قال إدوارد إسبينوزا، مدرس الرقص في لندن، عام 1916، «إنه من غير المعقول الادعاء بأن المزاج الإنجليزي غير ملائم للرقص»، مضيفاً أن الافتقار إلى التدريس الماهر كان الحائل أمام ظهور «راقصين مثاليين». جاء هذا التصريح في حديث أجراه مع إسبينوزا مراسل لموقع «ليديز بيكتوريال» حول الجلبة الكبيرة التي أحدثها في عالم الرقص من خلال إصراره على ضرورة أن يلتزم مدربو الرقص بالمعايير وأن يُفحص عملهم.
بعد أربع سنوات، تحديداً في عام 1920، أنشئت مؤسسة تعليمية أصبحت الأكاديمية الملكية للرقص على يد إسبينوزا والعديد من الشخصيات الأخرى، بما في ذلك أديلين غينيه الدنماركية المولد، وراقصة الباليه الروسية تامارا كارسافينا. اليوم، تعتبر هذه الأكاديمية واحدة من أكبر معاقل التدريب على فن الباليه على مستوى العالم، ويدرس بها طلاب من 92 دولة مناهج محددة ويخوضون امتحانات تنظمها المؤسسة. ومثلما يظهر في معرض «نقطة واحدة: أكاديمية الرقص الملكية عند الـ100»، الذي يستضيفه «متحف فيكتوريا وألبرت» في لندن، ويستعرض المتحف تاريخ الباليه داخل بريطانيا.
من جهتها، قالت دارسي بوسيل، راقصة الباليه السابقة التي تتولى رئاسة الأكاديمية الملكية للرقص منذ عام 2012 «إن الكثير من إرث فن الباليه داخل بريطانيا بدأ مع إنشاء الأكاديمية الملكية للرقص. من المهم أن يستمر التشابك بين التدريب على الرقص وتدريسه مع عالم الاحتراف المهني، وهذ ما فعلته الأكاديمية الملكية للرقص منذ البداية». جدير بالذكر في هذا الصدد، أنه لم تكن هناك فرقة باليه وطنية في بريطانيا عندما أُسست الأكاديمية الملكية للرقص. وقالت جين بريتشارد، أمينة شؤون الرقص والمسرح والأداء في متحف فيكتوريا وألبرت، إنه على الرغم من ذلك كان هناك الكثير من الباليه.
وقالت بريتشارد، التي تولت تنسيق المعرض مع إليانور فيتزباتريك، مديرة المحفوظات والسجلات في الأكاديمية الملكية للرقص «كانت فرقة الباليه الروسية قائمة، وكانت (بافلوفا) تقدم عروضها في لندن، وكان هناك مدرسون مهاجرون ممتازون يفدون على البلاد». وعليه، فإن الأكاديمية الملكية للرقص ظهرت باللحظة المناسبة تماماً، واستقت أفضل ما في المدارس الإيطالية والفرنسية والروسية ومزجته معاً لخلق أسلوب بريطاني، وأعادت تصديره للعالم من جديد.
«أعظم راقصة باليه في العالم»
أمضت أديلين غينيه (1878 ـ 1970)، جزءاً كبيراً من حياتها المهنية في إنجلترا، وتسيدت عالم الباليه لعقد كامل من الزمان بصفتها راقصة باليه أولى في «مسرح إمباير»، وظهرت في برامج متنوعة. وحظيت بالاحترام كراقصة كلاسيكية وبشعبية كبيرة لدى الجمهور. وقد وصفتها فلورنز زيغفيلد بأنها «أعظم راقصة في العالم»، عندما غنت في الولايات المتحدة عام 1907. وأصبحت غينيه أول رئيسة للأكاديمية الملكية للرقص، وقد جعلتها صلاتها بأفراد العائلة المالكة وشعبيتها، رمزاً كبيراً في عالم الباليه.
ويضم المعرض صورة تظهر بها غينيه عام 1915، في عرض باليه قصير بعنوان «حلم من الفراشات والورود» في زي من تصميم ويلهلم، المصمم المقيم في مسرح «إمباير» وواحدة من الشخصيات المهمة في المشهد المسرحي. وعلقت فيتزباتريك «حقاً إنه مثال جيد لنوع الأزياء ونوع الباليه الذي كان يُعرض في ذلك الوقت. كان الباليه لا يزال جزءاً من الترفيه في قاعات الحفلات الموسيقية».
ترفيه شعبي
يوضح هذا الملصق الذي يعود لعام 1922، العروض المتنوعة الأسبوعية في مدرج لندن وكيف كان الباليه يُشاهد في وقت قريب من تأسيس الأكاديمية الملكية للرقص. وعلقت بريتشارد بقولها «لقد كان الباليه جزءاً من صورة عامة أكبر، وهذا يظهرها بصرياً. كانت سيبيل ثورندايك ممثلة بريطانية رائعة وكانت ستقدم عرضاً قصيراً لمسرحية أو مونولوغاً، وكان غروك مهرجاً مشهوراً جداً. وكان لمعظم أعمال الكولوسيوم نوع من عنصر الرقص، لكنه لم يكن دائماً باليه».
كارسافينا: فنانة مستقلة
كانت جوان ذات القفزات، واحدة من ثلاث شخصيات أدتها تامارا كارسافينا في عرض «قوافي الحضانة»، الذي صممته على أنغام موسيقى شوبرت، في مسرح كوليسيوم في لندن عام 1921. على غير العادة بالنسبة لرقصة الباليه في لندن، كان عرضاً مستقلاً، بدلاً عن أن يكون جزءاً من برنامج متنوع. وتولت كارسافينا وفرقتها أداءه مرتين في اليوم لمدة أسبوعين.
من جهتها، علقت بريتشارد قائلة «عادة ما يربط الناس بين كارسافينا وفرقة الباليه الروسية، لكن الحقيقة أنه كان لديها أيضاً مجموعتها الخاصة من الراقصين، الذين كانوا يؤدون عروضهم بانتظام في مسرح الكولوسيوم. لقد كانت فنانة مستقلة بحق، بطريقة نعتقد أنها حديثة للغاية، وتعمل مع شركة كبرى، ولكن لها أيضاً وجود مستقل». كما حاولت كارسافينا الترويج للفنانين البريطانيين. وكانت الأزياء من تصميم كلود لوفات فريزر، مصمم المسرح اللامع الذي توفي في أوائل الثلاثينات من عمره. وعن ذلك، قالت بريتشارد «أعتقد أن لوفات فريزر يمثل المقابل البريطاني لباكست، فرسوماته متحركة ودقيقة للغاية، ويستخدم الألوان بشكل رائع لخلق إحساس عميق بالشخصية».
رائع للرياضيين أيضاً
عام 1954، تواصل مسؤولون في نادي «ويب آند كاروت»، مع مجموعة من لاعبي الوثب العالي في الأكاديمية الملكية للرقص، وتقدموا لهم بطلب استثنائي من نوعه. كان مسؤولو النادي قد قرأوا أنه في كل من روسيا والولايات المتحدة، استفاد الرياضيون من حضور دروس الباليه، وطلبوا من الأكاديمية صياغة دروس من شأنها تحسين مستوى اللاعبين لدى النادي.
والنتيجة كانت دورة تدريبية استمرت لسنوات عدة، مع تنظيم دروس للاعبي القفز العالي والحواجز، أعقبهم رماة القرص ورماة الرمح، وفقاً لما ورد في مقطع من فيلم «باثيه» موجود بالمعرض.
* خدمة «نيويورك تايمز»