التحالف الدولي يواصل محاربة «داعش» بعيداً عن الأولويات الإيرانية في العراق

سفير طهران في بغداد ينفى إثارة بلاده خلافات بين الفصائل المسلحة

TT

التحالف الدولي يواصل محاربة «داعش» بعيداً عن الأولويات الإيرانية في العراق

حسم التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم داعش مهماته في العراق، وهي الاستمرار في محاربة هذا التنظيم، فيما تنتظر إيران نهاية ما هو بالنسبة لها «كابوس»: إدارة دونالد ترمب، وإمكانية حصول انفراجة أو ضوء في نهاية النفق عند بدء تسلم جو بايدن السلطة بداية العام المقبل.
وفي حين كانت نهاية العام الحالي مؤلمة جداً لإيران، بعد اغتيال مهندس المشروع النووي محسن فخري زاده، فإن الذكرى السنوية الأولى لاغتيال مهندس مشروعها الاستراتيجي في المنطقة قاسم سليماني سوف تهيمن على آخر أسبوعين حاسمين من عهد ترمب. والفصائل المسلحة الموالية لإيران في العراق بدأ قسم منها يتصرف أحياناً بعيداً عن شروط إيران. فقبل نحو 10 أيام، جاء قائد «فيلق القدس»، إسماعيل قاآني، إلى بغداد بعد ساعات من إطلاق عدة صواريخ على المنطقة الخضراء، حيث السفارة الأميركية، لكي يقنع هذه الفصائل بالتزام الهدوء حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، لكن ما إن غادر قاآني وهو مطمئن إلى الهدنة في بغداد حتى اغتيل في قلب طهران فخري زاده، أخطر رجل بعد سليماني، فأصبحت الأمور أكثر تعقيداً.
وفي تصريحات للسفير الإيراني لدى العراق، إيرج مسجدي، نقلتها وسائل الإعلام الإيرانية، فإنه في الوقت الذي تتفق فيه الفصائل المسلحة مع إيران بشأن الانسحاب الأميركي من العراق والمنطقة، فإن إيران ليس لها علاقة بالخلافات داخل تلك المجموعات، مبيناً أن تلك الفصائل لديها مشكلات أيضاً مع الأميركيين بسبب حادثة اغتيال نائب رئيس هيئة «الحشد الشعبي» السابق، أبو مهدي المهندس، وسليماني.
وعن طبيعة الزيارة التي قام بها، الشهر الماضي، قائد «فيلق القدس» الإيراني، إسماعيل قاآني، إلى العراق، وما إذا كان قد طلب من الفصائل الموالية لإيران عدم استهداف القوات الأميركية في المدة المتبقية من ولاية الرئيس ترمب، ذكر مسجدي أن «جميع المجموعات والأحزاب التي لها مؤسساتها وتكتلاتها أو مكاتبها وتمثيلياتها ولها قياداتها، سواء منها المجموعات السياسية أو ما یُعرف منها بمجموعات المقاومة؛ هذه المجموعات والأحزاب لها علاقاتها الإيجابية بالجمهورية الإسلامية، ولا ينكر أحد هذه الحقيقة». وكرر السفير الإيراني -كما هي عادة المسؤولين الإيرانيين في معظم تصريحاتهم- أن بلاده «لا تتدخل في شؤون هذه المجموعات (المسلحة). نحن لا نتدخل مطلقاً في شؤون هؤلاء، لكنهم يرغبون في استشارتنا».
ولعل الوقائع على الأرض لا تدعم تصريحات مسجدي، نظراً لأن الجماعات والفصائل المسلحة العراقية، المنخرطة ضمن ما يسمى «محور المقاومة»، تعلن صراحة ولاءها لولاية الفقيه الإيرانية، وتطابقها مع منهجها في العداء للولايات المتحدة. وذكر مسجدي أن «تيارات المقاومة في العراق مستاءة للغاية من الأميركيين» بعد مقتل سليماني والمهندس «ومطالبها واضحة معينة، تتمثل في انسحاب القوات الأميركية من العراق»، مؤكداً أن هذا مطلب إيران أيضاً.
وفي حين تعيش إيران ما تبقى من الفترة القلقة بين إدارتين في واشنطن، فإن التحالف الدولي أعلن أن «تأثير قرار تخفيض عدد القوات الأميركية ضئيل على المهام الإجمالية لقوات التحالف المشتركة لهزيمة (داعش)». وعلى صعيد الوضع القلق الذي تعيشه إيران الآن في ظل اختلاف الإدارات في البيت الأبيض، وطبيعة وضعها في العراق، يقول الخبير الاستراتيجي اللواء الركن المتقاعد عماد علو لـ«الشرق الأوسط» إنه «من غير المتوقع أن ينهج الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن نهجاً تصالحياً في بداية حكمه مع إيران، لأنه لا يريد أن يعطي رسالة للداخل الأميركي ولحلفائه بأنه رئيس ضعيف غير قادر على مواجهة التحدي الإيراني في منطقة الشرق الأوسط».
وأضاف اللواء الركن علو أن «بايدن سوف يبقي على العقوبات المفروضة على إيران، وعلى سياسة التشدد حيال إيران، خلال المرحلة المقبلة، خاصة خلال السنة الأولى من حكمه»، مبيناً أن «تصريحات بايدن مؤخراً تعد مؤشراً على ما يريد نهجه عند تسلمه مقاليد الإدارة في البيت الأبيض». وبشأن قرار واشنطن تخفيض دبلوماسييها في العراق، يقول علو إن «هناك مؤشرات لدى القيادات العسكرية الأميركية والإسرائيلية إلى أن العراق سيكون هو الساحة للرد الإيراني المحتمل على مقتل العالم النووي فخري زاده، فضلاً عن أن هناك فصائل مسلحة عراقية باتت لديها خبرة في أساليب الرد واستهداف المصالح الأميركية في العراق، مثل قصف السفارة أو القواعد العسكرية أو أرتال الدعم اللوجيستي، بالإضافة إلى إجراءات أخرى، مثل زيادة الطلعات الجوية لمراقبة ما يحصل على الأراضي العراقية، وكذلك وجود دوريات جوية أميركية - إسرائيلية يمكن أن تكون في الأجواء العراقية، لكي تكون هناك سرعة في الرد على أي استهداف بالصواريخ الباليستية الإيرانية أو طائرات مسيرة أو صواريخ يمكن أن تطلقها الفصائل المسلحة ضد أميركا».



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.