بعد اجتماع أعضاء المجمع الانتخابي في الولايات المتحدة الأميركية طوال يوم أمس للمصادقة على نتيجة الاقتراع الرئاسي، تتجه الأنظار الآن إلى الكونغرس الذي سيصادق هو بدوره على النتيجة في السادس من يناير (كانون الثاني) المقبل.
وفي وقت لا يزال فيه بعض الجمهوريين متحفظين عن تهنئة جو بايدن رسمياً تخوفاً من سخط الرئيس دونالد ترمب الذي لا يزال مصراً على عدم التسليم بالأمر الواقع، ترددت في أروقة الكونغرس أصداء تصريحات مختلفة من قبل السيناتور الجمهوري المخضرم لامار ألكسندر. فقد دعا السيناتور المحافظ عن ولاية تينيسي الحمراء إلى إنهاء أي شك بنتيجة الانتخابات مع مصادقة المجمع الانتخابي على النتيجة. وقال ألكسندر قبيل المصادقة: «المحاكم بتّت بالقضية. ومن الواضح أن أعضاء المجمع الانتخابي (المكون من ٥٣٨ عضواً) سيصوتون لجو بايدن.
وعندما يفعلون ذلك، آمل أن يضع الرئيس مصلحة البلاد أولاً، وأن يفخر بإنجازاته وأن يهنئ الرئيس المنتخب ويساعده على البدء بمهامه خاصة في ظل هذا الوباء المحدق بنا».
كلمات نادرة من قبل عضو جمهوري في الكونغرس، ويعود سبب جرأة ألكسندر في تحدي الرئيس بشكل أساسي إلى أنه أعلن عن تقاعده بعد أن خدم في مجلس الشيوخ لـ١٨ عاماً. هذا يعني أنه يتحدث بناء على قناعة شخصية، وليس استناداً على حسابات سياسية للفوز في ولاية ثانية.
لكن موقفه لا يعكس بالضرورة مواقف أغلبية الجمهوريين الذين تراوحت مواقفهم حتى الساعة بين التحفظ عن تهنئة بايدن لكن من دون دعم جهود ترمب المستمرة بالتشكيك في النتيجة مروراً بالصمت تجاه اتخاذ أي موقف محايد أو معارض، ووصولاً إلى الدعم الشرس من قبل الذين توعدوا بالقتال إلى جانب الرئيس حتى آخر لحظة، أي حتى السادس من يناير، موعد مصادقة الكونغرس على النتائج.
واللافت في المواقف أن القيادات الجمهورية بدأت تتحدث تدريجياً عن أهمية احترام إرادة الشعب، وقد ورد هذا على لسان جون كورنين وهو الرجل الجمهوري الثاني في مجلس الشيوخ الذي قال: «لا أحد يحب الخسارة لكن يجب احترام إرادة الشعب الأميركي والناخبين. أنا لا أدعم ولا أحبذ ولا أحب أن يكون هناك استعراض فقط لمجرد الاستعراض». رسالة مبطنة، وتحمل دلالات كبيرة، تدل على استاء الجمهوريين من إصرار ترمب على عدم الاعتراف بالهزيمة، وتشكيكه المستمر بنزاهة الانتخابات. ويقول هؤلاء، وراء أبواب مغلقة، إن استياءهم الأساسي نابع من انعكاسات تشكيك ترمب بثقة الأميركيين بالنظام الانتخابي الأميركي، ويتخوفون من أن يؤدي هذا التشكيك إلى مشاكل عميقة قد تستمر لأعوام، ولن تنتهي مع تسلم بايدن للسلطة في العشرين من يناير.
ويخشى هؤلاء من أن يكون زملاؤهم شركاء في ترويج هذه الادعاءات، فرغم أن دعم مساعي ترمب اقتصر بشكل أساسي على النواب الجمهوريين الذين وقع ١٢٦ منهم من أصل ١٩٦ على وثيقة تدعم قضية تكساس التي رفضتها المحكمة العليا، فإن بعض أعضاء مجلس الشيوخ لم يستبعدوا انضمامهم لجهود تحدي النتائج في الكونغرس. مثل السيناتورين المقربين من ترمب، رون جونسون وراند بول، وقد أثار جونسن موجة من الانتقادات عندما قرر عقد جلسة في لجنة الأمن القومي التي يترأسها هذا الأسبوع لمناقشة «الغش في انتخابات العام ٢٠٢٠». وقد دعا زعيم الأقلية الديمقراطية تشاك شومر جونسون إلى إلغاء الجلسة المقررة يوم الأربعاء: «استعمال لجنة في مجلس الشيوخ منصة لنشر معلومات مغرضة حول انتخاباتنا يتخطى المقاييس. على السيناتور جونسون إلغاء الجلسة فوراً وأن لم يفعل، على زعيم الأغلبية مكونيل أن يتدخل للتأكد من أن اللجنة لن تروج لنظريات مؤامرة». موقف وافق عليه الجمهوريون المعتدلون، أمثال ميت رومني الذي قال: «لا أرى سبباً لعقد جلسة من هذا النوع سوى لتصعيد المواقف».
دور الكونغرس في المصادقة
وتكمن أهمية مواقف أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين في أنها ضرورية لتحديد معالم المرحلة المقبلة. فمع توعد النائب الجمهوري مو بروكس بأنه سيتحدى نتيجة المصادقة في الكونغرس على نتيجة الانتخابات، فإن مساعيه ومساعي زملائه في مجلس النواب ستبوء بالفشل فوراً في حال عدم انضمام سيناتور لهم في هذا التحدي.
ومع انعقاد جلسة مشتركة لمجلسي الشيوخ والنواب للمصادقة على النتائج في السادس من يناير المقبل، سيعرب بروكس وغيره من النواب الجمهوريين عن معارضتهم كتابياً، على نتائج بعض الولايات كأريزونا وبنسلفانيا ونيفادا وجورجيا وويسكنسن، وهي ولايات فاز بها بايدن. لكن هذه المعارضة ليست كافية كي ينظر الكونغرس رسمياً فيها، إذ إنها بحاجة لتوقيع سيناتور واحد عليها، وذلك بحسب قانون عام ١٨٨٧ حول الانتخابات الموجود في الدستور الأميركي.
وفي حال نجح النواب بإقناع سيناتور جمهوري بالانضمام إلى صفوفهم، فهذا سيؤدي إلى رفع الكونغرس جلسته المشتركة، ومناقشة الموضوع لساعتين، ثم التصويت للبت في القضية في المجلسين الكل على حدة لحسم موضوع إلغاء مصادقة الولاية على النتيجة رسمياً في الكونغرس، وهو ما لم يحصل منذ القرن التاسع عشر. ومن المتوقع أن تكون نتيجة تصويت المجلسين لصالح الرئيس المنتخب جو بايدن، بسبب غياب أي دعم واسع لجهود بروكس في مجلس الشيوخ. إذ تهدف هذه المساعي إلى تأخير المصادقة على النتائج لساعات قليلة، وتسجيل نقاط سياسية مع ترمب ومناصريه لأعوام مقبلة.
ويقول بروكس عن مساعيه ودور الكونغرس: «لدينا دور في الدستور أكبر من دور المحكمة العليا، وأكبر من دور أي قاض في المحاكم الفيدرالية، أو أي قاض في محاكم الولايات. ما نقوله يطبق، وهو الحكم النهائي».
تصريحات دراماتيكية، وتشير إلى دور مختلف عن الدور الذي أداه الكونغرس في السنين الماضية، فعادة ما تكون مصادقة الكونغرس على نتائج الانتخابات إجراء بروتوكولياً بحت، لا تجذب الأنظار.
ولعلّ أبرز ما حصل في الأعوام الأخيرة هو تحدي عدد قليل من الديمقراطيين في مجلس النواب للنتيجة في أعوام ٢٠٠١ و٢٠٠٥ و٢٠١٧، لكن التحدي اقتصر على مجلس النواب ولم يحظ بأي اهتمام يذكر، خاصة أن المرشحين الديمقراطيين حينها كانوا اعترفوا بالنتيجة وهنأوا الفائز من دون أي تشكيك بنزاهة الانتخابات، كما يفعل ترمب حالياً. ومن الجمهوريين من يوافق مع ترمب، ويعتبر أن النتيجة لن تحسم قبل العشرين من يناير، موعد حفل التنصيب. كالنائب الجمهوري البارز ستيف سكاليز وهو من القيادات الجمهورية، إذ قال: «سيكون هناك رئيس يقسم اليمين في العشرين من يناير، حتى ذلك الوقت، تجب متابعة الجهود القضائية».
دور نائب الرئيس مايك بنس
وتتجه الأنظار يوم السادس من يناير إلى نائب الرئيس الأميركي مايك بنس، فبصفته رئيساً لمجلس الشيوخ سيكون هو المعني بفتح رسائل مصادقة الولايات على الفائز وقراءتها واحتسابها قبل الإعلان عن الفائز رسمياً في الكونغرس. مهمة صعبة، خاصة إذا ما أصر ترمب على عدم الاستسلام حتى اللحظة الأخيرة، حينها قد يأتي حكم الهزيمة عليه من أقرب المقربين له، نائبه مايك بنس.