«بي باي ألفتريادس» يحصد «وورلد لكشيري ريستورانت» البريطانية

تعدّ بمثابة جائزة أوسكار في مجال المطاعم الفاخرة حول العالم

مطعم «بي باي ألفتريادس»
مطعم «بي باي ألفتريادس»
TT

«بي باي ألفتريادس» يحصد «وورلد لكشيري ريستورانت» البريطانية

مطعم «بي باي ألفتريادس»
مطعم «بي باي ألفتريادس»

لم يتوقع المنتج ورجل الأعمال ميشال ألفتريادس أن يحصد جائزة «وورلد لكشيري ريستورانت» البريطانية عن مطعمه «بي باي ألفتريادس» وسط العاصمة. فهذه الجائزة تعدّ من بين الأبرز في عالم المطاعم الفاخرة عالمياً. وتندرج على لائحة أهم الجوائز وأشهرها.
يستعد ميشال ألفتريادس حالياً، إلى إعادة افتتاح مطعمه على مضض، فقط من أجل الاحتفال بالجائزة. ويقول في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن «هذه المشاعر المتناقضة تأتي عن حالة غير طبيعية أعيشها كغيري من اللبنانيين في ظل أزمة اقتصادية سيئة وانتشار الجائحة. فلولا كل هذه الأزمات لكنت احتفلت بالجائزة بسعادة كبيرة. ولكن ماذا ستنفعني اليوم في ظل إقفال تام لمطعمي منذ أشهر طويلة؟».
وعن كيفية مشاركته في هذه المسابقة، يقول «لم أكن أعرف أن المحل يملك كل هذه الشهرة عالمياً. وعندما اتصلوا بي من بريطانيا للمشاركة كمرشح للجائزة وافقت مع أني لم أتوقع أن أحصدها. وبُعيد اندلاع الثورة ووصول الجائحة، وكذلك حصول انفجار بيروت غابت الفكرة عني تماماً. وكنت كغيري ألملم تداعيات كل هذه المشكلات مجتمعة، من دون أي بصيص أمل. وفوجئت منذ أيام عدة بنجاح (بي باي ألفتريادس (B by Elefteriades وحصده الجائزة عن فئة (أفضل مطعم شرق أوسطي)».
ويقع مطعم «بي باي ألفتريادس» وسط بيروت على سطح عمارة مبنى محال «ايشتي» التجارية. ويطل على منظر رائع للعاصمة وبحرها. يقصده الزبائن للتمتع بهذه المشهدية، إضافة إلى خدمات أخرى يقدمها المطعم.
ويوضح ألفتريادس في سياق حديثه، أن «أهمية هذه الجائزة تنبع من أخذها بعين الاعتبار عناصر كثيرة كي ينالها صاحب المطعم. فهي لا تقتصر على الديكور والأطباق المقدمة فقط، بل على أسلوب الخدمة، والموسيقى، وإلى ما هنالك من تفاصيل صغيرة أخرى. تقييم المطعم مرتكز على هذه العناصر التي تشكل الانطلاقة لدخول المسابقة».
تعتمد منظمة «وورلد لكشيري ريستورانت» على نحو 100 ألف شخص متطوعين لديها حول العالم، تثق بآرائهم وانطباعاتهم التي يكونونها عن المطاعم والمحال التي يزورونها. «إنّهم في غالبيتهم أشخاص بريطانيون متقدمون في العمر أو في العقد الخامس وما فوق. لديهم خبرتهم الطويلة في عالم الطعام وأماكن السهر. يدخلون هذه المحال كأي زبون عادي من دون لفت النظر. يراقبون أجواءها ويتذوقون أطباقها ويتفرجون على ديكوراتها مدقّقين في كل شاردة وواردة فيها بطريقة سرية»، يوضح ألفتريادس ويتابع «كل ذلك حصل وأنا أجهل الأمر، وعلى ما يبدو فقد أعجبهم المكان، وترجموا ذلك ضمن رسائل تبادلوها مع المنظمة، مرفقة بصور وفيديوهات مسجلة».
كان من المقرر أن ينتشر هذا المطعم الذي تأسس في عام 2017، في دول عربية عدة عن طريق الامتياز التجاري (فرانشيز). ولكن ألفتريادس رفض السماح بذلك، قبل أن يحقق نجاحه في بيروت، ويترك الانطباع المرجو لدى زبائنه. «لقد أردته نموذجاً جديداً عن المطاعم الحديثة في العالم تنبض فيه خبرات شبابية. صنعت ديكوراته بنفسي على مدى سنتين كاملتين، وضّبته ورتبته ليتلاءم مع الهدف الذي أطمح له ليرفع بمدينتي إلى أفضل المستويات. وضعت فيه كل إمكاناتي المادية والفكرية، ليتميز عن غيره في البلدان العربية والغربية. ولكن حال البلد المتردية لم تساعدني، وها هو المحل مقفل منذ أشهر».
يتحدث ألفتريادس عن خليط حبكة المطعم شارحاً «ديكوراته تجمع ما بين أسلوب غاودي الإسباني والـ(فيكتوري) الإنجليزي. حتى أطباقه أدرجتها متنوعة تشمل مازات عالمية من إيطاليا واليونان ولبنان وإسبانيا. استقدمت طباخين عالميين للعمل فيه أمثال كريستيان سالا الإسباني وآخرين من البرتغال واليونان». ويتابع «ربما بالغت في تفاؤلي وفي تعاطي مع الأمر إلى حد المثالية والكمال. فقد أردته مكاناً يسافر من خلاله الزبون افتراضياً وفكرياً. فيعيش تجربة خيالية وهو يجلس في قلب بيروت قبالة بحرها». أمّا البرنامج الموسيقي الذي يعتمده ألفتريادس، فيجمع بين الطرب والتخت الشرقي والأخوين شحادة والفنانة فاديا نجم. كما يقدم القدود الحلبية وموسيقى حيّة في عروض مباشرة لموسيقيين من إيطاليا وإسبانيا.
تربى ألفتريادس في بيت فني عريق وسبقه والده إلى عالم الإنتاج الفني. وكان صاحب مطعم شهير في الثمانينات (ماكومبا) في بلدة عجلتون الجبلية. لحّن ميشال ألفتريادس أكثر من 120 أغنية لفنانين أوروبيين وعرب بارزين، مثل طوني حنا، ودميس روسوس، وجان جاك لافون، ونهوند، وحنين، وإيل شاتو، وغالفيز، وخوسيه فيرنانديز. وجمعته أعمال أخرى مع صابر الرباعي، ومعين شريف، ووديع الصافي، ومحمد المازم. كما أنه رائد في مجال دمج الموسيقى العالمية، وتعتبر ابتكاراته في الإنتاج والتنسيق الموسيقي من بين الاختبارات الموسيقية الأكثر نجاحاً في العالم العربي خلال العقد الأخير.
ويختم ألفتريادس «قريباً سيُفتتح فرع لمحل آخر أملكه (ميوزك هول) في القاهرة. فهو أيضاً من الأماكن التي نالت شهرة عالمية. وأتمنى أن نستفيق من هذا الكابوس الذي نعيشه كي نستمر في العمل. فلقد خسرت بُعيد انفجار بيروت بيتي ومحالي ومكتبي، وجميعها تقع وسط العاصمة. واليوم أنوي بصعوبة إعادة فتح (بي باي ألفتريادس) في موسم الأعياد وللاحتفال بالجائزة. فهو يتّسع لنحو 800 شخص، وتطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي فيه ممكنة».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».