انطلاق عملية «تحديث» ورقة التفاهم بين «حزب الله» و«الوطني الحر»

تزامن مع تفعيل آلية التنسيق النيابي والوزاري

TT

انطلاق عملية «تحديث» ورقة التفاهم بين «حزب الله» و«الوطني الحر»

وطدت العقوبات الأميركية الأخيرة على رئيس تكتل «لبنان القوي» رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل علاقته بـ«حزب الله»، والتي مرت منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بمنعطف كاد يؤدي إلى نسفها تماماً، خصوصاً أن الاحتقان حينها بلغ ذروته بين جمهورّي الطرفين على خلفية ملفي الحكومة ومفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.
وسرعت العقوبات الأميركية التي يؤكد باسيل أنها طالته لرفضه فك تحالفه مع «حزب الله»، إطلاق عملية إعادة النظر بـ«ورقة التفاهم» بين التيار والحزب والتي أعلنا عنها في فبراير (شباط) 2006، وهي عملية كان يدفع اتجاهها بشكل أساسي «الوطني الحر»، وإن كان الطرفان يتحدثان عن الوصول إلى قناعة بوجوب تطوير هذه الورقة وإدخال بعض التعديلات عليها.
وقد تضمنت «ورقة التفاهم» بين «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» تفاهمات على 10 عناوين أساسية هي: الحوار، والديمقراطية التوافقية، وقانون الانتخاب، وبناء الدولة، والمفقودون خلال الحرب، واللبنانيون في إسرائيل، والمسألة الأمنية، والعلاقات اللبنانية - السورية، والعلاقات اللبنانية - الفلسطينية، وحماية لبنان وصيانة استقلاله وسيادته.
إلا أنه، وبحسب النائب سيزار أبي خليل الموكل إلى جانب النائب آلان عون من قبل قيادة «التيار الوطني الحر» بمتابعة الملف، فقد «آن الأوان بعد نحو 15 عاما على إعلان ورقة التفاهم، لتطويرها ومراجعتها وتحديثها بما يتلاءم مع الزمن الحالي»، لافتا إلى أنه تم تشكيل لجان من الطرفين لمتابعة الموضوع «على أن تبقى كل المداولات بالوقت الحالي بعيدا عن الإعلام لضمان نجاح مهمتنا».
وتأخذ قيادة «الوطني الحر» على الحزب «عدم ملاقاتها بالجدية المطلوبة بعملية مكافحة الفساد وغيرها من العناوين التي تعتبرها أساسية لبناء الدولة المنشودة»، وهو ما يعبر عنه أبي خليل، لافتا في تصريح إلى «الشرق الأوسط» إلى أن «العتب على الحزب هو لكونه لم يلاق إيانا بجدية في بناء الدولة ومحاربة الفساد وتحقيق استقلالية القضاء وتقوية المؤسسات وفي عملية الإصلاح الاقتصادي والمالي. فنحن مقتنعون تماما بمناعة لبنان تجاه الاعتداءات الإسرائيلية والخطر التكفيري، لكن الدولة القوية من الخارج يجب أن تكون قوية أولا من الداخل وألا تصبح هشة لأنها أشبه بقشرة خارجية داخلها ضعيف»، مضيفا: «ما نسعى إليه تحقيق التوازن بين المناعة الداخلية، وتلك الخارجية».
وتستغرب مصادر قريبة من «حزب الله» إصرار بعض من في «التيار» على «تصوير الحزب مقصراً في عملية مكافحة الفساد»، مؤكدة «أنه كان السباق باللجوء إلى القضاء في هذا الملف سواء بما يتعلق بالفساد المالي أو الإداري، كما أنه لم يتوان يوما عن السير في إقرار القوانين اللازمة في هذا الخصوص». لكن الحزب يبدو متفهما أكثر من أي وقت مضى لبعض اعتراضات التيار، خاصة بعد العقوبات الأخيرة على رئيسه. وفي هذا المجال تقول المصادر لـ«الشرق الأوسط»: «هذه العقوبات أعطت قوة جديدة للتفاهم الذي كان ولا يزال قائما وثابتا ومستمرا... واصلا لولا أهمية هذا التفاهم لما وضعوا كل هذا الجهد لفرطه ولما فرضوا عقوبات على الوزير باسيل».
وتكشف المصادر أن «إعادة النظر بورقة التفاهم، لا تزال في مرحلتها الأولى أي بإطار عملية داخلية سواء في التيار أو الحزب، ولم ننتقل لمرحلة اجتماع اللجان»، لافتة إلى «قراءة يجريها كل طرف على حدة على ضوء المتغيرات والأحداث التي حصلت في السنوات الـ١٥ الماضية لتحديد النقاط القديمة التي تخطاها الزمن وتحتاج للتعديل، والنقاط التي يتوجب إضافتها للورقة، وبعد أن يحضر كل فريق ورقته عندها نجتمع ونرفع التوصيات للقيادتين».
وتكشف المصادر أنه وبالتزامن مع إطلاق عملية إعادة النظر بورقة التفاهم، «تم تفعيل آلية تنسيق العمل النيابي والوزاري بين الحزب والتيار، بحيث لا يتفاجأ أي طرف باقتراحات ومشاريع قوانين قدمها الطرف الآخر خلال جلسة للهيئة العامة أو خلال جلسة لمجلس الوزراء، فيتم النقاش بها بوقت سابق قبل تقديمها».
ويشير الكاتب والمحلل السياسي، المتخصص في شؤون «حزب الله»، قاسم قصير إلى أن «العلاقة لا تزال قوية ومتينة بين التيار والحزب رغم بروز بعض التباينات أحيانا، وقد شكلت العقوبات الأميركية على رئيس التيار جبران باسيل دافعا لتعزيز العلاقات وتمتينها».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.