تصعيد تركي في عين عيسى على وقع «العرض» الروسي

الشتاء يفاقم معاناة نازحين سوريين في شمال غربي البلاد

سوري في أحد شوارع إدلب شمال غربي البلاد أول من أمس (أ.ف.ب )
سوري في أحد شوارع إدلب شمال غربي البلاد أول من أمس (أ.ف.ب )
TT

تصعيد تركي في عين عيسى على وقع «العرض» الروسي

سوري في أحد شوارع إدلب شمال غربي البلاد أول من أمس (أ.ف.ب )
سوري في أحد شوارع إدلب شمال غربي البلاد أول من أمس (أ.ف.ب )

صعدت القوات التركية والفصائل الموالية لها أمس (الثلاثاء) من قصفها الصاروخي على محيط بلدة عين عيسى الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بريف الرقة الشمالي.
ووقعت اشتباكات متبادلة بين قسد وفصائل «الجيش الوطني السوري» الموالية لتركيا، الليلة قبل الماضية، تزامنا مع محاولة تسلل للفصائل إلى نقاط قسد في قرية معلك قرب طريق حلب - اللاذقية الدولي (إم 4) في ريف عين عيسى.
وقصفت الفصائل الموالية لتركيا قرى معلك ومخيم عين عيسى ومواقع أخرى قرب الطريق، ما أدى إلى وقوع خسائر بشرية في صفوف الطرفين.
واستمر التصعيد من جانب القوات التركية والفصائل، رغم العرض الذي تقدمت به روسيا إلى أنقرة والذي يتضمن انسحاب «قسد» مسافة كيلومترين جنوب عين عيسى، مع بقاء الإدارات المدنية التابعة لها في المدينة، ومنها إدارة قوات الأمن (الأشايس) مع انسحاب الفصائل الموالية لتركيا مسافة 4 كيلومترات بعيدا عن طريق إم 4. ولا تزال المفاوضات بين الجانبين التركي والروسي مستمرة حول العرض، وكذلك لم تغادر الإدارات المدنية والعسكرية التابعة لـ«قسد». وقالت مصادر إن نقطة الخلاف هي أن تركيا تريد انسحابا كاملا لقسد من عين عيسى، بينما تريد روسيا بقاء قوات الأشايس في البلدة.
وأضافت أن روسيا بدأت الضغط على «قسد» من أجل القبول بالانسحاب، والتهديد بتركها وحدها في مواجهة تركيا، كما فعلت معها الولايات المتحدة في تل أبيض ورأس العين العام الماضي.
وكانت روسيا توصلت إلى اتفاق مع «قسد» تضمن إنشاء نقاط عسكرية مشتركة في محيط منطقة عين عيسى بهدف منع عملية عسكرية تهدد بها تركيا منذ بداية شهر ديسمبر (كانون الأول) الجاري. وأعلن المجلس العسكري لتل أبيض، الأربعاء، توصله إلى اتفاق يقضي بنشر نقاط مراقبة مشتركة مع الجيش الروسي. وقال قائد المجلس رياض الخلف إنهم توصلوا إلى اتفاق حول إنشاء 3 نقاط مراقبة مشتركة شرق البلدة وغربها وشمالها على الطريق الدولي « إم 4».
وفي عين عيسى بدأت روسيا تطبيق المراحل الأولى من الاتفاق مع «قسد»، وأرسلت رتلاً من الشرطة العسكرية إلى مركز البلدة، يضم آليات وعربات عسكرية، ويرافقه مجموعات عسكرية من الفرقة 25 مهام خاصة (قوات النمر سابقاً). ورفع العلم الروسي على عدد من المقار والمؤسسات داخل المدينة، ومن المفترض أن تستمر عمليات الانتشار وإنشاء نقاط المراقبة المشتركة حتى نهاية العام الحالي.
وأكدت المصادر أن «قسد» قبلت بالعرض الروسي بعد أن أجرت عليه بعض التعديلات، ووافقت بموجب الاتفاق المعدل على انسحاب جزئي من عين عيسى، وإشراك قوات النظام في عدد من نقاط التماس مع المعارضة والجيش التركي، ولكن تبقى السيطرة الفعلية لقسد، وهو ما يشبه ما جرى تطبيقه في منطقتي تل رفعت ومنبج في ريف حلب خلال العامين الماضيين، وهي تجربة ناجحة بالنسبة لقسد تمكنت خلالها من الحفاظ على المنطقتين وفي الوقت نفسه لم تسلمهما كلياً للنظام وروسيا.
وفي المقابل، لم يصدر عن النظام السوري أي تصريح بخصوص الاتفاق في عين عيسى، فيما اعتبر من جانب مراقبين عدم رضا عن تنازلات قسد ثمنا للحماية من العملية العسكرية التركية المحتملة.
وقال عضو مركز المصالحة الروسي الشيخ عمر رحمون في تغريدة على «تويتر»، إن «الاتفاق نص على إنشاء نقاط مشتركة، ومن ثم تسليم ريف عين عيسى بالتدرج لقوات النظام وروسيا، وتفعيل دوائر الدولة في المنطقة، ومدة تنفيذ الاتفاق تمتد من 8 أشهر إلى سنة، ورفعت قسد العلم الروسي على بعض مقراتها في عين عيسى ورفضت رفع علم النظام السوري، ما جرى هو ضحك على اللحى والتحايل على الواقع، ولن يجري في عين عيسى إلا ما جرى في منبج من استمرار الخبث الأميركي وعمالة قسد».
على صعيد آخر، جددت قوات النظام قصفها المدفعي على كل من الفطيرة وكنصفرة وسفوهن وبينين والرويحة ومدليا وكدورة وأماكن أخرى بريفي إدلب الشرقي والجنوبي منذ الليلة قبل الماضية، بحسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان».
في الوفت ذاته، أفاد «المرصد» بغرق واقتلاع مئات الخيام ضمن مخيمات أطمة ودير حسان وسرمدا والدانا وتلعادة وقاح الواقعة بالقرب من الحدود السورية مع تركيا وتضرر مئات العائلات النازحة من إدلب إلى تلك المخيمات بفعل سوء الأحوال الجوية والأمطار الغزيرة المستمرة منذ أول من أمس. ويعاني سكان المخيمات في شمال غربي سوريا من الأرضية الترابية التي شيدت عليها خيامهم، وتفتقر المخيمات للخدمات الأساسية مثل مياه الشرب والصرف الصحي والمواد الإغاثية والمنشآت التعليمية والصحية.
ورصد «المرصد»، أوضاعاً مأساوية بمخيم يأوي نازحين من أبناء ريف معرة النعمان الشرقي، ويقع المخيم غرب مدينة معرة مصرين بالقرب من بلدة باتنتة شمال مدينة إدلب، يقطنه ما يقارب ألفي شخص يتوزعون في 450 خيمة، لا تقي ساكنيها برد الشتاء.
ولا يزال النازحون يعانون غياب دعم المنظمات الإنسانية، وصعوبة بالغة في تأمين مواد تدفئة آمنة، بسبب ارتفاع أسعارها، في حين يلجأ البعض إلى استخدام مواد بلاستيكية ونفايات وكاوتشوك الإطارات المستعملة والملابس، تلك المواد التي لها مضار كبيرة على صحة الإنسان، في ظل الواقع الصحي المتدهور، بينما تمتلئ المراكز الصحية بالمرضى في ظل انتشار وباء «كورونا».
إلى ذلك، أدانت دمشق ما وصفته بـ«الممارسات الإجرامية المتكررة» التي تقوم بها القوات التركية على الشعب السوري وعلى سيادتها وسلامتها الإقليمية بأساليب وطرق متعددة وتكرار قطع المياه عن أهالي محافظة الحسكة والتجمعات المحيطة بها.
وطالبت وزارة الخارجية والمغتربين في رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس مجلس الأمن، أول من أمس (الاثنين)، مجلس الأمن والأمانة العامة للأمم المتحدة بـ«التدخل الفوري لإلزام النظام التركي بإعادة تشغيل محطة مياه علوك ووضع حد لانتهاكاته ومطالبته بإنهاء عدوانه واحتلاله لأجزاء من الأراضي السورية».
وقالت الوزارة: «لقد بات من الواضح أن الحكومة التركية تقوم بتلك الممارسات غير القانونية واللا إنسانية لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية منها تنفيذ سياسة التهجير الممنهج بحق المواطنين السوريين في المناطق التي تحتلها بُغية إحداث تغيير ديموغرافي يتناسب مع أهدافها التوسعية والاستعمارية دون الأخذ بعين الاعتبار الحد الأدنى من الاحتياجات الإنسانية الملحّة لأهالي تلك المنطقة بشكل ينتهك كل المواثيق الدولية والاتفاقيات التي تضمن حق كل إنسان في الحصول على مياه صالحة للشرب وحقه في عدم التعرض لوقف تعسفي لإمدادات المياه وتلوثها».



الحوثي: أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال يُعتبر «هدفاً عسكرياً»

عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
TT

الحوثي: أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال يُعتبر «هدفاً عسكرياً»

عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)

حذّر زعيم جماعة «الحوثي» عبد الملك الحوثي، يوم الأحد، من أن أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال سيكون «هدفاً عسكرياً»، في آخر إدانة للتحرّك الإسرائيلي للاعتراف بالإقليم الانفصالي.

وقال الحوثي، في بيان، إن جماعته تعتبر «أي وجود إسرائيلي في إقليم أرض الصومال هدفا عسكرياً لقواتنا المسلحة، باعتباره عدواناً على الصومال وعلى اليمن، وتهديداً لأمن المنطقة»، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.

واعترفت إسرائيل، الجمعة، رسمياً، بـ«أرض الصومال» دولة مستقلة، في قرار لم يسبقها إليه أحد منذ إعلان الأخيرة انفصالها عن الصومال عام 1991.

وتقع أرض الصومال التي تبلغ مساحتها 175 ألف كيلومتر مربع، في الطرف الشمالي الغربي من الصومال. وأعلنت استقلالها من جانب واحد، في عام 1991، بينما كانت جمهورية الصومال تتخبّط في الفوضى عقب سقوط النظام العسكري للحاكم سياد بري. ولأرض الصومال عملتها الخاصة وجيشها وجهاز شرطة تابع لها.


«الانتقالي» على حافة الاختبار... هل يحفظ مكاسبه أو يتهيأ للاصطدام الكبير؟

مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
TT

«الانتقالي» على حافة الاختبار... هل يحفظ مكاسبه أو يتهيأ للاصطدام الكبير؟

مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)

تشهد المناطق الشرقية من اليمن، وتحديداً في حضرموت، مرحلة حساسة من إعادة ضبط التوازنات داخل معسكر «الشرعية»، على وقع التصعيد العسكري الأحادي الذي نفذه المجلس الانتقالي الجنوبي، وما يقابله من رفض إقليمي ودولي؛ إذ قال مراقبون إنه لا يمكن السماح بفرض أمر واقع عن طريق القوة المسلحة مهما كانت المزاعم أو المبررات.

وبحسب المراقبين، فإن ما يجري ليس تفصيلاً محلياً عابراً، يمكن التغاضي عنه سواء من قبل «الشرعية» اليمنية أو من قبل الداعمين لها، بل اختبار سياسي وأمني متعدد الأبعاد، تتقاطع فيه حسابات الداخل الجنوبي نفسه، ومسار الحرب مع الحوثيين، وخيارات السلام الإقليمي.

وحتى الآن، يظهر سلوك المجلس الانتقالي أقرب إلى المناورة تحت الضغط منه إلى التحدي المباشر. فاللغة المستخدمة في بياناته الأخيرة - التي تمزج بين التبرير السياسي والتحركات العسكرية، وبين الحديث عن «التنسيق» و«تفهّم الهواجس» - تعكس إدراكاً متزايداً بأن مساحة المناورة تضيق بسرعة. لكن لا بد من التقاط القرار الصائب.

كما يشار إلى أن تحذيرات السعودية التي تقود «تحالف دعم الشرعية» في اليمن لم تكن عابرة أو قابلة للتأويل، بل جاءت متزامنة ومتدرجة، وانتقلت من مستوى التنبيه السياسي إلى الردع التحذيري الميداني من خلال ضربة جوية في حضرموت.

عناصر من المجلس الانتقالي الجنوبي يرفعون صورة زعيمهم عيدروس الزبيدي (إ.ب.أ)

هذا التحول في اللهجة يعني عملياً أن هناك قراراً واضحاً بمنع انتقال حضرموت والمهرة إلى مسرح صراع داخلي، أو إلى ساحة لفرض مشاريع جزئية بالقوة.

وربما يدرك المجلس الانتقالي وناصحوه معاً، أن تجاهل هذه الرسائل يضعه في مواجهة مباشرة مع الطرف الإقليمي الأثقل وزناً في الملف اليمني، وهو السعودية قائدة «تحالف دعم الشرعية»، وهو صدام لا يملك المجلس أدوات تحمّله، لا سياسياً ولا عسكرياً.

لذلك، يُنصح «الانتقالي» من قبل مراقبين للشأن اليمني بأن يتعامل مع التحذيرات بجدية، وعدم الركون إلى تكتيك الإبطاء، هذا إذا كان يبحث عن مخارج تحفظ له الحد الأدنى من المكاسب التي راكمها خلال السنوات الماضية، وإلا فلن يكون أمامه سوى الانصياع المتوقع بالقوة، وهو إن حدث سيعني لأنصاره هزيمة مدوية لا يمكن استيعابها.

ورطة غير محسوبة

وفق مراقبين للشأن اليمني، فقد أوقع «الانتقالي» نفسه في ورطة غير محسوبة؛ إذ جرى تسويق التحركات الأخيرة بوصفها «حماية للقضية الجنوبية» و«استجابة لمطالب شعبية»، ولقطع طرق التهريب وإمدادات الحوثيين ومحاربة التنظيمات الإرهابية، وفق زعمه، إلا أن الأوان لم يفت كما بينته الرسالة السعودية بوضوح عبر وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان؛ إذ بالإمكان الخروج من الورطة بأقل الخسائر، من خلال مغادرة قواته الوافدة إلى حضرموت والمهرة بشكل عاجل.

من ناحية ثانية، تشير المعطيات إلى أن المجلس الانتقالي لا يملك القدرة على تثبيت وجوده في حضرموت والمهرة، في ظل مجموعة عوامل ضاغطة، أبرزها وجود رفض محلي واسع، بخاصة في حضرموت، حيث تتمتع المكونات الاجتماعية والقبلية بحساسية عالية تجاه أي وجود مسلح وافد.

عناصر من قوات المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن (إ.ب.أ)

إلى جانب ذلك، يفتقد المجلس - الذي يهيمن على قراره قيادات من مناطق بعينها - غياب الغطاء الإقليمي الذي يشكل شرطاً أساسياً لأي تغيير أمني في مناطق حساسة، وكذا في ظل موقف دولي واضح يرفض أي تغيير للواقع بالقوة، ويؤكد دعم وحدة المؤسسات الرسمية.

لذلك، يبدو السيناريو الأفضل والأسهل - كما يقترحه محللون - هو انسحاب منظم، تحت أسماء فنية مثل «إعادة انتشار»، أو «ترتيبات أمنية»، أو بأي طريقة تسمح للمجلس بالخروج من المأزق بأقل الخسائر السياسية الممكنة.

أما إذا قرر المجلس الانتقالي تجاهل الإشارات والاستمرار في التصعيد، فإن تكلفة ذلك - طبقاً للمراقبين - ستكون مرتفعة ومتعددة المستويات؛ فعلى المستوى السياسي سيخسر المجلس ما تبقى من صورة الشراكة في السلطة الشرعية، وسيتحول تدريجياً - في الخطاب الإقليمي والدولي - من فاعل سياسي ضمن «مجلس القيادة الرئاسي» والحكومة اليمنية إلى عنصر مُعطِّل للاستقرار، وقد يصل الأمر إلى فرض عقوبات دولية على قادته.

أما عسكرياً، فالرسالة السعودية واضحة بعد بيان «تحالف دعم الشرعية»؛ إذ لن يُسمح بفرض أمر واقع بالقوة في شرق اليمن، وأي تصعيد إضافي قد يُقابل بردع مباشر، ما يعني خسائر ميدانية مؤسفة لا يملك المجلس القدرة على تعويضها أو تبريرها.

وعلى المستوى الشعبي، فإن حضرموت والمهرة ليستا بيئة حاضنة للمجلس الانتقالي، واستمرار التصعيد سيُعمّق الهوة بينه وبين قطاعات واسعة من الجنوبيين، ويحوّل القضية الجنوبية من مظلة جامعة إلى مشروع انقسامي، بل إن أخطر الخسائر - كما يقرأها المحللون - تكمن في تشويه جوهر القضية الجنوبية، عبر ربطها بالعسكرة والانتهاكات وفرض الوقائع بالقوة، بدل ترسيخها كقضية سياسية عادلة قابلة للحل ضمن مسار تفاوضي، كما هو الأمر في الطرح الذي تتبناه القوى اليمنية المنضوية تحت «الشرعية»، والذي تدعمه السعودية.

عبء الانتهاكات

من جانب آخر، تمثل الانتهاكات الموثقة في حضرموت نقطة تحوّل خطرة في مسار التصعيد. فعمليات المداهمة، والاعتقالات التعسفية، والإخفاء القسري، وفرض الحصار على مناطق مأهولة... لا تُقرأ فقط كإجراءات أمنية، بل كنمط قمعي ممنهج، يضع المجلس الانتقالي في مواجهة مباشرة مع القانون الدولي الإنساني.

وبحسب تقارير حقوقية موثوقة، شملت الانتهاكات في الأيام الأخيرة اقتحام منازل مدنيين، واحتجازاً تعسفياً، وإخفاء قسرياً، وحصاراً عسكرياً لمناطق قبائل «الحموم»، ومنع تنقل المرضى، ونهب ممتلكات عامة وخاصة... وهذه الممارسات لا تُضعف موقف المجلس أخلاقياً فحسب، بل تُحوّل ملفه إلى عبء قانوني وسياسي قابل للاستخدام دولياً، وتفتح الباب أمام مساءلة مستقبلية قد لا تسقط بالتقادم.

المجلس الانتقالي الجنوبي صعّد عسكرياً في حضرموت والمهرة بشكل أحادي (إ.ب.أ)

من كل ذلك، يمكن القول إن ما يجري اليوم هو اختبار نضج سياسي للمجلس الانتقالي الجنوبي، فإما أن يلتقط الرسالة الواضحة محلياً وسعودياً ودولياً، ويعود إلى المسار السياسي، ويحدّ من الخسائر، وإما أن يواصل التصعيد، ويدفع أثماناً سياسية وعسكرية وقانونية قد يصعب تعويضها، وفق تقديرات المراقبين.

وطبقاً لتقديرات المرحلة وما يراه المشفقون على مستقبل المجلس الانتقالي الجنوبي، فإن اللحظة الراهنة لا تحتمل المغامرة، ومن يخطئ قراءتها سيدفع الثمن وحده.


الاعتراف الإسرائيلي بـ«أرض الصومال» يُوسع أهداف «الشباب»... فهل تتعاون مع مقديشو؟

عناصر من «حركة الشباب» الصومالية الإرهابية (أ.ب)
عناصر من «حركة الشباب» الصومالية الإرهابية (أ.ب)
TT

الاعتراف الإسرائيلي بـ«أرض الصومال» يُوسع أهداف «الشباب»... فهل تتعاون مع مقديشو؟

عناصر من «حركة الشباب» الصومالية الإرهابية (أ.ب)
عناصر من «حركة الشباب» الصومالية الإرهابية (أ.ب)

وسع الاعتراف الإسرائيلي بـ«جمهورية أرض الصومال» من أهداف حركة «الشباب» الإرهابية، بإعلان استعدادها لـ«حرب تل أبيب في هرجيسكا»، وسط تساؤلات حول إمكانية تعاون الحركة مع حكومة مقديشو في المستقبل.

وأكد خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن «خطوة إسرائيل سوف تعطي ذرائع لـ(الشباب) عبر إعادة النشاط واكتساب بيئة حاضنة ومتطوعين جُدد». لكن الخبراء استبعدوا أي «تعاون بين الحركة الإرهابية والحكومة الصومالية».

ويكثف الجيش الصومالي منذ أكثر من عام عملياته العسكرية ضد عناصر «الشباب»، ونجح خلال الأشهر الأخيرة في استعادة السيطرة على مناطق عدة كانت تحت سيطرة الحركة، خصوصاً في وسط البلاد... وتؤكد وزارة الدفاع الصومالية أن «العمليات ضد الإرهابيين سوف تستمر حتى يتم القضاء عليهم بشكل كامل في جميع محافظات البلاد».

الخبير العسكري، رئيس «المؤسسة العربية للتنمية والدراسات الاستراتيجية»، العميد سمير راغب، يرى أن الاعتراف الإسرائيلي بـ«أرض الصومال» سوف يوسع أهداف حركة «الشباب»؛ ورغم أن هذه التنظيمات لا تضع إسرائيل هدفاً أول؛ لكن فكرة وجود إسرائيلي حتى عبر «اعتراف» أو تجارة تكون جاذبة لمثل هذه التنظيمات، من أجل اكتساب بيئة حاضنة، ومتطوعين جٌدد، لذا فالحركة تعلن توسيع النشاط ضد إسرائيل.

وأضاف أن حركة «الشباب» موجودة في إقليم «بونتلاند» الملاصق لـ«صوماليلاند» وموجودة في جنوب الصومال بكثافة، وفكرة الانتقال إلى «أرض الصومال» قد تبدو محتملة في ظل وجود سيولة حدودية، فمن الممكن أن تنتقل عناصر الحركة. ولم يستبعد راغب أن «تمنح هذه التطورات فرصة للحركة للتنقل عبر دول أخرى من خلال توسيع العمليات، لأنها فرصة لها».

تصاعد الدخان بالقرب من مجمع قصر الرئاسة بالصومال عقب انفجارات في مقديشو يوم 4 أكتوبر الماضي (رويترز)

الجانب الدعائي

خبير الأمن الإقليمي، رئيس مركز «السلام للدراسات الاستراتيجية»، الدكتور أكرم حسام، قال إن «الاعتراف الإسرائيلي سوف يعطى ذرائع أو حجج لـ(الشباب) التي تواجه في الفترة الأخيرة ضغوطاً كبيرة، خصوصاً من قِبَل القوات الدولية التي تم تشكيلها لمواجهة الحركة». وشرح: «بالفعل الحركة تعرضت لتقويض كبير لدورها خلال الفترة الأخيرة، وانحصرت عملياتها في نطاقات محدودة خلال العامين الماضيين»، لافتاً إلى أن «خطوة إسرائيل سوف تدفع الحركة لإعادة تنشيط دورها في منطقة القرن الأفريقي».

ملمح آخر تحدث عنه حسام بأن «اعتراف إسرائيل بـ(أرض الصومال) سوف يعطي مساحة للحركة في الجانب الدعائي الخاص بمسألة التجنيد، ولمّ الصفوف مرة أخرى، وتوحيد الجهود ووضع أهداف جديدة تبدو براقة لبعض العناصر المتطرفة المتمركزة في منطقة القرن الأفريقي أو القريبة منها».

وفي تقدير حسام فإن «تهديد الحركة بإعلان استعدادها لـ(الحرب) ضد إسرائيل في الإقليم الانفصالي (أرض الصومال) قد يواجه صعوبة كبيرة لتنفيذ هذه التهديدات»، لكن سيبقى الأثر في الجانب الدعائي فقط والسياسي والبحث عن أنصار وداعمين جدد».

وتعهّدت «الشباب» المرتبطة بتنظيم «القاعدة» بمواجهة أي محاولة من جانب إسرائيل «للمطالبة بأجزاء من أرض الصومال أو استخدامها»، وقالت في إفادة، السبت، «لن نقبل بذلك، وسنحاربه». وحسب «الشباب» فإن اعتراف إسرائيل بـ«جمهورية أرض الصومال» أظهر أنّها «قررت التوسع إلى أجزاء من الأراضي الصومالية».

ضباط شرطة صوماليون يسيرون على طول حاجز وسط الطريق خلال دوريتهم بمقديشو في نوفمبر الماضي (أ.ف.ب)

تعاون مستبعد

حول التعاون المستقبلي بين حكومة مقديشو و«الشباب». استبعد راغب أن «يحدث أي تعاون بشكل صريح بين الحركة ودولة الصومال، لأنه لو حدث فإن ذلك يدين الصومال، ولن تخرج مقديشو إطلاقاً وتعلن أنها تتعاون مع الحركة»؛ لكنه لم يستبعد أن يكون هناك عمل سري صومالي عبر خلايا تعمل داخل إقليم «أرض الصومال» ترفع شعارات حركة «الشباب» أو تنظيم «داعش» أو أي تنظيم آخر.

أيضاً حسام استبعد هذا الخيار بكل الأحوال، بقوله: «لن يكون هناك تعاون بين حركة إرهابية والحكومة الشرعية في الصومال»، لأننا هنا نتحدث عن مسار دولة تعمل من أجل التصدي للإجراء الإسرائيلي في «أرض الصومال». ويرى أن «تركيز الحكومة الصومالية حالياً وفي المستقبل سوف ينصب على الجهد الدبلوماسي لعدم توافر إمكانات أخرى لمواجهة هذا الأمر».

وقال حتى فيما يتعلق بمسألة «الخيارات الصلبة أو العنيفة» التي يمكن أن يتخذها الصومال تجاه «الإقليم الانفصالي» غير المعترف به، هذا أمر مستبعد، نتيجة للتحالفات الحالية التي تحظى بها «أرض الصومال» مع عديد من الدول والأطراف الداعمة، ولا ننسى الآن أن إسرائيل موجودة على الخط، وهناك محاولات لجر أميركا للوجود في «أرض الصومال» من خلال منح بعض القواعد العسكرية كما تم الحديث عنه من قبل، وحديث الرئيس الأميركي دونالد ترمب، «لم يقطع بأنه لن يعترف بـ(أرض الصومال)، وأبقى المجال مفتوحاً للاعتراف مستقبلاً».

ويشار إلى أن الوضع الأمني في الصومال قد تدهور بشكل ملحوظ عام 2025. وأعلنت «الشباب» في مارس (آذار) الماضي مسؤوليتها عن انفجار قنبلة كادت أن تصيب الموكب الرئاسي. ومطلع أبريل (نيسان) الماضي أطلقت قذائف سقطت قرب مطار مقديشو. كما استهدف هجوم انتحاري في يوليو (تموز) الماضي أكاديمية عسكرية تقع جنوب العاصمة الصومالية.

وبداية أغسطس (آب) الماضي، شنت بعثة الدعم وإرساء الاستقرار التابعة للاتحاد الأفريقي في الصومال «هجوماً كبيراً» لاستعادة السيطرة على مدينة باريري في منطقة باس شابيل التي تبعد مائة كيلومتر غرب العاصمة الصومالية. وكانت باريري تضم قاعدة عسكرية كبيرة، وسقطت في أيدي «الشباب» من دون معارك في مارس الماضي، بعد انسحاب الجيش منها، وذلك إثر تدمير عناصر الحركة جسراً حيوياً لإيصال الإمدادات العسكرية.

شاب يحمل علم «أرض الصومال» أمام النصب التذكاري لـ«حرب هرجيسا» (أ.ف.ب)

مستقبل «الشباب»

عن مستقبل نشاط «الشباب». أكد سمير راغب أن «الحركة سوف تستمر في نشاطها، لأن الفكرة القائمة عليها الحركة أن تُحدث فوضى وتأثيرات في أي نظام سياسي تؤدي إلى ضعفه أو سقوطه، لأنها تريد أن تحكم»، وبالتالي «هي لن ترفع راية الوطنية بالحديث عن محاربة إسرائيل، لكن لديها فكرة دائمة في البحث عن (ضوء) فيُمكن أن تخفف في منطقة وتزيد في منطقة أخرى.

وحسب أكرم حسام فإنه «لا داع للربط بين مستقبل نشاط الحركة واعتراف إسرائيل بـ(أرض الصومال)، لأن الحركة لها دعائم للبقاء خلال الفترة الحالية والمستقبلية». وتابع: «كل طموحات الحركة تتركز حالياً في دولة الصومال، ولديها حواضن محلية قائمة على العشائر أو القبائل، ولديها مصادر تمويل تستطيع من خلالها ضمان القدرات المالية، والدليل على ذلك أنه رغم الحملة الدولية على (الشباب)»؛ فإن الحركة «تستطيع التعايش مع هذا الضغط من خلال الاحتماء بهذه الحواضن العشائرية».

وأفاد تقرير لـ«وكالة الأنباء الصومالية» (صونا) في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بأن «الفرقة الـ43 للجيش الوطني وقوات الكوماندوز الخاصة نفذت عمليات عسكرية مخططة في البلدات التابعة لمنطقة جمامي بمحافظة جوبا السفلى». وطبقاً للوكالة «تكبدت عناصر الحركة حينها خسائر فادحة جرّاء العمليات العسكرية الجارية؛ حيث تم طردها من تلك المناطق التي كانت تتحصن فيها». وذكرت «الوكالة» أن «العمليات العسكرية البرية ترافقت مع غارات جوية شنّها الجيش الوطني، وأسفرت عن تدمير أوكار الإرهابيين».