الرئيس التونسي يكشف عن ترتيبات لتعديل وزاري

استقالة قيادي من مجلس شورى «النهضة»

الرئيس قيس سعيد (أ.ب)
الرئيس قيس سعيد (أ.ب)
TT

الرئيس التونسي يكشف عن ترتيبات لتعديل وزاري

الرئيس قيس سعيد (أ.ب)
الرئيس قيس سعيد (أ.ب)

كشف الرئيس التونسي قيس سعيد، مساء أول من أمس، عن وجود مشاورات لإدخال تحوير على الحكومة، أو توجيه لائحة لوم ضدها. وقال سعيد في كلمة توجه بها إلى الشعب بمناسبة نهاية السنة الميلادية، نقلت وكالة الصحافة الألمانية مقتطفات منها أمس: «لا تزال إلى حد اليوم الترتيبات متواصلة لإدخال تحويرات على الحكومة، أو توجيه لائحة لوم ضدها».
ولفت رئيس الجمهورية إلى وجود مناورات تحبك من أجل تحقيق توازنات «بعضها ظاهر وأكثرها خفي»، تقودها أطراف لم يسمها، مضيفا: «أشعر في بعض الأحيان بأنني من كوكب آخر، حين أستمع إلى الافتراءات والمغالطات، ومع ذلك ظللت صامدا وثابتا، رغم الشعور المستمر بالألم والمرارة».
وتابع سعيد موضحا أن الأمور «ازدادت تعقيدا في ظل التلاسن والشجار، والعنف في البرلمان، الذي سالت فيه الدماء، ما عطل المساعي لتقديم عدة مبادرات وتشريعات، على غرار مؤسسة لفائدة عائلات الشهداء والجرحى من الأمنيين والعسكريين».
ولتقديم لائحة اللوم يتوجب موافقة ثلث أعضاء البرلمان على الأقل، ومن ثم تحتاج لسحب الثقة من الحكومة لتصويت الأغلبية المطلقة في البرلمان.
ولم يكشف رئيس الحكومة الحالي، هشام المشيشي، عن تحويرات متوقعة على حكومة التكنوقراط، التي يقودها، لكنه أشار إلى تعيينات سيجريها في المرحلة المقبلة لسد الشغور في وزارتين، بعد إقالة وزيري الثقافة والبيئة. وقال المشيشي إنه سيتم سد الشغورات الوزارية، الحاصة بعد إجراء عملية تقييم شاملة بالنسبة للوزارات، التي يشغلها حاليا وزراء بالنيابة.
كما أوضح المشيشي خلال إشرافه على انطلاق حملة تنظيف وصيانة المؤسسات التربوية أنه سيتم تقييم أداء الوزراء، ثم الإعلان عن تحوير حكومي بما فيه سد هذه الشغورات. وتحظى الحكومة الحالية بدعم أساسا من حزبي حركة النهضة الإسلامية، و«قلب تونس».
وأضاف الرئيس سعيد موضحا أن هناك «حكومات تتعاقب ومشاورات تتواصل ومناورات تحبك... من أجل تحقيق توازنات... ولم يكن من اليسير العمل في مثل هذه الأوضاع». ولمح رئيس الجمهورية في ذات السياق إلى وجود من يتربص بالدولة شرا، وشدد على ضرورة تطبيق القانون على الجميع، وعلى ضرورة أن تبقى المؤسسة الأمنية والعسكرية بمنأى عن كل التجاذبات السياسية، معتبرا أن تونس «تعيش مرحلة دقيقة وخطيرة». وحكومة المشيشي هي الثالثة منذ انتخابات سنة 2019، حيث فشلت الحكومة الأولى المقترحة في نيل ثقة البرلمان في مطلع عام 2020، فيما استقال رئيس الحكومة الثانية إلياس الفخفاخ، بسبب شبهات فساد. وتسلم المشيشي، الذي كلفه الرئيس بتكوين حكومة وفق ما يضبطه الدستور، مهامه في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، في وقت تشهد فيه تونس صعوبات اقتصادية واحتجاجات اجتماعية ضد البطالة والفقر.
من جهة ثانية، أعلن أمس العربي القاسمي، عضو مجلس شورى حركة النهضة الإسلامية، التي يرأسها راشد الغنوشي، استقالته من الحركة، وأرجع القاسمي في التدوينة أسباب استقالته إلى الخلافات الدائرة حاليا بخصوص انعقاد المؤتمر ورئاسة الحركة.
وفي تدوينته المطولة كشف القاسمي، الذي تقلد عدة مناصب في النهضة، أن قيادات الحركة لم تكترث باستقالات القيادات ذات الوزن الثقيل، وبين أن مخزون النهضة الانتخابي تراجع، وأن الوعود بالإصلاح في المؤتمر العاشر «ذهبت أدراج الرياح، وحلت بدلا عنها كوارث زادت الوضع تعفنا، والمناخات توترا والعلاقات فسادا».
وأضاف القاسمي أن تجاوزات مؤسسات «النهضة» رهنت قرارها لأطراف حزبية غير مضمونة، وانحرفت بها عن سمتها وأهدافها النبيلة، ووضعت الحركة في شبه عزلة خانقة. كما أنها قامت بإدخال أشخاص لا علاقة لهم بالحركة، أصبحوا في وقت وجيز أصحاب نفوذ وقرار على حساب مناضلي الحركة الحقيقيين.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.