حذّر الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، أمس، من أضرار جسيمة قد تلحق بالأمن القومي الأميركي بسبب عدم تعاون إدارة الرئيس دونالد ترمب في الأمور الأمنية، بل إعاقة الاتصال بين فريق بايدن والوكالات المسؤولة عن الأمن في البلاد، وفق ما تقتضي أعراف الانتقال بين رئاستين في الولايات المتحدة. وقال بايدن، في خطاب علني من مدينة ويلمنغتون بولاية ديلاوير، إن فريقه يواجه «عقبات» من قبل «القيادة السياسية» في وزارة الدفاع وهيئة الإدارة والموازنة، كلما حاولوا جمع المعلومات اللازمة لانتقال السلطة بين الإدارتين. وأضاف: «نحن الآن لا نحصل على المعلومات المتعلقة بقضايا أمنية رئيسية من الحكومة المنتهية ولايتها، وهذا في رأيي عدم مسؤولية». وأوضح الرئيس المنتخب أنه وفريقه يحتاجون بشكل عاجل للاطلاع الكامل على موازنة وزارة الدفاع بالتفصيل، وذلك لتفادي فتح أي ثغرات في الانتقال بين الإدارتين، يستطيع أن يستغلها الأعداء.
وجاءت تصريحات بايدن بعد أن أطلعه فريقه المختص بالأمن القومي وشؤون الدفاع، بمن فيهم المستشارون ومرشحو باين لوزارات الخارجية والدفاع والداخلية.
في هذه الأثناء، قد يكون من المبكر القول إن التيار اليساري داخل الحزب الديمقراطي قد دخل فعلاً في صراع مع الرئيس المنتخب جو بايدن، لتنفيذ أجندته. فالأجواء التي تعيشها الولايات المتحدة حتى الآن، في ظل إصرار الرئيس دونالد ترمب على رفض نتائج الانتخابات، ولعبه دوراً سياسياً كبيراً في لعبة شد الحبال القائمة عشية انتخابات الإعادة في ولاية جورجيا لاختيار عضوي مجلس الشيوخ، قد لا تفسح المجال لليساريين للقيام بهذا «الترف». لكن البعض يرى أن تلك الأسباب هي نفسها التي سمحت لبايدن بتسمية غالبية تشكيلة إدارته الجديدة، من دون أن يقدم الكثير للجناح اليساري، الذي يرى ويردد العديد من رموزه وقادته أنه هو من يقف وراء فوز بايدن في السباق الرئاسي.
يصرح اليساريون بأن أولوياتهم، على الأقل في هذه المرحلة، تُركز على عدد من النقاط الأساسية، بينها قضية التأمين الصحي، وأخطار المناخ، وتوسيع حقوق التصويت وحمايتها، ومساءلة الشرطة. وحسب تقرير لصحيفة «ذي هيل»، يعلم اليسار أن هذه الأولويات ليست جريئة بدرجة كافية، لكنها بالنسبة لبايدن قد تكون كذلك. ومن نافل القول إن الرئيس المنتخب يمثل التيار الوسطي، الذي تبين أنه لا يزال يشكل الأكثرية في الحزب، رغم أن بعض أولوياته التي تبناها مصدرها «تقدمي». لكن صعوبات التيار اليساري في تنفيذ برنامجه لا تقتصر على خوضه الصراع مع بايدن. فلا يزال يتعين عليه انتظار نتائج انتخابات ولاية جورجيا في 5 يناير (كانون الثاني)، لحسم معركة السيطرة على مجلس الشيوخ. وحتى لو فاز الديمقراطيون بالمقعدين، فهذا لن يعطيهم سوى السيطرة على 50 مقعداً، ليتحول صوت نائبة الرئيس كمالا هاريس مرجحاً، فضلاً عن أن قدرتهم على إقناع حتى أقل الوسطيين الديمقراطيين تشدداً، قد يكون أمراً مشكوكاً به في أي عملية تصويت على مشروع «تقدمي».
غير أن البعض يرى أن اليساريين يبالغون في تقدير قوتهم، خصوصاً أن نتائج الانتخابات التي جرت في 3 من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، كشفت بشكل كبير عن ضعف هذا التيار، في مواجهة انقسام جماهيري كالذي شهدته الولايات المتحدة هذا العام. نجاح بايدن السهل في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي على منافسه اليساري بيرني ساندرز، شكل صدمة لليساريين الذين كانوا يعتقدون أنهم باتوا يشكلون القوة الدافعة للحزب الديمقراطي.
وبدلاً من أن يشكل هذا الفوز جرس إنذار لهم لتقدير قوتهم، وتقييم ما يمكن أن يحققوه في الانتخابات العامة، جاء فوز بايدن بانتخابات الرئاسة وبأكثر نسبة تصويت شعبي في تاريخ الولايات المتحدة، ليظهر بشكل واضح أن انتخابات عام 2020 كانت استفتاءً على رئاسة ترمب، وليست على خيارات الأميركيين وانحيازاتهم الآيديولوجية. فقد فشل الديمقراطيون في ترجمة هذا الفوز في مجلسي الشيوخ والنواب. وهو ما طرح سؤالاً جدياً عن حقيقة قوة التيار اليساري، في ظل الانقسام الذي أفضى إلى حصول الرئيس دونالد ترمب على أكثر من 74 مليون صوت، وحتى خسارة عدد من مرشحي هذا التيار مقاعدهم في مجلس النواب.
ومع انقشاع غبار معركة الانتخابات، ألقى التيار الوسطي في الحزب الديمقراطي بالمسؤولية على التقدميين الذين أصروا على رفع شعارات تبين أنها كانت ضارة في انتخابات مجلسي الشيوخ والنواب، كشعار «وقف تمويل الشرطة». وعززت خسارة الديمقراطيين بعض مقاعدهم في مجلس النواب من حجة المعتدلين الذين حذروا من أن استمرار اليساريين في إساءة حقيقة حجمهم ورفع شعارات خاطئة، ستقود إلى كارثة انتخابية بعد عامين، ما يفرض عليهم التعقل.
ومع توقع استمرار تأثيرات جائحة «كورونا» على الأوضاع الاقتصادية في السنتين المقبلتين على الأقل، ستتضاعف التحديات أمام تيارات الحزب الديمقراطي أولاً، ومع الجمهوريين الذين سيخوضون الصراع من مقاعد المعارضة هذه المرة. وهو ما قد يهدد حتى قدرة بايدن على تلبية شروط العودة إلى اتفاقية المناخ التي انسحب منها ترمب، بسبب الشروط التي تفرضها على الإنتاج بكافة قطاعاته، في ظل الصعوبات الاقتصادية القائمة، والمعارضة التي سيلقاها من الكونغرس، وعدم تمكنه من الحصول على دعم الجمهوريين وحتى بعض الديمقراطيين. وينقل عن بعض التقدميين إدراكهم لتلك العقبات، رغم أن غالبيتهم لا تزال في عالم آخر. يقول جوناثان تاسيني لموقع «ذي هيل»، إن الحسابات داخل الكونغرس صعبة.
إذا سيطر الجمهوريون على مجلس الشيوخ أو حتى إذا كان الانقسام بنسبة 50 إلى 50، فهل سينجح بايدن في تنفيذ الحد الأدنى من أجندته؟ ويؤكد تاسيني أنه بدلاً من الدخول في مواجهات مع بايدن لحثه على تطبيق أجندة اليساريين، يجب العمل على تعزيز العلاقة مع الشعب، الذي فرض وباء «كورونا» الابتعاد عنه. ورغم سعي بايدن إلى محاولة التوفيق بين تيارات الحزب الديمقراطي، عبر تعيينه عدداً من المحسوبين على التيار اليساري داخل تشكيلة إدارته الجديدة، إلا أن تعيينه لوسطيين في وزارات أساسية، كالخارجية والخزانة، اعتبر تهميشاً لحجم التقدميين. والمشكلة أن اليساريين مقتنعون بأن الفضل في فوز بايدن يعود لهم.
على الأقل هذا ما صرح به السيناتور التقدمي ساندرز، الذي أضاف أن على بايدن عدم اعتبار دعم اليساريين له أمراً مسلماً به. ونقل عن ساندرز قوله إنه أبلغ فريق عمل بايدن أن الحركة التقدمية تشكل 35 إلى 40 في المائة من التحالف الديمقراطي، وأنه من دون نشاطها الهائل لما تمكن جو من الفوز في الانتخابات. ورغم ذلك لا تزال الخلافات بين اليساريين وبايدن محدودة، بانتظار مغادرة ترمب للبيت الأبيض، حيث يحاذر الطرفان من طرحها بحدة، لكن لا شيء يضمن عدم انفجارها أمام أول اختبار.
بايدن يحذر من تسبب ترمب بـ{أضرار جسيمة» للأمن القومي
الرئيس المنتخب أمام مواجهة يساريي حزبه وبعضهم يردد أنهم وراء فوزه بالرئاسة
بايدن يحذر من تسبب ترمب بـ{أضرار جسيمة» للأمن القومي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة