صدام بين الدول الغنية والفقيرة حول براءات اللقاحات

فرنسية تمر أمام جدارية لـ{كوفيد - 19} حرفت إلى 1984 في إشارة إلى رواية جورج أورويل «1984» (أ.ف.ب)
فرنسية تمر أمام جدارية لـ{كوفيد - 19} حرفت إلى 1984 في إشارة إلى رواية جورج أورويل «1984» (أ.ف.ب)
TT

صدام بين الدول الغنية والفقيرة حول براءات اللقاحات

فرنسية تمر أمام جدارية لـ{كوفيد - 19} حرفت إلى 1984 في إشارة إلى رواية جورج أورويل «1984» (أ.ف.ب)
فرنسية تمر أمام جدارية لـ{كوفيد - 19} حرفت إلى 1984 في إشارة إلى رواية جورج أورويل «1984» (أ.ف.ب)

بعد مرور سنة تقريباً على ظهور فيروس «كورونا» المستجد، بات من الواضح أن المعركة ضد الوباء أصبحت «لقاحيّة» بامتياز، تخضع لقواعد السوق التجارية ولحسابات جيواستراتيجية خارج دائرة البحث العلمي الصرف والاعتبارات الصحية والإنسانية التي يفترض أن تُبدَّى على غيرها من الاعتبارات والحسابات.
كما يتضّح أيضا أن السباق في مواجهة جائحة (كوفيد - 19) يجري على مضمارين يختلفان في السرعة والإمكانات: مضمار الدول الغنيّة التي اشترت وتعاقدت على ما يكفيها ويزيد من جرعات لقاحية لتطعيم مواطنيها مرّات عدة، ومضمار الدول الفقيرة التي لا تملك القدرة المالية لشراء ما تحتاجه من لقاحات ولا الخبرة العلمية لإنتاجها.
ورغم استحداث آليّة دولية (كوفاكس) لضمان توزيع اللقاحات بشكل عادل بين جميع الدول تحت إشراف منظمة الصحة العالمية، فإن الموارد المالية المتوفرة لها حتى الآن ما زالت غير كافية لخوض معركة العرض والطلب على اللقاحات على قدم المساواة مع الدول الغنية في السوق الدولية. وكانت مجموعة من المنظمات الدولية غير الحكومية الكبرى، بقيادة «أوكسفام» البريطانية، قد نددّت منذ أيام بهذا الوضع المجحف ودعت إلى معالجته بسرعة، مشيرة إلى أن 90 في المائة من سكان البلدان الفقيرة لن يحصلوا على اللقاح بحلول نهاية العام المقبل، فيما تملك الدول الغنيّة من اللقاحات لتطعيم مواطنيها ثلاث مرات. وأفادت منظمة العفو الدولية بأن البلدان الغنية التي لا يزيد عدد سكانها على 14 في المائة من المجموع العالمي قد اشترت حتى الآن 53 في المائة من اللقاحات الواعدة ضد (كوفيد - 19).
هذا الوضع المجحف دفع بالهند وجنوب أفريقيا إلى طرح مشروع قرار أمام منظمة التجارة العالمية لتعليق حقوق الملكية الفكرية حول أي تكنولوجيا أو دواء أو لقاح ضد هذا الوباء، إلى أن تتحقق المناعة الجماعية العالمية التي قدّرتها منظمة الصحة بأنها تتراوح بين 60 في المائة و70 في المائة من سكان العالم.
لكن الدول الأعضاء في المنظمة منقسمة إلى معسكرين حول هذا الاقتراح: دول الشمال الغنيّة التي ترفضه، وبينها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ودول الجنوب النامية التي تؤيده إلى جانب العديد من المنظمات الدولية غير الحكومية وعدد من الشخصيات البارزة مثل المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدحانوم.
ومن المقرر أن تبدأ منظمة التجارة اليوم الجمعة بمناقشة الاقتراح ضمن مجلس اتفاقات الملكية الفكرية، تمهيداً لبتّه في السابع عشر من الشهر الجاري، علما بأن 99 دولة فقط قد أعلنت تأييدها للاقتراح من أصل 164 عضواً في منظمة جرت العادة فيها على اتخاذ القرارات بالتوافق.
المفوضية الأوروبية التي تتعرّض لضغط كبير من المنظمات غير الحكومية لتعديل موقفها، تقول إنه لا حاجة لتعديل حقوق الملكية الفكرية أو تعديلها، لأن المادة 31 من اتفاقية حقوق الملكية الفكرية التي لها صلة بالتجارة، فيها من المرونة ما يكفي لاتخاذ تدابير خاصة من أجل توزيع الأدوية واللقاحات والمستلزمات الصحية لمواجهة (كوفيد - 19)، وأنه لا توجد أدلة على هذه الحقوق تشكّل عقبة للحصول على الأدوية ضد (كوفيد - 19) أو التكنولوجيا اللازمة لإنتاجها.
وفي بيان صدر صباح أمس (الخميس) عن مفوضيّة التجارة في الاتحاد الأوروبي جاء فيه أن «التوزيع الشامل والمنصف لجميع علاجات ولقاحات (كوفيد - 19) يشكّل أولوية للمفوضية الأوروبية تجسّدت في قيادتها الاستجابة العالمية لمواجهة الجائحة، حيث تعهدت الدول حتى الآن بتوفير 16 مليار يورو لتوزيع الأدوية واللقاحات على جميع بلدان العالم».
وأضاف البيان أن العديد من شركات الأدوية أعلنت تعهدها التعاون بشكل وثيق مع الحكومات لضمان توفير اللقاحات وتوزيعها على من يحتاجها. لكن المنظمات غير الحكومية تقول إن لشركات الأدوية قدرة محدودة على الإنتاج، وإن اللقاحات لن تصل إلى من يحتاجها في الوقت المناسب. وتدعو هذه المنظمات إلى تعليق براءات اللقاحات بما يتيح الإنتاج على نطاق واسع لتوفير الكميات اللازمة.
مصادر المفوضية الأوروبية من جهتها تقول إن بعض شركات الأدوية وقّعت اتفاقات لتوسيع القدرة الإنتاجية، مثل «أسترازينيكا» التي أبرمت اتفاقات مع شركات في إيطاليا والمملكة المتحدة والصين وروسيا لدعم تصنيع اللقاحات وشرائها وتوزيعها، إضافة إلى اتفاق مع الهند لنقل التكنولوجيا وإنتاج اللقاح وتوزيعه على البلدان النامية.
لكن الهند وجنوب أفريقيا تعتبران أن هذا لا يكفي، لأن الدول الغنيّة استحوذت على القسم الأكبر من اللقاحات التي من المنتظر إنتاجها حتى نهاية العام المقبل، وأن الدول نفسها هي التي ترفض الاقتراح بتعليق براءات اللقاحات للمساعدة على إنتاجها وتوزيعها على جميع البلدان.
ويقول مارك سوزمان المدير التنفيذي لمؤسسة بيل وميليندا غيتس أحد الممولين الرئيسيين لآليّة (كوفاكس)، إن الجهد الأكبر في العام المقبل يجب أن ينصبّ على زيادة إنتاج اللقاحات وتوزيعها على جميع الدول بشكل عادل، وذلك يحتاج لموارد من أجل التفاوض على الأسعار وحجز الجرعات اللازمة.
وتجدر الإشارة إلى أن تحالف «كوفاكس» تمكّن حتى الآن من شراء 700 ألف جرعة لقاح من أصل 2.3 مليار جرعة التي يحتاج إليها للعام المقبل. وتقول آنّا ماريوت مسؤولة سياسات الصحة في منظمة «أوكسفام»: «ليس مقبولاً حرمان الناس من اللقاحات التي تنقذهم من الموت بسبب من المكان الذي يعيشون فيه أو قدراتهم المالية. لكن إن لم يحصل تغيير جذري، فإن المليارات من سكان العالم لن يحصلوا على لقاح فعّال في السنوات المقبلة».


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
TT

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الملك عبد الله العالمي للحوار «كايسيد»، أن برامجهم النوعية تستثمر في مستقبل أكثر سلاماً بجمعها شخصيات دينية وثقافية لتعزيز الحوار والتفاهم وسط عالم يعاني من الانقسامات.

واحتفى المركز بتخريج دفعة جديدة من برنامج «الزمالة» من مختلف المجموعات الدولية والعربية والأفريقية في مدينة لشبونة البرتغالية، بحضور جمع من السفراء والممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى جمهورية البرتغال.

وعدّ الحارثي، البرنامج، «منصة فريدة تجمع قادة من خلفيات دينية وثقافية متنوعة لتعزيز الحوار والتفاهم، وهو ليس مجرد رحلة تدريبية، بل هو استثمار في مستقبل أكثر سلاماً»، مبيناً أن منسوبيه «يمثلون الأمل في عالم يعاني من الانقسامات، ويثبتون أن الحوار يمكن أن يكون الوسيلة الأقوى لتجاوز التحديات، وتعزيز التفاهم بين المجتمعات».

جانب من حفل تخريج دفعة 2024 من برنامج «الزمالة الدولية» في لشبونة (كايسيد)

وجدَّد التزام «كايسيد» بدعم خريجيه لضمان استدامة تأثيرهم الإيجابي، مشيراً إلى أن «البرنامج يُزوّد القادة الشباب من مختلف دول العالم بالمعارف والمهارات التي يحتاجونها لبناء مجتمعات أكثر شموليةً وتسامحاً».

وأضاف الحارثي: «تخريج دفعة 2024 ليس نهاية الرحلة، بل بداية جديدة لخريجين عازمين على إحداث تغيير ملموس في مجتمعاتهم والعالم»، منوهاً بأن «الحوار ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو أساس لبناء مستقبل أكثر وحدة وسلاماً، وخريجونا هم سفراء التغيير، وسنواصل دعمهم لتحقيق رؤيتهم».

بدورها، قالت ويندي فيليبس، إحدى خريجات البرنامج من كندا، «(كايسيد) لم يمنحني فقط منصة للتعلم، بل فتح أمامي آفاقاً جديدة للعمل من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً»، مضيفة: «لقد أصبحت مستعدة لمواجهة التحديات بدعم من شبكة متميزة من القادة».

الدكتور زهير الحارثي يتوسط خريجي «برنامج الزمالة الدولية» (كايسيد)

وحظي البرنامج، الذي يُمثل رؤية «كايسيد» لبناء جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز التفاهم بين الشعوب؛ إشادة من الحضور الدولي للحفل، الذين أكدوا أن الحوار هو الوسيلة المُثلى لتحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات وأكثر شمولية.

يشار إلى أن تدريب خريجي «برنامج الزمالة الدولية» امتد عاماً كاملاً على ثلاث مراحل، شملت سان خوسيه الكوستاريكية، التي ركزت على تعزيز مبادئ الحوار عبر زيارات ميدانية لأماكن دينية متعددة، ثم ساو باولو البرازيلية وبانكوك التايلاندية، إذ تدربوا على «كيفية تصميم برامج حوار مستدامة وتطبيقها»، فيما اختُتمت بلشبونة، إذ طوّروا فيها استراتيجيات لضمان استدامة مشاريعهم وتأثيرها الإيجابي.