«العلا» تخطط لاستقبال 90 ألف زائر من داخل السعودية في 2021

أطلقت «أعظم تحفة عرفها الزمن»

من الفعاليات التي تشهدها العلا
من الفعاليات التي تشهدها العلا
TT

«العلا» تخطط لاستقبال 90 ألف زائر من داخل السعودية في 2021

من الفعاليات التي تشهدها العلا
من الفعاليات التي تشهدها العلا

مع بداية العام الجديد، يأمل العالم بفتح صفحة جديدة لعودة الحياة إلى طبيعتها، وأن يصاحبها انتعاش في حركة السياحة والسفر وقطاع الطيران، حيث يخطط الكثير لقضاء إجازاتهم في هذا العام تعويضاً عن العام الماضي، وهو الأمر الذي يعيد تسليط الضوء على أهم المناطق التي تنفرد بجمالها وتستعد لاستقبال الزوار.
من الأماكن البارزة في السعودية، وتحديدا، في شمال غربها، تقع محافظة العلا، التي لمع اسمها في الفترة الأخيرة لتعيد التذكير بأهميتها التاريخية وسحر تكويناتها الصخرية الجاذبة لالتقاطات فريدة في حضن الطبيعة.
ففي العلا، يتوقع أن يبلغ عدد زوارها للعام الجاري، نحو 90 ألف زائراً، بينما من المتوقع أن يصل زوراها في العام 2022، إلى 130 ألف زائر، حيث يعد السوق المحلي ركيزة أساسية في ذلك، في ظل عدم عودة حركة الطيران إلى طبيعتها، رغم الاهتمام والرغبة من المسافرين من حول العالم في استكشاف العلا.
وكشفت الهيئة الملكية لمحافظة العلا عن أول حملة دعائية للمحافظة تحت عنوان «أعظم تحفة عرفها الزمن» كمركز رئيسي للثقافة والتراث في السعودية، التي تستهدف من خلالها، المسافرين من داخل المملكة في العام الحالي، الذي يأمل فيه العالم أن يتعافى قطاع السفر، حيث تسعى الهيئة إلى تعميق مشاعر الفخر والمحبة لسكان المملكة تجاه محافظة العلا، وإلى زيادة الرغبة في السفر إليها.
وتعد «العلا»، أحد أهم مشاريع رؤية السعودية 2030، أول الوجهات التي بدأت بالترحيب بالزوار، حيث أعادت فتح المواقع التراثية الرئيسية في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، كوجهة سياحية مفتوحة على مدار العام.
وحول ذلك، قال فيليب جونز، رئيس قطاع تسويق وإدارة الوجهات السياحية في «هيئة العلا»: «عنوان أعظم تحفة عرفها الزمن مستوحى من المهارة الفنية للحضارات القديمة التي نقشت أعمالها الفنية المتقنة في النتوءات الصخرية، ومن الجمال النقي غير الملوث للتكوينات الصخرية والمناظر الخلابة التي نحتتها الطبيعة».
وكون أن الحملة تستهدف المسافرين المحليين، يقول جونز: «نحن نعلم أن السعوديين يحبون السفر، ونحن نطمح بأن تلهم هذه الحملة الكثير منهم إلى تقدير وجهة وتحفة عالمية لا بد من رؤيتها، مع تواجدها بالقرب منهم وعلى أرض المملكة»، مشيراً إلى أن «المواقع التراثية الآن مفتوحة على مدار العام مع فنادق جديدة، ومطاعم وتجارب مغامرة تتضمن مسارات للمشي والدراجات الهوائية والدراجات الصحراوية، ومن بداية العام 2021 نحن ندعو الزوار إلى الحجز المسبق من خلال الموقع الخاص بالعلا، وننصحهم بالزيارة خلال منتصف الأسبوع والبقاء لعدة ليالي للاستمتاع بتجربة مميزة».
ومن المرجح أن تساعد الحملة، التي انطلقت في 9 يناير (كانون الثاني) الماضي، عبر قنوات البث والإعلانات الخارجية والقنوات الرقمية، في تحقيق توقعات الهيئة لبلوغ عدد 90 ألف زائر للعام الجاري 2021، و130 ألفًا زائراً للعام 2022، وبينما تستهدف الحملة السوق المحلي، وتحديداً ثلاث شرائح أساسية من الجمهور تمثل 64 في المائة من سوق المسافرين الأثرياء في المنطقة، إلا أن ميلاني دي سوزا، المدير التنفيذي للتسويق في «هيئة العلا»، تتوقع أن يكون للحملة بعض الوصول الحر رقميًا في الأسواق الدولية.
وأشارت دي سوزا إلى الاهتمام والرغبة من السياح من حول العالم بزيارة العلا، حيث قالت: «لقد تلقينا بالفعل الكثير من الاهتمام من المسافرين من حول العالم الراغبين في اكتشاف وجهة ذات تاريخ غير متكرر من زمن الدادانيين إلى زمن الأنباط والروم».
وأضافت المدير التنفيذي للتسويق: «مشهد السفر قد تبدل ولن يرجع كما كان، ولكن مع استئناف السفر شيئاً فشيء، تخبرنا الأبحاث بأن الناس سيبحثون عن رحلات هادفة إلى أماكن مفتوحة وقريبة من التجارب الطبيعية»، مؤكدة بأن العلا تحتل مكانة جيدة في السوق المحلية لكل تلك الأسباب، وعلى المستوى الدولي فإنها وجهة ثقافية وتراثية جديدة وهامة.
ونشرت الحملة الفيلم الدعائي بعنون «أعظم تحفة عرفها الزمن»، حيث يظهر الفيلم فتاة سعودية تفكر في الوقت الذي أمضته في العلا وزيارتها للمواقع المهمة، مثل موقع التراث العالمي لليونيسكو الحجر، ودادان وجبل عكمة وبلدة العلا القديمة وجبل الفيل، وفي مشاهد أخرى، تظهر الفتاة متأملةً الأعجوبة المعمارية، قاعة مرايا، وتتجول في واحة العلا الخصبة في فصل الشتاء.
وتتضمن الحملة التي صممتها «هيئة العلا» بالاشتراك مع وكالة ليو بيرنت الشريك الفني للهيئة في الخليج فيلماً بحجم 90 بوصة من إخراج المصور السينمائي المعروف برونو أفييلان، بالإضافة إلى محتوى رقمي متنوع يتمحور حول شعار «أعظم تحفة عرفها الزمن».
ويعد مخرج الحملة، برونو أفييلان أحد أكثر مخرجي الإعلانات التجارية شهرة ورواجًا في العالم اليوم، وألهمته العلا على الفور بشكل إبداعي وعاطفي فسعى إلى نقل هذه المشاعر عبر الفيلم.
وعن ذلك، قال أفييلان: «أشعر بالفخر والاعتزاز كوني جزء من هذا المشروع. وجهة تاريخية ومهمة كهذه تتطلب الاحترام الملائم لها. أردنا نقل مشاعر الحنين والعاطفة لرؤية الوجهة للمرة الأولى. العلا مكان فريد من نوعه وكنا بحاجة إلى صناعة أول فيلم للوجهة على الإطلاق بأسلوب لا يمكن لأي مكان آخر تقليده».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)