استياء في المحافظات السنية من وجود فصائل شيعية مسلحة

TT

استياء في المحافظات السنية من وجود فصائل شيعية مسلحة

أثارت حادثة تهديد قيادي في «الحشد الشعبي» لقائد عمليات الأنبار الفريق ناصر الغنام، جدلاً متواصلاً بالكاد يتراجع لأيام معدودة، ثم يعاود الظهور بقوة منذ سنوات، ويدور البعد الأساسي من هذا الجدل حول شكل العلاقة المتوترة بين الفصائل والقيادات المنضوية تحت مظلة «الحشد»، وبين كبار الضباط والقادة في المؤسسة الرسمية العراقية من جهة، ومن جهة أخرى حول حالة التوتر القائمة في محافظات شمال وغرب العراق، أو ما بات يعرف بـ«المحافظات المحررة» ذات الغالبية السكانية السنية حيال الممارسات التي تقوم بها هناك بعض الفصائل الشيعية المسلحة المرتبطة بـ«الحشد» والموالية لإيران في الوقت ذاته.
كان معاون قيادة «الحشد الشعبي» في محافظة الأنبار الحاج أبو زيد، هدد في اتصال مع رئيس أركان قيادة عمليات الأنبار، بقطع اليد التي تمتد لرفع صور قادة «الحشد» وملصقاتهم الموجودة في الطرق ونقاط التفتيش في المحافظة. وحسب التسجيل الصوتي المسرب عن المكالمة، فإن القيادي «الحشدي» قال لرئيس الأركان ما نصه: «(عليك) تبليغ السيد القائد (قائد عمليات الأنبار اللواء الركن ناصر الغنام) أن اليد التي تمتد على صور أبو مهدي المهندس (نائب الحشد السابق قتل على يد الأميركيين) سنقطعها من المرفق، ونبعثها لكم في الأنبار».
وعقب انتشار المقطع الصوتي، أمر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، الجمعة، بإيقاف القيادي «الحشدي»، وتشكيل لجنة تحقيقية في التسجيل الصوتي المنسوب له.
وفيما تبدو الإهانة التي وجهها القيادي «الحشدي» لقائد رفيع في الجيش العراقي لا تتناسب مع حجم الإجراء الذي اتخذه القائد، والمتمثل بإصداره أوامر برفع صور وملصقات قادة «الحشد» في نقاط التفتيش والسيطرات الأمنية في محافظة الأنبار، فإنها في «العمق تبدو أكثر تعقيداً مما هي في الحقيقة»، طبقاً لمصدر سياسي من محافظة الأنبار. ويقول المصدر، الذي يفضل عدم الإشارة إلى اسمه، لـ«الشرق الأوسط»، إن «القضية ذات بعدين أساسيين؛ الأول يرتبط بعلاقة التوتر القائمة بين قيادات الجيش وبعض فصائل (الحشد)، والآخر يتعلق بحالة الاستياء الشعبي من كثافة الملصقات والصور المرفوعة في بعض مناطق الأنبار لقادة (الحشد) ولقائد (فيلق القدس) السابق قاسم سليماني». ويضيف: «لاحظ أن صور قاسم سليماني وقادة (الحشد) غير مرحب بها حتى في المحافظات الشيعية، وقد شاهدنا كيف أحرق بعضها في تلك المناطق، فكيف يمكن قبول انتشار صورهم في المحافظات السنية. إن الناس لا تتقبل ذلك على الإطلاق، وتنظر إليه بوصفه أمراً مفروضاً بقوة السلاح، علماً بأن غالبية المحافظات المحررة تعاني من ذلك، وليس الأنبار فقط، وفي بعض الأماكن ترفع صور زعماء إيرانيين مثل الخميني وخامنئي».
ويتابع: «لا ننسى أيضاً علاقة التوتر الشديدة بين بعض الفصائل (الحشدية) وقادة الجيش، وقد بدت واضحة في التسجيل المسرب، حيث تعتقد بعض جماعات الفصائل أنها الأكثر جدارة في السيطرة والتحكم بالأمور العسكرية، فيما تنظر إليهم القيادات العسكرية المحترفة بوصفهم مجرد عناصر ميليشياوية لا تمتلك المؤهلات اللازمة للقيادة». ويعتقد المصدر أن «حالة التوتر ستبقى قائمة في المحافظات المحررة مع بقاء نفوذ الفصائل الولائية هناك، خصوصاً أن السكان يتهمونها بتغييب واختطاف أكثر من 5 آلاف مواطن، وإذا لم تتخذ الحكومة خطوات جدية في هذا الاتجاه، فسنواجه مزيداً من المشاكل مع مرور الوقت».
كانت أحداث سابقة وقعت في المحافظات السنية المحررة، منها حادث مقتل 8 أشخاص في 18 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بمنطقة الفرحاتية في محافظة صلاح الدين التي يسيطر عليها فصيل تابع لـ«عصائب أهل الحق» أثارت غضباً واسعاً، دفع ببعض شخصيات القوى السنية إلى التلويح بالذهاب إلى خيار إعلان الأقاليم، لتخليص تلك المحافظات من سطوة الفصائل الشيعية المسلحة.
وفي نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، كتب النائب السابق عن محافظة صلاح الدين مشعان الجبوري، عبر «تويتر»، أن «الممارسات الطائفية لبعض شيعة السلطة، ودعمهم وحمايتهم للفاسدين السنة، ونهج الفصائل الولائية القائم على ذل أهلنا والتصرف كقوة احتلال في مناطقنا المدمرة، أوجدت مزاجاً شعبياً ضاغطاً لطلب الحماية الدولية لإقامة الإقليم، أو الانضمام باتحاد كونفدرالي بين محافظاتنا وإقليم كردستان».
وأول من أمس، هاجم الزعيم العشائري أحمد أبو ريشة، تهديد القيادي «الحشدي» لقائد عمليات الأنبار، وقال في تغريدة عبر «تويتر»، إن «الجميع يعرف شجاعة القائد (ناصر) الغنام، ولو حصل لقاء رجل لرجل بلا عبوات لاصقة ولا الماطورات (دراجات نارية) الغادرة مع من هدده لرجع صاحب التهديد بلا لسان، القضاء العراقي كفيل بمن سولت له نفسه تهديد أمن الدولة وجيشها الباسل».
واعتبر النائب ظافر العاني، أمس، أن «رفع صور من تتهمهم العوائل بأنهم وراء تغييب أبنائهم إنما هو إعدام جديد للشهداء والمخطوفين واستفزاز سافر لعوائل الضحايا»، في إشارة إلى رفع قادة «الحشد» في محافظة الأنبار والمحافظات الأخرى المحررة من «داعش» بعد سيطرته على أجزاء واسعة منها منتصف عام 2014.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».