العلاقات الدبلوماسية بين الرباط وتل أبيب متوقعة بدءاً من فبراير

ترقب سعي ترمب إلى ترتيب اتصال ثلاثي يجمعه بمحمد السادس ونتنياهو... والمغرب يتحدث عن «إعادة الاتصال» بإسرائيل وليس التطبيع

اتفاق مغربي - إسرائيلي على إقامة علاقات دبلوماسية (أ.ف.ب)
اتفاق مغربي - إسرائيلي على إقامة علاقات دبلوماسية (أ.ف.ب)
TT

العلاقات الدبلوماسية بين الرباط وتل أبيب متوقعة بدءاً من فبراير

اتفاق مغربي - إسرائيلي على إقامة علاقات دبلوماسية (أ.ف.ب)
اتفاق مغربي - إسرائيلي على إقامة علاقات دبلوماسية (أ.ف.ب)

هيمن الإعلان عن إقامة علاقات بين المغرب وإسرائيل، برعاية أميركية، على المواقف السياسية في كل من المملكة المغربية والدولة العبرية، وسط توقعات بأن يسعى الرئيس دونالد ترمب إلى ترتيب اتصال ثلاثي يجمعه بالعاهل المغربي الملك محمد السادس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لرسم معالم الخطوات المقبلة في خصوص إقامة العلاقات الدبلوماسية المتوقعة بدءاً من فبراير (شباط) أو مارس (آذار) المقبلين. وفيما لفتت الرباط إلى أن «إعادة الاتصال» مع تل أبيب ليست تطبيعاً كون العلاقات كانت موجودة أصلاً حتى العام 2002، برز ترحيب واسع في المغرب بالإعلان الأميركي عن الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء، وهو موقف ترافق مع الإعلان عن إقامة علاقات بين إسرائيل والمغرب.
وقال وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، أمس، إن التطور الأخير في العلاقات بين الرباط وتل أبيب «ليس تطبيعاً»، مشيراً إلى أن «المغرب كان لديه مكتب اتصال حتى عام 2002، وأن بعض القرارات التي تطلبت إعادة الاتصال مع إسرائيل لا تعد تطبيعاً». ونفى بوريطة، في تصريحات لوكالة «سبوتنيك» الروسية، أن يكون الاعتراف الأميركي بالسيادة المغربية على الصحراء جاء مقابل إعادة العلاقات مع إسرائيل، خاصةً أن هناك علاقة بين المغرب وإسرائيل منذ عقد التسعينات، بحسب ما نقل عنه.
وقال سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة الأمين العام لحزب العدالة والتنمية (مرجعية إسلامية)، للقناة التلفزيونية الأولى المغربية، إن الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على كامل صحرائه يعد «إنجازاً كبيراً»، معتبراً أن هذه الخطوة «ستؤثر على مسار قضية الصحراء المغربية في السنوات المقبلة إذا لم نقل في الشهور المقبلة». واعتبر أن عزم الولايات المتحدة فتح قنصلية لها بمدينة الداخلة، ثاني كبريات مدن الصحراء، هو اعتراف «عملي وواقعي».
ولم يشر العثماني إلى قرار المغرب إقامة علاقة دبلوماسية مع إسرائيل. ولاحظ مراقبون أن حزب «العدالة والتنمية» التزم حتى مساء أمس الصمت، واكتفى موقعه الرسمي على الإنترنت بنشر بياني الديوان الملكي الصادرين مساء الخميس. في سياق ذلك، كتب مستشار الحزب نزار خيرون على «تويتر» قائلاً «الصحراء_مغربية ومغربيتها ثابتة تاريخياً وواقعاً، وإسرائيل كيان محتل ومغتصب للحق الفلسطيني تاريخياً وواقعاً». لكنه لم يعبر عن أي انتقاد مباشر لبيان الديوان الملكي بشأن العلاقة مع إسرائيل.
لكن بعض «صقور الحزب» انتقدوا في تدوينات على «فيسبوك» خطوة «التطبيع»، ومنهم النائب المقرئ الإدريسي أبو زيد، الذي وصف ما وقع بأنه «الخراب القادم»، متسائلاً «كيف إذا أصبح لمليون مغربي إسرائيلي حق التصويت بمسمى أنهم من مغاربة العالم؟».
بدورها، كتبت النائبة أمينة ماء العينين، المنتمية إلى «العدالة والتنمية»، تدوينة على «فيسبوك»، انتقدت فيها محاولة «خلق تقابل بين قضية الصحراء المغربية والقضية الفلسطينية»، معتبرة أن ذلك «يضر بالقضية الوطنية التي لا يمكن كسبها من دون تكريس مبدئيتها باعتبارها قضية عادلة». وأوضحت أن المغاربة «لن يتخلوا عن الشعب الفلسطيني ومطالبه العادلة والمشروعة»، وأن التطبيع لن ينجح «في بنية ظلت تقاومه لعقود بإصرار».
من جهته، أشاد بيان للمكتب السياسي لحزب «الأصالة والمعاصرة» المعارض بموقف الرئيس ترمب باعتراف واشنطن «للمرة الأولى في تاريخها، بسيادة المملكة المغربية الكاملة على كافة مناطق الصحراء المغربية»، وهو موقف «تاريخي حاسم وغير مسبوق في تطورات قضية وحدتنا الترابية». وثمن الحزب إعلان العاهل المغربي «الواضح والصريح»، بكون المغرب «يضع دائماً القضية الفلسطينية في مرتبة قضية الصحراء المغربية، وأن عمل المغرب من أجل ترسيخ مغربيتها لن يكون أبداً، لا اليوم ولا في المستقبل، على حساب نضال الشعب الفلسطيني من أجل حقوقه المشروعة». وأعلن الحزب تأييده للرعاية التي يخص بها العاهل المغربي «بصفته أميراً للمؤمنين، اليهود المغاربة في إسرائيل أو في مختلف بقاع العالم بصفتهم رعايا مغاربة»، كما أعلن تأييده قرار «تسهيل الرحلات الجوية» المباشرة لنقل اليهود من أصل مغربي من المغرب وإليه، وكل القرارات التي تهم علاقات المغرب مع الخارج «بما فيها إسرائيل».
أما المكتب السياسي لحزب «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» (مشارك في الحكومة)، فقد ثمن «عالياً» قرار الولايات المتحدة «بالاعتراف الواضح والصريح بالسيادة الوطنية على أقاليمنا الصحراوية الغالية وفتح قنصلية في ربوعها»، معتبرا أن ذلك يعد «تحولاً تاريخياً غير مسبوق». وقال «هذا الاعتراف سيكون له ما بعده». وبالمقابل، سجل «الاتحاد الاشتراكي» بـ«اعتزاز وإكبار» تشديد الملك محمد السادس على «السلام واستكمال الحرية، في القضايا العادلة في العالم العربي والإسلامي، وعلى رأسها قضية فلسطين وعاصمتها القدس».
في السياق ذاته، اعتبر نبيل بن عبد الله، الأمين العام لحزب «التقدم والاشتراكية» المعارض، أن القرار الأميركي لصالح مغربية الصحراء يعد «تحولاً تاريخياً لقضية الوحدة الترابية»، متوجهاً بتحية تقدير للعاهل المغربي على هذا «الإنجاز العظيم بالنسبة لوطننا وشعبنا»، وتأكيده على التشبث بـ«ثوابت بلادنا لمناصرة قضية فلسطين العادلة».
من جهتها، ثمنت منظمة الشبيبة الاستقلالية (منظمة شبابية تابعة لحزب الاستقلال المعارض) في بيان لها صدر مساء أول من أمس، الخطوة التي اتخذتها الإدارة الأميركية، وأشادت بمضمون المكالمة الهاتفية التي أجراها العاهل المغربي مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وأكدت «موقف المملكة المغربية الثابت ملكا وشعبا الداعم للقضية الفلسطينية، عبر حل الدولتين».
من جهته، أعلن عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، حمدي ولد الرشيد، نائب مدينة العيون في البرلمان، عن تنظيم تجمع خطابي في ساحة بالعيون، «دعماً للقرار الملكي وتثميناً لقرار الإدارة الأميركية». وينتظر أن تصدر قيادة حزب الاستقلال لاحقاً بياناً حول الموضوع.
بدورها، أصدرت «مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين» وهي هيئة تدعم فلسطين تضم شخصيات حزبية وجمعوية يسارية وإسلامية بياناً أمس بعنوان «فلسطين أمانة... ولا للتطبيع باسم الصحراء المغربية»، معبرة عن رفضها «مطلقاً لكل أشكال التطبيع الصهيوني كيفما كان مستواها وكيفما كانت طبيعتها وأيا كانت مبرراتها».
في سياق ذلك، قال وزير الخارجية المغربي إن «من ينتقدون هذا الاتفاق يعارضون سيادة المغرب على الصحراء».
ورغم معارضة أحزاب إسلامية وأخرى مناصرة للقومية العربية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل فإن آخرين يدعمون ذلك ومنهم ناشطون يؤيدون حقوق الأمازيغ. وقال الناشط الأمازيغي منير كجي إن «إعادة العلاقات مع إسرائيل نبأ طيب يخدم مصالح المغرب العليا».
في غضون ذلك، رحبت باريس الجمعة «باستئناف العلاقات الدبلوماسية» بين إسرائيل والمغرب، معتبرة أن نزاع الصحراء «طال أمده» ولا بد من إيجاد حل «عادل ودائم» له. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية إن «النزاع في الصحراء الغربية طال أمده ويمثل مخاطر دائمة باندلاع توتر»، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.
أما جبهة البوليساريو الانفصالية المدعومة من الجزائر فقد وعدت بمواصلة القتال في الصحراء. وقال وزير خارجيتها، محمد سالم ولد السالك لوكالة الصحافة الفرنسية، الجمعة إن القتال سيستمر حتى الانسحاب الكامل للقوات المغربية. وهذه ليست المرة الأولى التي تعلن فيها جبهة البوليساريو عن مواصلتها القتال. وتعلن الجبهة يومياً عن تبادل لإطلاق النار على طول الجدار الرملي الأمني المغربي في الصحراء، وذلك منذ تدخل المغرب في معبر الكركرات الواقع عند الحدود المغربية - الموريتانية، وهو ما اعتبرته الجبهة خرقا لإطلاق النار بعد أن ظل سارياً منذ عام 1991.
ولم يعلن المغرب ولا بعثة الأمم المتحدة في الصحراء «مينورسو» عن أي عمليات لتبادل إطلاق النار، بينما أكد مسؤولون محليون في الصحراء المغربية «أن الوضع آمن، والطمأنينة تسود المنطقة، وأن المعارك تدور رحاها في مواقع التواصل الاجتماعي أكثر مما تدور على أرض الواقع».
وعد ولد السالك القرار الأميركي بأنه «باطل»، مشيرا إلى أن المجتمع الدولي «لا يعترف ولن يعترف بأي سيادة مغربية على الصحراء الغربية».
ودانت روسيا أمس قرار الرئيس الأميركي الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، معتبرة أنه يتعارض مع القانون الدولي. ونقلت وكالات الأنباء الروسية عن نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف قوله «هذا انتهاك للقانون الدولي».
وفي المنامة، رحب ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة مساء الخميس باعتراف الولايات المتحدة بسيادة المملكة المغربية على «منطقة الصحراء المغربية» وافتتاح قنصلية أميركية في مدينة الداخلة باعتباره خطوة تاريخية مهمة تعزز من السيادة الترابية والحقوق المغربية في «الصحراء المغربية». وأشاد ملك البحرين، بحسب ما أوردته وكالة أنباء البحرين (بنا)، بما أعلنه الملك محمد السادس من إقامة الاتصالات الرسمية والعلاقات الدبلوماسية بين المملكة المغربية ودولة إسرائيل الأمر الذي من شأنه تعزيز فرص تحقيق السلام والاستقرار والازدهار في المنطقة. ونوه ملك البحرين بالجهود الطيبة التي بذلها الرئيس ترمب لتسهيل التوصل إلى هذا الاتفاق.
وفي مسقط، قالت وزارة الخارجية العمانية الجمعة إن السلطنة ترحب بإعلان المغرب إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وتأمل في أن تعزز هذه الخطوة المساعي نحو إقرار سلام دائم وعادل في الشرق الأوسط. وذكرت وزارة الخارجية العمانية في بيان «ترحب سلطنة عمان بما أعلنه الملك محمد السادس في اتصالاته الهاتفية بكل من الرئيس ترمب والرئيس الفلسطيني محمود عباس، وتأمل أن يعزز ذلك من مساعي وجهود تحقيق السلام الشامل والعادل والدائم في الشرق الأوسط».
وفي طهران، وصف مسؤول إيراني كبير قيام المغرب بتطبيع العلاقات مع إسرائيل بأنه «خيانة». وقال حسين أمير عبد اللهيان، وهو مستشار لرئيس البرلمان الإيراني، الجمعة إن تطبيع المغرب للعلاقات مع إسرائيل «خيانة وطعنة في ظهر فلسطين».
في غضون ذلك، قالت ثلاثة مصادر أميركية مطلعة إن الولايات المتحدة تتفاوض على بيع طائرات مسيرة كبيرة ومتطورة من طراز إم. كيو - 9 بي، وعددها أربعة على الأقل، إلى المغرب، وإن التشاور مع الكونغرس بشأن الصفقة المحتملة يتوقع أن يجري خلال الأيام المقبلة، بحسب وكالة «رويترز».
وفي تل أبيب، أكدت مصادر سياسية أن محادثات ستبدأ في القريب العاجل بين إسرائيل والمملكة المغربية في سبيل توقيع اتفاق رسمي لتطبيع العلاقات. وأعربت عن التقدير بأن إتمام المحادثات الأولية سيتم خلال شهر واحد، وأن العلاقات ستبدأ في فبراير (شباط) أو مارس (آذار) وكذلك خط رحلات مباشرة بين الرباط وتل أبيب. وأعلنت شركة الطيران الإسرائيلية «العال» أنها تستعد من الآن لتسيير رحلات مباشرة إلى المغرب في أسرع وقت. وأعرب مسؤول فيها عن تقديره بأنه مع فتح خط الطيران المباشر سيتم تسيير 30 رحلة في الأسبوع على الأقل بين البلدين، وأن بعض هذه الرحلات ستكون على خط مراكش – تل أبيب وأخرى على خط الرباط - تل أبيب، وأن وقت الرحلة سيستغرق 5 ساعات.
وكانت إسرائيل، حكومة ومعارضة وحتى على الصعيد الشعبي، قد رحبت بإعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، عن إطلاق العلاقات المغربية - الإسرائيلية. وتوقعت مصادر في تل أبيب أن تنظم الإدارة الأميركية مكالمة هاتفية ثلاثية بين الرئيس ترمب والملك محمد السادس ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يتم خلالها وضع جدول زمني للقاء المسؤولين من الطرفين تمهيداً لصياغة الاتفاقيات الرسمية حول العلاقات وكذلك حول التعاون المشترك، في مختلف المجالات، من الأمن والتكنولوجيا وحتى الزراعة والعلوم والثقافة.
وحاول وزير الأمن الإسرائيلي من حزب «كحول لفان»، بيني غانتس، ورفيقه في الحزب وزير الخارجية، غابي أشكنازي، أن يكظما غيظهما من قيام رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، باستبعادهما تماماً عن أسرار التطورات في العلاقة مع المغرب. وأكدا أنهما تلقيا المعلومات عن هذا التطور فقط قبل يومين، عندما اتصل بهما مندوب عن البيت الأبيض في واشنطن. ومع ذلك فقد أشادا بالاتفاق. وقال مسؤول في وزارة الأمن إن «هذا الاتفاق يعكس نسيج المصالح السياسية في الشرق الأوسط، ويؤكد على الوزن الجيوسياسي وتأثير الحلف الإقليمي على العلاقات» بين إسرائيل والعديد من الدول العربية. وأضاف المسؤول: «هذا الاتفاق يعد إنجازاً لملك المغرب بما لا يقل عن كونه إنجازاً لإسرائيل. وهذه هي ميزة اتفاقيات السلام. أن يشعر الطرفان بالرضا والربح».
وأعربت مصادر سياسية في تل أبيب عن تقديرها بأن تستمر وتتسع عملية السلام بين إسرائيل والدول العربية والإسلامية. وتوقع أن تكون الدول القادمة، إندونيسيا وبروناي وسلطنة عمان.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.