جمال فهمي يقاوم «كآبة» الجائحة بالألوان الصاخبة

معرضه الجديد في القاهرة يضم 43 لوحة تدعو للتفاؤل

جمال فهمي في معرضه الجديد
جمال فهمي في معرضه الجديد
TT

جمال فهمي يقاوم «كآبة» الجائحة بالألوان الصاخبة

جمال فهمي في معرضه الجديد
جمال فهمي في معرضه الجديد

طيلة أشهر «كورونا» كان الكاتب الصحافي والفنان التشكيلي المصري، جمال فهمي، مشغولاً بتأمل ما تركته الجائحة من ندوب ومُنغصات نفسية على العالم، هذا التأمل الذي وجد ضالته في دفقات شعورية واسترسالات لونية مُنهمرة على اللوحات، ليُشاركها فهمي مع الجمهور في معرض فني بعنوان «إطار أبيض» بغاليري «بيكاسو» بالقاهرة.
هذا الخيط الخفي بين «كورونا» ولوحات جمال فهمي الجديدة، يمكن قراءته في حالة الصخب اللوني التي تعج بمئات المشاعر والتفاصيل التي تملكت الجميع بسبب هذا الوباء المُباغت. إذاً هل كانت تلك اللوحات تعكس تأثر فهمي بأجواء كورونا ومحنته؟ يجيب صاحب المعرض: «لست متأثراً بها بقدر ما رسمت تلك اللوحات رغبةً مني في تجاوز تلك الأجواء»، ويضيف جمال فهمي في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «جعلت الإطار الأبيض هو العامل المشترك بين لوحاتي المتنوعة، التي يسودها حالة من الصخب اللوني عاكسةً حالةً من التحدي للكآبة التي فرضتها الجائحة على البشرية، والتعبير عن التفاؤل وتأمل الجمال، فالحياة مليئة بالمنغصات والكوارث ولكن قدرنا أن نعيشها، ونعيش معها حالة التناقض التي تفرضه علينا، ما بين جمال وقبح، وظلم وعدل، فحاولت التعبير عن حالات التناقض الصارخ تلك داخل إطار أبيض، ربما لتأملها بنظرة أكثر هدوءاً كالذي يُوحي به وميض اللون الأبيض».
ويعد هذا المعرض الفني الثاني في مسيرة الكاتب الصحافي جمال فهمي، إذ افتتح معرضه الأول «أشكال وألوان» عام 2018 ليقدم نفسه وقتها لأول مرة بقبعة الفنان التشكيلي، بعد سنوات طويلة من الإنجاز الصحافي ما بين صحافة مكتوبة وتلفزيونية، وكذلك العمل النقابي البارز الذي بذله خلال فترة عضويته لمجلس نقابة الصحافيين المصرية.
معرض جمال فهمي الجديد والمستمر حتى 16 يناير (كانون الثاني) الجاري، يضم 43 لوحة، يمكن التقاط المعنى الذي يعبر عنه جمال فهمي في حديثه عن قوة التناقضات الحياتية في منح الحياة مسحة تفاؤلية، فنجد أن اللون الأبيض المُتكرر على سطح اللوحات يُتاخم حضور اللون الأسود بقوة انطباعه ورمزية أثره، وكذلك يمكن تأمل إحالات التشكيل الخطي المُراوغ في اللوحات، فأحياناً تتحلّق الخطوط على هيئة دوائر ودوّامات، وأحياناً تتذبذب ما بين صعود وهبوط في مشهد يُحيل لإيقاع ضربات القلب البشري طيلة فترة مشحونة بالأخبار المزعجة، وجميعها انطباعات بصرية يجعلها جمال فهمي عبر طاقة التجريد المشحونة في لوحاته، مُنفتحة على احتمالات وتساؤلات لا نهائية. يقول: «أعمالي يسودها التجريد بشكل عام، الذي أجد أنه الأقرب لتعبيري الفني، فأجد نفسي مستغرقاً في حالة تأمل العلاقات الحيوية بين اللون والكتلة، هي حالة أقرب للحوار، وأنا أعشق حوار الكتلة واللون، وأجد أنه اختصار للكون وثرائه اللامحدود، والتجريدية بشكل عام تمنحني القدرة على إطلاق الخيال دون تقيّد بحلول مباشرة، ومن الجميل أن أي إبداع لوني سنجد له رديفاً في الطبيعة المستمدة من لا نهائية الدرجات اللونية».
وبذكر الدرجات اللونية تتراوح ألوان لوحات المعرض ما بين الزخم اللافت، والأخرى الأقل صخباً، وصولاً لمونوكروم من اللونين الأبيض والأسود فقط، وتتعدد تقنيات التلوين لدى جمال فهمي فنرى ضربات الفرشاة العفوية التي تسكن فضاء اللوحات كأجرام سماوية، وظلال كأنها تُخبئ وراءها حكايات مطمورة، وتكوينات هندسية تلامس أطيافاً من الطفولة باعثةً خفّةً جمالية، وتكتنز اللوحات أصواتاً حركية نابعة من نغمات كلاسيكية ظلّت رفيقة أذن جمال فهمي خلال رحلة رسمه للوحات معرضه: «درّبت نفسي منذ فترة على الاستماع للموسيقى الكلاسيكية، أكاد أجزم أن الإنسان إذا تدرب على الإنصات لها سيكتشف آفاقاً لا أول ولا آخر لها، كأنها محيط شاسع من الجمال والدفقات الشعورية النادرة».
يصف فهمي حالة الاستماع للموسيقى الكلاسيكية التي وجدت طريقها في تأسيس علاقة خاصة بين المقطوعات واللوحات، يتحدث عن حالة التدفق الحُر للفرشاة في حضرة التأثر بمقطوعات إيغور سترافينسكي على سبيل المثال، أو السيمفونية الخامسة لبيتهوفن. يتابع: «كثيراً ما تخلق الموسيقى الكلاسيكية لدى مستمعيها حالة من الجنون المُحبب». وهكذا ينظر جمال فهمي إلى أدوات التعبير الفني بوصفها دائرة إبداع مُتصلة: «الكتابة الصحافية صورة من صور الفن، فما زال شغفي كبيراً بالصحافة، ولديّ شغف موازِ بالفن التشكيلي، والألوان والخطوط والموسيقى، لذا أرجو أن يكون ما أقدمه هو تخليق حالة من الجمال».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».