توسع دولي في تدشين فرق إسعافات أولية لإنقاذ التراث الإنساني

جائحة «كورونا» من أحدث المخاطر التي تواجه المواقع الأثرية

لقطات لإنقاذ المتحف الوطني في نيبال
لقطات لإنقاذ المتحف الوطني في نيبال
TT

توسع دولي في تدشين فرق إسعافات أولية لإنقاذ التراث الإنساني

لقطات لإنقاذ المتحف الوطني في نيبال
لقطات لإنقاذ المتحف الوطني في نيبال

بهدف المساعدة في مواجهة المخاطر التقليدية والتحديات الجديدة التي تواجه التراث الثقافي الإنساني والمعالم الأثرية بوصفها «خلاصة الحضارة الإنسانية»، بدأت منظمات دولية في التوسع لتشكيل فرق «إسعافات أولية» لإنقاذ التراث في عدد من الدول العربية والأجنبية، تكون إحدى مهامها التدخل الفوري واتخاذ إجراءات وخطوات فنية عاجلة حسب ما تقتضيه درجة المخاطر التي يواجهها الأثر، في الوقت الذي يؤكد فيه الخبراء أن «جائحة كورونا تسببت في خلق مخاطر وتحديات اقتصادية جديدة تتمثل في التأثير على حجم عمليات الترميم والصيانة للمقتنيات النادرة، إلى جانب التحديات التقليدية المعروفة والتي ما زالت قائمة».
المشروع دشنته منظمات دولية تحت عنوان «الاتحاد من أجل التراث الثقافي، السلام والقدرة المرنة في التعامل مع الأزمات»، وهو عبارة عن تدريب إقليمي على «الإسعافات الأولية» للتراث الثقافي، ينظمه كل من المركز الدولي لصون وترميم الممتلكات الثقافية «الإيكروم»، والاتحاد الدولي لحماية التراث في مناطق النزاعات «أليف»، والمؤسسة المصرية لإنقاذ التراث، والمعهد الفيدرالي للتكنولوجيا بزيوريخ، بالتعاون مع وزارة السياحة والآثار المصرية، ويستهدف تدريب العاملين بمجالات المساعدة الإنسانية والحماية المدنية وجميع العاملين في مجال حماية التراث في عدد من الدول العربية، منها مصر والعراق والسودان وليبيا وسوريا واليمن وباكستان وأفغانستان.
ويهدف إلى تضمين «الإسعافات الأولية» للتراث الثقافي في الاستجابات الوطنية والمحلية وإنشاء فرق من المسعفين الأوليين للتراث الثقافي مؤهلين طبقاً للمعايير الدولية، حيث يمكن نشر تلك الفرق محلياً وإقليمياً في حالة الطوارئ الكبرى أو المعقدة التي يتعرض لها التراث الثقافي، وفق عبد الحميد صلاح الشريف، رئيس مجلس أمناء المؤسسة المصرية لإنقاذ التراث، الذي يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «الجهات المشاركة راعت بشدة في أثناء تصميم المشروع أن يتم تدريس المنهجية الأساسية لعلم الإسعافات الأولية للتراث الثقافي وما يرتبط به من علوم مع تطبيقها على العديد من الأمثلة الحقيقية التي يعاني فيها التراث الثقافي في الدول المشاركة مع مراعاة التنوع في الأمثلة لضمان إكساب الخبرات العملية للمشاركين. والتي تحاكي استجابة متكاملة للمخاطر المهددة للتراث الثقافي في الدول المشاركة».
ويعد انتشار فيروس «كوفيد - 19» أحدث المخاطر التي تواجه التراث الثقافي في العديد من الدول سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، لذلك تُعد المنظمات المشاركة في المشروع فيلماً علمياً تعليمياً يهدف إلى التوعية بتأثيرات «كوفيد - 19» على التراث والمتعاملين معه وأيضاً كيفية التعامل العلمي مع تأثيراته على المقتنيات التراثية.
وتمتلك مصر 7 مواقع أثرية مسجلة رسمياً على قائمة التراث العالمي لدى منظمة «اليونيسكو»، بينها وادي الحيتان بمدينة الفيوم «دلتا مصر» وهو أحدث موقع أثري تم إدراجه في قائمة التراث العالمي، يقع وادي الحيتان في صحراء مصر الغربيّة ويضم بقايا أحفوريّة متحجّرة نفيسة عن فصيلة الحيتان القديمة والمنقرضة اليوم، وتمثّل هذه البقايا المتحجرة إحدى أبرز محطات تطوّر الحيتان من ثدييات بريّة إلى ثدييات بحريّة، وهو أكبر مواقع العالم الشاهد على هذه المرحلة من التطوّر حيث يعكس طبيعة الحيتان وحياتها في خلال فترة تحوّلها.
وتضم القائمة أيضاً، منطقة الأهرام من الجيزة إلى دهشور، ومدينة القاهرة الإسلامية، ومدينة الأقصر ومقبرتها، ومعالم النوبة من «أبو سمبل» إلى جزيرة فيلة بمحافظة أسوان «جنوب مصر»، ومدينة «أبو مينا»، ومنطقة القديسة كاترين المعروفة بمدينة سانت كاترين.
وسبق للمؤسسة المصرية لإنقاذ التراث المشاركة بفرق إسعافات أولية لإنقاذ عدد من المواقع الأثرية المهمة في مصر ودول أخرى، أبرزها المشاركة في عملية إنقاذ متحف الفن الإسلامي ودار الكتب المصرية بوسط القاهرة عقب تعرضهما لتلفيات كبيرة نتيجة التفجير الإرهابي الذي استهدف مقر مديرية أمن القاهرة «الملاصقة لهما» عام 2014، وكذلك حمام الشرايبي بمنطقة الغورية في حي الأزهر التاريخي عام 2017 الذي كان يعاني من إهمال استمر سنوات، كما شاركت فرق الإسعافات الأولية بالمؤسسة عام 2016 في عمليات إنقاذ المتحف الوطني بـمدينة «كاتماندو» في النيبال، عقب الزلزال المدمر الذي ضرب المدينة.
هبة الله عبد الحميد، مدرب إسعافات أولية، ومدير البرامج بالمؤسسة المصرية لإنقاذ التراث، واحدة من الفرق الدولية التي شاركت في عملية إنقاذ المتحف الوطني في نيبال، تقول لـ«الشرق الأوسط»: «شاركت مع زملاء آخرين في تصميم المخزن الاحتياطي الذي تم نقل القطع الأثرية إليه من موقعها المتضرر بالمتحف الوطني في النيبال، كما قمت بتدريب عناصر محلية ممن شاركوا في عملية الإنقاذ».



«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.