لماذا كان 2020 عاماً حزيناً بالنسبة لإيران أكثر من غيرها؟

الإيرانيون يرون أنه عام المرض والموت والحرمان

من حطام الطائرة الأوكرانية التي أسقطتها طهران (أ.ف.ب)
من حطام الطائرة الأوكرانية التي أسقطتها طهران (أ.ف.ب)
TT

لماذا كان 2020 عاماً حزيناً بالنسبة لإيران أكثر من غيرها؟

من حطام الطائرة الأوكرانية التي أسقطتها طهران (أ.ف.ب)
من حطام الطائرة الأوكرانية التي أسقطتها طهران (أ.ف.ب)

منذ منتصف الثمانينات، ذروة الحرب مع العراق، لم تمر إيران بعام بمثل هذا السوء كما حدث في 2020. فبالنسبة للإيرانيين، جلب العام المرض والموت والحرمان على نطاق لم يُستثنَ منه سوى القليل، وبالنسبة للنظام، فقد جلبت السنة سلسلة من الإحراجات والانعكاسات السلبية، في الداخل والخارج، بعد خسارة اثنين من رموز النظام البارزين، وفق ما ذكرته وكالة «بلومبرغ» للأنباء.
وبدأ العام باغتيال قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس» التابع لـ«الحرس الثوري» الإيراني المُصنف «إرهابياً» من قبل الولايات المتحدة، في غارة أميركية بطائرة من دون طيار في بغداد يوم 3 يناير (كانون الثاني).
وسليماني كان من أهم رجال النظام الإيراني، ونُسب إليه إدارة الميليشيات والجماعات الإرهابية التي تستخدمها طهران في عمليات القتل والاغتيال ونشر الفوضى في الشرق الأوسط؛ ما جعل شخصيات بارزة في النظام «تُقسم» على الانتقام لمقتله.
وبعدها بـ11 شهراً صدرت تهديدات جديدة بالانتقام من الشخصيات نفسها، ولكن هذه المرة لمحسن فخري زاده، كبير خبراء الأسلحة النووية في البلاد الذي قُتل بالرصاص في ضواحي طهران، على الأرجح من قبل إسرائيل؛ مما تسبب في إهانة النظام.
وتم تشييع كلا الرجلين في جنازات مبهرجة، وأسفر تدافع في جنازة سليماني عن مقتل 56 شخصاً؛ ما أعطى مؤشراً قوياً على عدم كفاءة الحكومة وعدم اهتمامها بحياة المواطنين.
بعد اغتيال سليماني، قامت إيران بإطلاق بعض الصواريخ تجاه قواعد أميركية في بغداد، وبطريق الخطأ أصاب صاروخان طائرة ركاب أوكرانية بعد وقت قصير من إقلاعها من طهران في الثامن من يناير؛ ما أدى إلى سقوطها ومقتل 176 شخصاً على متنها، وهو ما كان نذيراً لمآس أخرى مقبلة.
وكالعادة، كان رد النظام الإيراني الأول هو إنكار إصابة الطائرة بصواريخ إيرانية، لكن مع مرور الوقت لم يعد من الممكن استمرار الكذبة، واعترف الجيش الإيراني بأنه أصاب الطائرة بطريق الخطأ.
النمط نفسه تكرر عندما تفشى وباء فيروس كورونا في البلاد، فقد قام المسؤولون بإخفاء التفشي والتعتيم عليه، حتى مع تحول معدل الوفيات بسرعة إلى الأسوأ في المنطقة، وبحلول وقت الاعتراف بالمأساة وبداية اتخاذ التدابير المهمة مثل إغلاق الحدود وتعطيل الحركة بين المدن، كان النظام الطبي قد انهار بالفعل.
وبينما تناوب النظام الإيراني الادعاءات بين أن الأزمة الاقتصادية تفاقمت بسبب العقوبات الأميركية وتأكيداته بأنه لا يحتاج إلى مساعدات خارجية، فإنه اعترف بالعجز وطالب بقرض قيمته 5 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، لكن يبدو أن هذه الأزمة الاقتصادية لم تخلق صعوبة في تمويل «الحرس الثوري» الإيراني وأنشطته «الشائنة»، وفقاً لوكالة «بلومبرغ» للأنباء.
وإذا كانت الأمور سيئة على الجبهة الداخلية، فهي لم تكن أفضل بكثير في الخارج. فقد واجهت استراتيجية إيران طويلة الأمد المتمثلة في التدخل بالوكالة في شؤون جيرانها تحديات صعبة، وأصبحت أكثر صعوبة بعد فقدان قاسم سليماني، المنفذ الرئيسي للاستراتيجية.
وتخلت إيران مرغمة عن دورها كمحرك رئيسي في الأزمة السورية لصالح روسيا وتركيا، خاصة أنها كانت عاجزة أمام الهجمات الإسرائيلية المتكررة على منشآت «الحرس الثوري» الإيراني في سوريا وطرق الإمداد. كذلك ترك المأزق السياسي المستمر في لبنان والانفجار المدمر في مرفأ بيروت، حليفه هناك «حزب الله» في موقف دفاعي.
وفي العراق، واجهت الأحزاب السياسية المدعومة من طهران استياءً عاماً واسع النطاق، ولم تؤد الهجمات القاتلة على المتظاهرين من قبل الميليشيات الشيعية إلا إلى تعميق الاستياء من التدخل الإيراني. وإذا تمكنت البلاد من المضي قدماً في الإصلاحات الانتخابية المقترحة، فإن التصويت في الصيف المقبل يمكن أن يقلل من تأثير الطائفية في السياسة العراقية، ومعها النفوذ الإيراني.



قائد «الحرس الثوري»: يجب استخلاص العبر... وسوريا ليست مكاناً للتدخل الأجنبي

سلامي متحدثاً خلال مراسم في طهران أمس (دانشجو)
سلامي متحدثاً خلال مراسم في طهران أمس (دانشجو)
TT

قائد «الحرس الثوري»: يجب استخلاص العبر... وسوريا ليست مكاناً للتدخل الأجنبي

سلامي متحدثاً خلال مراسم في طهران أمس (دانشجو)
سلامي متحدثاً خلال مراسم في طهران أمس (دانشجو)

قال قائد قوات «الحرس الثوري» الإيراني حسين سلامي إن سوريا تمثل «درساً مريراً لإيران» و«ليست مكاناً للتدخل الأجنبي»، متوعداً إسرائيل بـ«دفع ثمن باهظ»، وذلك في ثالث خطاب له منذ سقوط بشار الأسد وانسحاب قواته من سوريا.

ودعا سلامي إلى استخلاص العبر مما حدث في سوريا؛ في إشارة إلى الإطاحة بنظام الأسد على يد قوى المعارضة، وكذلك القصف الإسرائيلي الذي تعرضت له سوريا، وقال: «سوريا درس مرير لنا، ويجب أن نأخذ العبرة».

وأنفقت إيران مليارات الدولارات لدعم بشار الأسد خلال الحرب، ونشرت قوات «الحرس الثوري» في سوريا لإبقاء حليفها في السلطة منذ اندلاع الحرب الأهلية في عام 2011.

ودافع سلامي مرة أخرى، عن تدخل قواته في سوريا. ونقلت وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» عن سلامي قوله، في هذا الصدد، «رأى الجميع أنه عندما كنا هناك، كان الشعب السوري يعيش بكرامة؛ لأننا كنا نسعى لرفع عزتهم».

وصرح سلامي في مراسم تقديم جائزة قاسم سليماني: «لم نذهب لضم جزء من أراضي سوريا إلى أراضينا، ولم نذهب لنجعلها ميداناً لتحقيق مصالحنا الطموحة».

وتطرق إلى الهجمات الإسرائيلية التي طالت مواقع الجيش السوري في الأيام الأخيرة بعد سقوط نظام بشار الأسد، وقال: «حين سقط النظام السوري، رأينا ما يحدث من أحداث مؤسفة. الصهاينة أصبحوا قادرين على رؤية ما بداخل بيوت أهل دمشق من دون الحاجة إلى أسلحة؛ وهذا أمر لا يمكن تحمله».

وقال: «الآن ندرك أنه إذا لم يصمد الجيش ولم تقاوم القوات المسلحة، فإن البلاد بأكملها قد تُحتل في لحظة»، وأعرب عن اعتقاده بأن «الناس في دمشق يفهمون قيمة رجال المقاومة، ويدركون كم هم أعزاء عندما يكونون موجودين، وكيف ستكون الكارثة إذا غابوا».

وأشار سلامي إلى تصريحات المرشد علي خامنئي بشأن سوريا قبل أيام، وقال: «كما قال قائدنا، فإن سوريا ستحرر على يد شبابها الأبطال، وستدفع إسرائيل ثمناً باهظاً، وستدفن في هذه الأرض».

ورأى أن هذا الأمر «يتطلب وقتاً وصموداً عظيماً وعزماً راسخاً وإيماناً جميلاً»، عاداً ذلك من صفات من وصفهم بـ«الشباب المجاهدين في العالم الإسلامي».

وقال سلامي: «نحن ندافع بحزم عن أمننا واستقلالنا ونظامنا ومصالحنا وتاريخنا وديننا. هذه الأرض ليست أرضاً يمكن للغرباء أن ينظروا إليها بنظرة غير لائقة».

وتحدث سلامي الأسبوع الماضي مرتين إلى نواب البرلمان وقادة قواته. وكان أول ظهور لسلامي الثلاثاء أمام المشرعين الإيرانيين في جلسة مغلقة، لم يحضرها إسماعيل قاآني، مسؤول العمليات الخارجية في «الحرس الثوري»، ونقل نواب إيرانيون قوله إن إيران «لم تضعف» إقليمياً.

أما الخميس، فقد تحدث سلامي أمام مجموعة من قادة قواته، وقال: «البعض يّروج لفكرة أنَّ النظام الإيراني قد فقد أذرعه الإقليمية، لكن هذا غير صحيح، النظام لم يفقد أذرعه». وأضاف: «الآن أيضاً، الطرق لدعم (جبهة المقاومة) مفتوحة. الدعم لا يقتصر على سوريا وحدها، وقد تأخذ الأوضاع هناك شكلاً جديداً تدريجياً».

وتباينت رواية سلامي مع رئيس البرلمان، محمد باقر قاليباف، الذي تحدث بدوره الخميس، عن «الاختلال في العمق الاستراتيجي للقوى المرتبطة بالجمهورية الإسلامية»، رغم أنه توقع أن يتمكن «حزب الله» من التكيف مع الظروف الجديدة.

جاءت تصريحات سلامي، الأحد، في وقت ركزت وسائل إعلام «الحرس الثوري» على حملتها في تبرير الوجود الإيراني خلال الحرب الداخلية السورية، وكذلك سقوط نظام بشار الأسد وتداعياته على إيران وأذرعها الإقليمية.

بعد صمت دام أكثر من 48 ساعة من قبل الإعلام الإيراني إزاء الاحتفالات التي عمت سوريا، وخصوصاً دمشق، بسقوط النظام، كما لم تنشر أي من الصحف الإيرانية صوراً على صفحاتها الأولى من الاحتفالات، أبرزت عدد من الصحف في المقابل آثار القصف الإسرائيلي على مواقع عسكرية سورية، وصوراً من كبار المسؤولين في تركيا، والمعارضة السورية.

على المستوى الرسمي ألقت إيران منذ أولى لحظات سقوط الأسد، اللوم على الجيش السوري، وتركيا والولايات المتحدة وإسرائيل في سقوط حليفها.

قاآني خلال تشييع الجنرال عباس نيلفروشان في طهران 15 أكتوبر 2024 (أ.ب)

خالي الوفاض

قال النائب إسماعيل كوثري، مسؤول الملف العسكري في لجنة الأمن القومي، إن «بشار الأسد كان خالي الوفاض ولم يتمكن من كسب رضا الجيش».

وصرح كوثري، وهو قيادي في «الحرس الثوري»، بأن بشار الأسد «فشل في كسب دعم الجيش بسبب افتقاره للموارد وضعف الدعم، ما أدى إلى انهيار الجيش». وأكد أن الاتصال مع إيران استمر حتى اللحظة الأخيرة، لكن بعض المحيطين بالأسد، مثل رئيس الوزراء وبعض قادة الجيش، عرقلوا هذا التواصل.

وأوضح كوثري أن سوريا كانت نقطة عبور وطريقاً مهماً لدعم «حزب الله»، ولكن بعد رفض الحكومة السورية السماح بالدخول، لم تتمكن إيران من التدخل بالقوة. وأضاف أنه خلال فترة «داعش»، دخلت إيران سوريا بناءً على طلب رسمي وساهمت في القضاء على التنظيم، ما حال دون تمدده نحو الحدود الإيرانية.

وتحدث عن الوضع الحالي، مشيراً إلى أن سوريا ما زالت تحت سيطرة «الكيان الصهيوني وأميركا وعملائهم». وبشأن المستقبل، توقع ظهور خلافات «بين القوى التي اجتمعت بأموال أميركية»، مما سيدفع الشعب السوري إلى إدراك الخداع والبحث عن جهات قادرة على تحقيق الأمن وتحسين الاقتصاد.

ملصقات تحمل صورة زاهدي ونائبه محمد هادي حاجي رحيمي خلال مجلس عزاء في السفارة الإيرانية بدمشق أبريل الماضي (أ.ف.ب)

خسائر «الحرس الثوري»

في سياق متصل، قال الجنرال مهدي فرجي، الذي شارك في الحرب السورية، في حديث لوكالة «فارس»، إن إيران بدأت في إرسال القوات «الاستشارية» منذ 2011، مشدداً على ضرورة «تفسير الأوضاع التي كانت في سوريا حينذاك».

وبرر فرجي وجود إيران بظهور تنظيم «داعش» ومنع وصولها إلى حدود إيران. وأشار إلى دور مسؤول العمليات الخارجية السابق قاسم سليماني، الذي قضى في ضربة أميركية مطلع 2020، وقال: «تنسيق الجيش السوري كان عملاً ذا قيمة كبيرة، حينها لم يكن الجيش السوري ملوثاً إلى هذا الحد، ولكن خلال هذه السنوات العشر، أصبح تأثير العدو على الجيش السوري كاملاً».

كما أشار فرجي إلى الدعم الذي قدمه الرئيس السوري السابق، حافظ الأسد إلى طهران، في الحرب الإيرانية - العراقية في الثمانينات قرن الماضي. وقال: «لقد أرسلت ذخائر بناء على أمر حافظ الأسد»، ونقل عن بشار الأسد قوله: «حافظ الأسد أوصى ابنه بشار قائلاً: طالما أنكم مع إيران، فأنتم موجودون».

وقال فرجي إن الشباب تحت الـ30 شكلوا 90 في المائة من القوات الإيرانية، ونحو 10 في المائة من المحاربين القدامى في حرب الثمانينات؛ في إشارة إلى قادة «الحرس».

وقال إن «الشباب شكلوا أكثر من 90 في المائة من 540 قتيلاً في الدفاع عن الأضرحة».

وهذه أول مرة قيادي من «الحرس الثوري» يشير إلى مقتل أكثر 500 إيراني في الحرب السورية. وهي نسبة أقل بكثير مما أعلنه نائب إيراني الأسبوع الماضي عن مقتل أكثر من ستة آلاف.

وقال النائب محمد منان رئيسي، وهو مندوب مدينة قم، إن إيران خسرت 6000 من قواتها في الحرب الداخلية السورية. وهي أعلى إحصائية يكشف عنها مسؤول إيراني لعدد قتلى القوات التي أطلق عليها مسؤولون إيرانيون اسم «المدافعين عن الأضرحة».

وتعود أعلى إحصائية إلى 2017، عندما أعلن رئيس منظمة «الشهيد» الإيرانية محمد علي شهيدي، مقتل 2100 عنصر من القوات الإيرانية في سوريا والعراق.

ويرفض «الحرس الثوري» تقديم إحصائيات واضحة عن خسائره البشرية والمادية.