حرب رقمية على السائق البريطاني

كاميرا واحدة توقع 71 سائقا يوميا

الكاميرات الرقمية أسرع وأكثر كفاءة في تسجيل المخالفات على الطرق البريطانية ({الشرق الأوسط})
الكاميرات الرقمية أسرع وأكثر كفاءة في تسجيل المخالفات على الطرق البريطانية ({الشرق الأوسط})
TT

حرب رقمية على السائق البريطاني

الكاميرات الرقمية أسرع وأكثر كفاءة في تسجيل المخالفات على الطرق البريطانية ({الشرق الأوسط})
الكاميرات الرقمية أسرع وأكثر كفاءة في تسجيل المخالفات على الطرق البريطانية ({الشرق الأوسط})

وصل عدد ضحايا مخالفات كاميرات السرعة على الطرق البريطانية عددا قياسيا هذا العام بسبب تركيب جيل جديد من الكاميرات الرقمية سريعة الاستجابة وعالية الكفاءة. وفي إنجلترا وويلز ارتفع عدد المخالفين الذين وصلت حالاتهم إلى المحاكم خلال العام الماضي إلى 115 ألفا، وهو الرقم الأعلى منذ عام 2010. وارتفعت المخالفات في بعض المناطق، مثل ايسكس، بنسبة 44 في المائة بينما بلغ إجمالي الغرامات نحو 45 مليون إسترليني (68 مليون دولار).
وتقول جمعيات حماية السائقين إن هذه الكاميرات هي بمثابة إعلان حرب على السائق البريطاني، لأنها تعمل بكفاءة أعلى وفي مختلف الظروف الجوية وعلى مدى 24 ساعة. ولا تحتاج الكاميرات الرقمية إلى تغيير الأفلام فيها كما أنها تلتقط صور المخالفات بلا انقطاع.
وتعترض جمعيات السائقين بأن هذه الكاميرات لم تؤد في الواقع إلى خفض عدد الحوادث، وأن الحكومات والمجالس المحلية تستغلها من أجل توليد المزيد من الدخل.
وترسل هذه الكاميرات صورها إلى مكاتب المرور التي ترسل بدورها خطابات المخالفات إلى السائقين ومعها مطالبة بالدفع خلال فترة معينة. وفي حالة التخلف يتلقى المخالف دعوة من المحكمة لسماع شهادته قبل الحكم عليه. وفي بعض الحالات التي تكون السرعة فيها مبالغا فيها يتلقى المخالف رسالة من المحكمة مباشرة. والأرقام السابق ذكرها لا تشمل السائقين الذي دفعوا مخالفاتهم بل هؤلاء الذين ذهبوا إلى المحكمة بسبب رفض الدفع أو شدة السرعة أو الاعتراض على المخالفة. ولذلك فإن الأرقام الحقيقية للمخالفات أعلى بكثير.
وقال روجر لوسون المتحدث باسم هيئة السائقين البريطانيين إن عدد المخالفات هائل وغير مبرر. وأضاف أن بعض المخالفات ذات السرعة المبالغ فيها يمكن تبرير ضرورة ضبطها ولكن تحرير مخالفات بالجملة لم يعد ذا قيمة بعد أن تحول إلى صناعة لتوليد الدخل للمجالس المحلية. فليس هناك أي دليل عملي على أن الكاميرات تخفض في الواقع عدد الحوادث، على حد قوله.
وفي الماضي كانت الكاميرات تعمل لمدة محدودة تصل إلى 6 ساعات يوميا وكان السائق تعيس الحظ هو الذي يتلقى مخالفة سرعة مرورية منها. ولكن الآن تعمل الكاميرات 24 ساعة يوميا. وتتكلف الكاميرا الواحدة نحو 10 آلاف إسترليني (15 ألف دولار) ولكن صيانتها أرخص بكثير من الكاميرات القديمة ولا تحتاج الشرطة إلى تغيير الأفلام فيها. وترسل هذه الكاميرات صورها مباشرة إلى مراكز تحكم تفرز الصور وتحدد هوية المخالفين من أرقام سياراتهم ثم ترسل إليهم المخالفات بالبريد.
وبينما اعترفت الحكومة الائتلافية بمخاوف السائقين قبيل الانتخابات السابقة، حيث صرح وزير المواصلات السابق فيليب هاموند أنه سوف «ينهي الحرب على السائقين» وذلك عبر منع تمويل تركيب كاميرات سرعة جديدة، إلا أن التقنيات المتقدمة للكاميرات الحالية تعني أنه لا حاجة إلى المزيد من الكاميرات لتحقيق دخل أعلى للمجالس المحلية.
وبالإضافة إلى الكاميرات الرقمية هناك نوع آخر من الكاميرات على الطرق السريعة التي تسجل «متوسط السرعة» على مسافات طويلة بحيث يمكن توقيع الغرامة إذا وصل السائق بين نقطتين على الطريق حيث توجد هذه الكاميرات في زمن أقل من المتوقع حتى ولو لم تكن هناك كاميرات على الطريق.
وعلى مدخل مدينة كارديف على حدود مقاطعة ويلز بلغ عدد المخالفات التي سجلتها كاميرا واحدة 13624 مخالفة في العام الماضي، بواقع 71 مخالفة يوميا.
وعلق تيم شالكروس من معهد القيادة المتقدمة البريطاني أن الهدف الأساسي من كاميرات السرعة هو إقناع السائقين بتخفيض سرعتهم وعلى أساس أن السرعة هي عامل مساهم في وقوع الحوادث. وإذا كان عدد مخالفات السرعة قليلا أو معدوما فإن هذه الكاميرات تكون قد أدت وظيفتها. أما إذا كان عدد المخالفات عاليا كما هو الوضع حاليا فإن هذا يعني فشل الكاميرات في مهمتها.
وهو يرى أن على المجالس المحلية أن تعيد النظر في استراتيجيتها بتوضيح السرعات القصوى على الطرق والتعريف بمواقع الكاميرات وتحذير السائقين حتى لا يرتكبوا المخالفات.
ويبلغ عدد الكاميرات الرقمية حاليا نحو نصف إجمالي الكاميرات. ويتم تمويل هذه الكاميرات أحيانا عن طريق رسوم دورات توعية يدفع ثمنها السائقون المخالفون. ويقبل السائقون على هذه الدورات مقابل تجنب 3 نقاط عقوبة على رخص القيادة. وقد بلغ مجموع الدخل من هذه الدورات في عام 2013 نحو 21 مليون إسترليني (31.5 مليون دولار). وساهمت هذه الدورات في تجديد الكاميرات حتى بعد انخفاض الدعم الحكومي لتركيب كاميرات جديدة.
ويمكن للسائق الذي يرتكب أول مخالفة أن يذهب إلى دورة توعية يدفع ثمنها إلى جانب الغرامة من أجل تجنب وضع النقاط على رخصته. ويتعين على السائق الذي يجمع 12 نقطة مخالفة أن يعيد اختبار القيادة من أجل الحصول على رخصة جديدة.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».