفنانة نادية لطفي، وصديقه الفنان صلاح مرعي، ووزير الثقافة الأسبق فاروق حسني، والمخرج الإيطالي الشهير روبرتو روسيللني، وأحمد مرعي، وقت تصوير فيلم «المومياء»، وصور له مع زملائه أثناء فترة تجنيده، وصوره وهو يشارك في مهرجانات سينمائية عالمية.
ووفق إيناس عبد اللطيف، رئيسة قسم المقتنيات الفنية والمعارض الدائمة بمكتبة الإسكندرية فإن «مكتبة الإسكندرية لديها نسخة مرممة من فيلم «المومياء»، وتعرض بشكل دائم مع العديد من أفلامه في قاعة «آفاق» بالمكتبة، وهي التي أخذت اسمها من أحد أفلام شادي عبد السلام الذي أخرجه عام 1972.
ويضم المعرض صوراً ولوحات لأزياء وديكورات فيلم «أمير الدهاء»، الذي تم إنتاجه عام 1964. وقام ببطولته الفنان فريد شوقي، وفيلم «شفيقة القبطية» بطولة الفنانة هند رستم، وهناك لوحة من فيلم «رابعة العدوية»، وفيلم «الأيام» المأخوذ عن قصة حياة عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، بجانب لوحة من داخل كتاب الشيخ غريب رسمها شادي كأنه عاش مع طه حسين زمن طفولته، هذا إلى جانب ملابس باقي أفراد وشخصيات الفيلم، وقد تم التعريف بكل لوحة عبر كتابة بيانات تخص نوعية الألوان المستخدمة في الرسم والخامة الخاصة بها، وقد ظهرت بأحجام مختلفة تتراوح بين الاسكتشات الصغيرة، واللوحات ذات الأحجام الكبيرة.
وتضيف إيناس عبد اللطيف لـ«الشرق الأوسط» أن «مكتبة الإسكندرية تمتلك أكثر من 700 قطعة تخص المخرج الراحل، تمثل مجمل أعماله من تصميمات لمشاهد سينمائية وملابس وإكسسوارات، بعضها تم تنفيذه وبعضها لم يتم، ويضم المعرض بعض أدوات الرسم الخاصة به، وقطع أثاث كانت بمنزله قام بتصميمها بنفسه، وبعض مقتنياته الأخرى، ومكتبته الخاصة».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».